l السلامة لأمواتنا من كل مكروه
خرجتُ لا لشيء إلا لأعد خطواتي،
والخطوات كالناس مَرضَى مشاعر.
نمتُ بجروحي،
ورأيتُ عظامي في المنام، رأيتُ طائراً يطير وينسى عظامَه في الهواء.
نمتُ بملابس الخروج، وحلمتُ بأني وصلت.
كل هذا وأنا لا أراني في منامي..
عين النائم كالصائم فارغة يا حبيبتي،
وعين الشاعر علامة.
كل هذا والبلاد أرملة عطشى لكن دموعها غزيرة.
فلنبدأ التفكيرَ بعد كارثة المطر.
جاءنا الخيرُ وهذا شيءٌ مؤكّد
كمن اشترى قطعة أرض خضراء من ماله،
وجرّد زوجته من الذهب لشراء السياج..
فيما السماء بنفسجية
كالأختام على الذبائح المعلّقة كسارية..
وفيما النار سارية المفعول
أنا على كرسيّ من خشب، قربَ الموقد
لا أدخّن،
لا أشرب شيئاً.
فقط أتطلّع وأعدّ اللهب.
الوقت قوْتـنا يأكلنا يا حبيبتي و نكبر.
وأنا متعَبٌ من أشياء لا أعرفها.
ضعي صوتَكِ في عينيكِ وأكتبي لي رسالة لأعرف.
نعرف أن المرآة أول درس سقطنا فيه.
كل هذا نحن،
والحكاية إنْ كتبتها بالحرف لن أصدّقها حينَ أصيرُ ناقص الحركة.
هدأتِ العاصفة،
وخرج منها نسيمٌ يلعب
بالدمع،
بالرماد،
ويجفّف عرَق الخيل..
ولكنني لم أرَ الذي أفاقني لأسمّيه
في ختام إصغائكِ
لهذا المنام.
ما عدتُ أعرف الأرض من كثرة القصائد
نمتُ على الحبّ،
ورأيتُ في الغيمة أمّي
تمسكُ بالقرآن
وتقرأ فيه ابتداءً من سورة الناس،
وأفقتُ قبل أن تصل الفاتحة.
وأشرتُ بيديَ القصيرة إلى الناس:
أنْ من هناك، فمشوا عليها
وصلوا وما وصلتُ
كغزال وحيد يملأ لوحة لا أحبّذ نسبتها للغزال.
وكنتُ أسمي الأرض وأعني:
الشعر،
كلمة واحدة.
لا أسمّي الشعرَ الآن،
لا أسمّي الشعر ..
ما عدتُ أعرف الأرض من كثرة القصائد.
أتناولُ من الصدفة القاتلة
حياتي،
مثلما يتناول دعاءٌ مرتجل
بالصدفة
كلمةً مهجورة،
ويضعها إلى جانب الرب.
القطنُ عقلٌ خفيف لولا القلب
القطنُ عقلٌ خفيف لولا القلب!
لحقن الدماء، الأرضُ التي تدارُ فيها المعارك صالحة
لزراعة القطن.
مَن أكثر:
القتلى أم الكتب التي لم تقرأ؟
مختلفون كالجهات على الإجابة،
وفي كل جهة تتكاثر
نفسُ الرصاصة.
الحمَام المقيمُ في حركة السائحين،
يَدور خلال رؤوسهم،
كأنّه رؤوسُ شهداء
لم يتمكّنوا من أن يكونوا
سائحين
في أيديهم زجاجات مياه معدنية
و يرمون القمحَ للحمام الغريب..
العصافير أقوى،
لا ينهضُ من نومه الثقيل من يختار الهديلَ
نغمةً للمنبه.
رنينُ الهاتف نغمةُ عصفور
والمتّصلُ غراب.
l يد أضاعت نعومتها في الزراعة
أنا وابنة الجيران
لعبنا ببالون من غير خيط ..
انفجر ..
السببُ كان انفجارنا من الضحك.
و هدّأتُ من روعها
باتخاذي عنقه المقطوع خاتماً
لأصبعها المرتجة.
وكنتُ ألفّ خيطاً
بطول سبع نخلات أو أقلّ سروة،
على عظْمة طائر،
فتصير حُبلى في قبضة يدي،
وأطعمها للطائرة.
أذكرُ أيضاً:
لي تحت الشجرة عينان –
ذاكرتان تلعبُ بهما يدٌ أضاعت نعومتها في الزراعة.
وفي البيت حجرٌ مقطوع من مودّة جدار في الشارع
(لطالما استند عليه عاطل عن العمل)
لتركيز خزانةٍ كانت ترقصُ
كلّما بدّلَ أخٌ قميصَه بقميص أخيه.
l يد تضربُ الألمَ في كتفي ليموت
لا أعمل بصمت كأشيائي التي تغيب.
أمس اختفتِ العلامة وكانت قداحةً عثرتُ عليها في مَحطّة سفر.
من حيرتي فتحتُ الماءَ ونويت عمل الشاي،
شيءٌ ما غيّر فكرتي
أوقعني في شهوة عدّ مقتنياتي من الكتب.
في دورة كاملة حول نفسي تساءلت،
يدٌ على الرفّ
ويد تضربُ الألم في كتفي ليموت:
هل الأرض بحاجة لابتلاع مزيد من النار؟
لا أحبّك بصمت،
وأقرأ الشعراء في سرّي لظهري المكسور،
في نومي أسمع طفلاً يلعبُ
بميزانٍ خالٍ من القِيَم الثقيلة والكفتين،
ولا أنهضُ حتى يَختمَ لعبة الموسيقى.
لا أحتاج معرفة الجسد،
يخيفني الانتباه لي،
وتفرحني رياضة الروح في اللغة.
نحمل الحبّ معاً،
ولم نعد قادرين على اللحاق به؛
رغم سرعتنا في هذي السلامة.
l الهفوة والآثام
أرى روحَك الآن تفورُ
من وإلى ركبتيك،
أرى رمشاً من حراسة العين
سقطَ تقلّبُه حرارةٌ ملأت نكوصَ الكتف عن الرقبة،
رمشاً حطّ على نظرة
قبل أن يُجسّدها الأسى كلمةً
وأنت ترمشين
بنهم القتال الوجودي بين النوم واليقظة..
والرمشُ وزنٌ
لمن يُفرّق بين الهفوة والآثام،
الرمش أضألُ من حركة قلم جديد، ناحلة وذليلة، رهن التجريب.
الرمشُ، لمن يراه عنك، أمنيةٌ لك مجهولة.
حتى في كلّ نادٍ ومتحفِ طين
صرتُ أقولُ
حارساً لياقة الحب القديم:
حدث هذا السقوط فيما حبيبتي تُعبّئُ أحداثَ اللذة في عينيها.
وكلّ عين مدينة
راقبتِ الرموشُ عدوَّها وحبيبَها.
حتى في كلّ عتمة ملمسُها زجاج وحرير،
مازلت أقول:
رمشك الذي غادر العين إلى طينة النهد
كان مأسوراً
بجوع اللون إلى نفسه..
l أكتب ما لا أطمئن له
قلتُ أتحايلُ على غدي..
رميتُ له ثمرةً لا لأطعمه، فقط لأراه يمدّ نحويَ يدَيه.
لو رميتُ حجراً إلى السماء
لا يرتفع عن الكتابة التي اسمها جبلٌ على قلبي.
أكتب ولا أريد للحجر أن يصل السماء.
أكتب ما لا أطمئن له.
أكتب عن اسم النوم،
عن طائر يطير من جثة الطائر نفسه،
عن جبل سهل الصعود صعدته بصعوبة.
عن أختي تقطف الريحان وتنده:
رمتِ السماءُ عصفوراً صغيراً تحت قدمي،
عائلته إكليلٌ فوق رأسي.
يدي قصيرةٌ يا أخي، ماذا أفعل؟
لا أحد يُعينُ الوحيد على تغيير اسمه
الغامق كحجر
خرقتُ به مصباحَ الشارع
واستقرّ في جوفه على رفّ من الزجاج المهشّم وضحكتُ،
لا تمرّوا من تحت الخراب.
بي استقرار القوارب في عرض البحر،
ونكدُ الأطفال على كراسيّ الحلاقة.
l مرثية
تغيّرتُ،
صرتُ أبكي على الأحياء
بما فيهم ثيابي التي تنقّط على حبل الغسيل،
صرتُ أسمعُ الأغاني القديمة
وأقولُ لكلّ صخرةٍ الحقي بي
واسندِي ظهري.
صرتُ أقولُ كلاماً سريعاً
وأمسِكُ بأوتاد القوارب كي لا ألحق بمعناه.
Gaza l
تركتُكِ
ولم أغسل منك يدي،
لأتركَ أثرَك
على كل ثمرة سأسرقها في رحلة النسيان الصعبة،
وعلى كلّ جدار خال من صورك
سأفرد يدي
مستعيناً به على جوعي
إذا فرُغ الشجر ..
l جبل
أبكي في الحلم
كلما أفلتت من يدي صحراء.
وكلّ يوم أمشي
إلى جانبي جبلٌ عينه على كتفي،
أعيقُ تَقدّمَه بنظرةٍ جانبية.
جبلٌ لا يعرف كم يبلغ طوله،
جبل لا يعرف كم يبلغ عمق بئر فارغة،
يعرف وزنَ كلّ غيمةٍ عليه،
وهو ليس بالماعون.
جبل لم ينقطع ظهرُه وهُو يصعدُ نفسَه.
ها هي التلالُ كثيرة حوله.
l أنتَ و معناك المتعدّد
وداعاً يا أيها الشاعر،
كنتَ مسؤولاً عن شغفك الذي لم تملك من جوهره إلا لهاثك.
وداعاً أيها المرنُ الصغير
ككلمات مائلةٍ في القاموس الغريب تفتحُ معنى الكلمة
الكبيرة الغامقة –
أنتَ و معناك المتعدد.
نصر جميل شعث