معاوية الرواحي
شاعر عُماني
أحِبُّك خاليةً من ضجيجِ الناس.
خاويةَ الوفاضِ من زحام الأضواء، ونعاجِ الإسفلتِ الهادرة ذهابا، وجيئةً.
أغرقُ في بركِ الذاكرةِ، وأمضي إلى جهتي.
الشارعُ منفى أنيقٌ تحفُّه عيونُ المتربصين بالآمال، والعابرُ – وهو يسبغُ المعنى على خطواتِه – مجهولٌ يعلمُ ماهيَّته.
يا غُبارَ مسقط. تلطَّخت أحلامُنا بالدموع، وطينِ المأمولِ الجارف، وعلقنا في هذا البرزخ الجزافي. لا دليلَ يكفي لندلَّ البحرَ على ملَّاحيه، أو لتُدلي الغيومَ بدلائِها على جفافنا الوجودي، وقلوبنا اليابسة.
ذبلت أكباد الصبر، فالمغولُ انكسرت قلاعُهم، وذبلت حوافر خيولِهم، وانصدعت أفئدة فرسانِهم ترثي شجاعة المنسيين في ساحات الضوء، حيث انتشرت جلاميد الزمن شاهدةً على الذين حاولوا الفلاتَ من حبِّك الصعب، وأيامِك الشرسة.
أحببناك أكثر مما استطاعَ القلبُ، وغفونا لنراود حلمًا رديئًا عن نفسِه، لعلَّ بارقةً من ضباب النفوسِ تحملُ بشارةً صغيرة، عن غدنا المأمول، المنسوجِ على مهلٍ من خيوط السأمِ والحسرات.
سنعبرُ دهاليز الرمل والصخور، ونغلِّف الأسفلت بالمجازِ والقصائد. سنهدهد الخيال؛ لينامَ ساعةً، ليغلَّف الشارع بالأشجار، لتبرقَ كسبائك الذهبِ في قصيدة شاعرٍ هائم في المعنى، وفي حبِّك الغامض، الحارقِ كآتونٍ فقد طريقه للجحيم.
فوضى
تزمجرُ العواصفُ، وتلعبُ الغيومُ لعبة السماء، والنارِ، والتراب. أنتَ قطرةٌ من المعنى المُشعُّ حين تبزغُ جهنمُ السماء لتوزِّع دفئها على الكواكب.
لستَ جُرمًا فالجرائم خيوطٌ تبرأت منها العناكب.
أنتَ قطرة الماء، وحبَّة الرمل، وومضة الضوء.
جزءٌ من هذه الجريمة التي لم ترتكبْها.
موجودٌ آخر! مفقودٌ جديد، سجينٌ في متاهة الأفق والتراب، شريدٌ في سلسلة الغوايات، وأغلال الأسئلة.
المصائرُ المُعلَّقةُ – كأنفاقِ الماءِ بعد الفيضان – تنحتُ ألواحَها المحفوظةَ بالوعودِ والتاريخ. فاضت ضفاف النهر، وانقشعت العواصفُ، وانتصر جحيمُ السماء على البشر. للفوضى اليد العُليا، أما أنتَ فقد لذتَ بجنونِك إلى التعب، تمضي مع مشيئة الماء، ولعنات الطين، تنتظر الطوفان، فالكارثة -كإرهاصات الفقد- تتلو ترانيمَ المكائد، مغلفةً بالآمال، مخبوءة في أحلامِ السجناءِ في كهوف الأمل، حيثُ الظلامُ، والوحشةُ، والفوضى التي نحتت سننها؛ لتعيش، ولتموتَ كما جئت، جزءا من هذه الفوضى. لم تكن سببا، لكنك ستدفع ثمن النهارات الغائبة، وأيامك المنسيَّة، وقادمك المجهول.