ليس خافيا على قطاع كبير من الباحثين والمهتمين بملاحظة الخطابات السائدة اليوم في العالم العربي عموما، وفي المشرق العربي خاصة، وفي منطقة الخليج على نحو أخص، العودة الاستهلاكية الى استلهام التاريخ ومفرداته، تبركا ودعاية وثورة أحيانا، وهو استلهام تحفزه عوامل عديدة منها سياسي واقتصادي وأحيانا فكري من نحو ما نلاحظه من تركيز على ما يدعى بخطاب "الهوية" في مواجهة خطاب "العولمة" على سبيل المثال، وهي خطابات يستدعيها ويشحذها بصورة أكثر وضوحا الخطاب الإعلامي العربي، وتنشد في التراث (بصورته الشمولية الراكدة أو المقاومة) عنصر جذب ومفتاح نضال، والتراث "حمال أوجه" وهو طيع الاستخدام داخل المنظومات المغلقة، خاصة حين يكون التراث مادة بكرا لم تدرس دراسة نقدية، ولم يطلها النقاش الجاد.
هذا التمهيد يبدو ضروريا للمساعدة في الولوج إلى العالم المجهول والساحر والخلاب (وفق المفهوم الأركوني) للتراث في بلد مثل عمان، يفتخر على الدوام بتراثه وبتاريخه وهو تاريخ متجذر، لذلك يستعاد اليوم بسحره وفتنته بمناسبة ومن دونها، وليس أدل على ذلك من عديد الندوات والفعاليات التي تعقد على فترات هنا أو هناك، وهي فعاليات كان يمكن لها الإسهام في البدء بقراءة التراث العماني بصورة عصرية ناضجة بدلا من جعله مناسبة احتفائية لا تخرج عن النطاق الرسمي والإعلامي، مقاربة التراث بهذه الصورة تعني بداية تعميق الجهل به، وزيادة محاصرته في الثوب النفعي البحت إذ استحضاره في الغالب لا يعدو أن يكون ضربا من التخيلات والإستيهامات اللاشعورية من دون أن تكون المسألة انعكاسا حقيقيا للصيرورة التاريخية التي مر بها. في الواقع لا يمكن مطلقا مقاربة تراث ضخم كا لتراث العماني من دون الأخذ بالمناهج التي أتاحتها العلوم المعاصرة، ومن دون التخلي عن النظرة الساحرة التي طبعت معظم المحاولات السابقة. لنبدأ أولا وبصورة اجمالية سريعة النظر في بعض اشكاليات تناول التراث في عمان.
أولا:إشكاليات البحث في التراث العماني:
علينا أن نقر أولا بأن لعمان تاريخا ممتدا وعميقا، وأن عمان قطر تاريخي بكل ما توحي الكلمة من دلالات اجتماعية ونفسية وسياسية وفكرية وما تحمله من مخيال شعبي عارم، لكن في مقابل هذا الاعتراف علينا كذلك أن نميز بين التواريخ التي عرفتها عمان، كما أن علينا أن نميز بين ما كتب من تاريخ وبين ما أهمل منه، بين ما تتجه اليه الأنظار وبين ما حجبته أو أهملته قرون من الزمن والكتابات، بين التأريخ السياسي وما عداه من تواريخ. هذه اشكالية أولى تتلخص في الخلط الواضح بين التواريخ، ففيما كتب – على سبيل المثال – رغم أهميته لا نكاد نجد منه سوى القليل جدا وربما النادر من تاريخ اجتماعي ومن بحث في أصول الأشياء والظواهر والمعتقدات والملبس وشؤون الحياة المختلفة.
الاشكالية الثانية: تتمثل في ضرورة العمل على زحزحة سوء الفهم الذي ترتب على النظرة الشمولية والديماجوجية الى التاريخ في عمان، وهي نظرة كرستها كتابات وخطب ومنابر متعددة، ومن ثم فإن البداية التصحيحية للقراءة إذ ما أريد لها أن تستقيم فان علينا إعادة قراءة الأصول والمنابت وتصحيح المفاهيم والنظريات السائدة.
إذ بكل أسف عملت كتابات عديدة عرفتها المرحلة الحالية على تكريس المفهوم السياسي للتاريخ، فالتاريخ وفق هذا المفهوم ليس سوى خادم للسياسة، بهذا المعنى تم ويتم انتقاء المواضيع الدراسية في المناهج المدرسية والجامعية، بل وفي الندوات التي تعقد على فترات متباعدة، وذات الأمر ينطبق على القنوات الإعلامية المختلفة (تلفاز، صحف… الخ)، بل ان بعض الأساتذة الذين قدموا الى عمان لم يجدوا أسهل من التاريخ كمادة للدراسة، والنتيجة التي تحققت من جراء هذا الاستسهال أدت بدورها إلى خليط عجيب ومشوه من "الدراسات" بل أدى هذا الاستخدام النفعي إلى تكريس الاعتقادات السابقة وتأخير البدء في الدراسات النقدية المعمقة لما خلفه الأسلاف.
الإشكالية الثالثة: ضرورة الفصل المنهجي بين "التراث" و "التاريخ"، فـ "التاريخ" ليس سوى أحد مفاصل التراث في عمان، أما الصورة التي يتم التعامل بها مع الثقافة في عمان فهي أن التاريخ هو الدين والتراث،وأن التراث والدين هما التاريخ، وأن الدين هو التراث والتاريخ، انه خلط غريب لا يمكن معه لأية دراسة محدثة أن تحقق أي اسهام معرفي مطلقا، هذا الخلط يعيدنا إلى الخلف قرونا عديدة، حين كانت الكتابة عبارة عن تجميع لروايات متعددة في أغراض متعددة في مؤلف واحد.
الإشكالية الرابعة: يمثلها الكم الهائل من المؤلفات العمانية التي ما تزال الى اليوم دون طباعة، وما طبع منها يحتاج الى تحقيق منهجي حديث، إذ بدون المنهجية المعاصرة لا يمكن بحال اكتساب الوعي التاريخي هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان ما طبع منها لم يعرف القراءة النقدية مطلقا، فالمؤلفات التاريخية العمانية – على سبيل المثال – تحوي بالإضافة الى الأحداث وتواريخها ونوازل الدهر، مواد أدبية وفقهية واجتماعية شديدة التداخل والتعقيد، وهي بهذا المعنى أقرب إلى المؤلفات الموسوعية الجامعة، والعكس صحيح كذلك: اذ تضم المؤلفات غير التاريخية مسائل تاريخية قد لا تكون متوافرة في المؤلفات التاريخية ذاتها.القضية في الأساس كما يوضحها القروي متعلقة بالوثيقة المكتوبة، فالمؤرخ هو أحد المتعاملين معها وليس المتعامل الوحيد، هذا يعني ضمنيا أن المؤرخ المحترف المتخصص لا يملك بالضرورة الوعي التاريخي، قد يؤلف الاخباري الكتب العديدة في شؤون الماضي ومع ذلك يفشل في اكتساب ذلك الوعي، والوعي بالتاريخية لا يكتسب إلا بعد مقارنة المناهج المستعملة في العلوم الإنسانية وضمنها التاريخ، ونقدها نقدا دقيقا وافيا" يمثل القروي لكلامه بالقول "لنأخذ أي كتاب عن تاريخ أي بلد، نجد فيه قسما متعلقا بالأركيولوجيا وهو علم قائم بذاته، ثم قسما مبنيا على الوثائق المكتوبة، حسب المنهج الذي نتكلم عليه، ثم قسما متعلقا بالدراسات الاقتصادية التي تخضع لعلم خاص… الخ.لكن القارئ عندما يتصفح الكتاب لا ينتبه الى هذه المغايرة في أساليب البحث ويظن أن المعلومات حول الماضي كلها على مستوى واحد، بل قد يحصل أن المؤلف نفسه لا يعي هذه الظاهرة فيرتكب أخطاء استنتاجية" (1).
الإشكالية الخامسة: من يطالع المؤلفات العمانية بتعمق سيلاحظ أن الوازع الديني المحض كان الباعث الأول على تأليف معظمها بتنوعها وتعدد تصنيفاتها، انها مؤلفات قصد منها خدمة العقيدة وحدها باعتبار أن الحفاظ عليها كان هدفا للحافظ على الكيان القومي، تماما كما فعل المؤلفون المسلمون في القرون الهجرية الأولى، هذا بدوره يحيلنا الى ملاحظتين هامتين:
الأولى: أن تلك الكتابات ليست بالضرورة خالية من توجهات كتابها، في الواقع هي لا تروع الا أن تكون كذلك ومن ثم فانها على الأرجح مؤلفات ناقصة وغير طيعة القراءة كما يتوهم بعضهم، نجد – على سبيل المثال – أن أقدم مؤلف حاول تقصي الأحداث التاريخية في عمان، وأعني به كتاب "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" قد حدد له مؤلفه المنهج التأليفي الذي يقصده بقوله: وجعلته في ظاهره في القصص والأخبار، وباطنه في المذهب المختار هذا هو المؤلف الذي نقل عنه اللاحقون، إنه يمثل أهم المصادر التاريخية العمانية، علينا أن نعرف كذلك أن هذا المؤلف تمت كتابته في القرن الثامن عشر للميلاد، ولا يختلف الأمر مع كل من الشيخين السالمي (توفي في عام 1914هـ) ولاحقه السيابي (توفي في ثمانينات القرن العشرين) في مؤلفيهما "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان"، و"عمان عبر التاريخ" اذ يحدد الشيخ السالمي بوضوح شديد سبب تأليفه للتحفة، ذلك أن: "العدل وسيرة الفضل في عمان أكثر وجودا بعد الصحابة من سائر الأمصار، تشوقت نفسي الى كتابة ما أمكنني الوقوف عليه من آثار أئمة الهدى، ليعرف سيرتهم الجاهل بهم، وليقتدي بها الطالب لأثرهم، ويوضح الشيخ السيابي هدفه من التأليف بالتعليق على مقدمة الشيخ السالمي الذي سينقل عنه بشكل حرفي أكثر الأحداث فترى هذا العالم الجليل يجعل من علم التاريخ مما يعين على الاقتداء بالصالحين، وذلك أفضل ما يرشد الإنسان إلى الأعمال الصالحات، بينما يكتب ابن رزيق مؤلفه "الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين" بطلب من السيد حمد بن مولانا سالم بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد وذلك لـ"أشرح له ما سمعته وحفظته عن أهل المعرفة بالأنساب والأخبار المطابقة للصواب عن نسب الإمام الحميد أحمد بن سعيد، وما جرى في سيرته الجلية وملكته العلية، من القضية الرضية".
الثانية: التي يتوجب علينا عدم إغفالها ونحن نتحدث عن التراث والتاريخ العماني تتمثل في البعد الزمني للحقائق التاريخية عن زمن تدوينها، فبقدر ما يبتعد المرء عن عصر المؤلف بقدر ما تضيع أفكاره ويصعب فهم أقواله على وجهها الكامل، لأن كل قول صريح يخفي أقوالا ضمنية بديهية وهذه هي التي تضيع مع ذهاب الأجيال… فالحقيقة التاريخية كالحقيقة العلمية تبتعد أمامنا بقدر ما نلاحقها، لكن المهم هو بالضبط الحرص على الملاحقة – كما يرى القروي الأمر الذي يصل به الى استنتاج:
– أن الفارق الزمني يمحي ومن ثم يصبح الأصوات معاصرين لنا نستشيرهم ونحاورهم في أشياء مستجدة لا يمكن أن يكون لهم فيها رأي.
– أننا نتولى شيئا فشيئا منطق الكشف، يقول لسان الباحث: أنا وحدي أفهم مقصد ابن خلدون بل أفهم ما أراد قوله ولم يستطع.
هكذا يضع لنا القروي النتيجة التالية في "الحد الفاصل بين الفكر التاريخي وبين غيره هو رفضه للكشف ومعاصرة الأصوات للأحياء، يرفض أن يضع الدارس نفسه في نفس الحلبة مع كاتب من كتاب الماضي ويدعي أن بينهما تفاهما تلقائيا" 2.
التراث العماني يشمل كذلك المعتقدات والممارسات التي كانت موجودة، والبحث في هذا الجانب على قدر كبير من الأهمية إذا ما أريد البدء في بناء فكر بعيد عن الممارسات والطقوس الاجتماعية والتربوية الخاطئة.
هذه هي باختصار وتكثيف مجمل الإشكاليات التي ينبغي للدارس الحديث وهو يتعرض للحاضر والماضي في عمان بدرا سته أن يلتفت اليها والا يتخطاها دون تأمل دقيق.
مشاغل العلماء العمانيين (محاولة للتأمل):
تشكل القائمة التي أصدرتها وزارة التراث القومي والثقافة عام 1997 نموذجا معقولا – رغم ما تتضمنه من قصور – لمطالعة الجوانب الفكرية التي عني بها العمانيون، فالقائمة تتضمن ستمائة وسبعة وستين عنوانا، تتنوع بين جزء واحد، وجزءين، وثلاثة… ويصل بعضها الى تسعين جزءا، وقد تضمنتها تصنيفات على الترتيب:
أولا: كتب التفسير
ثانيا: كتب الفقه
ثالثا: كتب التاريخ
رابعا: كتب الأدب
خامسا: سلسلة تراثنا
سادسا: سلسلة دراسات
سابعا: كتب الطب
ثامنا: كتب الفلك
تاسعا: كتب البيئة.
وفق ما سبق يمكن لنا ترتيب العلوم المذكورة للتمكن من فهمها بصورة أكثر وضوحا على النحو الآتي:
كتب التفسير: 3
كتب الفقه: 450
كتب التاريخ: 73
كتب الأدب: 48
سلسلة تراثنا: 69
سلسلة الدراسات: 5
كتب الطب: 6
كتب الفلك: 12
كتب البيئة: 1
المجموع: 667
هذه الإحصائية يمكنها المساعدة في الوقوف على أهم منجزات العمانيين الفكرية، لكنها لا تعني أنها قائمة جامعة للتراث في عمان، ففضلا عن كونها وردت تحت عنوان عريض هو "مطبوعات وزارة التراث…" ومن ثم فإنها تجمع بين مؤلفات القدماء والمحدثين، هي كذلك لا تحوي سوى قسم من المؤلفات العمانية، انها تصلح لأن تكون عينة استطلاعية " إذ جاء ضمن النشرة الصادرة عن وزارة التراث ذاتها أن عدد المخطوطات التي: "تمكنت وزارة التراث القومي والثقافة من جمعها يبلغ (4161)، أما المخطوطات التي تقدر الوزارة أنها ما زالت موجودة بين يدي الأهالي بحوالي (000. 30) مخطوط. وبالرغم من وجود هامش كبير لأن تكون كثير من المخطوطات عبارة عن تكرار لمؤلفات بعينها الا أنه لا يمكننا بحال إلا التسليم بكون جزء مهم من التراث في عمان ما يزال بعيدا عن متناول الباحثين.
يمكن لنا الآن التدقيق في القائمة السابقة لنلاحظ:
أولا: أن المؤلفات المطبوعة ليست كلها من تأليف علماء عمانيين فمثلا مؤلفات علم التفسير وكذلك مؤلفات كتب الطب والبيئة وأغلب ما ورد تحت عنوان علم الفلك هي من تأليف غير العمانيين.
ثانيا: ان القائمة تخلط العام بالخاص من حيث الموضوعات، هي بهذا المعنى تقليدية تماما في فهرستها، فهي على سبيل المثال تخلط بين التراث والتاريخ، بين علم الكلام والتأريخ للمذهب الأباضي وعلمائه، وهذا عائد بصورة ما الى واقع الثقافة اليوم حيث ان تراثا مهما يدار من قبل موظفين اداريين لا علاقة لهم بضرورات ومقتضيات التصنيفات المعاصرة.
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الملاحظات السابقة يمكن لنا الاعتماد بصورة أكثر دقة على القائمة ذاتها لنتوغل أكثر فيما طرحته القائمة من مشاغل واهتمامات للعلماء العمانيين. كيف ذلك؟
أولا: في الوقت الذي تطرح فيه القائمة أربعمئة وخمسين مؤلفا فقهيا، وهو عدد هائل يشكل ما نسبته 67.4% بعض هذه المؤلفات تصل أجزاؤها الى تسعين جزءا، وبعضها الآخر أر بعين جزءا كما يوضحها الجدول التالي:
التمثيل عليها
عدد المفات
عدد الأجزاء
بيان الشرع
1
أكثر من 90 جزءا
المصنف
1
أكثر من 40 جزءا
الضياء، منهج الطالبين، معارج الآمال
6
بين 22 و 16 جزءا
الذهب، غاية المأمول، لباب الآثار سلاسل
8
بين 15 و 8 أجزاء
إرشاد الأنام، الجامع الجامع المفيد، جامع الجوهر
5
بين 7 و 5 أجزاء
فان نسبة المؤلفات الأدبية لا تصل الى أكثر من 7.1% ونسبة الكتب التاريخية الى حوالي 11%.
ثانيا: تضم القائمة ثلاثة وسبقين مؤلفا، ضمن تصنيف: كتب التاريخ منها عشرة مجلدات هي حصاد ندوة الدراسات العمانية (3)، وأربعة مجلدات للمؤلف الشيخ سالم بن حمود السيابي الموسوم بـ"عمان عبر التاريخ"، وقد وقف المؤلف بتأريخه الى بداية عهد حكم أسرة البوسعيد بعمان، وتحديدا الى عهد السلطان سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد، أما بقية المؤلفات فيمكن تقسيمها الى أربعة أقسام هي:
القسم الأول: وبه أكثر من أربعة عشر مؤلفا، يتناول المذهب الأباضي:علماء، عقيدة… الخ من تلك المؤلفات: الإمام جابر بن زيد وآثاره في الدعوة، وإزالة الوعثاء عن أتباع أبي الشعثاه، طلقات المعهد الرياضي في حلقات المذهب الأباضي، الأباضية بين الفرق الإسلامية، الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الأباضية… الخ.
القسم الثاني: يضم المؤلفات، التي كتبها مستشرقون ورحالة أوروبيون، أغلبهم بريطانيون عاشوا في الهند، وكانوا على صلة بعمان، وبعضهم اهتم بالتاريخ العماني من تلك المؤلفات: البلاد السعيدة، عمان مسيرا ومصيرا، تاريخ عمان، رحلة إلى عمان، رحلة طبيب في الجزيرة العربية، قصر جبرين وكتاباته، الكتابة في المساجد العمانية القديمة،… الخ، وتشكل هذه الكتب القسم الأكبر من المؤلفات الموجودة ضمن تبويب التاريخ.
القسم الثالث: المؤلفات، والكتيبات التي تتحدث عن بعض حكام عمان، وأغلبها يتناول سير بعض الحكام الملوك، وأسفارهم، من تلك المؤلفات: الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، سيرة ناصر بن مرشد، رحلة السلطان خليفة بن حارب الى أوروبا، عمان والولايات المتحدة… الخ.
القسم الرابع: ويضم المؤلفات التي تبحث في العادات العمانية، وفي الأمثال والحكم، كما تتحدث عن الأفلاج ووسائل الري في عمان… الخ، وهي مجموعة قليلة، لكن الملاحظة المهمة في هذا الجانب تكمن في عدم وجود أية دراسة تتناول هذا القسم من التراث، على الرغم من كونه تراثا قريبا من واقع العمانيين.
ثالثا: الكتب الأدبية، ويمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام:
الأول: يضم دواوين اشعر، إذ تضم القائمة تحت هذا الباب ما يزيد على ستة عشر ديوانا شعريا، بعضها عبارة من مننومات فقهية في قوالب شعرية، وأغلب تلك الدواوين معنونة بأسماء مؤلفيها من الشعراء، من تلك الدواوين: ديوان ابن رزيق، ديوان الستالي، ديوان الغشري، النبهاني، ديوان أبي سلم البهلاني، الفقه في إطار الأدب، الدر المنتخب في الفقه والأدب… الخ ويلاحظ على مطبوعات هذا الجانب غلبة الجانب الفقهي التعليمي، ومنظومات السلوك والتبتل والتقوى.
الثاني: ويتضمن مؤلفات اللفة: النحو، الصرف، العروض، من بين تلك المؤلفات: النفحة الوهبية في الأصول النحوية، المنهل الصافي في العروض والقوافي، شرح لامية الأفعال… الخ.
الثالث: يتضمن البحوث التي قدمت حديثا، حول بعض الشخصيات الفكرية، والأدبية في عمان، وهي محاولات بالرغم من أنها أنتجت حديثا في إطار رعاية المنتدى الأدبي التابع لوزارة التراث القومي والثقافة إلا أن جلها موسوم بأسماء بعضها يكاد يتكرر أكثر من مرة في المطبوع الواحد، وأغلبها يفتقر إلى مقومات البحث الحديث.من ذلك مثلا، النبهاني بين الإتباع والابتداع، قراءات في فكر الشيخ السالمي،…الخ.
الرابع: يتضمن المختصرات، والمختارات، التي جمعها مؤلفون معاصرون من المؤلف القديمة، من ذلك مثلا، مختارات من الشعر العماني، الموسوعة الميسرة من ديوان الستالي، شرح بلوغ الأمل في المفردات والجمل، خلاصة العمل في شرح بلوغ الأمل… الخ.وهي كراسات تشبه الحواشي التي عرفتها الحضارة الإسلامية في طور ركودها عندما عجز اللاحقون عن الإضافة الى ما أنتجه السابقون فعمدوا إلى الشروح والحواشي.
رابعا: سلسلة الدراسات، وتضم القائمة تحت هذا العنوان، أربعة كتيبات لا تختلف كثيرا عن سابقتها هي:
1) الجامعة ومشكلات العصر.
2) نظرة على المصادر التاريخية العمانية.
3) من اعلام عمان: صورة مشوقة من حياة الرعيل الأول، جزءان.
4) أبو بكر بن دريد الأزدي العماني.
ما الذي يمكننا الخروج به من هذا العرض، والتقسيم للمؤلفات التي تضمنتها القائمة؟
يبرز التحليل السابق والعرض والتقسيم للمؤلفات نتيجتين مباشرتين:
الأولى: غلبة الاهتمام بالتأليف في علوم الفقه، فالقائمة توضح بجلاء عناية العلماء العمانيين، بهذا الجانب، إذ تبدو القائمة في هذا الجانب متناولة القرون الهجرية منذ القرن الأول الهجري والى وقتنا المعاصر، إذ ترى أغلب المراجع الأباضية خاصة المتأخرة، أن جابر بن زيد المحدث والفقيه (توفي في نهاية القرن الأول الهجري، وهو تابعي)(4)، هو إمام المذهب الأباضي، وأنه ترك ايوانا فقهيا مكتوبا يقدر بعضهم حجمه بحمل أربعة جمال! لكنه لم يعثر عليه،، ويوجد في قائمة وزارة التراث القومي والثقافة كتيب جمعت فيه رسائل الإمام جابر بن زيد، فإذا صح ذلك أمكننا القول بالفعل ان المؤلفات التي تضمها القائمة تتناول القرون الهجرية جميعا، أي أن المؤلفات الفقهية المذكورة في القائمة تشتمل على مؤلفات القرون الخمسة عشر الهجرية (5)، فعلى الرغم من وجود مؤلفات في علوم أخرى الا أن علم الفقه ظل أكثرها خصوبة من حيث الكم، وهو ما يحيل بالضرورة الى الكيف، أي إلى الواقع وشروطه الحياتية والمعرفية معا، وبمعنى آخر يمكننا القول: إن العقلية الفقهية ظلت على الدوام مالكة شروط المعرفة ومنتجتها في عمان.وهو أمر غير مستغرب بالنسبة للباحث اليوم في تأريخ الأفكار.وذلك اذا ما أجبنا بوضوح على ما كان يعنيه علم الفقه لدى القدماء واذا ما علمنا أن العمل الفقهي قد استغرق خلال القرون الثلاثة الأولى (للهجرة) الطاقات الفكرية لدى الأمة الإسلامية الى حد لا نظير له، اذ لم يكن المسهمون في هذا الميدان هم علماء الكلام والمحدثون والإداريون فحسب، بل ان علماء اللغة والمؤرخين والأدبا، أسهموا بأنصبة في هذه المجموعة من المؤلفات التشريعية وفي مناقشة القضايا التشريعية ادكما يرى المستشرق هاملتون جيب (6). الفقه بهذا المعنى الذي يذكره جيب لا يعني فقط مسائل الحلال والحرام كما يروج لها اليوم بل يأخذ معنى أكثر شمولية وعمقا، انه يمثل منظومة فكرية وعملية كبرى، فهو نتاج متطلبات واقع المرحلة، وهي مرحلة لم تكن فيها العلوم قد قننت وأخذت مفاهيمها المختلفة، من نحو علوم العربية (الآلة)، وعلم التاريخ، وعلم الكلام، والتفسير، والحديث… الخ، إذ إن العلوم الإسلامية أخذت تتطور كما وكيفا ضمن منظومة التطور التي عرفتها الحضارة الإسلامية، وخاصة بعيد بداية حركة الترجمة التي أسسها وأشرف عليها الخليفة العباسي المأمون (تولى الخلافة ما بين 198 – 218).
للأسف الشديد ففي الوقت الذي أخذت فيه المؤلفات الفقهية التي أنتجها المسلمون ذلك المعنى الفكري الموسوعي الأشمل، اقتصرت النظرة لدى جل الذين حاولوا البحث في النتاج المعرفي للعلماء العمانيين على ثنائية فقه / شريعة، الأمر الذي جعل المؤلفات الفقهية الكبيرة للعلماء العمانيين بعيدة عن أيدي الدارسين المحدثين من جهة، وأسيرة خطابات غير فقهية بتطورها وبمدلولاتها اللغوية والأنثروبولوجية من جهة ثانية، وهو ما أسهم بدوره في سيادة النظرة الشمولية التبسيطية إلى ذلك التراث وإلى بعد عن متابعة تطوره الزمني الأمر الذي أدى الى قصور وجهل في ادراك تطور المعرفة في عمان، وهي نظرة ما تزال تسهم بفعالية في تحييد المحاولات الجادة للبحث في عمق التراث العماني، كما أنها تشرع الباب واسعا أمام التناول المجتزئ للمسائل الفقهية من دون أن يكون لها رابط بتاريخ إنتاجها، وبمعرفة المنحى الذي أخذت تدور فيه الكتابة في عمان، ذلك أن ما أطلعتنا عليه القائمة يحمل بالإضافة إلى ما دعي بـ"علم الفقه" وهو علم مكتوب،كتابات أخرى – وان بصورة محدودة – في جوانب أخرى من بينها التنجيم وعلوم السحر وعلوم الفلك، وهي علوم أسهمت تاريخيا وما تزال بفعالية على أرض الواقع في عمان وكان لها دورها في تشكيل بنية التفكيرني عمان، على أننا ندرك أن ثمة علوما لم يكن يقرها الفقه وعلوم الشريعة، الأمرا لذي يدفع بالتساؤل عن أصل تلك العلوم وكيف وصلت إلى عمان ولماذا وجدت لها أرضية اجتماعية / شعبية خصبة جعلتها تتواصل بقوة مثلها مثل علم الفقه ربما؟ ولماذا في المقابل لم تتمكن علوم مهمة أخرى من تحقيق المستوى ذاته من التقبل والشيوع؟ وقد نتساءل كذلك ونحن نجهل إلى اليوم الإجابة هل حققت هذه العلوم أو تلك تطورا في مفاهيمها ربناها ومحا ورتها وجدلها مع الواقع في عمان بل وفي خارج عمان؟!(7). هذا الحديث يدفع بنا ضرورة الى البحث في المسائل التي همشتها الكتابات، عن ذلك الارث الضخم من الثقافة الشفافية الفاعلة، وهو ما يدفعنا كذلك الى ضرورة الحديث عن الاتجاهات المعرفية التي عرفها العلماء العمانيون وكانت من مشاغلهم وإلى المدى الذي سمحوا فيه بتعدد العلوم وتجاورها جنبا الى جنب، وإلى ضرورة إعادة البحث في المدارس والمجالس والدواوين، كما أنه يجعلنا نتساءل عن مدى التواصل والانقطاع داخل الجسد الثقافي / التراثي مع الثقافات والمعارف التي عرفتها الحضارة الإسلامية في عهودها المختلفة.انها تساؤلات لا يفرضها البحث الحديث وحسب بل وضرورات الواقع الضاغط بثقافاته المتنوعة.
الثانية: قلة الاهتمام بالتأليف في العلوم الأخرى التي تضمنتها القائمة، ليس من حيث الكم فقط، حيث يصعب مقارنة العدد الإجمالي للمؤلفات الفقهية بعدد المؤلفات في العلوم الأخرى مجتمعة، بل في الواقع لأن معظم المؤلفات غير الفقهية لم يبدأ تأليفها الا في وقت متأخر ان أغلبها ينتمي الى ما بعد القرن الثاني عشر للهجرة / الثامن عشر للميلاد.
ان التساؤل الذي يمكن أن يفتح الباب أمام دراسات أخرى ليس هو: لماذا كان الاهتمام بالعلوم الفقهية طاغيا الى هذا الحد؟ ذلك أن الإجابة عليه قد عبقت من خلال المستشرق جيب بل الأهم من وجهة نظرنا هو التساؤل عن ماذا لو كانت مشاغل العلماء العمانيين الفكرية – على الأقل ما وصلنا الى الآن – قد تعددت وأخذت بجوانب معرفية أخرى عرفتها الحضارة الإسلامية في طور ازدهارها؟ وما هو الدور الاجتماعي والفكري الذي أنتجه تكريس جهود أجدادنا في خدمة علم الفقه ومن ثم في تشكيل مخيلة العمانيين على مدار القرن؟ ان هذه التساؤلات ومثيلاتها يطرحها بوضوح ذلك المسار الخطي الذي عرفه علم الفقه وظل يتعمق من قرن الى آخر: بمعنى آخر اذا كانت العلوم الأخرى قد شهدت انقطاعات رغم (وربما بسبب منه) تشكلها المتأخر فلماذا لم تأخذ المنحى التصاعدي الذي عرفه علم الفقه؟ لماذا ظلت تتعثر دائما؟ يمكننا التساؤل – دون أن نكون مبالغين – لماذا لم تكن لها أرضية صلبة تقوم عليها، رغم الأحداث الجسام التي مر بها التاريخ العماني وعلى الرغم من أننا نعلم من خلال تلك المؤلفات نفسها كيف أن المذهب الأباضي قد اغتنى في بداية تكوينه من الجدل الخصب الذي عرفه الرواد في حواضر الدولة الإسلامية؟ هاتان النتيجتان المركزيتان اللتان يمكن الخروج بهما بداية من خلال العرض السابق.
يمكننا الخروج بنتيجة ثالثة، لا تفصح عنها القائمة، وذلك اعتمادا على المؤلفات الفقهية والتاريخية الموجودة.كيف ذلك؟
اذا ما تتبعنا القائمة القائمة بتعمق أكثر فإننا نجدها تخصص ضمن كتب التاريخ أكثر من أربعة عشر مؤلفا، تتحدث عن المذهب الأباضي؛ علمائه، تأريخه، بطولاته، صموده في وجه المخالفين… الخ، هذا من الناحية التاريخية، نجد كذلك ناحية أخرى عنى بها العمانيون عناية كبيرة مي التاريخ للعقيدة الأباضية وابراز هويتها، وبيان حقيقتها، ودحض الأدلة المخالفة لها. أي أن هناك جانبين قد حظيا باهتمام في مؤلفات العمانيين، أحدهما جانب سياسي، والآخر جانب عقائدي وعلى ما بينهما من تناقض الا أن أية قراءة داخلية عميقة لن تعدم فته تساؤلات جذرية بالقواسم المشتركة المشكلة لكليهما، والخلاصة السريعة تكمن في القول انه اذا كان اهتمام العلماء العمانيين الرئيسي قد انصب على التأليف في مجال الفقه، فان تلك المؤلفات لم تكن فقهية بحتة، فهي الى جانب اهتماماتها الفقهية – وهي اهتمامات رئيسية – عملت كذلك على خلق ما يمكن تسميته بالأرضية المشتركة التي يمكن لها أن تقدم للمتلقين الفرصة للالتقاء فيها، أو عليها، ومن ثم فإن في الفقه سياسة كما أن في التاريخ عقيدة. هكذا كانت مشاغل العلماء العمانيين تتجه الى اثبات حقيقتين: حقيقة المذهب الأباضي (تاريخه السياسي والدفاع عن العقيدة ذاتها) تاريخه الكلامي الذي يمثل المرجعية الفكرية المتقدمة.ان هذه الخاتمة تؤكد ما بدأنا من قول وتمهد في الآن نفسه لبداية جديدة تنطلق من زحزحة المفاهيم والتصورات السابقة التي عمدت الى الخلط بين العلوم والمفاهيم، بل انها توفسر وان بصورة مقتضبة بعض الأسباب الكامنة وراء النظرة الشمولية التي انطلقت منها كنيرهن اكما بات في عدم التفريق بين التراث والتاريخ والعقيدة
الهوامش
1- المنهجية في الآداب والعلوم الانسانية. دار توبقال للنشر ط 2 ص 13، 14.
2- المرجع السابق، ص 13.
3- عقدت هذه الندوة في عام 1980، وتضمنت بحوثا عديدة، تم جمعها في عشرة مجلدات وأصدرتها الوزارة في عام 1986.
4- حول جابر بن زيد وديوانه يمكن الرجوع الى بكوش. يحيى محمد. فقه الإمام جابر بن زيد (بيروت: دار الغرب الإسلامي) ط 1: 1407هـ – 1986م ص 75، الصوافي.صالح بن أحمد.الإمام جابر بن زيد وآثاره في الدعوة (سلطنة عمان: وزارة الثراث الفومي والثقافة) ط 1402هـ = 1981، ص 51.
5- عدد الدكتور مبارك بن سيف الهاشمي في نبرة احتفالية نماذج من تلك المؤلفات بحسب كل قرن، منذ القرن الأول للهجرة والى القرن الثاني عشر، نستطيع من خلال القائمة التي بين أيدينا الوصول بتلك المؤلفات الى هذه الفترة بإضافة مؤلفات من مثل: معارج الأمال الذي كتب في القرن الثالث عشر، ارشاد الأنام الذي كتب في القرن الرابع عشر، والمختصرات التي تصدر هذه الأيام نحو: منهج الطالبين.انظر: الهاشمي.مبارك.وسائل المعرفة في الفكر الأباضي مخطوط (رسالة ماجستير من جامعة الأزهر بمصر (1410هـ = 1989م)، ص 41، 42، 43.
6- الجابري.محمد عابد، تكوين العقل العربي (بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي) ط 3: 1987، ص 96.
7- يعالج الباحث عبدالله الحراصي جزءا من هذه المسألة بتعمق في بحثه المعنون بـ"مظاهر التفاعل بين اللغة والسياق الاجتماعي" مجلة نزوى العدد الرابع والعشرون.
خالد العزري (كاتب من سلطنة عمان)