اعداد وترجمة: خالد النجار*
ولد لوران غسبار سنة 1925 من عائلة مجرية في مدينة ماروسفاساهرلي في منطقة نرنسلفانيا الشرقية بجبال الكربات التي صارت تقع الآن في رومانيا وتسمى ترغوموش. تلقى تعليمه الابتدائي و الثانوي بهذه المدينة وفي سنة 1943 التحق بمعهد البوليتكنيك في بودابست ولم يلبث في المعهد سوى أشهر قليلة حتى دعي للخدمة تحت العلم وجند في أكتوبر من سنة 1944 وبعد فشل محاولات السلام المنفصل دخلت العساكر الألمانية إلى المجر؛ ونصبت حكومة نازية. إثرها أرسل لوران إلى معسكر عمل في منطقة السواب الفرنكية. وفي شهر مارس من سنة 1945 فر من المعسكر وقدم نفسه إلى كتيبة فرنسية كانت متمركزة في ناحية فيلندروف ومنها انتقل إلى فرنسا وفي باريس تقدم لامتحان الباكالوريا كما هو النظام في فرنسا والتحق بكلية الطب بباريس؛ ولدى انتهاء الدراسة (في 1954 وفي قاعة garde لفت انتباهي إعلان يقول بأن هناك شغورا في منصب طبيب جراح في المستشفى الفرنسي ببيت لحم بعد أشهر قليلة ركبت مع زوجتي وثلاثة أطفال أكبرهم لم يتجاوز الثالثة من عمره طائرة DC6 في اتجاه بيروت. انفتحت أمامي في المكان والزمان مرحلة جديدة من حياتي. كنت متلهفا لمعرفة تلك المدن والأماكن التي يكفي ذكر أسمائها ليمتلئ رأسي بصور مدهشة : دمشق، حلب، أنطاكية، صور، صيدون، القدس، نهر الأردن والبحر الأحمر…)
هكذا وجد لوران غسبار نفسه في فلسطين يعمل جراحا في مستشفيات بيت لحم والقدس. هناك عاش بين الفلسطينيين واختلط بالبدو في خيامهم فقد كان مأخوذا بالصحراء التي نزلت فيها أهم النصوص التأسيسية للأديان الثلاثة وكتب نصوصه الشعرية الملحمية: أرض المطلق والحالة الرابعة للمادة مستوحيا تلك الجغرافيات العربية كما وضع كتابين عن فلسطين 1 تاريخ فلسطين و فلسطين السنة الصفر اللذين صدرا في باريس عن دار ماسبيرو اليسارية. وكان من أصدقائه الدكتور سامي الحندي الذي نقل إحدى قصائد غسبار و ظهرت بخطة في ديوانه الحالة الرابعة للمادة.
غادر فلسطين المحتلة عقب عدوان حزيران 1967 في اللحظة التي بدأ فيها الانفتاح على فلسفة اسبينورة التي كان لها أثر في صياغة رؤيته الشعرية للعالم.
في 1970 استقر نهائيا في تونس في ذاك البيت الذي يقع على السفح البحري لجبل سيدي بوسعيد وعمل جراحا بالمستشفى المركزي شارل نيكول. غادر أوائل التسعينات ليقيم في باريس وكان يعود من حين لآخر إلى بيته الذي انتقل إليه بضاحية قمرت البحرية شمال مدينة تونس…
أسس لوران غسبار في تونس مجلة ألف الفصلية التي ظلت تصدر حوالي أربع سنوات والتي أشرفت على القسم العربي لآخر أعدادها قبل أن تتوقف نهائيا. كان بيت لوران مكان لقاء شعراء ورسامين من أركان العالم الأربعة كما تشكلت حوله حلقة من المثقفين فلسطينيين وتونسيين وجزائريين. وكان أول من انتبه لشعر المقاومة الفلسطينية ونشر ترجمات لراشد حسين الذي كان صديقا له وسميح القاسم ومحمود درويش وصركون بولس ونزار قباني… وكثيرا ما كان يحدثني وبكل أسى عن موت راشد حسين التراجيدي…