مختارات وترجمة: فيلابوراتو عبد الكبير
وداعا يا عمر عبد الله
(كاروناكاران)1
عمر عبد الله أبو نبيل
صاحبنا الفلسطيني في العمل
حين ودعَنا رافقتُه إلى البوابة
انعكست صورنا على سيارته الواقفة خارج المكتب
“قد لا نلتقي بعد”
قال لنا عمر رافعًا يديه إلى السماء
إشارة إلى الجنّة أو إلى الرفيق الأعلى
وبدا لي كأنّ طائرا غرّد في كفه
كالطائر الذي يطير أو يحط في مكانه
كلما تحدّثنا عن الحرية أو الحرب
كأنّ سرب طيور اصطف خلف السيارة
مدّ عمر يديه فامتدّ ظلهما علينا
رجعتْ الطيور لدائرتها السحرية
ونحن عند الباب نرى عمر المسافر
ثم عدنا لمقاعدنا
وكتبت هذه القصيدة
سوف تغادرني بلمحة عين
يد إلهية ربتت على كتفي
صوت من داخلي يهمس لي
” بدّل مكان جلوسك”
أم قال” اغسل وجهك”
نبيل بن عمر يقول: ” أبي سافر ليستشهد”
وبسط يده اليمنى فوق الطاولة
كأنما يرسم جثمان الشهيد والده
عندها صدح طائر
أو كتبتُ كذا عبثا في القصيدة
” وأمك”؟ سألته
قال: “رافقتْ أبي لترثيه”
صدح طائر مرة أخرى
أو كتبتُ كذا عبثًا في القصيدة
أول قصيدة كتبتُها عن الوطن
لدى كل من يهجر وطنه شيء ما يجب أن يُكتب
لكن حين تتجاوز سيارة عمر عبد الله حدود بلدين
سيظهر شارع لم نره حتى الآن
خندق من الذاكرة
لم يرد ذكرُه في هذه القصيدة حتى الآن
عندها ستكون الساعة السادسة مساءً
هناك كلب من كلاب الشارع قبل ذلك
أو سيكون ذلك الشارع في حلم
يستيقظ الكلب ويقف على الشارع
لكي يُسمعنا رنين صوت من داخل أذنيه
وعيناه تتجهان إلى السماء
أغنية مهداة إلى أطفال غزة
أو. أن. في. كوروبو 2
يغني درويش ” أنا عربي وأنت عبريّ
لك بيت وليس لي شيء
لك ألعوبة وملعب تنتشر فيه أشعّة الشمس
وليس لي شيء
ولك حفلات فرح
ليس لي شيء
لم لا نلعب معا؟” 3
سال إلى ساحة تلك المدرسة
حزن يقهر ذاك الطالب الفلسطيني
انفجر الحاكم العسكري اليهوديّ غضبًا ولعننا
لمّا سمع الأغنية
انتاب الطالبَ هاجس من الحزن والخوف
” أهي القصيدة خطيرة لهذه الدرجة؟”
من وراء الحقب يأتي استغراب درويش
” لم لا نلعب معا؟”
سؤال يلقيه اليوم ولد باكستاني على ولد هندي
صغار على شاطئ النهر الذهبي
يتساءلون بينهم: لغتنا واحدة
وأغانينا هي نفسها
إذًا لمَ لا نغني ونلعب معا؟”
السؤال نفسه يلقيه طفل سريلانكي
على صديقه التاميلي وفي عينيه بلل
يطرحه أناس واقفون على جانبي الأسلاك الشائكة
تنبض قلوبهم بمودة
العدو يقضم حدود الأرض شيئًا فشيئًا
كالبرتقالة يلتهمونها فصًّا فصًّا
يريدون أن يطفئوا ثقافة تبسط أياديها بتُمور عسلية
وبزيتون لذيذ زادا للمسافرين
يقف الجنود خلف مواطنين مجبورين
وأصابعهم على زناد البندقيّة
يطلقون عليهم الصواريخ والقنابل النارية
يا أطفال القدس لستم شموعًا تذوب دمعًا
رأيت ليوثًا متعبة قد سقطت
كونوا أشبالا تُخيفون بصراخكم العالي
تلك الصقورَ التي تجوب الأرض بمناقيرها الشرسة
كونوا مجموعة زنابير الغابات تلسع القبائل البدائية
كونوا حجارة منجنيق تُوقع الجالوت
طوبى لكم أطفال القدس طوبى لكم أشبال العصر.
طفـل من غـزة
ف. ع
جاء في العيد من غزة4 طفل
بردائه الدامي
وقد ثقبه الرصاص
يضوع منه المسك
سألته: ” ما الذي جاء بك اليوم؟”
قال: أريد كفَنًا أغطي به جثمانًا يسمى بأنظمة عربية
أريد أن أواريه في مزبلة التاريخ
فجأة تحول إلى حصان وعلى جبينه صورة عنترة
وعلى شفتيه رغوة من خمور العنتريّة
وفي عينيه شمسان وهاجتان
شمس الانتقام وشمس المقاومة
ترميان بشرر كالقصر
كأنه جمالات صفر
فهبّتْ رياح صرصر
نزعتْ مني ثياب العيد الجدد
فسقطتُ في الأرض عاريا عميانا
وفي أذني دوّى بكاء امرأة من غابر الزمان
“وامعتصماه”.
عجوز أمام جنود
ساتشيداناندان5
(إهداء إلى عجوز وزعت فواكه لجنود النظام السوري حين اندلعت الثورة)
يا بُنيّ
كُلْ هذه البرتقالة
لا تقتل حفيدي عبد الغفور
يا بُنيّ
كُلْ هذا التفاح
وأطلق سراح إسماعيل
أنا مَن ربّيته
كُلْ هذا العنب
لا تؤذ جاري أورهان
يا بُنيّ
كُلْ هذه التمور
ودعْ عنك محمود
هو من أهالي بلدتي
يا بُنيّ
كُلْ ثمار الزيتون هذه
ولا تفعل شيئا بِنزار
هو رجل طيب
بدلا من هؤلاء
أطلقوا النار على صدري.. أنا هذه العجوز
اغتالوه …
لأنه لا مكان لله
حيث تتركز الكراهية
على لغتي سقط دم تلك العجوزة
كتبتُ هذه القصيدة
بكلمات الرصاص الذي نفذ مبعثرا جسدها
ولذا يسيل منها الدم
إن كان على الشعر أن يكون شاهدًا
فلا بد أن يتنفس السم
حكاية يحكيها موج
فيصل أبوبكر 6
رأيت ذلك الطفل
أريج فاح من نسيم
خلق بحرًا آخر من الذهب
رائحة المسك تلك
التي عمّت الفضاء
ربما أنزلتها الملائكة إلى البحر
كروضة من رياض الجنة
ليحملوا ذلك الطفل الوديع
على صدورهم.
حين حملتُه على عاتقي
أتذكر أن البحر غاب فجأة
وتبدّل بحرًا آخر من الدموع.
هبت عاصفة
من نبضات آلاف القلوب المجروحة
أمواج البحر لفظت طفلا إلى الشاطئ.
على درجات سلم
تصعد روحه إلى السماوات العُلى
هكذا تبزغ المفاجآت أحيانا
على خشبة مسرح التاريخ
طفل عمره ثلاث سنوات فقط
يغلبُ الكونَ ساخرًا من حكام البلاد
كان جدي الموج يحكي:
” إنما بلع الحوت أولا الغضبَ الإلهي
ثم بلع جسد يونس المبارك”
وأخيرًا تنزل من السماء
“يد إلهية”
الموج لا تنتهي حركته بعد
ومرة أخرى
سوف يولد التاريخ على الموج من جديد
كان جدي الموج يحكي حكاية البحر الذي افترق
وكل فرق كطود عظيم
وبينهما طريق يابس
توقف الطودان دون أن يتنفسا
حتى تجاوز موسى وقومه ذاك الطريق
ووصلوا إلى بر الأمان
واجتمع الطودان حين دخل فرعون وجنوده
وهذه الواقعة لا تزال حتى الآن
في سجل ذكريات البحر
وسوف يأتي جيش آخر
جيش من دموع أم رؤوم
سالتْ من بكائها اليائس كلمة “يا إلهي”
واهتزاز كهل جائع
وأنين طفل يغرق في البحر
يبحث عن طرف أنملة ينجيه من الموت
إيلان الكردي أحمله على عاتقي
نادَى أخيرًا ” أعطوني شق تمرة
ذرات رصاص لا يمسها بلل”
وهذا الموج لا يتوقف
وعلى الأمواج سوف يولد التاريخ من جديد
أحيانا أتسرع إلى أسفل سفن حاملات النفط
يحفظها مال وسلطة وبذخ نعمة
أصرخ عبثا
ثم أعود عاجزًا عن تحريكها شعرة
آلاف الأحلام تبحث عن مكان
في عيون أطفال جعلوا الأرض مهادًا لهم
يا أصحاب القلوب الحانية
لا تغلقوا الأبواب
لست أطلب ملجأَ بل فتوحات وثورات.