ربما سيكون واضحا للغريب بأن هناك شيئا ما قد وقع لتبدو فيه البسمة كأنها قد خطفت ذات صباح وسيقت في لجة لا يعلمون عند أي رصيف سوف تغرس رمانتها. لكن ما يعلمونه هو أن رسوها سوف يكون عند شواطئ بعيدة عن مراسي قواربهم المتلهفة للعمرة.
متيقنون بان احلامهم طويت كغبار في سجادة أو (كسندويتش) شاورمة لفه على عجل بائع آسيوي في شارع سوق روي.
كأنه كابوس مر بعد فجعة غارات قصف او مجموعة كوابيس أحدثها عشاء كثر فيه الدسم والنبيذ المعتق .
كأنها الصدمة او الصخرة التي ظهرت في وجه واقعهم رغم أن بعضهم يحول هذه المقولة إلى ان الصخرة سقطت فوق رؤوسهم فقتلت من قتلت وتركت البقية يصارعون العيش.
.. توقفت حركة السيارات فجأة أمام البناية البيضاء التي تبدو كقلعة طويلة خلفها اليعاربة. توقفت الحركة عندما قطع الشارع شابان في الثلاثينات يلوحان بعمامتيهما ويقهقهان وجيوب دشداشتيهما أشرعت للريح صدريهما. لا ينتعلان سوي حرارة الاسفلت. ما كادت السيارات تبدأ في سيرها حتى ضغطت الاقدام على مكابح التوقف بعد ان قطع الشارع ثلاثة رجال أحدهم يبكي بحرقة واثنان يحملقان بذهول في وجوه قائدي وركاب السيارات كأنهم يبحثون عمن يجيب على أسئلتهم أو ربما منقذ ينتشلهم مما هم فيه. تبعهم رابع وخامس وسادس والعاشر بعثر أوراقا في الشارع والغضب في كل حواسه وانفاسه يكاد يحرق المدينة . ثمة جلبة حدثت حينما ترجل عدد من السائقين من سياراتهم في وسط الشارع مهرولين باتجاه المبنى الأبيض الذي فرشت مداخله وردهاته بالرخام البني، زادت الجلبة عندما ترك عدد من سائقي سيارات الاجرة مركباتهم كما أنجذب سائقو الحافلات أمام اصرار العديد من ركابهم على فتح الابواب مهرولين باتجاه بوابة البناية القلعة التي تكسب ميزة أخرى في ان بوابتها زجاجية ذات اقفال مطلية بذهب العيار الثقيل. زادت الجلبة وازدحمت نوافذ البنايات المجاورة والبعيدة بالرؤوس حتى شد الفضول السائحين المقيمين بالفندق الفخم الذي يتسامى في الطول مرتفعا عن الجبال المحيطة والبنايات ليسهل للمقيمين في غرفه الفاخرة اكتشاف المدينة من الأعلى، دائرة الجلبة تتسع والحدث عبر الهاتف المحمول صراخ. ثمة من يركض ليقبض على (دشداشة) آخر والاثنان يبدوان في الاربعينات من العمر: – كله منك .. كله منك أنت (دهيتبي) ادخل.
× أنا كنت واثق فيهم وقلت لو المسألة فيها شيء خطر ولا خطأ هينبهونا.. ما فكرتهم خ خ خ خ ززززززمق مق مق مق مو مو موزززززخ خ خ خ خ زززززززززز.
رجل ما تبقى في لحيته لون السواد. يرسل عبر الهاتف المحمول وجلا
متوترا:
× ما بقي شيء.. البيت بعته والقرض من البنك بأعلى ضعف مسموح به من راتب التقاعد.. من هين أعيش اولادي؟
الصبية الذين اعتادوا مد أيديهم للمترددين على القلعة البيضاء وقفوا واجمين ما همهم استجداء رزقهم المعتاد. بل همهم اشباع علامة الاستفهام التي لم ترتسم في رؤوسهم المكشوفة للهواء والشمس والصفع سوى هذا الصباح .
× امرأة متوسطة العمر: صيغتي طارت وورث ابوي فر.. الله يلعن من كان السبب.
السيارات شكلت ستة قطارات طويلة على الجانبين .. ثلاثة قادمة من اليمين ومثلها قادمة من الشمال .. سيارة واحدة خرجت من طوق السيارات (المصطكة ) واحدة تلو الاخري.. واخري بجانب الاخري. خروج تلك السيارة من بين هذه الارتال يشبه المعجزة .. تساءل الكثيرون عن المعجزة التي استطاعت بها الخروج لتدخل ناحية التقاطع الذي يتفرع منه شارع حي البنوك .. لكن تساؤلهم خفت حينما لمحت أعينهم لوحة رقم السيارة الابيض الطويل المختلف تمام الاختلاف عن ارقام سياراتهم . كما أن من يجلس عن يمين السائق مختلف عن نفسيتهم في تلك اللحظة. يتجلى ذلك واضحا في الابتسامة الجميلة التي تظهر كأنها فتحة في ثمرة ليمون ناضجة تتدلى من غصن جاف .
انسلت السيارة باطارات واثقة في الشارع الذي تطبق البنوك على ضفتيه . البنوك التي تتفاخر مزهوة بقدرتها على تحويل أي مبلغ لبنوك الخارج باسماء العملاء او بارقام سرية في سرعة البريد الالكتروني. وفوق ذلك تقدم خدمات جليلة للوطن بعدم اهتمامها سوي بتقديم قروض للمواطنين البسطاء باقساط ميسرة تستمر من شبابهم حتى ملاقاة خالقهم.
ربما تكون مبانيها الوحيدة في المدينة التي تتذكر بين اروقتها مسرحية (تاجر البندقية ) للرائع شكسبير.
الجلبة صراخ .. هياج.. بكاء.. استعطاف .. ذهول .. استغراب .. وقهقهات ايضا.
وعند موقف سيارات القلعة البيضاء بدا المشهد مختلفا تمام الاختلاف وان لم تختلف الضمائر عن ضمير ذي النظارة السميكة ، صاحب السيارة المتميزة ذات الرقم الطويل. هنا بين اثنين أحدهم لباس شعبي والآخر أناقة الخارج بحقيبة لا تفتح من غير أرقام سرية أو بالكسر الشعبي.
يودع الخارج بحقيبته وابتسامة الفرح تكاد تنفجر مقهقهة من الجانبين . لتملأ المدينة التعيسة أصداؤها وآثارها ايضا.