عبدالرحمن المسكري
باحث عماني
تمثل المدوّنة الفقهية العُمانية الكبيرةُ ميدانًا خصبًا للدّراسات الاجتماعيّة واللغويّة، ومجالا ثريًّا للبحوث التي تُعنى برصد التحوّلات في حياة “إنسان عُمان”: نمط حياته، وتاريخ أفكاره، وأشكال علاقاته…..؛ ذلك أن الخطابَ الدينيّ -عمومًا- مكوّنٌ محوريٌّ في بنية خطابِ المجتمع العمانيّ، وفضاء تعبيريٌّ واسع تتجاور فيه الأصوات الفاعلة في الميدان الاجتماعي.
ولما كان الخطاب الفقهي يتغيّا إنزال الأحكام في القضايا المرتبطة بشؤون الناس في حياتهم اليومية تحليلا وتحريما… وغير ذلك؛ ولما كانت الأحكام الفقهيّة تجاه قضيّة ما ناتجة عن تصورات واتجاهات؛ بل وممارسات اجتماعيّة في غالب الأحيان؛ فإن كل ذلك يمنحنا مشروعية التساؤل والنظر في الخطاب الفقهي بوصفه مرآة عاكسة للتمثلات الاجتماعية والتصورات الذهنيّة تجاه كثير من القضايا والأحداث والأفكار السائدة آنذاك.
تسعى هذه الورقة -إذن- إلى دراسة التمثلات الاجتماعية من منظور الخطاب الفقهي، كما تهدف إلى الكشف عن طبيعة العلاقات الاجتماعيّة، ودراسة أنماط القوى المؤثرة في الخطاب الفقهي، من خلال تحليل مخطوط “المنثور في العلم المأثور” لعبدالله بن سعيد المسكري (ق12 – 13هـ) مستندة في الدّرس والقراءة على أدبيات التحليل النقديّ للخطاب؛ بغية استخلاص التمثلات الاجتماعية، والتصورات الذهنيّة الجمعيّة تجاه القضايا المؤثّرة زمنَ إنتاج الخطاب ومكانه.
توطئة منهجية:
تتكئ هذه الورقة على رؤية تنظر إلى اللغة بوصفها شكلًا من أشكال الممارسة الاجتماعية. إن اللغة وفقا لهذه الرؤية سيرورة اجتماعية بحسب عبارة نورمان فاركلوف (Norman Fairclough). أي إنها خاضعة للشرط الاجتماعي في مستوى إنتاج النصوص، وفي مستوى تأويلها، وسيرورتا الإنتاج والتأويل ترتبطان بالدرايات والإدراكات المعرفية لمستعملي اللغة في المجتمع الواحد، التي تشمل: معرفتهم بلغتهم، وتمثلاتهم تجاه العالم، وأفكارهم، ومعتقداتهم، وعاداتهم، ومشاعرهم إزاء وضع اجتماعي معين. لذا فإن التحليل اللغوي القائم على رؤية اللغة بوصفها ممارسة اجتماعية يقتضي تحليل العلاقة بين النصوص وسيرورتيها الإنتاجية والتأويلية وشروطهما الاجتماعية2.
إن دراستنا للتمثلات -بوصفها نمطًا من أنماط المعاني القارّة في اللغة- تكمن في أنها تحيل إلى معارف ضمنيّة مشتركة بين أفراد مجتمعٍ يتواصلون فيما بينهم وفقًا لمقتضياتها. هذه المعارف تشمل “مجموع المعتقدات والمعارف والآراء التي ينتجها ويتقاسمها أفراد المجموعة الواحدة إزاء شيء اجتماعي معين”3. ومن الملاحظ أن التمثلات تتشكّل وتتبدّى بوضوح أكبرَ في الخطابات المتَّصلة بالشأن الاجتماعيّ؛ إذ يقوم بعضُها شاهدًا على معرفة دراياتٍ تجاه العالَم، ويقوم بعضُها الآخر على معرفة تحتوي على “أنساقِ قيمٍ” يتزود بها الأفرادُ ليعبّروا عن مواقفهم وأحكامهم في شأن الوقائع والواقع4.
إن القيمة الصدقيّة لهذه المعارف المُشتركة (التمثلات)، لا تعنينا من حيث كونها موضوعية حياديّة، أو أنها وهميّة ومنحازة وغير موضوعيّة، ما يُعنى به البحث هُنا هو الكشف عنها ورصدها؛ توثيقًا لما يمكن أن يكون تاريخًا لبنية معرفيّة ووضع اجتماعيّ من وجهةٍ أولى، وتفسيرًا لجانبٍ مما آلت إليه الأحداث في المحيط العُماني في ذلك الزمان (زمن إنتاج الخطاب) من وجهة ثانية؛ ذلك أن التمثّل بحسب أبريك (Abric) “نسق لتفسير الواقع؛ يقوم بإدارة علاقات الأفراد في محيطهم الفيزيائي والاجتماعي، ويحدّد سلوكياتهم وممارساتهم، ويوجه الأفعال والعلاقات الاجتماعية …. “5. وبعبارة موسكوفيسي (Moscovici) فإن التمثّلات الاجتماعيّة هي “جهاز من القيم والأفكار والمُمارسات المتعلّقة بمواضيع مُعينة، ومظاهر الوسط الاجتماعي وأبعاده، وهي لا تسمح فقط باستقرار إطار حياة الأفراد والجماعات فقط؛ بل إنها أداة لتوجيه إدراك الوضعيات وإعداد الإجابات”6.
إن المدوّنة الفقهية المدروسة في أساسها ليست توثيقًا أو تفسيرًا لأحداث تاريخية، أو نقلًا لأوضاع اجتماعية، أو كتابًا لتأريخ الأفكار والرؤى؛ إنه خطاب تشريعيٌّ يروم -في ظاهره- تنظيم الحياة وفقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية وأحكامها بحسب فهوم الفقهاء والعلماء في عصر ما؛ بيد أن قراءة الخطاب الفقهي من منظور نقدي؛ تتيح لنا قراءة خطابات مجاورة تتعلق بالسياق الاجتماعي العام، وطبيعة العلاقات الاجتماعية، وتقدم تصوراتٍ ومفاهيمَ في أمور الحياة العامة، وطبيعة الصراعات التي تعمل خلف اللغة. إن المدوّنة الفقهية هنا تُصبح وثيقةً تنقل لنا التمثّلات الاجتماعيّة في عصر ما، وتؤرخ المعرفة الإنسانية بواسطة اللغة.
إن التمثلات يتم تبنيها في ظلّ التفاعُل الاجتماعيّ الذي أثبتت اللسانيات التداوليّة واللسانيات الاجتماعيّة أنه يتجسّد أساسًا في اللغة7؛ ولما كانت اللغة غير منبتَّةٍ عن الوضع الاجتماعي العام؛ بل هي جزءٌ منه أو هي سيرورة اجتماعيّة كما سلف القول؛ فإن اللغة هنا تغدو أداة تؤرخ لما يمكن تسميته “بالتفكير الاجتماعي العام”، من منظور خطاب العلماء والفقهاء8. إن هذه الدراسة لا تسعى إلى الوصف المباشر للأحكام الشرعية، ولا إلى مناقشة الاستدلالات الفقهيّة في النص المدروس؛ وإنما تبحث في تفسير دلالاتها الثقافية، وتستنطق معانيها الاجتماعيّة المُضمرة، وتستخلص إشاراتها التاريخية، مستندة في ذلك على اللغة، واللغة وحدها.
وبناء على ما سبق؛ تقترح هذه الورقة مدخلًا لتأريخ الأفكار في عُمان، مدخلا يتوسّل العدّة المنهجيّة في قراءة المدونة التراثيّة العمانيّة عمومًا، والمدونة الفقهيّة على وجه الخصوص؛ بهدف اقتراح مشروعٍ بحثيّ في سياق الدراسات العمانية، يُعنى بدراسة الأفكار في إطار الشروط الاجتماعية التي تظهر في حقبة محددة من الحقب، بوصفها -أي الأفكار والتمثلات- تتشكل في إطار شبكة متحرّكة من الوقائع الاجتماعيّة. ولتحقيق غايات هذا المسعى البحثي تتقصد هذه الورقة إثارة الأسئلة الآتية:
ما مدى إمكانية اعتماد المدونات الفقهية مصدرًا لتوثيق التاريخ الاجتماعي؟ وهل تسعفنا لغة الخطاب المدروس في تأريخ الواقع الاجتماعي؟ (الأفكار والمعتقدات، وأنماط الحياة الاجتماعية، العلاقات، السلطات الاجتماعية …..)
كيف يعمل الخطاب الفقهي على تمثيل الواقع الاجتماعي؟
ما أهم التمثلات البارزة والمؤثرة في السياق الاجتماعي زمن إنتاج الخطاب؟
المدونة: كتاب ” المأثور في العلم المنثور”
” المأثور في العلم المنثور” كتاب في الفقه ما زال مخطوطًا، ألّفه عبدالله بن سعيد المسكري (ق 12- 13هـ)9 وجمع فيه مسائل فقهية مختلفة ورتبها في فصول. تضم النسخة التي بين أيدينا -الأجزاء الثلاثة الأولى من الكتاب، ويبدو أن أصله يقع في أكثر من ذلك؛ إذ ذُيّل الجزء الثالث من الكتاب بإشارة إلى الانتقال إلى الجزء الرابع: “تم الجزء الثالث من كتاب المنثور في العلم المأثور، ويتلوه إن شاء الله الجزء الرابع في أحكام الأنهار والقعادات والمساجد والوقوفات وغير ذلك”10، الأمر الذي يعني أن الكتاب في أصله يقع في أكثر من ثلاثة أجزاء. يعود نسخ هذا المخطوط إلى الناسخ سليمان بن سيف بن سليمان الإسماعيلي، الذي وثّق فراغه من نسخ الجزء الثالث منه بتاريخ يوم السادس عشر من ذي الحجة 1216 هـ.
وقد جاء اختيار هذا المخطوط في إطار العمل التطبيقي لهذه الدراسة لسبب موضوعيّ؛ وهو أنّ المؤلف ينقل كثيرًا من أقوال فقهاء عصره المجايلين له، أو من كان قريب عهدٍ بهم؛ من مثل ناصر بن خميس الحمراشدي11، وعبدالله بن محمد الناعبي12، وراشد بن سعيد الجهضمي13 وحبيب بن سالم أمبوسعيدي14، وسالم بن خميس المحليوي15 وغيرهم. وبالنظر إلى سِيَر هؤلاء العلماء نجد أنهم كانوا ذوي تأثير في الواقع السياسيّ والعلميّ والاجتماعيّ، فإلى جانب كونهم فقهاء وعلماء في علوم التشريع والشريعة؛ كانوا في الوقت نفسه قادة للجيش، وولاة لبعض ولايات عُمان، وكانوا من بين أهل الحل والعقد في عُمان آنذاك. والمؤلف إذ يورد آراءهم وفتاواهم فإنه لا يكتفي بالنقل عنهم؛ وإنما يضيف معلقًا وشارحًا ومرجّحًا في بعض الأحيان، الأمر الذي يعني أن الخطاب المدروس أقام علاقات حوارية مع مختلف الأصوات الفاعلة في الواقع العلمي والاجتماعي في عُمان، وبالنتيجة فإنه ينقل لنا كثيرًا من الأفكار والقضايا الاجتماعية التي تشغل الذهنيّة الجمعيّة، ويدلّل بصورة أوضح على التمثّلات الاجتماعيّة السائدة في ذلك العصر.
الإطار التطبيقي
أشرع في تحليل سبعة نصوصٍ مختارة من كتاب “المنثور في العلم المأثور”، لاستقراء دلالاتها الاجتماعية، واستنطاق واقعها الاجتماعي؛ انطلاقا من معالجة عناصر الأحداث التي تشتمل عليها النصوص: أشكال النشاط أو الأفعال، والأشخاص (الفاعلون الاجتماعيون) والعلاقات، والموجودات، والأزمنة والأماكن، واللغة.
النص (1)
ينقل المؤلف عن عبدالله بن محمد بن بشير بن مداد قوله: ” وجدتُ في آثار المسلمين إذا اجتمع أهل البلد ودفعوا زكاتهم إلى ثقة منهم، ودفعها ذلك الثقة إلى السلطان أو إلى من يخافون منه الضرر على البلاد، أو صرفوها في وجه دولة أقبلت إلى بلادهم لقتال عدوهم، ليحموها من السباء والحرب؛ فجايز لهم ذلك، وتسقط عنهم الزكاة في هذا كله، ولو استأجروا بها شراة لقتال عدوّهم ومنع بلادهم؛ فذلك جايز لهم على قول بعض المسلمين أهل العلم والدين، ولو رضي بعض أهل البلد، وكره بعض، فالحجة حجةُ جباهِ البَلد، ولا حجَّة لرُعَاعِهم. وأمّا إذا قبضها الثّقةُ على وجه الاحتساب منه للقيام بالحقّ والعدل ولحمايَة البلاد والعباد عن الظلم والفساد؛ فذلك جايز على قول بعض المسلمين، وإن كان هذا القابض للزكاة لا يقدر على القيام والذبِّ عن حريم البلد، ولم يقبضها لأجل فقره، وكان فقيرا؛ فعلى هذا حتى تنفذ على وجه حقٍّ جايز؛ فيبرأ المسلِّم، والمسلَّم إليه “16.
يأتي هذا النصُّ في سياق المسائل الواردة في فصل الزكاة، كما هي العادة في المصنفات الفقهيّة. إن ما يهمنا في هذا التحليل ليس مناقشة الأحكام الفقهية في المسألة المطروحة بقدر ما نُعنى بكشف دلالاتها في السياق الاجتماعي ورصد التمثلات الاجتماعية التي تنقلها لنا اللغة كما سنحاول تبين ذلك. نلاحظ أن أحداث هذه المسألة الفقهية أو الحادثة النازلة جاءت على مستوى معيّن من التجريد والعموم من حيث حضور عناصر الأحداث الاجتماعية أو استبعادها؛ فمع أنه لم ترد تسمية حادثة بغي بعينها تستوجب أن تدفع إليها أموال الزكاة “فتسقط” عنهم الزكاة بذلك، كما أنه لم تتم الإشارة إلى اسم باغٍ بعينه، ولم يُذكر اسم بلد وقع عليها فعل البغي، ولم تُذكر مجموعة معينة من البشر وقع عليها العدوان؛ إلا أن النصّ عيّنَ تعيينًا “جزئيا” الأشخاص/ الفاعلين الاجتماعيين: “السلطان- أهل البلد- الثقة من أهل البلد- شراة- أهل العلم والدين- جباه البلد – رعاع البلد”.
إن صيغة النص التجريدية تُظهر لنا بوضوح الكيفية التي يتم من خلالها تصنيف الأشياء، أعني الرؤى أو أنساق التصنيف التي يعتمدها الخطاب في تصنيف “الواقع الاجتماعي” على مستوى الفاعلين (الأشخاص) أو على مستوى الأحداث أو أشكال النشاط. فمثلا يأتي ذكر “السلطان”- وفقا للمعنى الضمني الذي يحتمله تركيب الجملة- في دائرة المعتدين والمفسدين؛ بل إن دفع أموال الزكاة إليه -بحسب الحكم الفقهي- يسقط عن المكلفين فرض الزكاة، حتى لكأن دفع أموال الزكاة إليه حتى يكف ضرره واعتداءه عن البلاد مصرفٌ من مصارف الزكاة. وتبيين المعنى الضمني الذي تحتمله الجملة في البنية التركيبية الآتية:
م1: بما أن دفع الزكاة إلى السلطان = يجوز ويسقط عنهم الزكاة.
م2: وبما أن دفع الزكاة إلى من يخاف منه الضرر = يجوز ويسقط عنهم الزكاة.
ن: إذن السلطان يساوي في التمثل الذهني للخطاب الفقهي ممن يُخاف منه الضرر على البلاد .
إن النصّ لم يذكر سلطانا معينا باسمه، (ربما يكون سلطانًا ذا سلطة وسطوة متعينًا عند المخاطِب والمخاطَب، لا سيّما وأنه جاء معرّفا بالألف واللام، أو ربما يُقصد بالسلطان في العُرف الفقهي الحاكمُ الذي لم يحظَ بانتخاب العلماء)، ما يهمنا هنا أن النص الفقهي المدروس لا يُحضر اسم سلطان معين ومحدد باسم، وإنما يحضره بصفة تصنيفية عامة ومجردة؛ فـ”السلطان” وفقًا لبنية النص يقع في قائمة البغاة المعتدين؛ بل إن التركيب اللغوي لهذه الجملة لا يُناقِش ما إذا كان السلطان ممن تنطبق عليهم صفة الجور والبغي أو لا؛ وإنما يطرح ذلك باعتبارها مسلَّمة من المسلَّمات التي يفترض أنها معرفة مشتركة في الواقع الاجتماعي أو لدى المخاطبين.
ومن وجهة أخرى، نقرأ في النص المعيار الاجتماعي الذي استند إليه الخطاب في توزيع السلطات وتحديد الطبقات الاجتماعية إن صح التعبير؛ ففي التصنيف الثنائي الذي يطرحه النص (جباه البلد – رعاع البلد)، يقدم لنا الرؤية أو المعيار الذي تم تصنيف الناس من خلاله إلى (جباه البلد) أو إلى (رعاع البلد): وفقا للبنية التركيبية الآتية:
م1: دفع مال الزكاة في وجه يرفع الضرر عن البلاد جائز على قول بعض المسلمين أهل العلم والدين.
م2: حتى إذا كره بعضُ أهل البلد فذلك جائز.
م3: لا حجة لمن يكره هذا القول لأهل العلم والدين.
ن1: إن الذين يكرهون قول أهل العلم والدين هم (رعاع البلد).
م4: إن الحجة هي للذين يتبعون قول بعض المسلمين أهل العلم والدين.
ن2: الذين يتبعون قول أهل العلم والدين هم (جباه البلد) .
يسعى هذا الخطاب إلى تكريس سلطة أهل العلم والدين (العلماء والفقهاء) في الذهنية الجمعية، وبالنتيجة في الواقع الاجتماعي؛ بل يقدمها باعتبارها سلطة اجتماعية لها القول الفصل حتى في الشؤون العامة؛ بله الاجتماعية والسياسية؛ فإذا ما داهم البلاد اعتداء وضرر خارجي أو داخلي؛ فإن الفقيه يجيز (يُشرّع = سلطة تشريع) للمجتمع بأن يدفع زكاته ليدفع الضرر عنه وبذلك يسقط عنهم فرض الزكاة، حتى وإن كره بعض أفراده هذا الرأي؛ وليس الأمرُ مقتصرًا على هذا وحسب؛ بل إنه يرى في الذين لا يوافقونه هذا الرأي بأنهم من (رعاع البلد) الذين لا يُلتفت إليهم ويتجاوز رأيهم. إن الذي يُعتمد قوله هم (جباه البلد) الذين يتبعون قول أهل العلم والدين (تنفيذ: سلطة تنفيذية). إن سلطة التنفيذ التي يقوم بها (جباه البلد) وفقا للخطاب؛ إنما تكتسب قوتها التنفيذية من اتباعها لقول العلماء والفقهاء (أهل العلم والدين).
إن هذا الخطاب يقدم خطاب أهل العلم والدين (العلماء والفقهاء) في موضع الهيمنة على الخطاب الآخر (الذي يرفض قول أهل العلم والدين)؛ بل ويحدد المواقع الاجتماعية وفقًا لمعيار المعرفة الفقهية والالتزام الديني، وينقل لنا مدى قوة سلطة (العلماء والفقهاء) في عُمان آنذاك. (غير أننا سنتبين فيما بعد أن هذه سلطة في الواقع السياسي والاجتماعي لم تكن مطلقة زمن تأليف هذا الكتاب، إذ يبدو أنها شهدت تراجعا وضعفا هي الأخرى، إذ نازعتها سلطات أخرى كما ستفصح اللغة عن ذلك لاحقا).
ومن زاوية نظر أخرى؛ إن هذا النص يثير التساؤل ويبعث على التفكير؛ إذ ما الذي يدعو الفقيه إلى إصدار فتوى تُجيز “تحويل” صرف أموال زكاة المسلمين من مصارفها المعتادة؛ ليتم صرفها لأجل حماية البلاد من أي ضرر محتمل؟ وما الظرف الذي استدعى وجود السؤال أصلا؟
ألا يمكن أن نقرأ من خلال هذا النص -مع أنه فتوى فقهية في فصل الزكاة- شعورًا اجتماعيًا عامًا إزاء وضع سياسيّ واجتماعيّ مُضطرب في عُمان آنذاك؟! اضطرابًا منشؤه ضعف في الحكم والقوة السياسية، الأمر الذي استوجب توفير المال اللازم لحماية البلاد من أي اعتداء، حتى وإن استدعت الحاجة إلى استعمال أموال الزكاة لهذا الغرض. إن هذه المسألة الفقهية التي يطرحها النص -في رأيي- ليست من قبيل مسائل فقه التوقّع، وإنما هي استجابة لواقع اجتماعي ما.
إنني أرى أن هذا الأسئلة تكتسب مشروعيتها من خلال بعض الدلائل التي يتيحها النص نفسه، أفصلها في الآتي:
الدلالات التي يحملها تعبير “يُسْقِط”؛
إذ يفترض أن دفع أموال الزكاة لحماية أموال الزكاة ليس مصرفا من المصارف التي نص عليها الشارع، وإنما هي حالة استثنائية توجبها الحالة الظرفية التي تمر بها البلاد.
وليس خافيًا أن استعارة “سقوط التكليف” شائعة في الخطاب الفقهي عمومًا، وهي تقتضي أن تكليف الإنسان بمقتضيات الشريعة الإسلامية أمر “قائم” وهو الأصل، ما لم تطرأ عليه عوارض “تسقط” مسؤولية التكليف عنه، فسقوط التكليف استثناء فرضته ظروف واقعية. والأمر نفسه يمكن قوله في مسألة الزكاة الواردة في النص، إذ إن النص يفترض:
أن تكليف المجتمع المسلم بتأدية الزكاة إلى مستحقيها أمر “قائم” في الأصل.
إذا طرأ على المجتمع أي عدوان فيجوز دفع أموال الزكاة لدفع الضرر عن البلاد، وهو أمر “يسقط” عنهم التكليف بالزكاة.
إن كلمة “يُسقط” تفترض هنا أن دفع الزكاة في وجه رد العدوان عن البلاد ليس وجها من وجوه صرف أموال الزكاة؛ وإنما هو “اضطرار وإكراه” فرضته ظروف استثنائية؛ ذلك أنه من المعلوم أن مصارف الزكاة الواردة في القرآن الكريم ثمانية مصارف ليس من بينها مصرف (دفع الجزية لسلطان أو باغ حتى يكف ضرره) أو (دفعها لدولة أخرى تقوم بحماية البلاد) أو (لاستئجار شراة لقتال معتدٍ على البلاد). من هنا يمكن أن نستشفّ أن الوضع الاجتماعي والسياسي العام في البلاد هو الذي فرض عليهم استحداث مصرف آخر للزكاة، وهو دفعُ العدوان عن البلد، سواء بدفع زكواتهم إلى سلطان باغٍ، أو إلى من يخافون منه الضرر، أو أن يدفعوا زكواتهم إلى دولة يمكنها أن تحميهم من عداوات الباغين والمعتدين، أو أن يستأجروا “شراة” للدفاع عن البلاد.
التكرار والإلحاح: الذي يتمثل في تقليب أوجه المسألة وفقا للأوضاع الاجتماعية المحتملة:
إذا اجتمع أهل البلد ودفعوا زكاتهم إلى ثقة منهم، ودفعها ذلك الثقة إلى السلطان أو إلى من يخافون منه الضرر على البلاد، أو صرفوها في وجه دولة أقبلت إلى بلادهم لقتال عدوهم، ليحموها من السباء والحرب؛ فجايز لهم ذلك، وتسقط عنهم الزكاة في هذا كله.
ولو استأجروا بها شراة لقتال عدوّهم ومنع بلادهم؛ فذلك جايز لهم على قول بعض المسلمين أهل العلم والدين.
إذا قبضها الثقة على وجه الاحتساب منه للقيام بالحق والعدل ولحماية البلاد والعباد عن الظلم والفساد؛ فذلك جايز على قول بعض المسلمين.
وإن كان هذا القابض للزكاة لا يقدر على القيام والذب عن حريم البلد، ولم يقبضها لأجل فقره، وكان فقيرا؛ فعلى هذا حتى تنفذ على وجه حق جايز؛ فيبرأ المسلِّم، والمسلَّم إليه.
إن هذه الأوجه الأربعة للمسألة الفقهية تفترض كلها وقوع عدوان على البلاد، وأن هذا الوضع الاجتماعي يجيز تُحويل أموال الزكاة لتمويل الدفاع عنها وفقا للوجوه الأربعة التي احتملها النص. إن هذا “الإلحاح” وتكرار الافتراضات السابقة، يشي بأن هذه المسألة الفقهية هي الأخرى مُلحّة وطارئة أيضا في مستوى الواقع الاجتماعي والسياسي، أو هي مسألة استدعت تفكير الذهنية الفقهية على الأقل.
وإذا كان إسقاط تأدية الزكاة هذا استثناء فرضته ظروف واقعية في ذلك الزمان؛ فإلى أي مدى كانت الظروف الاجتماعية ذات تأثير في صياغة الأحكام الفقهية؟ وبصيغة أخرى: ما مدى تأثر مسار الفتوى بالأوضاع الاجتماعية في عُمان؟
المعجم.. ودلالته الإحصائية:
إذا عمدنا إلى قراءة النص من زاوية معجميّة إحصائية، لوجدنا أنها تعضد التحليل الذي سبقت الإشارة إليه؛ فمع أن المسألة فقهية، وجاءت في سياق الحديث عن الفرائض التعبدية، وتحديدا فريضة الزكاة وما يتصل بها، إلا أن “معجم النص” سادته المفردات المرتبطة بالوضع السياسي القلق والمضطرب. وتبعا لهذا التحليل: يمكن تقسيم المعجم النصي إلى حقلين رئيسين:
الحقل الأول (الزكاة ومتعلقاتها): (دفع، صرف، قبض، تنفذ، المسلِّم والمسلَّم إليه).
والحقل الثاني: (الوضع السياسي): (خوف، ضرر، قتال، سباء، حرب، شراة، عدو، منع البلاد، حماية البلاد، الظلم، الفساد، الذب، حريم البلد).
وكما هو ملحوظ؛ ففي هذا النص القصير بلغ عدد تكرار المفردات المرتبطة بالوضع السياسي المضطرب 24 مرة، في حين أن المفردات المرتبطة بفريضة الزكاة لم ترد سوى 11 مرة.
النص (2):
وينقل المؤلف عن راشد بن سعيد الجهضمي قوله: “إن الإمام إذا كان في حال البراءة لا يجوز لأحد تسليم الزكاة إليه ولا إلى ولاته، وأما إذا كان في حال الوقوف فالله أعلم؛ لأن بعض المسلمين لا يُجيز الوقوف عن الأئمة لمن كان في عصرهم ومصرهم، ولا يكون إلا البراءة أو الولاية، وفي هذا تفسير يطول شرحه”17.
يتموضع الفقيه في هذا النص، وفي نصوص أخرى ترد في ثنايا الكتاب، بصفته ممثلا لسلطة ذات تأثير فاعل في السياق الاجتماعي، إذ يبين النصُّ الفعل الذي يفرضه العلماء والفقهاء في الواقع الاجتماعي آنذاك إلى جانب سلطة الإمام الحاكم، فالنص الفقهيّ يحدد من يجوز أن تسلم إليه الزكاة من الأئمة أو ولاتهم بالنظر إلى تقدير الموقف منهم؛ إن كانوا في حال ولاية أو في حال براءة. فمن الذي يقدر الموقف من الإمام إذا ما كان في حال البراءة أو في حال الولاية؟ وما المعايير التي يتم على أساسها تقدير الموقف ؟!
إن الكتاب عموما -فصل الزكاة منه خصوصا- يشير إلى مسألة الإمام العادل وثبات إمامته، والإمام غير العادل في كثير من سياقاته. ومن بين هذه النصوص، النص الآتي:
النص (3)
“وقال الفقيه راشد بن سعيد الجهضمي -رحمه الله-، إذا كان القابض للزكاة ثقة، وجعله أهل الأموال وكيلا لهم في إنفاذها إلى أهلها مع عدم القايم في البلد؛ فإذا سلمها إلى أحد من أئمة العدل الثابتة إمامتهم بما لا يختلف فيه قول أهل العدل وأنفذها في مستحقها من أهل السهام الذين ذكرهم الله في كتابه، فهو وجه خلاص للجميع على هذه الصفة إن شاء الله، وعلى غير هذه الصفة القابض ضامن لما قبضه من الأموال وعليه رده إليهم، وعليهم إخراجها إلى من أوجبه الله عليهم”18.
يقرِّرُ الفقيه في هذا النص أن الخلاص من تأدية فريضة الزكاة متوقفٌ في جزءٍ منه على تسليم الزكاة إلى إمام عادل تثبتت إمامته، وثبات إمامته مرهون برأي “أهل العدل” فيه، أهو ثابت الإمامة أو لا ؟ و”أهل العدل” هم في الواقع العلماء والفقهاء أنفسهم. إن هذا النص يقرر موقع العلماء والفقهاء الفاعل في الإطار الاجتماعي والسياسي من منظور الخطاب الفقهي؛ فالفقيه باعتباره ممثلا لسلطةٍ في الواقع الاجتماعي يتموضع في مكانة عليا تفوق سلطة الحاكم؛ إن لم تكن موازية له على الأقل؛ إذ إن له القرار في الحكم على ثبات إمامة الإمام من عدمها، وبالنتيجة فإن له أن يقرر ما إذا كان يجوز تسليم أموال الزكاة إليه أو إلى ولاته ليتولوا شأنها.
ومن زاوية أخرى؛ يقرر النص وجود “إمام العدل الثابتة إمامته” وهو ما يفترض احتمال وجود إمام إمامتُه غير ثابتة؛ بل يقضي بأن تسليم الزكاة إلى إمام غير ثابت الإمامة ” لا يُخلص” المرء من مسؤولية تأدية الزكاة. وهنا يبرز سؤال ملح: إذا كان تنصيب الأئمة وعزلهم وفقا لنظام الإمامة الإباضي يكون من قبل هيئة “أهل الحل والعقد” الذين هم في الأصل العلماء والفقهاء أنفسهم، وفقًا لمعايير ليس أقلها أهمية العدل والنزاهة…، فكيف يمكن أن يكون الإمام في حالة براءة؟ وما الذي يمكن أن يجعل رجلا متبرأ منه من قبل “العلماء والفقهاء” إمامًا على المسلمين؟ وبصيغة أخرى: هل ثمة إكراهات اضطرت المجتمع حتى يُصبح الخارجُ عن ولايتهم، إماما عليهم؟
إن افتراض وجود إمام غير عادل أو إمام خارج عن ولاية المسلمين ونخبتهم (العلماء) الذين هم أهل الحل والعقد في الواقع، يقتضي أن هناك قوى أخرى في الواقع السياسي تنازع العلماء والفقهاء سلطتهم، أو بالأحرى تراجع قوة تأثير العلماء والفقهاء في الواقع السياسي الاجتماعي.
إن مساءلة النص، واستنطاق مضمراته ومصرّحاته، تُحيلنا إلى مجموعة من العلامات اللغوية التي تكشف لنا جانبا من طبيعة علاقات السلطة المؤثرة في عُمان آنذاك، وتفسر جوانب مما لمسناه في تحليلنا للنص السابق من ضعفٍ في البنية السياسية الحاكمة للبلاد عصر تأليف الكتاب.
النص (4):
” وسألت19 الشيخ الفقيه العالم النزيه راشد بن سعيد الجهضمي السمدي رحمه الله، وفي الوالي إذا أراد أن يقضيني أجرتي التي لي في بيت مال المسلمين من حصن إبرا من التمر الذي وضعه الإمام سيف بن سلطان خراجا على الرعية أيحل لي الأخذ منه أم لا، قال: إذا لم تعاين الغضب أو يصح عندك؛ فلا يضيق عليك أخذ ما ذكرت. وقد وجدت عن20 المرداس بن حدير -رحمه الله- مرّ به مال محمول من جباية الظلمة، فأخذ منه عطاه، وقال لأصحابه من كان له عطا فليأخذ، ولم يتعرض للباقي. ويوجد أيضا أن جابر بن زيد -رحمه الله- كان يأخذ جايزة من الحجاج بن يوسف ويأكلها، وكذلك يوجد عن الشيخ أبي الحسن -رحمه الله- كان يأكل هو وإخوانه من جايزة الجبابرة، فهؤلاء هم القدوة في الدين، والتأسي بهم حسن عند الضرورة.”21
هذا النص جاء في فصل الزكاة أيضا، مع أنه كما يبدو لا يناقش مسألة من مسائل الزكاة، إذ يسأل مؤلف الكتاب نفسه راشد بن سعيد الجهضمي عن جواز أن يأخذ حقوقه المالية من الأموال التي جمعها سيف بن سلطان من الرعية؟ إن السؤال يفترض الشك أو التساؤل في حلِّيَة هذا المال أصلا .. هل يجوز أخذ هذا المال؟ وهنا يظهر لنا سؤال آخر: هل السؤال عن حلّيَة المال لأنه خراج على الرعية؟ أو لأنه خراج وضعه سيف بن سلطان ؟ وبالنظر إلى إجابة الشيخ الفقيه؛ نجد أنها حملت معنى ضمنيا في صيغة اقتضائية؛ أي إنها تحمل مسلمة من المسلمات في التمثل الاجتماعي العام التي لا نقاش فيها، وهي أن سيف بن سلطان غير مرضي عنه وأنه داخل في دائرة الجبابرة والظلمة. إن السؤال هنا يتعلق بحلية أخذ الأجرة أو العطاء (الحقوق المالية) من الأموال التي جمعها الظلمة والجبابرة على اعتبار أن سيف بن سلطان واحد منهم. ويمكن تحليل البنية الاقتضائية في الآتي:
المعنى المنطوق: المرداس بن حدير أخذ عطاه من جباية الجبابرة وأمر أصحابه بذلك+ جابر بن زيد أكل جايزة الحجاج بن يوسف + أبو الحسن أكل من جائزة الجبابرة وأمر إخوانه بذلك.. لذلك يحل لك الأخذ من الأموال التي جمعها سيف بن سلطان.
المعنى المقتضى: سيف بن سلطان جبار وظالم وغير مرضي عنه.
إن ظاهرة الاقتضاء في الخطاب تُحيل إلى معانٍ مضمرةٍ ثاوية في البنية اللغوية تُستنطق من خلال مصرّحات الخطاب. هذه المعاني تستند على “معرفة بدهيّة مشتركة”22. إن صياغة المضامين في شكلٍ اقتضائيّ يفترض أن المُخاطَب يشاركه ويوافقه الرأي باعتباره أرضية من المعرفة الأساسية للنقاش، أو مسلمة من المسلّمات الاجتماعية، التي ليست في معرض النقاش أصلا.
يعضُد هذا التحليلَ دلالات استبعاد اسم “سيف بن سلطان” في نص إجابة (الشيخ المسؤول)، ذلك أن المسؤول مدركٌ ومتيقنٌ أن السائل يشاركه الرأي في شأن سيف بن سلطان، وبأنه ليس هو المقصود بالسؤال وأن أمره مفروغ منه، بل ليس في معرض السؤال أصلا؛ وإنما المقصود بالسؤال هو الحكم في الأخذ من المال الذي جمعه خراجًا على الرعية. وهو ما نستفيده من دلالة “ما” في قوله: “لا يضيق عليك أخذ ما ذكرت”.
إن الخطاب الفقهي المدروس ليس من مقاصده التأريخ للأحداث السياسية، ولا لأوضاع الواقع الاجتماعي في عمان آنذاك؛ غير أن مضمرات الخطاب ومعانيه الضمنية تقف شاهدة على واقع سياسي واجتماعي مرتبك آنذاك.
وإذا مضينا أكثر في تحليل النصوص نجد أن تجليات “الاضطراب السياسي وارتباك الموقف الاجتماعي” في النص الفقهي ليست مقتصرة على أواخر الدولة اليعربية، بل وحتى بدايات الدولة البوسعيدية في عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، إذ ينقل المؤلف سؤالا صريحا عن ثبات إمامة أحمد بن سعيد23، وجواز تسليم الزكاة إليه ، إذ أورد:
النص (5)
” وسُئل24 -رحمه الله- عن الإمام أحمد بن سعيد، أهو ثابتُ الإمامةِ ويجوز تَسليم الزّكاة إليه وإلى عمّاله، والمسير عنده لحرب من أراد حربه من المسلمين، قال: إنّي لم أحضر العقدة لمن ذكرت، ولكن اشتهر معنا من طريق السماع بتواتر الأخبار أن المشايخ أهل الرستاق ومن قدّر الله من أهل نزوى وإزكي أقاموا هذا الشخص المذكور إمامًا لهم ولكافّة المسلمين بعد أن استتابوه على شروط شرطوها عليه، والتوبة مقبولة إذا أتت على جميع أفعال التايب من المعاصي على الوجه الثابت في دين الله، وصدقها التايب بقول وفعل. والعقدة إذا وقعت من أهلها على الوجه الثابت في دين الله؛ فهي ثابتة على من حضر أو غاب، وليس لحاضر أن يرجع ولا لغايب أن يختار، والإمام إذا ثبتت إمامته بإجماع المسلمين فواجبة طاعته، ولازمة نصرته، وتسليم الزكاة إليه، وإلى عماله، وحرُمت عداوته ما استقام على طاعة الله ورسوله، وعمل بكتاب الله، والله أعلم.”25
من الملاحظ في بعض نصوص هذا الكتاب تكرارُ سؤالِ الثقةِ في الإمام وثبات إمامته وجواز تسليم الزكاة إليه، مع أنه لا يمكن أن يكون إمامًا إلا أن يُنتخب من قبل العلماء أنفسهم؛ إذن فمن أين يكتسب هذا السؤال شرعيته؟
إن هذا النص ينقل لنا “شعورًا مجتمعيًّا” عامًا تجاه إمامة أحمد بن سعيد (ربما في بداية عهده)؛ شعورًا بالريبة والتوجس وكأننا أمام مرحلة انتقالية، شعر إزاءها أفراد المجتمع العماني ونخبته أيضا (العلماء) بالقلق والريبة. فإذا كان السؤال عن ثبات الإمامة يفترض الشك والريبة في ثبات إمامة الإمام أصلا، فإن الإجابة هي الأخرى جاءت مؤكدة هذا الشك والتوجس:
لم يؤكد الجهضمي معرفته الشخصية بالإمام أحمد بن سعيد، إنما “سمع أخبارًا متواترة” عن تنصيب الإمام.
كما أنه لم يطلق حكمًا واضحًا وصريحًا في ثبات إمامة أحمد بن سعيد، بل اقتصر على توضيح “شروط ثبات الإمامة” وكأنه يقول: “إن انطبقت هذه الشروط على الشخص المذكور فإمامته ثابتة”.
لا يستحضر الجهضمي الإمام باسمه (أحمد بن سعيد)، ولا بصفته الوظيفية (إمام) مع أنه تم تنصيبه إمامًا للمسلمين كما يفيد سؤال السائل نفسه؛ فحضر بدل ذلك بالـ “الشخص المذكور”، و”من ذكرت”، فينقل لنا بذلك ضمنيا -وتلميحا دون تصريح- عدم معرفته بالإمام معرفة تامّة؛ بل وعدم التسليم التام لإمامته بعدُ، حتى زمن القول.
يعضد هذا التحليل نصٌ آخر، إذ يُلحّ السائل وهو المؤلف نفسه على معرفة رأي راشد بن سعيد الجهضمي في الإمام الجديد، فيقول له:
النص (6)
” قلت له26، وما يعجبك فيمن عليه زكاة أن يسلمها لعمال الإمام أحمد بن سعيد أو يفرقها على الفقراء، وما الرأي الصايب في ذلك، قال: أنت أعرف من غيرك بهذه المعاني، وكل مخصوص بعلمه، والناظر لنفسه فيما يرجو لها النجاة عند الله، وهذا أمر لا يفهمه ويتوصل إليه إلا من هداه الله بحادث لطفه، وكل من علم الله منه الصدق وفقه للخير، والإمام إذا ثبتت إمامته، وظهرت دعوته وقامت حجته؛ فجايز تسليم الزكاة إليه وإلى عماله، وأهل العدل مأمونون على دينهم، وواجبة لهم الطاعة والنصرة على ما قاموا به من دين الله على من خصه ذلك ولزمه من رعيتهم.”27
إن السؤال الفقهي في هذا النص منبنٍ على معرفة ضمنية أو على مقدمات يفترض السائلُ أن مخاطَبه يشاركه الرأي فيها، وهي في تصوري في الآتي:
الأصل أن الإمام تسلم إليه أموال الزكاة.
الإمام غير الموثوق أو الذي لا تثبت إمامته لا تسلم إليه أموال الزكاة.
إذن، فالسؤال عن جواز تسليم الزكاة إلى إمام ما، يقتضي الشك في موثوقيته، والريبة والتوجّس في ثبات أمانته. إن مضمرات السؤال لا تتضمن حكمًا صريحًا في إمامة أحمد بن سعيد، وإنما تحمل الشك والريبة والتوجس كما سبق القول. ويلاحظ هنا أيضا أن الجهضمي عمد إلى أسلوب الإشارة والتلميح، دون التصريح، كشأنه في الفتوى السابقة. وهو ما نستخلص منه أن إمامة أحمد بن سعيد استقبلت بشيء من الريبة والتوجس من قبل جملة من العلماء والفقهاء على الأقل.
ومن زاوية أخرى؛ يمكن القول: إن الاستعارة الواردة في النص رقم (6) في قوله “أقاموا هذا الرجل إمامًا لهم” تكشف عن بنية ذهنية سائدة في المجتمع، ذلك أن الاستعارة معبرة عن طريقة تفكير ومعرفة تجاه شيء معين. إن الاستعارة طريقة من طرق تمثيل العالم28؛ لذا أرى أن هذه الاستعارة معبرة عن نفوذ العلماء والفقهاء في الفعل الاجتماعي من جهة، ومكرسة لهذا النفوذ من جهة أخرى. إن خطورة الاستعارة تكمن في أنها تحمل رؤية ورأيا، هذه الرؤية تتغلغل في نسغ اللغة فتعمل على تكريسها في الواقع الاجتماعي من خلال شيوعها وانتشارها واستعمال المتحدثين بها.
إن النسق التصوري الذي انبنت عليه هذه الاستعارة -في تصوري- مبنيٌّ على فعل القيام العادي، الذي يماثله الجلوس أو الاستلقاء. إن فعل القيام يحتاج إلى قوة أكبر من فعل الجلوس؛ ولذلك فإن الذي لا يستطيع القيام كالطفل أو كبير السن فإنه محتاج إلى “من يقيمه”. وبالنتيجة فإن فعل “الإقامة” يقوم به من يملك القوة التي تمكنه من إقامة الآخرين الذين لا يستطيعون القيام.
الأمر نفسه يمكن قوله في شأن الإمامة والحكم؛ فإن الرجل لا يستطيع القيام بشؤون الإمامة إلا بعد إقامة العلماء والفقهاء له. إن هذه الاستعارة تعبر بوضوح عن مدى سلطة العلماء والفقهاء في الواقع الاجتماعي.
خلاصات
لقد أوضحت الدراسة أن الخطاب الفقهي عموما خطاب مؤثر في السياق الاجتماعي العام؛ إذ لا يمكن فصل اللغة عن أدوارها الاجتماعية وفعلها القار في البنية الاجتماعية، ذلك أن اللغة ليست أداة محايدة كما يقول تودروف، وإنما هي أداة معبرة عن الصراعات الاجتماعية القابعة خلف اللغة من جهة، وهي أداة فاعلة في ميادين التفاعل الاجتماعي من جهة أخرى.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الخطاب الفقهي يمثل ظاهرة ثقافية، إذ يعمل على تأريخ بعض التمثلات التي تتعلق بالبنية الاجتماعية في زمن محدد، وتنقل نصوصُه مستوياتِ الفاعلين الاجتماعيين وأدوارَهم وحقوقَهم وواجباتِهم والقوانينَ والمواصفاتِ السائدة عندهم، وكذلك الشأن بالنسبة للآراء والمعارف والآراء والأفكار والمعايير والقيم. وإلى جانب ذلك يؤرخ الخطاب أشكالا مختلفة من النشاطات الاجتماعية والموجودات المادية، فنجد أن النص على سبيل المثال: يوثق تاريخ النقود، وأسماء العملات النقدية المستخدمة وقيمتها السوقية آنذاك كاللاريات والمحمديات29. ويؤرخ لبعض النشاطات التجارية المرتبطة بالزراعة والتجارة والمعاملات المالية، فضلا عن الأنشطة الاجتماعية اليومية المتعلقة بالأطعمة30 والأشربة31 وطرق صناعتها كالخل والنبيذ والفرق بينهما32، والعلاجات الشعبية لمختلف الأمراض33، ومن ثمَّ فإنه بالمقابل يوثق لتاريخ الأمراض الطارئة على البلاد. كما يوثق تاريخ أفكار الناس ومعتقداتهم وتصوراتهم للقضايا المرتبطة بالماورائيات والغيبيات كعالم الملائكة وعالم الجن والسحر34 وغير ذلك مما لا يتسع للدراسة استقصاءه.
إن المدونة الفقهية العُمانية يمكن أن تصبح حقلا للدراسات الإناسية في قسميها (الاجتماعي – الثقافي)، التي ترصد تطور إنسان عُمان؛ نمط حياته، وأفكاره، وعلاقاته…… وتغدو العناصر اللغوية في هذا السياق “مفاتيح” ندلف من خلالها إلى الواقع الاجتماعي، و”علامات كاشفة” عن التمثلات السائدة في مجتمع ما في ظرف زماني ومكاني محددين.
إن الحفر النقدي في تراثنا العماني الفكري عموما لا سيما في المدونة الفقهية الكبيرة، دراسة وتحليلا وتفكيكا؛ لهو بحث في ذاكرة المجتمع وتاريخه الاجتماعي، وتحصين لها من التلف والتزييف، ومن التآكل والنسيان. فاللغة ذاكرة أمينة، ولاكتشاف خزائنها المثقلة بالعلامات الدالّة نعوِّل دائما على تحديث آليات القراءة والتحليل.
وختاما يجدر القول: إن قراءة ما توصلت إليه هذه الدراسة من نتائج، وما أثارته من أسئلة لا يمكن تعميمه على نطاق عام؛ إذ لا بد من التأكيد على محدوديتها واقتصارها على تحليل نصوص متفرقة من كتاب واحد. إن تعميم النتائج يستوجب تحليل مجموعة مدونات مرتبطة بالظرف التاريخي والمكاني نفسه.
المراجع والمصادر:
أحمد، جلول. ومؤمن بكوش الجموعي. “التصورات الاجتماعية- مدخل نظري” مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية العدد: السادس (2014) ص167-185 .
بلخير، عمر، معالم لدراسة تداولية وحجاجية للخطاب الصحفي، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، 2005-2006.
الحراصي، عبدالله. دراسات في الاستعارة المفهومية، مسقط: مؤسسة عمان للصحافة والنشر، 2002.
شارودو، باتريك، دومينيك مانغنو. معجم تحليل الخطاب. ترجمه: عبدالقادر المهيري، وحمادي صمود. تونس: دار سيناترا المركز الوطني للترجمة، 2008.
الشيباني، سلطان. ومحمد بن عامر العيسري. نوادر المخطوطات العمانية، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2015.
فاركلوف، نورمان. تحليل الخطاب، التحليل النصي في البحث الاجتماعي. ترجمه: طلال وهبه. راجعه نجوى نصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة، 2009
فيركلف، نورمان. “الخطاب بوصفه ممارسة اجتماعية.” الكرمل، العدد:64، يوليو، 2000: ص.153- 173.
فيركلف، نورمان. الخطاب والتغير الاجتماعي. ترجمه محمد عناني. القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2015.
فوداك، روث، ميشيل ماير، مناهج التحليل النقدي للخطاب. ترجمه: حسام أحمد فرج، عزة شبل محمد، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014.
المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور، مخطوط، وزارة التراث والثقافة مسجل برقم (2614).
موشلر، جاك، آن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة: عزالدين المجدوب وآخرين، تونس: دار سيناترا المركز الوطني للترجمة، 2010.
الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، مج.3، مج4، مج5، مج7، مج10 . 2014.
الهوامش
1. الورقة في أصلها مقدمة في ملتقى علمي بعنوان: “دراسات في المخطوطات العمانية”، تنظيم كل من الجامعة العربية المفتوحة – النادي الثقافي – المنتدى الأدبي، وقد أقيم الملتقى في رحاب النادي الثقافي بمسقط عام 2016.
2. ينظر: فيركلف، نورمان. “الخطاب بوصفه ممارسة اجتماعية.” الكرمل، العدد:64، يوليو، 2000: ص.153- 173. وللاطلاع بتوسع على مفاهيم الدراسة النقدية للغة، وتحليل اللغة في الإطار الاجتماعي؛ ينظر: فاركلوف، نورمان. تحليل الخطاب، التحليل النصي في البحث الاجتماعي. ترجمه: طلال وهبه. راجعه نجوى نصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة، 2009. و فوداك، روث، ميشيل ماير. (مناهج التحليل النقدي للخطاب). ترجمه: حسام أحمد فرج، عزة شبل محمد، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014. وفيركلف، نورمان. الخطاب والتغير الاجتماعي. ترجمة محمد عناني. القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2015.
3. شارودو، باتريك، دومينيك مانغنو. معجم تحليل الخطاب. ترجمه: عبدالقادر المهيري، وحمادي صمود، تونس: دار سناترا المركز الوطني للترجمة،2008 .ص.489.
4. شارودو، باتريك، دومينيك مانغنو. معجم تحليل الخطاب. مرجع سابق.ص.489.
5. نقلا عن: أحمد، جلول. ومؤمن بكوش الجموعي. “التصورات الاجتماعية- مدخل نظري” مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية العدد: السادس (2014) . ص.171.
6. نقلا عن: أحمد، جلول. ومؤمن بكوش الجموعي. “التصورات الاجتماعية- مدخل نظري” مرجع سابق. ص. 170.
7. بلخير، عمر، معالم لدراسة تداولية وحجاجية للخطاب الصحفي، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، 2005-2006، ص. 201.
8. تضطلع خطابات الدراية والاعتقاد بدور يتصل بالهوية، أي تُمثل الوساطة الاجتماعية التي تمكن أعضاء مجموعة أن يبنوا لأنفسهم وعيًا بالذات، ومن ثم هوية جمعية” ينظر: شارودو، باتريك، دومينيك مانغنو. معجم تحليل الخطاب. مرجع سابق ، ص 490.
9. هو عبدالله بن سعيد بن عبدالله المسكري (ق12- 13) نشأ في إبرا، وتتلمذ على يد سليمان بن ناصر الإسماعيلي، وحبيب بن سالم أمبوسعيدي، وراشد بن سعيد الجهضمي. ينظر: الموسوعة العمانية، 2014، مج.7 ص. 2381.
10. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور، مخطوط بوزارة التراث مسجل برقم (2614)، ص222.
11. ناصر بن خميس الحمراشدي: قائد وفقيه وشاعر من العقر بنزوى (ت 1127) عاش في القرن الحادي عشر والثلث الأول من القرن الثاني عشر الهجري، كان قائدا لجيش الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي لمحاربة البرتغاليين في مسقط. عاصر خمسة من الأئمة اليعاربة أولهم ناصر بن مرشد، وآخرهم سلطان بن سيف بن سلطان، كان عليه مدار الفتوى مع بعض علماء عصره في ذلك الزمان. ينظر: الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، 2013، مج10، ص 3589.
12. عبدالله بن محمد بن بشير الناعبي، فقيه ووالٍ عاش في زمن الدولة اليعربية، منذ عهد الإمام سيف بن سلطان الأول إلى بداية الانقسام بين اليعاربة في أواخر النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري. تذكر الموسوعة العمانية أنه تصدّر لبيعة الإمام محمد بن ناصر الغافري ( حكم 1137 – 1140 هـ) وعين واليا على نزوى. وأنه كان حيا إلى عام 1140 هـ وتوفي بعدها بقليل إذ لم يشهد بيعة الإمام بلعرب بن حِمير سنة 1146 هـ. ينظر: الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، 2013، مج 7، ص 2407.
13. راشد بن سعيد بن راشد الجهضمي، ( ت:1171ه) عالم وفقيه من سمد الشأن بشرقية عمان، كان من جملة العلماء الذين اجتمعوا لعزل الإمام بلعرب بن حِمير عن الإمامة في الفترة الثانية، ( 1157- 1162هـ). ينظر: الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، 2013، مج4، ص 1496.
14. حبيب بن سالم بن سعيد أمبوسعيدي، ( ت:1194هـ) فقيه من العقر بولاية نزوى، نشأ ضرير البصر، وأنشأ مدرسة عرفت باسمه. كان من العلماء الذين خلعوا بلعرب بن حمير من الإمامة سنة 1161 هـ وبايعوا الإمام أحمد بن سعيد سنة 1162هـ. له أجوبة فقهية للإمام أحمد بن سعيد تتعلق بتنظيم الدولة والتشريع السياسي في تلك المدة. ينظر: الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، 2013، مج3. ص. 1085.
15. سالم بن خميس بن سالم الحسيني ( ق 11-12هـ) فقيه ولد في بلدة محليا من وادي عندام بالمضيبي، وقد غلبت نسبته إلى بلدته فيقال ” المحليوي”. ينظر: الموسوعة العمانية، مسقط: وزارة التراث والثقافة، 2013، مج5. ص. 1696-1697.
16. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، ص 117- 118 .
17. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق. ص.109-110
18. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق. ص.107-108
19. في الأصل: “سُئل”.
20. في الأصل: “وقد وجد عن سيد المرسلين المرداس بن حدير”.
21. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، ص121-122.
22. تحيل المعاني الاقتضائية إلى اعتقادات تقبع خلف معانٍ منطوقة يعتبرها المتكلم صادقة، ويرى ستالينكار أن التواصل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان قائما على اعتقادات مشتركة بين المتكلم والمخاطب، للمزيد ينظر: موشلر، جاك، آن ريبول، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة: عز الدين المجدوب وآخرين، تونس: دار سيناترا المركز الوطني للترجمة، 2010. ص294.
23. ليس خافيا أن المصادر التاريخية تنقل روايات عديدة تتعلق بتولي الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي حكم عمان، إثر انهيار الدولة اليعربية والصراعات السياسية التي رافقت تلك المرحلة، والموقف العام المتوتّر وغير المستقر من انتقال السلطة إليه. إلا أننا في هذا الورقة آثرنا الاعتماد على العلامات النصية التي يتيحها لنا النص لقراءة الواقع السياسي الاجتماعي العام، دون الاعتماد أو اللجوء إلى الروايات التاريخية المتباينة.
24. يعني راشد بن سعيد الجهضمي.
25. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، ص.122 – 123.
26. يعني: راشد بن سعيد الجهضمي.
27. المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، ص121.
28. يُنظر: فاركلوف، نورمان. تحليل الخطاب، التحليل النصي في البحث الاجتماعي. مرجع سابق. ص.234
29. على سبيل المثال: ما ورد في فصل الزكاة وفصل الوصايا. ينظر: المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق. ص.122، ص.162.
30. ” ينظر على سبيل المثال المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق،ص66، ومن ذلك قوله : “وقيل أجود الأغذية السمن، وهو أدسم جميع الأشياء الدسمة، فإذا أدخل في المراهم أذهب اللحم الفاسد وأنبت اللحم الصالح”.
31. ينظر على سبيل المثال ما جاء في مسألة تحريم القهوة: المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، ص.160.
32. ينظر: المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق. ص.144.
33. ينظر على سبيل المثال المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق،ص.69 . ومن ذلك قوله: ” وفي رجل في صدره وجع وصار يدمي صدره شيئا غليظا جيفة مطروحة لا يهون ولا يخشع، وصار على صدره كالجبل الساقط ما دواه، قال يستعمل حليب البقر والغنم من ساعته ، والأحجار المحمية في النار تطرح فيه، ويترك فيه قليل من فقوش اللبان مع قليل صعتر ويشربه ما دام حارا، يدمن عليه ولو أربعين يوما ، فإنه يخرج القيح الفاسد، من الرية ويغسلها” .
34. ينظر على سبيل المثال المسكري، عبدالله سعيد، المنثور في العلم المأثور. مرجع سابق، بدءا من ص. 58. ومن ذلك قوله: ” وأما الجن فقد ذكروا أنه حيوان هوائي شفاف يتشكل بأشكال مختلفة، وللجن عقول وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة، وهم خلاف الإنس”.