في 27 آب ( أغسطس ) من سنة 1950 ، أقدم الشاعر والروائي الإيطالي شيزاري بافيزي على وضع حد لحياته القصيرة في احد فنادق مدينة توران ، عن طريق تناول جرعات زائدة من الحبوب المنومة . كان بافيزي حينها قد حصل على جائزة أدبية ، والشهرة مطواعة بين يديه . ولم يكن في أي وقت مضى اكثر تحكما في مواهبه ومقدرته الأدبية مثلما كان لحظة انتحاره . مما دفع الكثيرين إلى تقديم أكثر من تفسير و تأويل لحادث انتحاره المفاجئ . تحدثوا عن علاقاته العاطفية الفاشلة … تحدثوا أيضا عن يأسه السياسي و ابتعاده عن الحزب الشيوعي … تحدثوا كثيرا ، لكن الأمر في حقيقته لا يمكن الحسم فيه إلا بالرجوع إلى شيئين : إرادة الشاعر كألم سري و خفي ظل ينخر كيانه ، ويومياته التي تلقي أضواء على بعض أسباب موته المفاجئ .
في يومياته لا نجد شخصيات معروفة أو وقائع محددة ، بل تشريحا عميقا للذات بوصفها مأساة وجوديا، وفشلا ذريعا في تحقيق أي نوع من التواصل الإنساني ، وشعورا حادا بالعدم ككتلة هدامة تتقدم يوما بعد يوم في كيان الشاعر تاركة فكرة الانتحار تنمو بكل حرية ، كيما تملي عليه في النهاية قرار الخلاص .
إن أهمية بافيزي لا تكمن فقط في كونه شاعرا كبيرا ، من أعماله المشهورة :
– العمل يتعب – سيأتي الموت ، ستكون له عيناك .
وكونه روائيا من أعماله :
– قبل أن يصيح الديك- الصيف الجميل- القمر والنيران.
– الشاطئ – الرفيق .
إن أهميته تكمن أيضا في اهتمامه الخاص بالأدب الأمريكي ترجمة و دراسة : ترجمة موني ديك لهرمان ميلفيل إلى الإيطالية ، ورسالته الجامعية عن الشاعر والت وايتمان .
لكن يومياته « مهنة الحياة» تبرز – ولا شك – مكانته كعلامة أساسية ومميزة في الأدب الإيطالي المعاصر خصوصا والأوروبي عموما . قد تنتفق مع اليوميات ، وقد لا نتفق معها أحيانا ، لكن ، لا خسارة ممكنة مع بافيزي ، فالصدق ثروته الباذخة و المستحيلة، وهي أيضا الطريقة الوحيدة لقرائته. وفيما يلي مقتطفات من يومياته «مهنة الحياة»:
ترجمة وتقديم: سعيـــــــد البــــاز
كاتب من المغرب