تقديم وترجمة: خالد الريسوني*
لويس سيبولبيدا، كاتب وروائي وقاص من الشيلي، ولكنه أيضا وأساسا ناشط سياسي معارض للدكتاتوريات ولانتهاك حقوق الإنسان في وطنه وفي كل بقاع العالم، والاعتداء على البيئة وعلى الطبيعة، فهو عضو نشيط وبارز في منظمة السلام الأخضر (غرين بيس)، وكمزحة منا كنا نقول له أنت مواطن من العالم، كان رحالة يعشق البحر، جوَّابٌ للآفاق لا يعرف الكلل ويقاتل للدفاع عن القضايا العادلة، وتعتبر أعماله السردية مرآة لحياته المضيئة، فهو يخلق بشخصيات خيالية يستلهمها من تجاربه الحياتية اسواء منها تجربة الأسر تحت وقع أحذية العسكر إبان انقلاب بينوشيه، أو بين الهنود الحمر الشوار في الإكوادور، أو في أحضان الثورة السندينية، أو على متن سفينة صيد الحيتان في الباتاغونيا، لقد ترك الرجل قدميه منغرستين في أمريكا اللاتينية حتى وهو يعيش في ألمانيا أو إسبانيا، ترجمت أعماله إلى أكثر من 16 لغة، لكنه في خضم السخاء الغزير سيرحل إلى البرتغال ليقدم صفحات من هويته وجذوره تاريخه الجوال عبر بقاع العالم سيعود إلى مستقره بأستورياس، وسيلفظ أنفاسه الأخيرة في 16 من شهر أبريل بسبب إصابته بعدوى فيروس كورونا القاتل، لكن المحارب الذي علمنا أن نقرأ روايات الحب، آن له أن يستريح وأن يجعل سيرته مكمنا لقراءة روايات الحب…
على عتبة موت عبثي بفيروس كورونا
خلال الفترة المتراوحة ما بين 18 و 25 فبراير كان الكاتب الشيلي لويس سيبولفيدا (أوفال، شيلي، 1949) في رحلة ثقافية بالمنطقة الشمالية من البرتغال، حيث كان مشاركا في المهرجان الأدبي تيارات الكتابة في بوفوا دي فارزيم، غير بعيد عن مدينة بورتو، وفي 25 من فبراير تعرض لوعكة صحية استوجبت نقله إلى المستشفى، وتم تشخيص حالته على الفور بأنها حالة التهاب رئوي حاد، لكن ووفقًا لتقرير المديرية العامة للصحة في البرتغال، فقد كان تاريخ التشخيص بداية ظهور لأعراض كوفيد 19، وكان الكاتب الشيلي الذي جاب مناطق كثيرة من العالم، ومنذ فترة طويلة قد اختار أن يستقر بمدينة خيخون، إحدى أهم مدن إمارة أستورياس بشمال إسبانيا، هو وزوجته الشاعرة الشيلية كارمن يانييث التي رافقته خلال رحلة الحياة ورحلة السفر إلى البرتغال، وأيضا رحلته مع كوفيد 19 الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا، إذ أصيبت هي الأخرى بالفيروس لكنها استطاعت التغلب عليه وأن تتعافى. بعد عودة الكاتب لويس سيبولبيدا من البرتغال سيكون أول حالة إصابة بالكوفيد 19 على مستوى إمارة أستورياس كما تم تحديدها من طرف السلطات الصحية بالإمارة في 29 من فبراير دون الكشف عن هوية الشخص موضحة أن حالة “المريض مستقرة. وزوجته التي تبلغ من العمر 66 عامًا (الشاعرة كارمن يانيز)، كشفت عن الأعراض نفسها ويتم تقييمها لمعرفة ما إذا كانت هي الأخرى”. لكن في يوم الخميس 16 أبريل، سيتم إعلان وفاة لويس سيبولبيدا عن سن يناهز السبعين في مستشفى الجامعة المركزية في أستورياس بأوفييدو، عاصمة الإمارة، حيث بقي في وحدة العناية المركزة لمدة 48 يومًا في غيبوبة يصارع المرض الفتاك، بمساعدة التنفس الاصطناعي.
التماعات مضيئة من حياة كاتب استثنائي
يقول لويس سيبولبيدا عن نفسه أنه وُلِدَ “أحمر، أحمر بشكل عميق”. فقد انضم في سن الخامسة عشرة إلى الشبيبة الشيوعية في الشيلي، لكنه سيطرد من صفوفها عام 1968 ومرة ثانية سينتمي إلى جماعة صغيرة من الحزب الاشتراكي تدعى جيش التحرير الوطني. كان حينئذ ما يزال يدرس بالثانوي في المعهد الوطني. وبعد ذلك سيلتحق بمدرسة المسرح التابعة لجامعة شيلي التي تخرج منها بعد نيله شهادة مخرج مسرحي. لكنه وبعد انقضاء سنوات طوال سيحصل على الإجازة في علوم الاتصال من جامعة هايدلبرغ بألمانيا.
نشر لويس سيبولبيدا كتابه الأول في سن السابعة عشر، وهو ديوان شعري يشتمل على مجموعة من القصائد، فقد بدأ مساره الأدبي شاعرا قبل أن يختار الكتابة السردية كمسار إبداعي، واستطاع أن يحصل بمساعدة أحد الأصدقاء الذين كانوا يترددون على مطعم والده، على عمل كمحرر صحفي للأخبار البوليسية في صحيفة كلارين. وفي سن العشرين، أصدر أولى مجاميعه القصصية، تحت عنوان “يوميات بيدرو لاأحد”.
ولويس سيبولبيدا لا ينكر التأثير الكبير لفرانسيسكو كولوان في قصصه الأولى، إذ أن الكاتب بعد قراءته لكولوان، اشتغل طباخًا في سفينة صيد لحيتان البال، وربما لا يعادل انبهاره بكولوان إلا التزاماته الأبدية بالقضايا العادلة وضمنها دفاعه عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة يقول في أحد حواراته: “إن شخصية خوان بيلمونتي محتدمة ومتضاربة للغاية. أحس بافتتان كبير جدا بالبحر وكل ما يأتي منه. حقيقة أنني جئت من بلاد لها خمسة آلاف كيلومترات من السواحل. في شبابي عملت ضمن طاقم سفينة صيد للحيتان. ثم من خلال انتمائي لغرين بيس منظمة السلام الأخضر، زاد افتتاني بالبحر، وربما لأن الأشخاص الأكثر إثارة للاهتمام الذين عرفتهم على الإطلاق كانت لديهم علاقة مع المحيط. لا يوجد أحد أكثر جاذبية من فرانسيسكو كولوان، الذي هو في حد ذاته رواية. وشخصية بيلمونتي ولدت من تلك التأثيرات (…) بالنسبة لكولوان أنا لا أعرفه شخصياً، لكن من خلال كتاباته الأدبية. عندما كنت في الرابعة عشر من عمري، كنتُ أحد الهاربين المعروفين من الفصل الدراسي، لكني كنت أذهب إلى المكتبة الوطنية إلى قسم الأطفال، في بناية كبيرة بشارع كومبانيا وكان كولوان من أوائل الكتاب التشيليين الذين وقعت يدي عليهم، فالتهمته. مع مرور الوقت، لما قرأت مؤلفين آخرين، أدركت أن مكانته كانت تعادل مكانة كونراد نفسه، كانت هنالك معدن وقلة تقدير الساردين الكبار. عندما اقتحم العالم الأدبي بروايته الأولى، هنا عومل بشكل سيء للغاية لأن لغته كانت خارجة على التقعيدات والنماذج المتفرنسة المتبعة التي كتب بها الشيليون في ذلك الوقت. كان أول من تجرأ بلغته الخاصة: لغة البحر”.
كان لويس سيبولبيدا يعتبر أن أسعد سنوات حياته هي سنوات الوحدة الشعبية، ففي عام 1971 تزوج من الشاعرة الشيلية كارمن يانييث، التي كان قد التقى بها قبل أربع سنوات، وولد من زواجهما ابنهما كارلوس لينين عام 1973، ولكن هذا الزواج سرعان ما سيتلاشى. ليعود إلى الالتمام ثانية بعد عشرين عامًا في ألمانيا ليتزوجا للمرة الثانية.
بعد الانقلاب العسكري الذي قاده أوغوستو بينوشيه، تم اعتقال لويس سيبولبيدا في فوج توكابيل تيموكو وسُجن لمدة ثلاث سنوات تقريبًا من قبل النظام الديكتاتوري لبينوشيه الذي استبدل عقوبة 28 سنة من السجن بثماني سنوات من المنفى.
وفي عام 1977 غادر الشيلي، ورحل إلى بوينوس آيرس، ثم ذهب إلى مونتيفيديو ثم إلى البرازيل. وفي وقت لاحق سيرحل إلى الباراغواي وبوليفيا والبيرو والإكوادور، حيث عمل هناك لفترة من الوقت وتعرف على الهنود الشوار. وفي ذلك البلد، انضم إلى لواء سيمون بوليفار الدولي، الذي غادر معه إلى نيكاراغوا في أوائل عام 1979 للمشاركة في الثورة الساندينية، وبعد فترة وجيزة من انتصار الثورة، رحل إلى ألمانيا واستقر في هامبورغ، المدينة التي عمل فيها كمراسل صحفي وكتب قصصًا ومسرحيات وبعض رواياته. عاش هناك لمدة أربعة عشر عامًا، وتزوج من مارغريتا سيفن، وأنجب ثلاثة أطفال، وانضم إلى حركة البيئة، وعمل مراسلا لمنظمة السلام الأخضر غرين بيس، وجاب بحار العالم بين عامي 1983 و1988. حين سئل لويس سيبولبيدا عن كون المثقفين عادة ما يبقون على مسافة، وينتقدون من بعيد، ويراقبون بدل أن يكونوا أبطالا، وعن التزاماته باعتباره أحد نشطاء غرين بيس منظمة السلام الأخضر، كان قد أجاب: “أنا لست مثقفا. لقد تم وصفي بكوني مغامر وهذا صحيح. الآن لدي ثلاثة أبناء والتأمين على البحر مكلفٌ جدا، لذلك اضطررت للتوقف عن أن أكون بحارا ضمن طاقم سفينة. لكن كل شيء له علاقة بغرين بيس يأتي من أوروبا ويوجه إلى إسبانيا وأمريكا اللاتينية، يمر بيدي لأنني أنا المترجم. إن المثقف هو كل فرد يعرف على الأقل كيف يحل معادلة رياضية وأنا لا أعرف القيام بذلك، المثقف يمتلك القدرة على التجريد المتوحش وإخفاء الواقع بتعابير وأقنعة ملطفة، وأنا لا أعرف، أنا يعجبني أن أستعمل لغة بسيطة للغاية، أن أفهَم وأن يفهمني الآخرون. أعتقد أنني فرد بديهي (…) لقد أبحرت مع غرين بيس على متن سفينة صيد الحيتان بين عامي 1983 و1988. وقبل ذلك أبحرت في وقت قصير جدا، حوالي أربعة أشهر، لما كان عمري 16 سنة. بعد قراءة كولوان دخلني هوس ذلك، كان لزاما علي أن أعرف عن عالم الحيتان. في ميناء صغير في تييرا ديل فويغو، كان يتم بناء سفن الأسطول التشيلي، تقدمت راغبا في الإبحار فقبلوا بي في أحد المراكب كطباخ. وفي وقت لاحق قمت برحلات إبحار في مراكب شراعية إلى جزيرة ياسكو (جزيرة الفصح) ثم إن العيش في هامبورغ حفزني كثيرا للإبحار مع غرين بيس.
بالنسبة للويس سيبولبيدا، الالتزام الوحيد للكاتب هو “أن يحكي بشكل جيد حكاية جيدة وألا يغير الواقع، لأن الكتب لا تغير العالم. الذي يغير العالم هم المواطنون». هذا ما كرره أكثر من مرة الكاتب والروائي الشيلي، كاتب السيناريو والسينمائي. لقد حكى سيبولبيدا حياته المليئة بالأحداث من خلال “الأنا الآخر”، خوان بيلمونتي، المقاتل السابق والحارس الشخصي المرافق لليندي، وهي الشخصية التي تم إبداعها عام 1994 لأجل رواية اسم مصارع الثيران، لجأ إليه “للتجميع مذكرات”، ومواجهة “أولئك الذين يدافعون عن فقدان الذاكرة كتبرير لجرائم الدولة، مثلما أرادوا أن يفعلوا في الشيلي”.
كان بيلمونتي بطلا لإحدى روايات سيبولبيدا الأخيرة “نهاية التاريخ”، وهي هي رواية تحكي من خلال حبكة بوليسية تتواصل على امتداد القرن العشرين، من روسيا تروتسكي إلى شيلي بينوشيه، وتحقق في العواقب الرهيبة للتعذيب من خلال بالوعات السلطة والسياسة والدبلوماسية. ففي رواية “نهاية التاريخ”، يأخذ سيبولبيدا خبرا حقيقيا، زيارة وفد من القوزاق الروس إلى الشيلي، لتحرير العسكري الشيلي السابق ميغيل كراسنوف، المحكوم بالسجن لمدة 1000 عام بتهمة ارتكاب جرائم خلال فترة الديكتاتورية. بعد رفض الحكومة الشيلية لهذا الطلب، هدد القوزاق “بتخريب” العلاقات بين روسيا والشيلي. سيبولبيدا، الذي يرفض مؤامرات النسيان، عاد مع شخصيته إلى الواقع الشيلي التي بصمت بميسمها حياته وجيله ويروي حكاية إنقاذ فيرونيكا، ضحية عمليات تعذيب رجال بينوشيه، “مفصولة عن الواقع، وغير قادرة على التغلب على صدمة التعذيب والاغتصاب”. وأهدى تلك الرواية لشريكة حياته آنذاك، كارمن يانييث، وهي شاعرة والتي جعل اسمها في الرواية سونيا، السجينة رقم 824، “وإلى كل أولئك الذين مروا بجحيم فيلا غريمالدي، أحد أفظع معسكرات الإبادة والتعذيب لحكومة بينوشيه”.
استطاع لويس سيبولبيدا فرض نفسه ككاتب متميز، ارتقى إلى الشهرة الدولية بعد أن نشر عام 1989، روايته المستلهمة من تجربته في العيش مع قبيلة الهنود الشوار والتي عنونها بـ: رجل عجوز يقرأ روايات الحب، والتي صارت من الكتب الأكثر مبيعًا في العديد من طبعاتها، فقد بيع منها أكثر من 18 مليون نسخة لأنه تعتبر بحق أغنية حب للأدب والقراءة والحفاظ على البيئة وعلى غنى الطبيعة، وتمت ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة، وصارت تدرس في المعاهد والجامعات. ومنذ ذلك الحين، رافق النجاح العديد من رواياته ومجاميعه القصصية وكتبه في الرحلة، التي تُرجمت إلى العديد من اللغات وحصلت على العديد من الجوائز العالمية. كما تم تحويل العديد من أعماله إلى أفلام للسينما.
منذ عام 1997 استقر لويس مع زوجته الأولى كارمن يانييث في خيخون (بولاية أستورياس)، في إسبانيا، حيث كان يعيش مندمجا بشكل جيد في المجتمع الإسباني، بل وكان قد أسس أحد الأحداث الثقافية البارزة في خيخون ويتعلق الأمر بمعرض خيخون الإيبرو-أمريكي للكتاب، الذي يقام كل سنة خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو والذي كان هو مديره العام.
مصباح علاء الدين
إلى الناس الطيبين في الجزائر العاصمة،
وفي تيبازة ووهران
علاء الدين غريب لم يكن متأكدًا تمامًا من اسمه، لكن، ما الذي يجب أن يكون بشكل ما، يا للجحيم، اسم ذلك الفلسطيني، الذي نزل من السفينة في بورت إيدن بعد أن أبحر في متاهة قنوات تلتقي في مضيق ماجلان.
بمجرد أن وضع قدمه على الأرض، قام بحل رزمة من السراويل الداخلية من قماش الفرانيلا، والقمصان المقاومة لرياح الجنوب الجليدية، والجوارب المحبوكة بالصوف الخالصة البكر في الجزيرة الكبرى لشيلوي، والإبر الألمانية، وخيوط توميه وأزرار متعددة الألوان التي تجدها نساء الكاويسكار أكثر إغراء من حلواء السكاكر التي يقدمها كرواتيون وويلزيون وتشيليون وأشخاص آخرون قدموا من أماكن لا أحد يعرفها مقابل خدمة توجيههم إلى الخلجان حيث كانت تلد أسود البحر ذات الشعر الثلاثي، حيث جلود المهقاء للأشبال حديثي الولادة كانت تجذبهم أكثر من المأكولات المحارية الجيدة وكنوز أخرى للقنوات.
لقد جعلت لغته القشتالية المحملة بنبرة مشرقية العديد من المشترين المحتملين ينادونه للتو بـ “التركي”، والرجل، الذي اعتاد على بساطة الأشخاص التائهين في الجنوب، لم يحاول أن يشرح لهم أنه إذا كان يتنقل بين الجزر لبيع سلع الحماية من البرد، والخردوات والسكاكين والقدور، فذلك لأنَّ الشتات الذي بدأ مع جده كان له طابع رحلات الهروب اللانهائية، والتي كان العزاء الوحيد الذي تتضمنه هو لعنة العثمانيين والحقد عليهم، بغض النظر عما إذا كان يتذكر أم لا يتذكر أسباب تلك الكراهية التي تحولت إلى عرف غير مؤذٍ، لأن المنفيين لفترة جد مديدة تتخفف لديهم بالنسيان كل الانفعالات.
وهكذا، باع التركي جزءًا من بضاعته دون أن يسأل أحد عن اسمه، وهو يكرر فوائد سراويله الداخلية، التي لم تكن أبدا تتقلص وتقيض أبدًا مهما غسلت، خالية من أثر تضاؤل الأعضاء الرجولية، حسب قوله، وقمصانه من الفرانيلا الناعمة التي يحول دفؤها القلوب التي كانت محمية من قساوات باتاغونيا أكثر عذوبة ومحبة. وكان يقول إن سعر علبة من الإبر المصنوعة في معامل الحديد البعيدة في سولينغن، أو دستة من الأزرار المتحصل عليها ببطء سلحفاة، وكان الناس في جزيرة ويلينغتون يمعنون النظر في صمت، يتأملون بلا كلمات، ليضعوا أخيرًا أياديهم في جيوبهم دون أن يفكروا في مراسيم حفلة التجارة، وفي المساومة اللازمة التي تترك التاجر مثل عفيف فاضل قادر على التخلي عن الربح والزبون مثل نموذج للداهية أثناء ساعة تقييم ما لا تستطيع يداه القيام به.
استغرق التركي أقل من ساعة بقليل لكي يتخفف من حمولته بين الرجال العشرين أو أكثر بقليل، دون النساء، والذين جاؤوا من تخوم مختلفة بحثًا عن الثروة في تلك الجزيرة متعددة الأشكال، والمحاطة بقنوات، وبخليج بيناس والمضيق، وهي تنقسم خلجان ضيقة تتخللها الجروف، مع بقايا غابات جد قديمة مثل الهواء ومغطاة بطحالب كثيفف، حيث وفقا للمستكشف سارمينتو دي غامبوا، “يمكن للرجل أن ينغمر حتى عنقه، مما يكون أقل إرهاقا من السير عبر قمم الأشجار”.
كان الأوروبيون والكريوليون الأوائل أبادوا تقريباً أسود البحر ذوي الشعرتين، وكانت الثعالب ماكرة، وكانت تدافع بعنادٍ عن ذيولها، وكانت الثروات البحرية لتلك المياه الباردة تتطلب وقف اهتمام بعيدا عن غاية تحقيق الثراء. الرجال الذين كانوا قد أحاطوا بالتركي كانوا متواجدين هناك، ينتظرون فقط ضربة حظ كانوا قد توقفوا عن تصديقه، بعضهم يحن إلى أوطان بعيدة كانت تحجبها عن الأبصار رياح باتاغونيا، وآخرون استسلموا إلى جنونهم جنون الغرقى في نهاية العالم.
عندما انسحب البيض، عرض عليه الكاويسكار خبزا من الأعشاب البحرية، وهم يشيرون إلى البضائع، ويهتفون بتعجب “لاكس” بنبرة قلقة. كان التركي كان قد راكم خبرة طويلة في القنوات، كان قد مارس التجارة مع الألكالوف والكاويسكار، وكان يعرف بعض الكلمات بلغتهم ذات النبرة المتحجرة، وأجاب: “لا لاكس، لا بطانيات”، ولكن بنفس الطريقة التي يبدو فيها من السخف أن نقول ماء أمام الشلال، نفي الحرارة عند القول أنه ليس لديه بطانيات ضاع في الشفتين الممتلئتين وفي العينين العسليتين لأحد الكاويسكار الذي كان يبتسم له.
كان التركي يعرف أن الجزر هي سفن من حجر، لا يوجد بها سكان بل أطقم تصل وتبقى ثم تغادر. كان يعلم أيضًا أن في الجزر الباتاغونية، يفقد الرجال الماضي، هذا ما كان يؤكده باسكيو أرخبيلي تشيلوي وغوايتيكاس، غرقى مراكب صيد حيتان البال الذين كان أصحابها يعتبرون أن التعاقد مع بحارة جدد مربح أكثر من الإرسال لإنقاذهم، وهكذا، صارت الأسماء الأصلية إيتشيبيريا أو أولافاريا تسمع ببساطة باريا، إما بسبب الرغبة في الاقتصاد اللغوي أو بسبب الصمم المتعمد.
“لاكس” رددت المرأة الكويسكار وأظهرت له سلسلتين من بلحيات البحر المدخنة. لكن التركي رفض سلاسل بلحيات البحر الكبيرة مثل قبضات، وقال إنه آسف، لأنه لم يكن لديه بطانيات، وبإيماءة دعاها لفحص البضائع التي كانت لا تزال على أرضية الشاطئ الصدفية.
في الحانة شغل الطاولة الوحيدة ومن هناك رأى كيف كان الكاويسكار يتفحصون صلابة القدور والحد القاطع للسكاكين. شخص ما سلمه إبريق الماء الساخن والوعاء بعشب يربا ماتي، لكن التركي سأل عما إذا كان من الممكن غلي الماء، ولما أعيد الإبريق الصغير وهو ينفث دفقات البخار من طرف أنبوبه، سكب حفنة من الأعشاب المعطرة في الوعاء، وغير قليل من السكر، وشرب باستمتاع بجنب أبناء الأبرشية الذين كانوا يقتربون منه ليسألوه من أين أتى، ما الذي شاهده في رحلاته، وما إذا كانت هنالك أي سفينة تحمل العلم الإنجليزي تعبر المضيق، أو ما إذا كانت الحرب في أوروبا قد انتهت.
كان التركي يجيب بحسب ذوق الجميع، فقد كان يعلم أنه لا توجد حقيقة أخرى أقوى من تلك التي نرغب في أن نسمعها. اتهمه الويلزي بأنه أحمق لأنه ترك بضاعته بين أيدي الكاويسكار، وراهن جليقي أن الهنود سيسرقون منه أكثر من حاجة، وأكد الكرواتي أن الهنديات أكثر لصوصية من الرجال.
قام التركي باستنفاد ما تبقى من السكر بملعقة صغيرة، وأشعل جمرة غليونه وسألهم عما إذا كان يمكنه أن يروي لهم قصة.
– تفضل، قال الويلزي، كلنا آذان سامعة، أردف البولندي، ولكن هيا، دعوه يتحدث أضاف الجليقي.
وبدأ التركي يحكي قائلا: “في مكان ما ليس لا قريبًا جدًا ولا بعيدًا جدًا من أرض أسلافي، هناك جبل يدعى شينون يرتفع شاهقا مثل برج أمام البحر الأبيض المتوسط”. إذا نظرت إلى يسارك يمكنك أن ترى لمعان قباب وهران، وإذا نظرت إلى يمينك سترى مئذنة جزائرية تكاد تكون مغروسة في السماء. في أزمنة غابرة، ولما لم يكن الشر بعد قد تم ابتداعه، كانت سفن التجار الفينيقيين ترسو على سفوح الجبل، وكانوا ينزلون إلى اليابسة، وينشرون البطانيات والسجادات، وكانوا يتركون عليها الأمتعة والممتلكات التي تعطي مبررا لأنشطتهم كتجار وعلى الفور ينسحبون إلى سفنهم. ومن على سطحها، والبحر يهدهدهم في عذوبة، كانوا يرون كيف يدنو الناس من جبل تشينون، وينظرون، ويختارون، ويضعون جانباً ما يرغبون فيه، وجنب البضائع التي يختارونها، كانوا يتركون ما يعرضونه كمقايضة. وبعدئذ ينسحبون إلى قمة الجبل. حينئذ كان الفينيقيون يعودون إلى اليابسة ويقررون ما إذا كان تلك الجرة من العسل هي السعر المناسب لربطة الشصوص، وإن كانت تلك الكبب من الصوف المصفاة حديثا بعناية تعوض قيمة جرة من الزيت أو من النبيذ المعطر. إذا كان الدفع عادلاً، يأخذون ما تم عرضه، وإذا لم يكن كذلك، يقومون بطرح جزء من البضاعة، وإذا كان مفرطًا، يضيفون شيئًا آخر. وبمجرد أن تنتهي العملية التجارية، كانوا يعودون إلى سفنهم، ويقومون بنشر الأشرعة وينطلقون وراء الأفق. هكذا كانت التجارة بين الفينيقيين والشنونيين على امتداد عدة قرون، كما قلت، في مكان ما ليس قريبًا جدًا ولا بعيدًا جدًا من أرض أسلافي.
– لكن هل انتهى-قال الجليقي، والويلزي أراد أن يعرف السبب.
-انتهى الأمر لما ألمح شخص ما إلى الفينيقيين أن الشنونيين كانوا يسرقونهم – قال التركي.
وعلى الفور ترك بعض القطع النقدية مقابل الماء المغلي والسكر، وعاد إلى الشاطئ الصدفي لعقد صفقاته مع الكاويسكار.
في تلك الليلة، أقام التركي خيمته على حافة غابة من أشجار السنديان والأروكاريا. كان الهواء يعبق برائحة الخشب والبحر. وهو يدخن غليونه، قام بإعادة إحصاء ممتلكاته، وأسر لنفسه أن لبيوم لم يكن يومًا سيئًا، واستلقى تحت بطانيته القشتالية السميكة، مستعدا لكي ينام في سلام.
كان على وشك أن يطفئ المصباح النحاسي بنفخة لما اقتحمت عليه امرأة من الكاويسكار الخيمة.
—لآكس! قالت بطريقة على شكل تحية وأشارت إلى البطانية الداكنة السميكة التي كانت تغطيه.
– لا، ليس لاكس، ليست للبيع، أجاب التركي.
نظرت المرأة الكاويسكار إلى عينه، وابتسمت لما رأت أن شعلة المصباح تنعكس فيهما مرتين، وبحركة حيوية خلعت التنورة من الفرو التي كانت تغطي جسدها الرشيق جسد بحَّارة وقنَّاصة. كانت امرأة كاويسكار، سبب النار الذي تستنفد الرجال.
تأمل التركيُّ جسدها الرشيق، فخذيها المتينين، الوركين المدعومين بجذعها السميك جدا، البطن المنبسط والثديان المهيآن لإرضاع أفضل أطفال البحر.
وخلال ساعات أحبها ما بين تواتر اللهاث والارتطامات والهزائم. فوقها أحس أنه على متن السفينة الأكثر أمانًا، وهي وقد ركبت بطنه كانت الأشد رشاقة بين الأمازونيات.
عند الفجر، وضع التركي يده على صدره وقال إن اسمه علاء الدين.
-هيا، تلفظي باسمي، علاء الدين، حثها على أن تردده، لكن المرأة الكاويسكار أجابت بكلمات، ذات أصوات متصلبة مثل شعاب جزيرة ويلينجتون.
– لاكس؟ سألت المرأة وهي تعانق البطانية القشتالية.
– أجل، لاكس، هي لك، أجاب علاء الدين وهو يمسح شعر المرأة الأسود، الذي كان يسقط على ردافيها ويتحد بعتمة البطانية.
أشارت المرأة إلى ذاتها وهي تومئ بإصبع إلى ثدييها.
-أجل، لاكس علاء الدين هي الآن لك، الآن هي لاكس، أو ما تريدين أن تسمِّي نفسك.
كانت المرأة الكاويسكار، جاثية على ركبتيها، تداعب البطانية، تحملها حتى خديها، وكانت تبتسم باستمتاع وسرور. كانت الشعلة الواهنة للمصباح تغسل جسدها بالعسل. رآها التوركي تنتصب واقفة، غطت نفسها مرة أخرى بتنورتها من فرو الغوناق، وهي تقوم بعمل لفة بالبطانية القشتالية، حتى استقرت بعينيها على المصباح.
– هو أيضًا لك، ذاك عدل. يطلق عليه مصباح وهو يشتغل هكذا، تعالي لكي أعلمك، هنا تضعين شحما أو زيتا، تتركين للفتيل أن يظهر في الأعلى وتشعلينه. خذي، هو لك.
– مصباح علاء الدين، تمتمت المرأة الكاويسكار بينما كانت تتسلمه كأحد الأشياء الأكثر حساسية ورقة.
– نعم، إنه مصباح علاء الدين، أكد التركي وخرج من الخيمة ليملأ رئتيه بالهواء العَطِرِ للغابات وبحار الجنوب.
مقهى ميرامار
في ذكرى نجيب محفوظ
عند المساء توقفت الريح الصحراوية المحملة بالرمال وجمَّعَ البحر الأبيض المتوسط القديم رائحته المالحة بعبق أشجار الماغنوليا الدقيقة. لقد كان أفضل وقت للخروج من البيت المتحف الفقير جدا والجليل أيضا لكفافيس، والقيام بجولة عبر أزقة الإسكندرية قبل العودة إلى الفندق.
كان الهواء يجعل المر منتشيا، شعرت بالعطش، وتذكرت أن في ميني بار الغرفة كانت تنتظرني زجاجة من شراب الكافا التي اشتريتها في مطار مدريد. لقد وجدت حافزا مهما لتسريع وتيرة السير، وهكذا مررت بالعديد من الحانات التي كانت أرصفتها تدعوني للجلوس دون أن ألتفت إليها، إذ لم تكن لدي رغبة في شرب القهوة الحلوة للمصريين أو البيرة الكريهة بدون كحول، المكروبة مثل التعاليم الدينية التي تفرضها.
أول شيء فعلته لما وصلت إلى الفندق هو التحقق من وجود الزجاجة. لقد كانت هناك، أفقية وباردة، وعلى ما يبدو لم تمر دون أن تثير ملاحظة الأفراد العاملين في الخدمة، حيث تركت أياد مجهولة ولائكية بظرافة قدحين للشمبانيا فوق المنضدة.
– كن من تريد أن تكون، فأنا أباركك”. تمتمت، وأنا أفتح أبواب الشرفة. لقد اشتريت زجاجة الشمبانيا للاحتفال بزيارتي لمكتبة الإسكندرية، وهو مبنى مفرط في الحداثة صممه مهندس معماري نرويجي انتهى بأن خيب أملي لأنه نفى البحر عن المبنى. وهكذا خرجت إلى الشرفة مستعدا لأن أشرب نخب الشاعر كونستانتينوس كفافيس.
كنت في بيتك، أيها الصديق القديم. سألني رجل حزين وناعس طلب مني بضعة جنيهات مصرية، وبعدئذ أعطاني مفتاح الباب مشيراً علي بأن أتركها تحت حصيرة إلى أنه عندما غادرت يجب أن أتركه تحت حصيرة المخملية. “لا أحد يسرق من بيت شاعر”، أفترض أنه هكذا همس لنفسه لما عاين حيرتي، وغادر وهو يسحب خلفه تعبا قديما لعظام ربما كانت تشتكي في أبيات على إيقاع الوزن الإسكندري. لقد شغلت مقعدك وفتحت على مكتبك بعض الأسفار المكتوبة بلغة هوميروس وكازانتزاكس، أي أنني تصرفت مثل واحد من البرابرة، وبالتالي، احتللت سريرك وأغلقت عيني وتأسفت لحظي كبربري مهمل. في صحتك، إذن، أيها الصديق القديم.
كانت غروب الشمس يصبغ البحر بلون فضي حزين، وكنت أستعدُّ لرفع النخب للمرة الثانية لما بلغ أسماعي صوت امرأة من الشرفة المجاورة، والتي بالرغم من كونها كانت تغني بنبرة جد خفيضة أغنية لكورت ويل، لم يكن من بإمكانها أن تخفي لهجتها البرلينية.
*-«Surabaya Johnny, warum bist du so roh?…»
كان يفصلنا جدار صغير مغطى بالأصص، ولم أكن مضطرا أن أتقدم أكثر من خطوتين إلى الأمام لرؤيتها: كانت تشغل كرسيًا منحنيا، كانت ترتدي فستانا أبيض من الكتان، والذي يُخيَّلُ لي دائمًا أنه أنبل قماش يمكن أن ألبسه لامرأة، وكانت تضع قدميها العاريتين تستريحان على كرسي.
– لا بد أن جوني هذا كان فظيعًا،
«du bist kein mensch, Johnny» -،**
وألقيت لها التحية وأنا أبرز الزجاجة والقدحين.
-«Und ich liebe dich so»،***
غنت وهي تشير إلى الكرسي.
– أبرلينية؟ سألتُ وقدَّمتُ لها القدح.
قبل أن تجيب، قرعت قدحها بقدحي، واحتست رشفة، ووضعته على المنضدة، ووضعت يديها على شعرها الأشقر الكثيف الذي كان يصل حتى كتفيها وزحلقته نحو الخلف بحركة ماء مذهب. كانت يونانية، لكنها عاشت عدة سنوات في برلين، لقد كانت، تؤكد بمنتهى الحنين إلى الماضي، من أواخر اليونانيات في الإسكندرية.
هناك نساء رفقتهن تدعو إلى الصمت، لأنهن يعرفن كيف يشركنك فيه، وليس ثمة ما هو أصعب أو أكثر سخاءً. كنا نشرب بمهلٍ وننظر إلى البحر. قريبا جداً، في مكانٍ ما، تحت سطح الأرض، كان يوجد تمثال عملاق رودس، في صمت أيضًا، وكانت الكتب الصامتة المدمرة لمكتبة الإسكندرية الكبرى المبعثرة في جميع أنحاء الساحل لربما هي الغذاء الخصيب حيث كان ينمو النخيل على واجهة الساحل البحري. هكذا، استسلمت الشمس إلى الغرب ومدت الظلال حجبها فوق البحر الأبيض المتوسط.
دعوتها للعشاء، مضيفا أنها بلا شك تعرف مطعمًا حيث يمكننا أن نشرب نبيذا جيداً.
-اليوم لا يمكنني ذلك يكون اليوم. لكنني سأنتظرك غدًا في السابعة مساء بمقهى ميرامار، قالت وهي تستوي في جلستها وتوحي بأنها بدأت تشعر بالبرد من خلال حركة تصالب ذراعيها، وتركها يديها فوق الكتفين العاريتين.
في اليوم التالي قمتُ بما كان يجبُ علي أن أقوم به، زيارة جديدة للمكتبة، محاضرة في معهد ثيرفانتس، قهوة حلوة مع بعض الطلاب المصريين، وفي المساء، حوالي الساعة السادسة، سألت في مصلحة الاستقبالات عن مقهى ميرامار.
-هل أنت متأكد؟ لا يوجد أي مقهى ميرامار. كان هناك واحد، في زمن اليونانيين، لكنه أغلق منذ سنوات عديدة. أعلنت موظفة الاستقبالات.
استنتجت أنه إذا كان ثمة مقهى يسمى ميرامار، فيجب أن يكون على الواجهة البحرية، وشرعت في المشي، وأنا أستفسر في حانات مختلفة يرتادها أفراد يلعبون لعبة الطاولة ويدخنون النرجيلة وينفخون جرعات كثيفة من الدخان المعطر. لا أحد عرف أين يوجد المقهى.
في منتصف الليل عدت إلى الفندق. وبدل موظفة الاستقبالات، وجدت حمالا ليليا عجوزا وسألته إن كانت سيدة الغرفة المجاورة لغرفتي قد صعدت بالفعل. نظر إليَّ الرجل العجوزُ بغرابة وبإنجليزية غير متقنة إلى حد ما قال إن ذلك مستحيل، وأن تلك الغرفة لا يتم شغلها لأن فيها تحفظ أثاث وأمتعة المالكة القديمة للمكان، وهي ألمانية…
– يونانية، وهي من أواخر اليونانيات في الإسكندرية. قاطعته
-أنت على حق. لقد كانت يونانية، قال موافقا، وأراد أن يحكي لي قصة لكني قاطعته بإيماءة.
أعيش مع أشباحي، أقبلهم وأستدعيهم.
لربما كانت الأبيات الشعرية لكفافيس هي التي جعلتني أشرب الشمبانيا مع شبح لا ينسى من حيوات أخرى. لربما وهبتني الصحراء تلك الفاتا مورغانا**** الفاتنة جنب شاطئ البحر، منطقة للخلاص أو للخذلان.