بين نوم ونوم
على مرفأ الروح ،
أفتح نافذة القلب
أهرب عبر شبابيكه
لزمان مضى ،
لحدائق كانت
لورد ترنح في لونه…
في الأريج ،
لحلم صعدت به صوب لا أرض
لا خوف
حيث انتقت لي أصابع روحي
قصائد من ذهب الكلمات
حين أعود إلى كتبي
وفراغي
يهاجمني عبر نافذة الصمت والخلوات
عواء الذئاب
أشم احتراق الحدائق
رائحة لدم الكلمات
بكاء عميقا لأوردة الياسمين.
***
بين نوم ونوم ،
تغادرني الأرض ،
أفتح ذاكرة الليل
تحملني للفضاء النجوم الجميلة
تمسكني لأصابعها
وتناوش خوفي بالصلوات
بعطر من الأغنيات
أحدق حولي ، ماذا أرى؟
وطنا للعصافير والفقراء
وللطيبين
ولا جند
لا حكم ،
لا شرطة ، لا زنازن .
تنشرح الروح
نطفو على سدرة الضوء
تنفض عنها رماد الكآبة
لكن صوت رنين القيود يدق
يطارد روحي
فتصرخ :
لا ، لا أريد الرجوع إلى الأرض
أكره أحزأنها
وغبار الفجيعة .
بين نوم ونوم
تداعبني في المرايا خيول
وتستيقظ الروح
خارجة من سبات غوايتها
وعلى ضوء ما اختزن الوقت من ماء أشواقها
وحنين براءتها
تتجول في الأرض ،
في ضفة الكائنات
تطوف بكل المساجد
كل المعابد
تسكن في راحة الله
ترقى ،
تنظف أدوانها وهواجس أطماعها
في بهاء المحبة
تسعا لها حين تصحو على مفردات الدمامة
في الشارع معتمات حجارته
وحدائقه أشجارها كمدا غامقا
وأسى لا ينام .
***
بين نوم ونوم
أغادر نفسي
وأحلم لو تتركوني وحيدا
لأحفر صدري
وأدفن هذا الكيان الهزيل به ،
ثم أدخله خاشعا
أتوكأ بالكلمات
وما اختزلت من بكاء العروض
وإبقاعه المتحشرج
لا شيء يجرحني مثل هذا الخليط
من الموت ،
والنوم ،
والصحو ،
هذا الخليط من الحزن
والخوف
لا شيء يغسلني ويباركني كالمنامات
في زمن طافح بالأسى
مترع بالجنون .
***
بين نوم ونوم ،
يفاجئني البحر ،
يأتي لصنعاء من شرقها
وكطفل تشرد عن أهله
يرتمي تحت أقدامها خاشعا
يتجول ،
يركض فوق شوارعها
ويداعب أطفالها
كم تكون بتولا وفاتنة
وهي تبتل بالبحر
تحنو عليه
تمشط أزراره
ثم تغزل من فيض زرقته
شرشفا للنوافذ والشرفات
تحت تجاعيدها فوق أمواجه الناعمات
وينحسر البحر ، يخرج من حمله
وتعود الشوارع تجتر أحزانها
وغبار مواجيدها
وتظل المدينة – ما بين نوم ونوم –
تعانق بحرا من الحلم
والكلمات .
***
بين نوم ونوم
رأيت يدا ترسم الأرض بيتا من الضوء
يسكنه كل أبنائها بالتساوي
لا فرق بين الفصير وبين الطويل
وأشقرهم مثل أسوادهم
ورأيت المحيطات صارت حقولا
مرصعة بالبحيرات ،
والأنبياء على غيمة عذبة
يستريحون بعد الصلاة
ولا سيف في " البيت " لا بندقية
أسوارها من غناء العصافير من شدوها ،
تتدلى الأغاني من الشرفات كما الورد
للناس – تبت يد الاختلاف – شرائعهم
للحمام شرائعه
للفراشات ،
كل الجبال زجاجية
والحجارة تكشف ما خلفها
شجر السرو يرقص
والياسمين يغني
في لحظة تختفي اليد ، والرسم ،
عاد الجدار ،
المخدات صارت جدارا
وطار الحمام المنام !!
***
بين نوم ونوم
تجيء القصيدة صافية كأديم السماء
مبرأة من غبار التضاريس
حاملة شمس أيامنا
ورد أيامها
وتنادي على ورق لتخط عليه
السطور التي تشتهي
والحروف التي تشتهي
والزمان الذي لا تريد التقاليد
تأتي القصيدة منظومة تارة
غير منظومة تارة
فاشد على مائها وتر القلب
أزهو بخلجانها
وبساتينها
فاذا استيقظت خرجت من فضاء المنام
ومن طقسه
دخلت حلقات الكلام .
عبد العزيز المقالح (شاعر وناقد وأكادمي من اليمن)