ربما يكون من المجازفة القول: إن الشعر في جانب كبير منه يختزل بعض خواص الإيديولوجيا في استبطان الذاكرة الجماعية, وتعميق الإحساس بإنسانية الإنسان. ولهذا فكثيرا مايثير الخروج على قواعده وتقاليده الفنية أوار المعارك والخصومات : فتتولد الأسئلة, وتطرح الإشكاليات, وينقسم الناس بين متقبل مؤيد, ومعارض رافض. ولأنه – أي الشعر– لا يمتلك صفة المقدس كما هو الحال مع الإيديولوجيا؛ فإن معاركه لا تلبث أن تخبو, وتتلاشى وتخمد نارها على مدى ليس ببعيد. مما يتيح للصيغ الجديدة التبلور والانتظام في سلك الإبداع واكتساب شرعية التقبل من الذائقة الفنية الجماعية.
وقد يكون من فائض القول ونافلة الإيضاح الإشارة إلى مفاصل التحولات والتجديد في شعرنا العربي, وما أثارته تلك التحولات من معارك وخصومات منذ العصر العباسي وحتى الآن. ابتداء من بشار وأبي نواس وأبي تمام, ومرورا بالمتنبي والمعري إلى شعراء الإحياء وأبولو والمهجر, ووقوفا عند نازك والسياب وجماعة شعر التفعيلة.
ومع ما أثارته تلك التجارب وما قوبلت به من الإنكار والصد, إلا أن ذلك لا يبلغ معشار ما أثارته وقوبلت به تجربة قصيدة النثر. فما تزال حتى الآن – وبعد مرور نصف قرن من عمرها – مثار جدل واختلاف واسع في الأوساط الأدبية والنقدية. وربما يحق لنا القول: أنه لا وجه للمقارنة بين ما أحدثته أصداؤها, وبين أصداء التجارب السابقة صحيح أنها – أي التجارب السابقة – لم تنتزع الاعتراف النقدي بها إلا بعد لأي؛ ولكنها في الغالب اخترقت حصن الذائقة منذ الشرارة الأولى, «فقد كان جريرٌ والفرزدق والأخطل وأمثالهم يعدون محدثين. وكان أبو عمر بن العلاء يقول: لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت بروايته»(1). فأبو عمرو لا يعترف نقديا بالتجربة الجديدة عند شعرائها الثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل ؛ ولهذا أحجم عن رواية شعرهم, ولكن إعجابه بالتجربة واستحسانه لها يعني أنها قد اخترقت ذائقته الشعرية ولامست حسه الفني.
وبنوع من المغامرة المستندة إلى كثير من الحقائق والأدلة نرى أن موقف أبي عمرو بن العلاء – كنموذج لرفض الجديد «نقديا» وتقبله «جماليا» – يكاد يكون موقفا عاما, وينطبق على كل حركات التجديد الشعري ما قبل قصيدة النثر. فمع الانبثاقات الأولى في مسار التحول والتجديد لكل حركة كان النقاد والمحافظون يهاجمون الجديد بشدة, ويعتبرونه مارقا وخارجا على القواعد والأعراف الفنية المتبعة؛ ومع ذلك فقد كان – أي الجديد – في الآن ذاته متقبلا ومستساغا من الذائقة العامة ومتصالحا معها , يحمله الركبان وتغني به الجواري وينشد به في المجالس العامة ومجالس البلاط.
غير أن الوضع يختلف مع قصيدة النثر؛ فهي وإن «استطاعت خلال العقدين الأخيرين أن تنتزع الاعتراف النقدي بها, لكنها لم تستطع اختراق الذائقة الشعرية التي مازالت تفصل فصلا تاما بين حقلي الشعر والنثر, مستندة في فصلها هذا إلى ضرورة وجود إيقاع وزني تستطيع الإذن تعرفه والتمتع بترديد صداه في الشعر»(2).
وعلى الرغم من الاعتراف النقدي بقصيدة النثر إلا أن ذلك لم يسهم بشكل حاسم في بلورة مفاهيمها، سواء على المستوى النقدي أو التنظيري «فالكتابات النقدية العربية عن هذا النمط من الكتابة الشعرية مازالت تراوح مكانها منذ أن بشرت حركة مجلة «شعر» بها, بوصفها مخرجا لأزمة الحداثة الشعرية»(3). ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن بعض تلك الكتابات كانت أقرب إلى الدعاية الرخيصة منها إلى النقد البناء المؤسس. وأما الدراسات الجادة – وهي النزر القليل – فقد ظهرت مشوبة بكثير من الحذر والخوف من الانجرار إلى سوق الدعاية. ومن الدراسات التي قاربت قصيدة النثر كتاب «النص المشكل»(4) للناقد محمد عبد المطلب, وهو من الكتب القليلة التي تناولت قضايا القصيدة في تجلياتها المختلفة, سواء على المستوى التنظيري أو التطبيقي. وفيه قام المؤلف – من منطلق المؤيد للظاهرة – برصد المستوى الإيقاعي للقصيدة باعتباره – أي الإيقاع – من أكثر القضايا التصاقا بمفهوم الشعر في الذاكرة العربية. وما يهمنا من ذلك أنه وبعد نصف قرن من إعلان ميلاد الظاهرة, ومع الاعتراف النقدي بها منذ ما يزيد على العقدين, فمازالت النظرة النقدية الفاحصة للمؤيدين – ناهيك عن المعارضين – تتعامل مع قصيدة النثر على أنها ظاهرة إشكالية بكل معنى للكلمة. ولعل إطلاق «عبد المطلب» تسمية «النص المشكل» – وهو يريد بالطبع قصيدة النثر – على كتاب ينظّر لهذا المستوى من الكتابة لهو خير شاهد على عمق الفجوة الفنية التي تعيشها القصيدة. فهي بحق ظاهرة إشكالية ليس بمستواها الإيقاعي والفني فحسب؛ بل إن جوانب الإشكالية فيها متنوعة ومتعددة : ابتداء من التسمية والتجنيس, مرورا بالخصائص والشروط الفنية, وانتهاء بالمشروعية والانتماء. ويبدو أن هذا الثراء الإشكالي يقابله فقر المواهب التي ارتادت هذا النبع – باستثناء المواهب المؤسسة: أدونيس والماغوط والحاج, وبعض التسعينيين, ونفر من هنا وهناك – هو من دفع نقادا وشعراء كثر إلى تسجيل مواقف متباينة ومتعددة تجاه هذا الوليد, تتراوح بين: الرفض والقبول والتحفظ, وقد تبدأ بالتأييد لتنتهي إلى الرفض(5), وربما تبدأ من الرفض لتنتهي إلى القبول أو التحفظ.
وفي التجربة النقدية للأستاذ الدكتور: عبد العزيز المقالح ما يكشف صحة هذا الاستنتاج. فهو واحد من النقاد الذين تباينت مواقفهم, وتعددت رؤاهم إزاء قصيدة النثر. ولاشك فقد كان له – كما كان لغيره من النقاد المجددين – فضلا عن المبررات الفنية, مبرراتهم الموضوعية: كالانحياز للجديد والانتصار لأشكاله المختلفة مهما بلغت مغايرتها وتجاوزها. إلا أن الخروج الصارخ والمغايرة التامة في قصيدة النثر لما تأصل من أعراف الشعر وقوانينه مما ألفته الذائقة الجمعية يظل أهم المبررات التي صنعت تلك المواقف.
جناية الموقف النقدي:
وقبل أن نقف على حقيقة موقف المقالح , نعود فنؤكد أن النقد المجاني الذي جايل قصيدة النثر وناصر قضاياها بدون وعي منهجي أو نقدي لا يقل جناية عليها عن جناية بعض المواهب الضحلة والفقيرة التي مارست فوضى الكتابة الشعرية وأغرقت القصيدة بوابل الغموض والضبابية والتعمية وانتهكت أخص خصائص العمل الفني بمبرر التجريب والتحديث.
ولاشك في أن الخطاب النقدي هو من يتحمل فوضى الخطاب الشعري, ليس من منطلق الوصاية عليه – فذلك أمر مرفوض – بل من موقع المسؤولية الوظيفية ؛ فإنارة الأعمال الإبداعية, وتوجيهها, وتقويمها, وإضاءة جوانب السلب أو الإيجاب فيها, هي وظيفة النقد وأصل وجوده. وعندما يتخلى النقد عن وظيفته وأصل وجوده, تتسابق الأصوات المتشاعرة, والمواهب الضحلة والفقيرة لأبسط مقومات الفن ؛ لاعتلاء عرش الشعر والتباهي بالانتماء إلى مملكته العظيمة, وهو منها براء, ومن هذه الزاوية يرى بعض النقاد: «أن قصيدة النثر أصبحت في أغلب الكتابات «حمار الشعراء» يمتطيها كل من يفتقر إلى توازن كي يصعد سلم الشعر الطويل والصعب. وقد أدى هذا إلى سطوع نجم شعراء «حداثيين» ضحلي الموهبة فقراء في لغتهم وخيالهم. وعوض أن ينبري النقد العربي إلى تقويم هذه الوضعية الشعرية عبر تطوير المجهودات الأولى في التنظير لقصيدة النثر فإنه ساير تلك الجوقة المتنافرة الأصوات مرة تحت ذريعة النزعة الوصفية الفجة, وتارة عبر حشو المقاربة النقدية بمفاهيم غامضة تقمع القارئ, وتفقده ثقته بنفسه, وتلوي عنق النص من خلال تأويلات بعيدة, همها الوحيد أن تسبغ مشروعية على نص شعري, ليس فيه من الشعر سوى الاسم»(6).
إننا لن نبالغ إذا قلنا إن النقد قد أصيب في حضرة قصيدة النثر بجلطة دماغية وشلل نصفي أفقدته فاعليته وصوته النقي فغدا يهمهم بكلمات متناثرة غير مفهومة, وما يثير الاستغراب أن الشق الآخر منه – وهو المتجه صوب القصيدة الجديدة «قصيدة التفعيلة»– ظل معافي وقائما بدوره الوظيفي على الوجه الحسن, وهو ما يدفعنا للتساؤل عن أسباب أزمة النقد المصاحب لقصيدة النثر. ولأنه ليس في نيتنا تقصي كل أسباب الأزمة ومظاهرها – إذ ليس هذا مكانه – فإن ما يعنينا منها هو ما نعتقد أنه رأس الأسباب وذروة سنامها ؛ ألا وهو غياب المرجعية النقدية والإطار النظري لهذا النمط من الكتابة سواء في خطابنا النقدي العربي, أو في الخطاب النقدي الغربي , وباستثناء كتاب الباحثة الفرنسية «سوزان برنار» الموسوم بـ«قصيدة النثر منذ بودلير إلى الوقت الراهن» والذي هو في الأصل أطروحة الباحثة للدكتوراه وصدرت طبعته الأولى 1958م ؛ فقد ولدت قصيدة النثر العربية «مصطلحا ومفهوما» خلوا من أي سند تأصيلي أو مرجعية نقدية.
وكان أدونيس قد تلقف الكتاب في طبعته الفرنسية ليطرح العام التالي لصدوره 1959م «قصيدة النثر», ويعدد خصائصها والتمايزات الأساسية بين الشعر والنثر. ساعده في تبني القصيدة والتنظير لها الشاعر اللبناني أنسي الحاج وبقية أعضاء مجلة «شعر» التي انحازت تماما لهذا المشروع وقامت بدور المروج له.
في هذا السياق يرى غير واحد من النقاد والأدباء أن أدونيس قد أخذ حرفيا جهود «سوزان برنار« وما كتبته عن قصيدة النثر في مرجعيتها الغربية, ونظر به لقصيدة النثر العربية دون أن يشكك في تلك الجهود, أو أن يمارس عملية نقدية عليها(7). ويرى آخر – بعد مقابلته الأفكار الواردة في مقدمة ديوان «لن «بالأفكار الواردة في كتاب سوزان برنار «أن أنسي الحاج يترجم عبارات الناقدة الفرنسية أو يعيد صياغتها للتعبير عن رؤيته لمفهوم قصيدة النثر ولا جديد في كلام أنسي الحاج سوى الشحنة الحماسية والرغبة في الهدم»(8). وبعضهم يغالي فيرى أن «أدونيس أمم – لعشرين عاما تالية – مصطلحات «سوزان برنار» حول الشعر: الكشف, الرؤيا, العرافة, الهدم, الشاعر النبي… الخ لتشكل مرتكزات خطابه الكتابي ؛ فتنتقل – من جديد – عبره إلى الآخرين , دون إحالة – هذه المرة – إلى المصدر, أو معرفة به»(9). ومغالاة هذه النظرة يدفعنا للاختلاف وإياها, لعلمنا أن أدونيس – مهما كان موقفنا من بعض أفكاره – صاحب مشروع حداثوي نهضوي, وله رؤيته النقدية المستندة إلى كم معرفي تراثي قل أن يلتمس عند غيره من أعضاء حركة شعر أو أنصار الحداثة, ومع أننا لا نشك في إفادته من قراءته للآخر الغربي لكن لا أحد بإمكانه التشكيك في قدراته الإبداعية أو النقدية.
وما يعنينا من هذا كله أن قصيدة النثر في ولادتها العربية افتقرت كليا لخلفية تنظيرية ذات جذور عربية, ومسوغ هذا الغياب – برأي الناقدة وجدان الصائغ – «الانقسام الحاد في أركان واقعنا الفكري بين متحمس لشرعية هويتها وضرورة حضورها المتسق مع طبيعة العصر وآلياته الجبارة… في حين يصمها بعضهم بأقسى السمات حتى أنهم يقرنون بينها وبين التغريب من أجل تهميش التراث والإطاحة بالأصالة»(10) , ولهذا ظلت معتمدة كليا ومنذ يومها الأول على الإطار النظري الذي قدمه أدونيس وأنسي الحاج ؛ وهو كما رأينا مستمد بحرفيته أو معاد الصياغة – على أحسن الأحوال – من كتاب «سوزان برنار» وتحديدا من فصول بعينها. وقد ظلت هذه النتف التي قدمها أدونيس والحاج المرجعية المتاحة – وربما الوحيدة – لكل من تتوق نفسه إلى معرفة الإطار النظري والمرجعية النقدية لقصيدة النثر ما يقرب من أربعين عاما في ظل غياب تام للكتاب,لا ترجمة, لا قراءة نقدية, لا عرض للمحتويات, حتى أصبحت تلك الشذرات كما يقول رفعت سلام: «مواصفات جاهزة, مجردة, مطلقة لقصيدة النثر, صالحة لكل زمان ومكان… بما حولها – تاريخيا – إلى «مانيفيستو» لقصيدة النثر العربية ,سيدخل دائرة المحفوظات المقررة على الشعراء القادمين»(11). وقد استمر غياب الكتاب – وهو المرجع النقدي الوحيد لقصيدة النثر– إلى أن قام الباحث العراقي د/ زهير مجيد مغامس بأول ترجمة له صدرت عن دار المأمون ببغداد 1993م بمساحة300 ورقة, وفي المقدمة يقول المترجم: إن الكتاب في الأصل «814» ورقة وأنه – أي المترجم – قد نظر فيه فوجد للمؤلفة استطرادات كثيرة, وملاحظات هامشية, وقصائد لشعراء غير معروفين مما اضطره للتغاضي عن قسم كبير من ذلك, واكتفي بترجمة ما رآه جديدا ونافعا مما يمكن أن يضيف لونا جديدا إلى ألوان معرفتنا , وبمبرر فني بحت – حسب رأيه – تخلى المترجم أيضا عن نقل بحور الشعر الفرنسي في الفصل الثاني, كما أهمل ما وصفه بالعرض التاريخي الطويل للدادية والسريالية بحجة أنها من الموضوعات التي باتت معروفة للقارئ العربي(12). يتضح من مقدمة المترجم أنه اجتزأ قسما كبيرا من النص الأصلي للكتاب, وقد وصف الدكتور رفعت سلام هذا الاجتزاء بقوله: «إن الكتاب المترجم لا يساوي أكثر من عشر مساحته الكلية. وأما الحذف الذي أتى على تسعة أعشار الكتاب فلم يستند إلى معيار واحد. . ولهذا يصف الترجمة بالعشوائية(13). والحقيقة أن الكتاب جهد علمي متميز, ويكفي المترجم مجدا أنه جعله في متناول القارئ العربي: المتخصص والعادي بعد أن احتجب عنه ما يزيد عن أربعة عقود, ولو كانت ترجمته معيبة أو مبتسرة بالشكل الذي أشار إليه «سلام» ما حاز على المركز الأول كأفضل كتاب مترجم عام 1997م بعد أن أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية طباعته في ديسمبر 1996(14). ومع ذلك تبقى الملاحظة جديرة بالاحترام خاصة أنها صادرة عن باحث متخصص وله اتصال مباشر بالنص الأصلي للكتاب(15). وما يعنينا هو أن الكتاب حتى في ترجمته المتأخرة «1993» لم يمثل بأكمله أمام القارئ العربي. ومع ذلك فسنعد تاريخ صدور الترجمة الأولى منه – أيا كانت الملاحظات عليها– هو تاريخ الاطلاع على كتالوج قصيدة النثر(16). وإذا كان الأمر كذلك فللقارئ أن يتساءل – ونحن معه – عن الكيفية التي تعامل بها الخطاب النقدي, والمرجعية التي استند إليها في حواره وتعاطيه مع القصيدة. . !! أم أنه وقف مبهورا أمام هذا النص المغاير في اسمه, ونسبه, وشروطه الفنية كما وقف من قبل أمير الشعراء أحمد شوقي مبهورا بتقنية الصاروخ والطائرة فكان وصفه لهما وصفا شكليا مسطحا هو أقرب إلى التقرير منه إلى الشعر. والمؤسف حقا أن يتمثل النقد هذه الوضعية, مكتفيا بما أملاه عليه موقف الانبهار والإعجاب, فأخذ يصف ويمدح بعيدا عن الغوص في أعماق القصيدة, ودون الاشتباك مع نماذجها المختلفة, والأدهي من ذلك أن هذا الموقف المسطح – المسمى مجازا نقدا – لم يطرح نفسه بمنطق الحوار والموضوعية, بل إن النزق والتعصب كانا رئته التي يتنفس بها, ومنطقه الذي يحاور به. ولهذا ليس غريبا أن يتقلص جمهور قصيدة النثر, وينفض الناس من حولها, فخطاب – كهذا – لا يستند إلى قوة المرجعية والمحاجة المنطقية – ظنا منه بأن الزعيق كفيل بإرهاب الآخر وبالتالي إقناعه – هو خطاب لا يخدم نفسه فضلا عن خدمة من يصرخ باسمه, بل إن جنايته عليه أكبر من جنايته على نفسه لأنه أصلا في حكم المنتهي.
وفي هذا السياق يرى الناقد الدكتور: عبد العزيز المقالح إن خطورة هذا المسلك النقدي, وجنايته على قصيدة النثر لا يقل عن الجناية التي ألحقها بها أعداؤها, كما يقول: «إذا كانت تسمية هذا الجديد الشعري بـ» قصيدة النثر» قد أعاقت انتشاره, وأفقدته التعاطف الحميم, وإذا كان التشكيك في نشأته العربية قد أفقده جمهورا واسعا من محبي التراث وأنصاره, فإن النقد المتعصب المتحرر من الموضوعية قد جنى على هذا الجديد الشعري ربما أضعاف ما جنته التسمية والتشكيك معا, وأية جناية في حق هذا الشكل الإبداعي الأجد قياسا لأقدميته من هذا التسطيح النقدي»(17) , ويستدل المقالح بعينة لهذا النقد بقول السوري محمد عضيمة : «قصيدة النثر هي قصيدة وعي وصحو, أما قصيدة الإيقاع فهي قصيدة سكر ودوخة… ألم نتعب من الدوران والدوخة, ألم تضجر الذائقة العربية من الإيقاع وسلاسته. . التفعيلة في طريقها إلى الانقراض. . ألا يكفيها هذا الزمن الممتد. . أنصح شعراء الإيقاع بأن يكتبوا المراثي لشاهدات قبور قصائدهم الموقعة. . وكما الشعر العمودي سوف نجهز على التفعيلة , – ويضيف عضيمة – إن شعراء التفعيلة والأنظمة الديكتاتورية العربية توأمان ابتلت بهما الأمة منذ الاستقلال ولحد الساعة– وإنه – مع قصيدة النثر بدأت تباشير الديمقراطية سياسيا وفنيا. . وإن شعراء التفعيلة أو العموديين الجدد, يدربهم الإيقاع على العبودية والذل والتبعية ولذا سرعان ما يستجيبون لأدنى إشارة من السلطة ومن الحاكم الثقافي والسياسي»(18), يعقب المقالح على هذه العينة المجانية من النقد فيقول: هل وصل النقد الأدبي العربي إلى هذه الدرجة من فقدان المعايير الفنية والاجتماعية والأخلاقية؟ وهل هناك أسوأ أو أشنع من مثل هذه المحاولة الجسور للإساءة إلى إبداعنا الشعري بأشكاله المختلفة؟ وهل رداءة الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي وراء هذه الرداءة النقدية ؟ وكم عدد الذين سوف يستجيبون لهذا الصوت في الحياة الأدبية تلك التي تتعايش فيها الأشكال أو تختلف في حدود من الموضوعية والرؤية الحريصة على التبشير بالجديد والأجد, ومن منطلقات تؤسس لمستقبل مختلف يقوم على تراكم معرفي وثقافي لا يصدر فيه الإبداع عن فراغ مميت(19).
وفي مكان آخر يورد المقالح عريضة دفاعاً عن قصيدة النثر لأحد المتحمسين الأذكياء لها هو خليل الموسوي, نقتطف منها قوله: «إن القصيدة «النص» ليست نثرا وإنما شعر كامل الموسيقى, لكنها موسيقى غير مستوردة من محلات الفراهيدي وإنما من محلات أرقى وأكثر عصرية… إن قصيدة النثر تعتمد أساسا على الموسيقى الداخلية : وثمة فرق كبير, وكبير جدا, – والكلام مازال للموسوي – بين الإيقاع المستورد من خارج «أنا» الشاعر وبين الإيقاع الداخلي الحار, فإذا كان الإيقاع الخارجي يتوالد من توارد الكلمات ضمن مسار عروضي راقص فإن الإيقاع الداخلي يتولد من تماس الكلمات وضعفها, فتتفجر وتتحول طبيعة أجسادها من خلال برق شعري كثيف… مما يجعل الحرارة تدب في أوصال الكلمات والحروف, وتجري الحياة في عروقها فتخرج غير مألوفة وتذوب الكلمات المتفجرة بحس التجربة والرؤيا وتشق إيقاعها الخاص العاري ويدخل الشعر إلى أعماق الروح فتعيش الدهشة والنشوة والإيقاع»(20) وفي تعقيب المقالح على هذه المرافعة يقول: «وبالرغم من امتلاك الأستاذ الموسوي ناصية الحجة في الدفاع عن القصيدة الأجد بل والقدرة على مهاجمة خصومها فإن لغته الشاعرية قد أضاعت عليه كثيرا من الحجج التي أوردها في دراسته… إن هذه التعريفات الخيالية المغرقة في الشاعرية لا تدعم موقف القصيدة النص «القصيدة الأجد», بقدر ما تدعم التيار الاستنكاري المدعوم بقوة السلف والتراث, وهي تسعى إلى تكريس التناقض والتناحر حول مفاهيم الألفاظ ومدلولاتها, بدلا من التركيز على الخصائص الجوهرية في الفن عموما والشعر بوجه خاص»(21). واعتقد أن المقالح قد كفانا مؤنة الاشتباك مع هذه النوعية من النقد المنفلت كما يقول, إلا أن ذلك لا يمنع أن نسجل ملاحظتين هما برأينا غاية في الأهمية:
الأولى: أن غلبة الصوت المتشنج والانفعال الحاد عند محمد عضيمة قد دفعه إلى اعتبار القصيدة موازيا موضوعيا للواقع الاجتماعي والسياسي؛ ومن ثم رأي أن قصيدة النثر قرين الحرية والديمقراطية بينما قصيدة الوزن معادل موضوعي للعبودية والدكتاتورية, أما الموسوي فقد غلب على نقده الصوت الشاعري فكانت محاولته لتعريف الإيقاع في قصيدة النثر, قصيدة نثر بحد ذاتها, ولها من إشراقة الألفاظ وتوهج العبارات ما تفتقر إليه كثير من قصائد النثر الحالية. وفي خضم هذه الشاعرية ضاع التعريف , وبين هذين الصوتين «المتشنج , والشاعري» ضاعت قصيدة النثر, وجنى عليها أصحابها أكثر مما جناه عليها أعداؤها. ويمكننا القول أن النقد الذي رافق قصيدة النثر وساند مسيرتها لم يخرج – باستثناء بعض الأقلام – عن هذين الصوتين: المتشنج الصاخب, والانفعالي الشاعري, وهذا – برأيي – أحد أهم أسباب الركام النثري الذي نراه اليوم يملأ الصفحات الثقافية وتسود به الصحف والمجلات الأدبية.
أما الملاحظة الثانية: فخلاصتها أن ثمة مؤشرا يتعلق بموقف المقالح النقدي تدل عليه النصوص النقدية السابقة. وإذا عرفنا أن بين النصين والتعقيبين ما يقرب من العشرين عاما تأكد أننا بصدد موقف نقدي مسؤول يتسم بالوسطية والاعتدال والمغايرة لتلك الأصوات المنفلتة. وقبل أن نشرع في الاحتكاك مع هذا الموقف لابد أن نثبت حقيقة مانراه خشية أن يفهم من الطرح السابق عكس ذلك , وهي أننا لسنا ضد أو مع هذا الشكل على حساب ذلك الشكل أو الأشكال الشعرية الأخرى. ولا نروم بما طرحناه سابقا المس بمشروعية قصيدة النثر فهي شكل فني ينبغي – بل يجب – أن يعطى حقه من الاهتمام والدراسة الواعية المنضبطة بشروط الفن بعيدا عن الفوضى أو الدعاية الرخيصة ؛ الدراسة التي من شأنها إبراز مواطن الإيجاب وتنميتها والتعرف على مواطن الخلل ومقاربتها. والأخذ بيد هذا الجنس الفتي ووضعه في المكان اللائق به. وعذرنا إن تناثرت بعض الأفكار هنا أو هناك التي توحي بغير ما قصدنا أنها من باب إثبات واقع نقدي ليس إلا.
تطور موقف المقالح :
خشية الوقوع في شرك الأحكام الجاهزة نعلن تخلينا – مؤقتا – عما أشرنا إليه سابقا من غلبة روح المسؤولية والاعتدال في الموقف النقدي للمقالح من قصيدة النثر حتى لا يقال أننا ننسج خيوط ما حددناه ورسمنا أبعاده سلفا. ومن أجل ذلك سنكتفي ونحن نتقصى أبعاد الموقف النقدي عند ناقدنا المقالح – برصد مسارات التحول ومحطات التطور وحيثيات ذلك دونما إصدار أحكام أو الخوض في التحليل الذي يمكن له أن يخدم ذلك الاستنتاج. وغير ذلك فنتركه للقارئ ووعيه النقدي.
ولعل أول ما يصادفنا هو موقف التنكر والرفض, فبعد إعلان ميلاد قصيدة النثر في لبنان وتبني جماعة «مجلة شعر» لها, نجد المقالح في مقدمة ديوانه الثاني «مأرب يتكلم» الذي أصدره 1972م بمشاركة عبده عثمان يرفض هذا الشكل الشعري ويصفه بالفقاعات والطفح النثري, حيث يقول : «من المستحيل اعتبار تلك الفقاعات اللبنانية المعروفة بقصيدة النثر وما شابهها شعرا جديدا وحديثا أو مستقبليا»(22).
وقد بنى المقالح هذا الموقف الرافض على أساس افتقار هذا الضرب الشعري للسمة الأساسية للشعر ألا وهي الوزن, ومع أنه – أي المقالح – ظهر في هذه المقدمة منحازا تماما للجديد الشعري باعتباره وجودا مساويا «للصدى الراعش لإيقاع العصر, والأثر البارز للبصمات الفكرية التي خلفها القرن العشرون على مشاعر أمتنا العربية, وفي وعي وضمائر مثقفيها ووجداناتهم»(23) إلا أن الوزن ظل معياره للتفريق بين الشعر والنثر, وللتدليل على فاعلية هذا المعيار في حسم التمييز بين ما هو شعري وما هو نثري يستدل المقالح بمقولة بول فاليري: «الشعر رقص , والنثر مشي» ويرى أنها «كما كانت صالحة بالأمس البعيد للتفريق بين الشعر والنثر التقليديين, فهي كذلك صالحة اليوم للتفريق بين الشعر الجديد وقصيدة النثر أو نثر القصيدة البيروتية»(24), وعلى هذا الأساس يتبنى المقالح تعريفا للشعر يمثل الوزن نصف بنيته , ذلك هو قول نازك الملائكة: «الشعر تجارب منغمة»(25), ووفقا لهذا التعريف – وهو في نظره أصدق تعريف – يؤكد الناقد المقالح على أهمية الموسيقى في الشعر, فيرى ضرورة «أن يحتفظ الشعر الجديد بقدر من الموسيقى يحفظ للتجربة تأثيرها وسلطانها على النفوس ولا أؤمن حتى الآن بالموسيقى الداخلية التي تجعل الألفاظ بموسيقاها الذاتية كما يقول البعض تستغني عن الموسيقى الخارجية فإنه لا غنى في الشعر عن موسيقى الوزن حتى وإن تم الاستغناء أحيانا عن موسيقى القافية. وفي إطار التعريف الأخير: «الشعر تجارب منغمة» ينبغي أن تختفي أو على الأقل لا يحسب شعراء ذلك الطفح النثري الذي يولد بعيدا عن النغم الشعري حتى لو اشتمل ذلك الطفح على تجارب ذات قيمة»(26). إن خلو قصيدة النثر من موسيقى الوزن هي – إذن – حيثية المقالح لرفضها, وهو مبرر كافٍ للرفض إذ لم يكن الوزن يمثل لديه معيارا للتمايز بين الشعر والنثر فحسب بل إنه «الرباط السري بين الحداثة والموروث, وإذا كانت قد حدثت تجاوزات من خلال ما يسمى بقصيدة النثر فهي خارج حدود القصيدة الجديدة»(27). ويراد بالقصيدة الجديدة في كل مقولات المقالح قصيدة الشعر الحر, ذلك الشكل الذي غادر موسيقى الشطرين ولكنه التزم موسيقى التفعيلة, وهي كما يرى غير واحد من الدارسين وحدة الإيقاع في الشعر بشكل عام(28). وما نريد أن نصل إليه هو أن متلقي الشعر الجديد– أي قصيدة التفعيلة – لم يفقد صوت الموسيقى التي ألفتها أذنه منذ أطربه بها الشاعر الجاهلي الأول, صحيح أن معمار القصيدة تغير ولكنه – أي المتلقي – قد اعتاد تجديد البناء الشكلي للقصيد, وحملقت عيناه في معمار الموشحات والمربعات والمخمسات. . الخ ولكنه مع كل تغيير طرأ على معمار القصيدة كان لا يزال يتمتع ويطرب بموسيقى الشعر, ولم يجرؤ أحد ممن خاض غمار التجديد الشكلي أن يصدم ذائقته بكلام نثري على أنه شعر أو يقول له: إن الشعر ليس له موسيقى. ومن هذا المنطلق فقد رأي المقالح أن قصيدة النثر ستظل الشكل الأكثر رفضا من المتلقي:» إن بعض المتلقين على استعداد لتقبل هذا اللون من الأدب على أنه نثر فني, لكن الغالبية العظمى ترفضه باعتباره شعرا, وترفض أن ترى الشعر وقد تخلى نهائيا من كل عناصره الفنية, وفي مقدمتها الوزن»(29).
ومع أن المقالح قد أفرد لهذا الشكل الشعري الأحدث بعض الوريقات في رسالته للماجستير «الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن» إلا أنه لم يتخل عن الوزن كشرط للشعر, فقد رأي أن قصيدة محمد المساح وعبد الودود سيف «أنا وحبيبتي ورحلة الحب «تفوق عشرات القصائد العمودية والجديدة ولكنها كانت تغدو أكثر تفوقا لو أنه قد توافر لها الوزن»(30) , ولا يبدو من هذا المقتبس – مع ما فيه من إشادة – أن ثمة تحولا كبيرا طرأ على موقفه تجاه قصيدة النثر, وأما احتكاكه مع بعض نماذجها في رسالته العلمية فمن باب الإحاطة بالمشهد الشعري اليمني ليس إلا , وهو أمر فرضته طبيعة رسالته وشمولية موضوعها؛ ولذا فقد كانت الموضوعية طاغية على أحكامه النقدية في أثناء قراءته لتلك النماذج. ففي تحليله لقصيدة عبد الرحمن فخري «بلقيس تبكي بدمعي» وهي قصيدة نثرية ألفيناه يقول: «وكما تعددت مستويات هذه القصيدة في الشكل وفي درجة الوضوح, وفي الوزن فقد تعددت كذلك مستوياتها من حيث الجودة والرداءة»(31). ويتضح من هذا المقتبس – وسابقه – أن الرفض الذي ألفيناه في مقدمة ديوان «مأرب يتكلم» قد تحلل وخفت حدته, وأن ثمة معايير أخرى غير الوزن دخلت قاموس الناقد لتكون ضمن مقاييس الشعر واشتراطاته, وهو ما ينبئ بتحول جديد في الموقف النقدي؛ لأن توسيع مقاييس الشعر هو بلا شك الخطوة الأولى للاتجاه صوب قصيدة النثر إذ هي نتاج طبيعي للتحلل من الشروط التقليدية لهذا الفن, ولا مشاحاة في ذلك فنحن نعلم أن التجديد في أشكال الشعر وقوالبه لم يبدأ إلا مع انهيار الشرط التقليدي الشهير «الشعر قول موزون مقفي يدل على معنى» لتحل محله أو بالقرب منه مفاهيم الخيال والمجاز وبلاغة الكلام. ومع أن المقالح مازال متمسكا – حتى اللحظة – بمعيار الوزن فإن لهجته وأسلوب تعامله مع تلك النماذج النثرية توحي بتحفظه عليها وليس رفضه لها كما سبق له ذلك, وشتان بين الرفض والتحفظ, فإذا اعتبرنا أن الأول يعني: «الترك «والثاني يعني : «الاحتراز من الوقوع في الخطأ»(32) , فذلك يشير إلى أن إمكانات الحوار في موقف التحفظ متوافرة ومتى مازالت أسباب الوقوع في الخطأ تعدلت المفاهيم والأفكار وتغيرت– بالتالي– المواقف.
وثمة إجماع بين عدد من الباحثين ممن سبق لهم واحتكوا مع المشهد النقدي اليمني بأن العام 1976م قد شهد أول انعطافة في موقف المقالح باتجاه مناصرة قصيدة النثر(33) من خلال ما نشره من دراسات وبحوث ضمنها كتابه «قراءة في أدب اليمن المعاصر», وهو من الكتب التي تمثل البدايات المتحفزة للمقالح , ومن الكتب التي أثارت قضايا الجديد والقديم, بل الجديد والأجد(34) , وفيه دراسة بعنوان «ملامح التجربة المعاصرة لقصيدة النثر في اليمن» سبق للمقالح ونشرها في مجلة الحكمة العددين: 48و50 , مارس ومايو 1976م , وفي الدراسة التي هدفت بالأساس للتعريف برموز قصيدة النثر وشعرائها في اليمن أبدى المقالح تعاطفه وترحيبه بهذا الشكل بصورة غير مسبوقة, مفتتحا الدراسة بما يشبه الاعتذار والتراجع عن تحفظه الذي سبق وسجله في كتاباته الفائتة حيث يقول: «وكنت في كتابي «الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن» وقبله في مقدمة ديوان «مأرب يتكلم» قد أظهرت بعض التحفظات حول قصيدة النثر,… ومنذ ذلك الحين والقصيدة النثرية تشغلني ونماذجها الأكثر تجاوزا وشعرية تشدني وتدعوني إلى تجاوز موقفي المتحفظ»(35) , ويبدو أن المقالح قد تجاوز موقف التحفظ بمسافات, وتحول إلى موقف المساندة والتأييد بمحاولته توفير الدعم اللوجستي, ووضع الإطار النظري لهذا الوليد الفتي. ومن هذا المنطلق رأي أن: «الفن الأصيل كلما خرج من شروطه التقليدية وقع في إطار شروط أكثر صعوبة. ولم يعد صحيحا بالمرة أن القصيدة الجديدة أسهل من القصيدة العمودية لخروج الأولى على بعض الضوابط الخليلية. كما أنه ليس صحيحا – كذلك – أن قصيدة النثر أسهل من الاثنين لخروجها نهائيا عن دائرة الخليل ولكونها صارت مشيا بعد أن كانت القصيدة – على حد التعبير التقليدي – رقصا, ونحن نؤكد أن الرقص في قصيدة النثر وهو – هنا – الشعر أكثر وجودا – وإن لم يكن أكثر رنينا – في قصيدة النثر منه في المنظومات العمودية»(36) وفي سعيه لتوفير الغطاء النظري بحث الناقد جذور هذه القصيدة, وتتبع ينابيعها الأولى في التراث العربي وعرض من ثم لخصائصها, والأشواط التي قطعتها. وغيرها من القضايا موضوع حديث المبحث القادم.
وواضح هنا أن المقالح انطلق من المعايير نفسها التي بنى عليها موقف الرفض, وهي تلك المتصلة بالرقص في الشعر» الموسيقي» وإن كان واضحا بما عناه بالرقص عندما رفض قصيدة النثر – أي خلوها من موسيقى الوزن – فإنه هنا لم يطلعنا كيف تحقق الرقص «الموسيقى» لهذه القصيدة. ومع أنه قد أشار إلى أن: «الإيقاع الداخلي– قد حل محل الوزن, ومحل رنين القافية»(37) , فمن غير الواضح كذلك بما عناه بالإيقاع الداخلي فهو مفهوم غير واضح لديه حتى اللحظة, وسبق له وأعلن ذلك صراحة بقوله: «ولا أؤمن حتى الآن بالموسيقى الداخلية التي تجعل الألفاظ بموسيقاها الذاتية كما يقول البعض تستغني عن الموسيقى الخارجية فإنه لا غنى في الشعر عن موسيقى الوزن حتى وإن تم الاستغناء أحيانا عن موسيقى القافية»(38). ولعل التساهل في استصحاب حيثيات ومبررات تحول موقف الناقد من الوزن إلى الإيقاع الداخلي قبل أن يضع مفهوما محددا للإيقاع يزيل به لبس ما سبق وأعلنه, ويكون مبررا كافيا ومقنعا لهذا التحول ؛ هو من دفع بأحد الباحثين إلى رؤية هذا التحول من زاوية أخرى ربما تقلل من الموضوعية التي حاولت الدراسة أن تظهر بها(39) , فثمة إشارة على درجة من الأهمية ذكرها الدكتور رياض القرشي, وهي أن قبول المقالح بقصيدة النثر في هذه المرحلة «يأتي من زاوية الصراع بين الجديد والقديم, وبدأ فيه المقالح منتصرا لأصحاب الجديد, خاصة وأن الذين مارسوا هذا اللون من الشعر كانوا من أنصار الجديد التفعيلي في بداية الأمر… ومما يدل على أن هذا القبول كان من باب الانتصار للجديد فقط أنه تراجع عنه بعد ذلك وبخاصة حين لا ينصرف نقده إلى المقارنة بل إلى دراسة شعر شاعر »(40) وإذا نحن وضعنا هذه الملاحظة بجوار قول المقالح: «أنا مؤمن بالجديد الشعري حد التطرف»(41) حُق لنا موافقة صاحبها الرأي, خاصة ونحن واجدون في مقولات المقالح من مثل هذه الأحكام: «وإذا كانت قصيدة النثر تقدم الآن في بلادنا أنضج ما أعطت في الأقطار العربية فإن الفضل في ذلك راجع إلى جهود ومواهب عدد من الشعراء اليمنيين الشبان وفي مقدمتهم: حسن اللوزي, وذو يزن, ومحمد المساح, وعبد الرحمن فخري, وعبد الودود سيف, ومحمود علي الحاج , وشوقي شفيق, وآخرون لا أتذكر أسماءهم الآن»(42) , فقد كان من السابق لأوانه في تلك المرحلة الحديث عن قصيدة نثر ناضجة في إطار القطر الواحد, ناهيك عن المفاضلة بينها وبين قصائد الأقطار الأخرى؛ نظرا لعدم تبلور مفاهيمها النظرية, وهشاشة الإطار المرجعي النقدي لقصيدة النثر العربية بشكل عام. وليس هذا رأيي فحسب, بل هو رأي المقالح نفسه, ففي المقابلة التي أجراها معه عبد الرحمن إبراهيم للعدد الأول من مجلة «الثقافة الجديدة» 1978م – أي بعد عامين من هذه الدراسة – وجدنا المقالح يقول: «ومن الملاحظ أنه لا القصيدة التفعيلية, ولا قصيدة النثر تكتب بشكل ثابت, فما تزال كلتا القصيدتين تحت التجريب, ولم تطرح قضاياهما بشكل جدي حتى الآن»(43). وفي كتابه أزمة القصيدة العربية المنشور بعد تلك الدراسة بـ9 سنوات – أي 1985 – نراه يقول: «قد يمر وقت طويل قبل أن تصبح القصيدة الأجد كائنا حيا له ملامحه الخاصة ومعالمه المميزة وعناصره المتكاملة»(44) بما يؤكد أن الحديث عن التميز سابق لأوانه. ومع ذلك فقد كانت الموضوعية سمة غالبة وبارزة في هذه الدراسة, حتى وإن جاءت في قالب الانتصار للجديد ؛ فقد قدم فيها المقالح أفكارا غاية في الأهمية يمكن أن نعدها الأساس أو الأرضية التي استند عليها في مواقفه بعد ذلك – ومنها على سبيل المثال تلك التي ضمتها الخاتمة, كقوله: «إن قصيدة النثر المتجاوزة لما تواضع الناس على تسميته بالشعر المنظوم وبالنثر المشعور, ستصبح عما قريب القصيدة الصورة أو القصيدة اللوحة, وهي قصيدة نابعة من عصرها ولها زمنها الخاص تستغني بلغتها المشرقة وبإيقاعها الدرامي عن كل الفنون البلاغية الموروثة, وهي حقا قصيدة الشعر الحر لأنها تحررت نهائيا من عنصري الوزن والتقفية وقد كانا من أهم ومن ابرز العناصر التي يتآلف منها عمود القصيدة التقليدية, ورغم ذلك فقد بقيت شعرا, وشعرا متجاوزا, وهي في اليمن علامة من علامات الجدة والمعاصرة في شعر اليمن الحديث»(45), غير أن هذه الأفكار– برأي باحث آخر – «لم تكن لتمثل مرحلة انعطاف في موقفه؛ لأن المحاورات التي أجريت معه بعد نشره لهذه الدراسة لم تعكس موقفا مساندا ومؤيدا لهذه القصيدة وإنما كانت تدل على مرونة تجاهها»(46).
ومن تلك المحاورات التي استدل بها الباحث ورأي فيها نوعا من المراجعة في الموقف النقدي المساند لقصيدة النثر تلك التي أجراها معه لجريدة الحوادث الناقد جهاد فاضل, ومنها قول المقالح: «لا أجد نفسي كثيرا في القصيدة التي تخلو من الإيقاع, كما أجد صعوبة في الاقتراب من كثير من النثريات. في حين أن بعض هذه النثريات وبخاصة عندما تصدر عن شعراء كبار تكون أكثر شعرية من الشعر السائد»(47), وقوله: «وأنا عندما أتحدث عن الشعر الجديد فإنما أتحدث عن مستوى معين منه, عن مستوى توافرت له اللغة الجديدة والتركيب الفني الشعري. فليس كل من كتب بهذا الشكل أو كل من تلاعب بالتفعيلات أو أهملها شاعرا جديدا أو يحق له أن ينتسب إلى هذا العالم المدهش العظيم»(48). تلك هي أدلة الباحث على أن موقف المقالح من قصيدة النثر كان مرنا وليس مؤيدا أو مساندا, والحقيقة أنني لم أجد سواء فيما قرأت, أو في ما استدل به الباحث ما يوحي بتراجع المقالح عن موقفه المؤيد والمناصر لقصيدة النثر(49), فليس ثمة تراجع, وكلما في الأمر أنه – أي المقالح – انتقل من موقف التأييد المطلق – كما لمسناه في دراسته السابقة – إلى موقف التأييد المشروط. وقد كان لهذا الانتقال أسبابه ودوافعه.
ويبدو أن كثرة النماذج الرديئة التي افرزها موقف التأييد المطلق لبعض من رأي في قصيدة النثر مركبا سهلا ومطية ذلولا قد أصابته بخيبة أمل فأراد أن يصلح ما أفسده هؤلاء من تسطيح للقصيدة والعبث بها, فكان أن تحفظ على تجاربهم, ونبه المتشاعرين منهم إلى أن : «شروط ما يسمى بقصيدة النثر تفوق تلك الشروط التي تستلزم كتابة القصيدة الجديدة»(50) , ولتأكيد صعوبة شروط القصيدة وأنها ليست بالأمر الهين يفرق المقالح بين شاعر قصيدة النثر وشاعر القصيدة التقليدية: فيشبه الأول بمن يحاول أن يصنع تمثالا من التراب, لابد أن يكون أقدر في إمكاناته الذهنية والفنية بمئات المرات من ذلك الذي يصنع التمثال من الفضة أو الذهب, لأن قيمة التمثال الأخير في خامته, وكذلك قيمة القصيدة البيتية في تراثيتها… أما القصيدة النثرية فإن الشاعر لابد أن يضيف بموهبته ما يعوض به عن فقدان الإيقاع والقافية والبيتية(51)… ولأن شعراء هذه القصيدة لم يحققوا هذا التعويض في قصائدهم فقد تحفظ المقالح إزاء كثير من المحاولات النثرية – وشدد من اشتراطاته فرأي: «أنه لا يمكن كتابة قصيدة نثرية لا لأنها شي يخالف التقاليد الشعرية, ولا لأن الناس ينبغي أن يظلوا أسرى شكل شعري معين وإنما لأن شروط قصيدة النثر أصعب من أن يستجيب لها شاعر. وهذه الشروط من الاستحالة بحيث لا يمكن الخضوع لها, ولذلك فلا يمكن أن يظهر شاعر يكتب بالنثر شعرا حقيقيا إلا إذا كان يمتلك طاقة شعرية مستقبلية تجعله يستغني عن كل شكل وقاعدة بما سوف يوفره من خصائص شعرية, وعناصر تعبيرية تهدم الخصائص في الذهن العربي بحكم الألفة وبتأثير العادة والوراثة»(52) إن عبارات المقالح – هنا – لا تحمل موقفا متراجعا أو غير مساند بقدر ما «توحي بالقلق على قصيدة النثر والتخوف من الأدعياء والعابثين بحرمة هذا الشكل, خاصة بعد أن وجدوا فيه ملاذا لإفراغ صراعاتهم وهلوساتهم, في ظل الفراغ النقدي وغياب المعايير الصارمة – على صفحات الصحف والمجلات – ليجد القارئ نفسه أمام سيل من المعميات والطلاسم والإغراب الممجوج والثرثرات الفجة, وفي أحسن الأحوال أمام جمل وعبارات مشتتة تنعدم فيها الفكرة المركزية, مما يعكس ضعف, بل وقصور التأصيل الثقافي النظري, بل غيابه أحيانا عند أصحاب تلك الثرثرات»(53).
من هذا المنطلق – وهو منطلق وجيه – كان حرص المقالح في أغلب كتاباته بعد ذلك منصبا على التذكير بصعوبة شروط قصيدة النثر, وإنها ليست عملا سهلا يمكن كتابتها بمجرد الطموح لذلك ؛ «إن القصيدة الأجد تتطلب من الشروط ما لا تتطلبه أية قصيدة أخرى, وإن الامتثال لهذه الشروط تتطلب إمكانات لغوية وثقافية لا تتوافر إلا للقليل ممن امتلكوا الأدوات والتقنيات الشعرية الأحدث, وممن امتلكوا القدرة على التعويض عن العناصر الغائبة كعنصري الإيقاع والقافية»(54). وهذه الاشتراطات – مع تشددها – ليست إلا من باب المساندة والنصرة, والتشدد في الاشتراطات – أحيانا – هو نوع من توفير الحماية من الاختراق الذي تلقاه الفنون من ذوي المواهب الضحلة. وقصيدة النثر مولود فتي, ووريث شرعي للتحلل من شروط الشعر التقليدي, وفي ذلك ما يغري المتطلعين والمتشاعرين لاتخاذها مطيتهم إلى عالم الشعر العظيم, وسواء أكان ذلك بحسن نية منهم أو بسوء نية فإن النتيجة واحدة – إذا سمح لهم بذلك – وهي قتل هذا المولود قبل أن يستوي عوده ويقوى عموده. وفي ظل المغايرة والتجاوز اللذين ظهرت بهما هذه القصيدة ودفعت بالعديد للتشكيك في شعريتها, يصبح التشدد في الشروط التي تثبت عكس ذلك أمرا مفروغا منه. وعلى ذلك يمكن القول أن ليس ثمة تراجع في موقف التأييد ولكنه الانتقال من موقف التأييد المطلق إلى موقف التأييد المشروط, وهذا الانتقال هو في إطار الموقف الواحد, وبهذا يصبح المنحنى التطوري لموقف المقالح من قصيدة النثر هكذا: رفضا – تحفظا – قبولا مطلقا – قبولا مشروطا.
وليس من شك بأن احتكاك المقالح واشتباكه المستمر مع بعض نماذجها قد أحدث تطورا في فكره النقدي, ورسخ كثيرا من المفاهيم التي كانت مشوشة لديه قبل ذلك , كمفهوم الإيقاع والموسيقى الداخلية وغيرها من المفاهيم , وفي دراسته المتميزة عن أزمة القصيدة العربية , أصداء ذلك التطور. وعلى سبيل المثال فقد كانت الموسيقى الداخلية –لديه – مع بداية تعاطيه سلبا مع قصيدة النثر مفهوما غير معترف به(55) , ثم أصبحت في مرحلة تعاطيه الايجابي مفهوما معترفا به ولكنه مشوش وغير واضح. أما في هذه الدراسة فقد أصبحت مفهوما واضحا ومحددا, فهي: «الموسيقى التي يصنعها توازي الأشياء وتضادها, الموسيقى التي تقرأها العين في اللوحة وفي إيقاع المعمار, وفي الإيقاع الداخلي للغة بعد أن تغادر مكانها في القاموس»(56). وهذا التطور في المفاهيم والأفكار – إذا قسناه من زاوية القبول والرفض – لا يسجل موقفا جديدا, ولا يعني أن المقالح لم ينظر لقصيدة النثر على أنها شعر حقا إلا في هذه المرحلة, كما ذهب إلى ذلك أحد البحاثة(57), وما يؤكد هذا الادعاء – إن صح – أن المقالح بنى دراسته لقصيدة النثر في هذا الكتاب من منطق الأزمة التي أحدثها الشعر المعاصر بأشكاله المتنوعة وقوالبه المختلفة بوجه عام. وكما درس أزمة الشكل والتسمية والتوصيل والوضوح والغموض والإيقاع وصراع الأجيال. . في القصيدة الجديدة «قصيدة التفعيلة»(58) فقد بحث كذلك إشكاليات التسمية والتجنيس والتشكيل والبدايات والجذور. . في قصيدة النثر(59) , وذلك يعني أن المقالح – هنا – لم يحتك معها إلا باعتبارها شكلا شعريا متفقا سلفا على شعريته, مثلها مثل قصيدة الشكل التفعيلي , ودراستها في هذه الحالة ليست نوعا من الاعتراف بها, بل هي نوع من الإجابة على التساؤلات التي تثيرها دائما الأشكال الجديدة ليس في العصر الحديث وإنما في كل زمان ومكان. وهذا ما يؤكد زعمنا السابق ويثبت – حتى اللحظة – المنحنى الذي رسمناه لمسار الموقف النقدي التطوري من قصيدة النثر عند ناقدنا المقالح. وللتذكير فهو يبدأ بالرفض (مقدمة مأرب يتكلم – 1972) ثم التحفظ أو القبول المشروط بتحقق الوزن(60) ( الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن – 1973) ثم القبول غير المشروط إلا من شرط الكتابة (قراءة في أدب اليمن المعاصر – 1976) وأخيرا القبول المتشدد بالشروط التي تحقق مبدأ التعويض عن شروط القصيدة التقليدية (من البيت إلى القصيد – 1983 , وأزمة القصيدة العربية , مشروع تساؤل – 1985).
ويبدو أن تشدد المقالح للشروط التي تحقق شعرية قصيدة النثر لم يجد له صدى أو فاعلية لدى الموجة الجديدة من شعراء قصيدة النثر الذين غدت القصيدة على أيديهم أكثر إغراقا في النثرية, ناهيك عن دخولها سراديب التعمية والطلاسم وقتل المعنى الشعري. وفي استمرار هذه الوضعية واستمراء الزحف النثري وغلبته في المتن الشعري ما قد يدفع كثيرا من مناصري القصيدة إلى التخلي عن مواقفهم المساندة, والتزام جانب الصمت في الأقل , وليس هناك ما يمنع بعضهم من تبني مواقف لا تخدم هذا الشكل الشعري الأجد؛ نقول هذا الكلام ونحن نلمح في الأفق بوادر موقف جديد للمقالح ربما ينطوي بمعنى من المعاني على بعض ما أشرنا إليه سابقا, نشم رائحة هذا الموقف في حوار نشر حديثا للمقالح وفيه سؤال عن موقفه من هذه القصيدة, ولأهمية السؤال والإجابة فسوف نثبتهما جميعا خاتمة لمبحثنا هذا.
السائل: لا تزال قصيدة النثر موضع رفض الكثير من النقاد والشعراء الكبار عربيا، هل تنضم إليهم أم أن لك موقفا مختلفا ؟ يبدو أنك انضممت إليهم ؟
المقالح: لا أريد أن أزكي نفسي وأقول إنني عندما بدأت محاولتي الشعرية الأولى في أواخر الخمسينات كانت نثرية وكنت في البداية أكتب قصائد عمودية أهاجم فيها شعر الأوزان والقوافي، وهناك دليل علي ذلك قصيدة كتبتها عام 1960 ومنشورة في ديواني الأول أو الثاني كانت تدعو إلي التحرر من سيطرة الوزن والقافية وإلي كتابة الشعر الحر (قصيدة النثر) وأتذكر من تلك القصيدة بيتا يقول :
وخرجنا نسيل شعرا مقفى رقصت روعة عليه الحمير
فهذه المقدمة تؤكد أنني علي الأقل إن لم أكن من أنصار قصيدة النثر فلست من أعدائها، مع أن كتاباتي الكثيرة جدا والمناصرة لهذا الشكل من الشعر الذي تبنيت له مصطلحا صار معروفا في بعض الأوساط النقدية وهو (القصيدة الأجد) مقارنة بالقصيدة الجديدة التي هي قصيدة التفعيلة، وفي كتابي (أزمة القصيدة العربية. . مشروع للتساؤل) ما يعطي إجابة شاملة في موقفي تجاه قصيدة النثر، ولكن بعد أن اختلط الحابل بالنابل وتعالت أصوات قتل الآباء والأمهات، فقد تراجعت موضوعيا وصرت أرى كل الأشكال الشعرية الناضجة جديرة بالبقاء والتعايش، وأن من حق كل الزهور أن تتفتح في حديقة الإبداع الشعري عمودية كانت الزهرة أو نثرية، المهم أن تكون زهرة وأن تحمل قدرا من ضوع الشعر ورائحة الإبداع. . (61).
الهوامش
1- الشعر والشعراء– ج1/63.
2- قصيدة النثر العربية : الإطار النظري والنماذج الجديدة – فخري صالح – مجلة فصول: المجلد 16– العدد الأول – صيف 1997 – ص163.
3- الأسس النظرية لقصيدة النثر في الأدب العربي الحديث – حسن مخافي – مجلة نزوى – العدد 38 – إبريل 2004– ص129.
4- الكتاب من إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة –القاهرة – 1999.
5- نمثل لهذا التيار بـ : خليل حاوي , ومحمد الماغوط. وهما من مؤسسي مجلة شعر وكتاب قصيدة النثر فيها, فقد أعلن الماغوط بعد انسحابه من الحركة أنه لم يكن سوى كاتب قطع نثرية بسيطة وأنه سمي شاعرا وشاعرا حديثا على غرارهم دون إرادته. ينظر: نزوى – العدد 38 – ابريل 2004– ص143.
6- الأسس النظرية لقصيدة النثر في الأدب العربي الحديث – حسن مخافي – ص129.
7- ينظر: مقدمة في قصيدة النثر العربية – بول شاول – ص153. , قصيدة النثر العربية, ملاحظات أولية – رفعت سلام – ص302. فصول: المجلد 16– العدد الأول – صيف 1997.
8- قصيدة النثر العربية , الإطار النظري والنماذج الجديدة – فخري صالح – مجلة فصول– ص166.
9- قصيدة النثر العربية, ملاحظات أولية – رفعت سلام – مجلة فصول– ص302.
10- القصيدة وفضاء التأويل – ينظر: ص 150,149.
11- قصيدة النثر العربية – رفعت سلام – مجلة فصول – ينظر: ص301 , 303.
12- ينظر: المقدمة – ص7’8 – طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 1996.
13- قصيدة النثر العربية – رفعت سلام – ص311.
14- ينظر: مقدمة المترجم لكتاب ميشيل ساندرا – قراءة في قصيدة النثر – إصدارات وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء – 2004.
15- هو الذي راجع وقدم ترجمة الكتاب نفسه لراوية صادق الذي صدرعام2000عن دار شرقيات بالقاهرة.
16- وقبل هذا التاريخ لم يطلع عليه إلا القليل وصفهم رفعت سلام بالآحاد , ورأي أن كل واحد منهم وظفه لحسابه الشعري, أو النقدي, أو – حتى – العقائدي , دون أن يبيحه بكامله للآخرين متسائلا (هل يمثل ذلك شكلا من معادلة المعرفة = السلطة ؟) ينظر: قصيدة النثر العربية – فصول: مجلد16– العدد1– 1997– ص301.
17- على هامش تجربة القصيدة الأجد – عبد العزيز المقالح – الملحق الثقافي لصحيفة الثورة – صنعاء – 23/9/2004 – العدد :14530.
18- ينظر:على هامش تجربة القصيدة الأجد – عبد العزيز المقالح – الملحق الثقافي لصحيفة الثورة – صنعاء – 23/9/2004– العدد : 14530 – ص16.
19- على هامش تجربة القصيدة الأجد – ص16.
20- أزمة القصيد العربية مشروع تساؤل – ص 75.
21- أزمة القصيد العربية مشروع تساؤل – ينظر: ص 77,76.
22- شعراء من اليمن – ص79.
23- شعراء من اليمن – ص69.
24- نفسه – ص79.
25- نفسه – ص79.
26- نفسه – ص79.
27- أصوات من الزمن الجديد , دراسات في الأدب العربي المعاصر – ص25.
28- ينظر: النقد الأدبي الحديث – ص 436 , وينظر:عضوية الموسيقى في النص الشعري– ص50.
29- أصوات من الزمن الجديد , دراسات في الأدب العربي المعاصر – ص120.
30- ينظر: الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن – ص393.
31- الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن – ص390.
32- ينظر: لسان العرب – ابن منظور – مادتي: – رف ض , ح ف ظ.
33- ينظر : النقد الأدبي الحديث في اليمن : النشأة والتطور – ص250, وقصيدة النثر في نقد عبد العزيز المقالح– ص157, عبد العزيز المقالح وتأصيل النقد الأدبي الحديث في اليمن– ص82 , والشعر المعاصر في اليمن – عبد الرحمن إبراهيم – ص 239.
34 – ينظر: النقد الأدبي الحديث في اليمن:النشأة والتطور – ص125.
35 – قراءة في أدب اليمن المعاصر– ص22.
36 – نفسه – ص23.
37 – نفسه – ص63.
38- شعراء من اليمن – ص79.
39- ليس شرطا – كما أرى – إن يكون تعديل المواقف ومراجعة الأفكار مصحوبا بما يبرر ذلك إذ الإنسان حر فيما يعمل ويعتقد. ولكني أرى ذلك شرطا لازما فيمن يحتل مكانة علمية أو أدبية كمكانة الدكتور المقالح.
40 – ينظر: النقد الأدبي الحديث في اليمن : النشأة والتطور– ص250.
41 – من أغوار الخفاء إلى مشارف التجلي – ص150.
42 – قراءة في أدب اليمن المعاصر – ص33.
43 – ثرثرات في شتاء الأدب العربي – ص111.
44 – أزمة القصيدة العربية مشروع تساؤل – ص116.
45 – قراءة في أدب اليمن المعاصر – ص73.
46 -قصيدة النثر في نقد عبد العزيز المقالح – ص158.
47 – ثرثرات في شتاء الأدب العربي – ص126.
48 -نفسه – ص120.
49 – وليس في تلك الأقوال ما يشير إلى غير ذلك وحديث المقالح – في كل مقولاته – عن «الشعر الجديد «القصد منه «شعر التفعيلة أو الشعر الحر» وليس قصيدة النثر.
50- من البيت إلى القصيدة – ص32.
51-ينظر: من البيت إلى القصيدة – ص32.
52- نفسه – ص32 , 33.
53- الشعر المعاصر في اليمن, دراسة فنية – عبد الرحمن إبراهيم – مركز عبادي للدراسات والنشر – صنعاء – 2005 – ص243.
54 – أزمة القصيدة العربية مشروع تساؤل – ص116.
55- ينظر:شعراء من اليمن – ص79.
56- الشعر بين الرؤية والتشكيل – ص233.
57- ينظر: قصيدة النثر في نقد المقالح – ص160.
58- ينظر: أزمة القصيدة العربية مشروع تساؤل – ص22, وما بعدها.
59- نفسه – ص70, وما بعدها.
60- يستنتج ذلك من قول المقالح عن قصيدة «أنا وحبيبتي ورحلة الحب» للشاعرين المساح وعبد الودود سيف «هذه المقاطع الثلاثة من قصيدة النثر, تلتقي مع القصيدة الجديدة – ككل قصائد النثر الجيدة – في الصورة والتجربة وطريقة التناول ولا ينقصها لتغدو قصيدة جديدة جيدة سوى الوزن». الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن – ص393.
61- حوار مع الدكتور عبد العزيز المقالح – حاوره محمد الحمامصي – مجلة الشعر: مجلة فصلية يصدرها اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري – العدد 122 – أغسطس 2006. .
محمد يحيى الحصماني
ناقد وأكاديمي من اليمن