إكرام عبدي
شاعرة مغربية
شَجَرةُ العُمرِ
سَامِقةٌ
حَكيمةٌ
يَانعَةٌ
راحتا يديْها المُشْرعتين إلى السّمَاءِ
أكبرُ من يأْسِها
رسائلُ الرّيح إليها لا تَنتَهي.
غيرُ آبهةٍ بغصْن الانتظارِ الأرعنِ.
خَطاياَها كثيرةٌ تُثقلُ الأرْضَ.
كلمَا توغّلتْ في التّرابِ
تَجوهَرْتُ أكْثر
كانتْ لازورديةَ
هكذا قالتْ الحكايةُ
منْ فرْط زُرْقتها
تَسْتحيي منها الطّيورُ
حينَ خذَلها البحرُ
تجدّدتْ ألْوانُها واخْضرّتْ
وانغرسَتْ في الأرضِ كشوْق بعيدٍ
هكذا هو البحرُ
خذلَ الشّجرَ
كما خذل مَوجًا تجدّدتْ لغتُه
وتأرْجحتْ بمعانٍ
بين مدٍّ وجَزْرٍ.
مشرئبّة نحْو مَا للْجِبالِ
من غيْمٍ
ومَطَرٍ
كلُّ فواكِه العالَم طَوْعُ أغْصانِها
ذرَاعاها فارعتانِ
على امْتدادِ الكوْنِ
لا تتذكرُ جَسَدَها إلا إذا شَقّتهُ الزوابعُ
بالنّدوبِ
حين تنطفئُ السّماءُ
تتكوّم في انتظار طائِرٍ جريحٍ يسَمَّى قلبُها
يَئنُّ فيُشجي الغُصْنَ
تنزفُ شمسُها
لتَسقي شقائِقَ النعمانَ.
لَطالما حدّقتْ في عَين الشّمسِ
وحِينَ عَانقها ضَريرٌ
عَمِيتْ
وتطوّع الليلُ عكازًا لهًا.
عند صَخرةٍ في كَنفها
يجلسُ العمرُ غريبًا
كظلّ هجَرهُ الجسَدُ
بعيدا عن خُبثِ البحر وغطْرسةِ الجِبال
يقبضُ على إشارات تلَوّح بها الريحُ.
الشّجر جسَدُهُ.
والماءُ روحُه.
غير مكثرتٍ بتدفّق السّنين عند كعبهِ
كلما أملتْ عليه الرياحُ شريعتَها
امتصَّ ما عنَّ له من جذور الحِكْمة.
يُغْريه الجنون
وكلما استكانَ تسللتْ ضفادعٌ من تحت جلده
لولا الشجرةُ بأيّ عذرٍ سينبجس النهرُ؟
الماءُ يحكِي
والأحْجارُ تأبى مقاطعتَهُ
النهرُ طفولة أغنية لا تشيخ
ينسرب حيثُ ينابيعُ العدم والأبد.
والشّجر سَعَةُ الأرضِ
هل كان لابدّ من نشيد رقراق في البراري
للتصْديق أن للحَرفِ مكانًا آخَرَ غيرَ الزنزانة.
ثمةَ عند كل قطرة
حرفٌ.
وثمةَ عند كل حرف
فرحٌ.
لولا غناء النهر
ما ارتجفَ الشجرُ
ولا ترنّحتْ الأغصانُ
وما التمعتْ أحداقُ العشاق.
شجرةُ العمْرِ
لا ماضِيَ قبلَها ولا آتيَ
جِذْرُهَا الأثرُ
ظلالها مجازٌ
يجرحُه العوسجُ
ولايُدْمي
تومئُ بفصاحة خضْرتها
حين فضحتْهَا الرياحُ صرختْ:
«أنا الشّجرةُ
قبلي كانت الأرضُ بكرًا
من الهواء ابتكرتُ بدئي
وكصلاة أبدية أبتهلُ
في الفيافي
أراقبُ الزمنَ من السمَاء الثامنة
أتسامقُ شوقًا إلى الأعالي
ولا أنْحني إلا للمهاوي
كلمَا رفرفتْ أوراقي كَمَدًا
دثّرتني طيورُ الفرحِ
التّيهُ بوصلتي
والرفضُ قرآني
في قلبي يُخبّئ العالمُ كنهَه
ومن حَلَمتي يرْضَع النهرُ
ومَهمَا انكشفتُ
لن أبْرحَ دِثاري
فلا جسدَ يأوي جسدي
بعد فنائي.