1
تاجرُ «البُنِّ والشِيلان «
يطلُّ من بوابة شِيرَاز
على إيوَانِهِ الشرْقي
وعَلَى المَلأ
يتكلمُ عن الطِلِّسمَات الغريبة
التي استطاعَ فَكَّ رموزِها
وهو يتطوح على ظَهْرِ ناقته
ومع ذلك يسخرُ مِن حظوظِه العاثرة
التي نقَشَها رحَّالون
على ذراع محبوبته
ومضوا إلى حال سبيلهم
على كسوة الفردوس الأرضي
يتحدث عَنِ الحانات والنساء
ويستمع إلى الواعظين
الذين يمجدون الماضي
ويقولون إنهم قابَ قَوْسين أو أدنى
من بوابة الخُلود
يقولون أيضا
إنهم كتبوا مِن أجْلِنا
تلك التعاويذ التي أحالت ماء النهر عسلا
لِسبع مرات في العام
تاجر البُنِّ والشِيلان
يضحكُ من أعماقه
يحلم بمقعد إلى جوار أبي إسماعيل الطغرائي
دون أن تمنحَه المشيئةُ شرف الموت
كهَرْطُوقِيٍ فاجر
فيسرجُ بغلته
ويمضي نحو الشرق بِطِيبِ خاطر
هناك
في حانة يملؤها المرضى والمُعْوَزُون
يُقَبِّلُ أصابع ورد الأكمام
ويتحدث عَنْ غواية شيراز
وأشياءَ أُخرى تناثرتْ مع الغبار
ومذ ذاك
لم يغادر كوخه
سوى عندما اهتزتْ حوْلَه الأرجاء
هناك أفشى كلمته الأخيرة
ومضى
يستحثُ النجومَ والبحارَ
أنْ يَدُلانه على مَعْبَرٍ مُضاء
وتحت سماء
كاد أن يقبِضَها بأصابعه
كَتَبَ رسالةً حانقةً إلى السماء
الذي يؤاخي كل هذه الشرور
تاجرُ البُنِّ والشِيلان
يَسُوقُ رًكَائبَه
ويرفعُ سبابته فتتعَرَّقُ مِْن شدة الزفير
يتنهدُ ويقول :
أنا السيد «جُوتَه»
أعترفُ بأنني مُعذِّبُ شِيرَازَ
وَسارقُ نَشْوَتِها
لِمَنْ أعتذرُ الآن
أيُّها الأَلَمْ ؟
2
قُرْبَ تلال نَجْدِ
رَفَعَ الباشا سيفًا مُرَصَّعا
واخْتَطَّ بئرا
أسفرَتْ ماءً غزيرا
فَدَقَّ الأوتاد وأنَاخَ الرِحَال
هنا
عرَفَ النصْلُ طريقه إلى الأحشاء
تَجَلَّتِ الأقواس في صيحات الجنود
عَبَّدَ الباشا طريقا إلي الخِدْرِ
وطريقا إلى المُصَلَّى
وناديَ المنادي في الناس
فملأوا جروحهم بالتراب
ثم ألفوا من أجلها الأغاني
هكذا
عبدنا آلهة الحرب
عبدنا آلهة …..
في القصر الذي شق سراب الرمال
كانت وردة البيت العالي مريضة
والوزراء يرتدون السواد
معزوفات قصيرة يرددها الصحراويون بثبات
يؤدون التحية للعجلات الحربية
غير آسفين على ذكورتهم
التي أكلتها الرمال
هنا
كان الباشا يضبط زناره
كان الشيخ يتكلم عن الخلود
والعاشق يتكلم عن الذكرى
أما السر فيمشي حرا على أرض النبي
رافعا الموازين بين سبابتيه
وهكذا بنينا التكايا
على صرخات الأرامل
وأجساد المحاربين
الأميرة في المنعرجات باحثة عن مهدها
وبواد غير ذي زرع
غرست الفسيلة تلو الفسيلة
فكان الابن والبنت
والعاشق والجارية
أما الموتى
فكانوا قد سكنوا المنعطف
وهكذا
طابت الحياة للباشا
فحط الرحال
واستغرق في النوم
لكن أحدا لم يؤكد حتى الآن
أنه عاد إلى يقظته .