التماعات السيف في يد تنضح ألفة تتعاكس مع التماعات أخرى في المحاجر , مازال الديك نائما أو لعله يغازل دجاجة الجيران للصرة الألف، ودت شهرزاد أن يصيح حتى تكف عن الكلام المباح , شهريار ينتظر، والسيف ينتظر.. أخرج السياف السيف من غمده، وعمدت شهرزاد الى نهدها فأخرجته من غمده، التماع السيف والتماع النهد، لكن الحكاية أثمن يا شهرزاد.. أثمن حتى من أعناق النسوة البيض اللاتي عرفهن السيف قبلك.
في الليلة الألف قالت شهرزاد:
يحكى يا مولاي عن مدينة النهر الأبيض أن المنهار انكشف عن فتاة في عمر اكتشاف الجسد، ساقان مثيرتان انحسر الثوب عنهما، فتجمع نصف سكان المدينة فاغرين أفواه النزق على الطريقين الموصلين الى فوهة جحيم الجسد، الفتاة في حالة اغماء والدم لا يخرج إلا من المصدر المجتثة نبتتاه اللتان بدأتا في الزحف الى خارج رحم الاستواء.
وحدث يا مولاي أن حكاية الفتاة تناسلت في كل مخدع، وخرجت الفتاة من سرية الخدوع الى حديث الألسن، وسؤال يطوف بشوارع الأسفلت وبأ عمدة النور: من فعل ذلك. وأين حمل النبتتين ؟
غزل الرعب أنفاسه في الأمهات اللاتي خفن على بناتهن من العنوسة، واحمر وجه الرجال الذين خافوا على النبتات الأخرى أن يجتثها منجل الحصاد، وفتيان المدينة رسموا على كل جدار تصورهم للنبتتين اللتين فجرتا الاهتمام بالنباتات الغضة التي تمد رأسها في الخفاء قبل أن تدخل بين أصابع عاشق أو فم طفل، لكن هذه المرة حصدهما منجل مجنون.
تساءل الناس لماذا ؟ والفتاة أضحت مزارا للمتطفلات اللاتي أردن التأكد من الاشاعات حول مريقة الاجتثاث، في كل ليلة نامت الصبايا حالمات بمنجل يخرج النبتات من غفواتهن الطويلة حسدا لغريمتهن التي أضحت حديث البشر داخل المدينة وخارجها.
في صباح آخر، تكرر المشهد مرة أخرى، صبية في ربيعها الرابع عشر، لا دم إلا في الصدر، بحث أول الفضوليين في أماكن – أخرى عن لون أحمر تخرجه مناديل الأعراس البيضاء عادة رمزا – للرجولة ولكن لم يجد الا استكانة البركان، والساقين مثلما هما، طريقا المخمل الى هاوية الوغبة، البشر رائحون وغادون الى المنزلين، والمفاجأة دائما في انتظارهما، ابتسامتان خفيفتان يواريهما وجهان على صدرين مقطوعين , في تلك الليلة نامت رغبة خفية كث صدور فتيات مدينة النهر الأبيض، فاللعبة ليست صدفة، وان كل النبتات البيضاء ريما ستجد المنجل رغم غضب الرجال الذين يعيشون على حلم غرس راياتهم في نبتات جديدة كل مرة، ناموا بخوف محرق على نعيم يجتث.
في مدينة النهر الأبيض حدث انقلاب عجيب، الشرطة تبحث عن السارق، وعن المسروقات، منعت التفاصيل عن الصحف المحلية، ووقفت محطات الفضاء الأجنبية على حدود المدينة، وتوزعت الأقمار الصناعية تـحاول رصد الفتاتين وتحركت أجهزة الكمبيوتر لتمزج صورا متخيلة عن أثداء مقطوعة، ورسامو الكاريكاتير سخروا من وضع المدينة، أحدهم رسم صورة شرطي يمسك بالمتهم الذي في يديه أربع حمامات بيضاء مشتبها أنها النبتات المجتثة، ساخر آخر رسم تصور اللص نائما على السرير يلعب بأربع أثداء دفعة واحده دون أن تكون هناك ملامح غيره بين أصحابها، في المساء افتتح معرضا للقناتين التشكيليين الذين أغوتهم اللعبة بايحاءاتها، أحدهم رسم أربعة اهرامات بيضاء ووادعة، وزار المعرض أكثر بكثير من عدد سكان المدينة، كتاب العمدة كتبوا كثيرا عن القضية، طرح أحدهم تخيلا عن فتيات المدينة، كتب أن على فتيات المدينة اغلاق صدورهن بالسلاسل وبالأقفال وآخر وصف عيون الرجال التي تتوزع بحزن وشجن على الصدور الراعشة تحت أثوابها. لم يهتم الرجال بالحلي والبشرة البيضاء أو بالأرداف، إنما بالحمالات وبفتحات المصدور التي بدأت بالاتساع يوما بعد آخر، حزنت الفتيات كثيرا، لقد تباعد الزمن بين الحادث الثاني والحادث المنتظر، تعب بعضهن من الانتظار، ولكن بعضهن تمسك بالأمل، الحمامات البيضاء تكاد تتساقط من الفتحات الواسعة على الصدوره نقوش الحناء زركشت بذهب الألوان الدوائر المحيطة بالحلمات التي خضبت بألوان عديدة أكثرها يقترب من الاحمرار. حتى تلك الانفراجات بين شهقة وأخرى زينت بالوشم، وظهرت تقليعات اتسمت بالكتابة على الغشاء الجلدي الرقيق، وعندما اقترب موعد الانتخابات في المدينة تنافس المرشحون في إظهار اهتمامهم بالأثداء،وأنهم سيعملون على تغيير شعار المدينة ليكون هذا الذي هو رهن الرغبة والخصوبة والنماء والحنان وسائر الصفات التي اكتسبها بقوة الاجتثاث الذي حدث لأربع نبتات بيضاء.
عاشت المدينة ثورتها الخاصة، انتعش اقتصادها وكثر زوارها، وانعدمت فيها البطالة والفقر، وصدر قرار من حاكم المدينة بتكريم الفتاتين ونقلهما الى قصرين خاصين، وسميت شوارع باسمهما وصدرت مؤلفات عنهما.
في صباح من صباحات المدينة الحافلة بالنشاط والحيوية، وعلى ناصية شارع ما، تكرر المشهد، نبتتان جميلتان وشهيتان كانتا في شموخ وكبرياء لم يكونا في مكانهما، الحلمتان اللتان اطارتا لب نصف سكان المدينة وغيرة نفسها الآخر خرجتا من الثوب الشفاف الى غير رجعة، حملها أهلها فرحين، وجلسوا يترقبون الأحداث السعيدة المفترضة. جاءت الرياح عكس التمني، سرت الشائعات جافة ومريبة:
– لقد حمل الحسد والجشع أهلها ففعلوا بها ذلك.
– يا لهم من قساة، فى سببل المال غامروا بابنتهم
– اللعنه على الفتاة، كان لها أجمل ئديين.
– كل فم بقترب منهما كان سيقترب من النعيم.
– كانا بكفيان لاشباع نصف سكان المدينة.
– من ثورنهما كانهما حدا خنجر ينفذان الى القلب مباشرة.
عاد الرعب في المدينة الى التصاعد، الرجال غاضبون مما يحدث، والفاعل دائما مجهول، الفتيات اغلقن فتحات الصدور بعد أن انزاحت الأجواء الأسطورية عن الأثار التي يتركها منجل الحصاد، وأصبح لزاما على أي خاطب أن يتأكد من أن المنجل لم يمر على خطيبته.
أحدث صوت شهريار قطعا في تفاصيل الصوت الشهرزادي طالبا أن يعرف شيئإ عن الفاعل.
قالت شهرزاد: يحكى يا مولاي أن الرجل الفاعل كان يديم النظر الى أثداء الفتيات، تعجبه تلك الاستدارات المجفونة تحت الأعناق الراعفة بالنزق المحموم، كلما ازداد اهتمامه ازداد هوسه، أنت تعرف يا مولاي أن الرجل تسقطه نظرة من العين فتتلتف بصره تكورات الصدر حتى إذا أسقط بصره مرة أخرى تتلقفه مياعة الخصر ومن ثم انسيابية الساقين،ذات ليلة رأى في نومه من يشترط عليه لتحقيق حلم الخلود جمع أنواع بكر من رموز التوهج والحياة دون أن تتشابه، في الليلة الأولى عاد ومعه نبتتان صغيرتان تتوجهما بقعتان دافئتان لهما لون بني خفيف، في الليلة التالية حصد نبتتين لهما شكل ثمار المانجو التي بلغت حدا في النضج وفي قمتهما حبتا سدر بين النضج واللانضج، وفي الحادث التالي حمل بين يديه عصفورين صغيرين هادئين من حق العالم عليهما أن يقف كل رجاله احتراما لهما، وفي ليلة بعد أخرى كانت كفا الفاعل تحصد حمائم وعصافير وفواكه من العنب والزيتون والرمان.
ذات حين من الزمن فاحت رائحة طيبة من بيت الفاعل كست المدينة أريجا لا يقاوم , وقف الرجل يتفقد أجواء مملكته , أكوام متراصة كأنها الجواهر ولأنها ليست كأية قطع من اللحم فإنها أفرزت روائح عطرية كأن حدائق الزهور أفرجت عن شذاها في لحظات واحدة، خرج الناس من بيوتهم طلبا لهذه الرائحة، أغلقت المحاكم، وهرب السجانون والمسجونون. توقف الشر عن السير في فضاءات المدينة، ألقت الجيوش أسلحتها, عاد الشياطين الى اصفادهم، نسي البشر خلافاتهم.
خاف الفاعل من اكتشاف أمره، فحمل مقتنياته وسر الخلود قاصدا خارج المدينة، تبع الناس الرائحة، وخلت المدينة من بشرى وحيواناتها وزواحفها، ساروا جميعا خلف الرجل الذي يحمل على ظهره سر الأسرار، ومن ذلك اليوم, وحتى هذه الساعة، يسير سر الأسرار ومن خلفه كائنات مدن كثيرة نحو رائحة النبتات التي اجتثها منجل.
تأخر صوت شهرزاد , وتأخر صوت الديك، تناول شهريار خنجره واجتث نهدين كانا منذ قليل ينعكسان توهجا مع التماع السيف.
محمد بن سيف الرحبي (قاص من سلطنة عمان)