تقودنا الصورة في فلسطين إلى أبعادٍ مختلفةٍ تتجاوز حدود الصراع مع الاحتلال، ومن قبلهِ الاستعمار، إذ نشأ فن التصوير في البدايات المبكرة في تلك البلاد العربية نتيجة ثقافة وبيئة حاضنة، إلى أن تحول بفعل العوامل السياسية إلى أداة مقاومة لاقتلاع الشعب الفلسطيني.
في العتبات الأولى للمصور والمخرج السينمائي الفلسطيني الراحل هاني جوهرية، مطلع السبعينيات من القرن الماضي، نتلمس تأثير بيئته المقدسية، ومحيطه الاجتماعي في تكوينهِ الفني، كما نجدُ أن السينمائي الراحل لم يذهب إلى الحرب برجليه، وإنما جاءت إليه، ودفعتهُ لأن يكون على خط المواجهة الأول، حال أيَّ فلسطيني، وربما.. لو لم تكن الحرب، والاحتلال، والشتات، لكانَت فلسطين قدمت نموذجاً مختلفاً لجوهرية، ولغيره، وفق ما نجدُ في شذرات سيرته المبكرة وطفولته.
يقتضي البحث عن جوهرية، المصور والسينمائي، العودة إلى جذور التصوير في فلسطين، قبل نكبتها واحتلالها في العام 1948م، إذ أن هذا الفن لم يكن طارئاً، وإنما متجذراً في الثقافة الفلسطينية.
التصوير في فلسطين.. الجذور والبدايات
ولدت الصورة في فلسطين بتأثير من موقعها الجغرافي، المطل عبر المتوسط على أوروبا، والمطلة من خلاله على الشرق، الموقع الذي يربط شطري الوطن العربي الآسيوي والأفريقي ببعضهما، علاوة على مكانتها الدينية، الأمر الذي أهلها لأن تتبوأ مكانة متقدمة في الحركة الثقافية، فانتشرت منذ البدايات المبكرة دور السينما، والمسرح، واستوديوهات التصوير، والمستشفيات، والمدارس، والمراكز الثقافية.
نشطت حركة التصوير الفلسطينية – قبل مواجهة رصاص الاحتلال بالكاميرا – في إبراز صور البوريتريه والطبيعة والمدن والمناسبات الاجتماعية، وهي وإن تعددت، تبقى في النهاية تأكيداً على حقيقة وجود مجتمع وحياة اجتماعية قبل احتلال فلسطين وتشريد جزء من سكانها في العام 1948.
دفعت الدعاية الصهيونية وتصاعدها نحو احتلال الأرض إلى تحول مسار الثقافة الفلسطينية إلى مربع قاومة الاقتلاع، فولدت بذلك الصورة الفلسطينية في موازاة الصورة الغربية القائمة على دافعٍ إستعماريًّ وتصوُّر استشراقي، حين أخذت الوكالة اليهودية (1) والإرساليات الغربية العمل بشكلٍ ممنهجٍ على تصوير الأماكن المقدسة، وتقديمها في أوروبا ضمن رؤية لاهوتية لاستعطافِ أتباع الكنيسة «الصهيو-مسيحية»، وحثِّ الخطى – غربيًّا – على دعم مشروع قيام دولة «إسرائيل»، مع العمل أيضا على تصوير بعض المناطق الخالية من السكان، تجسيداً لشعار ثيودور هيرتزل الشهير في بال: «فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».
ولأن الدعاية على هذا النحو؛ فقد أرسل ماكس نوردو -أحد الزعماء الصهاينة – أواخر القرن الـ19 رجلين إلى فلسطين كي يتحققا من صحة ادعاء هرتزل «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، فأرسل المبعوثين رسالة إلى نوردو بها جملة واحدة «العروس جميلة جدًا ومستوفية كل الشروط، لكنها متزوجة فعلاً»، وملخص الرسالة أن فلسطين تنبض بالحياة ويسكنها شعبها على عكس ما جاءت به «آلة الإعلام الصهيونية للترويج للوطن القادم الذي صدّر صورته الفارغة بعض المصورين الأوروبيين» (2).
بيدَ أن الساحة لم تكن خاليّة للحركة الصهيونية لـ»تسرح وتمرح» كما تشاء؛ فعلى صعيد موازٍ تشكل النشاط الفلسطيني الفتوغرافي ضمن نطاقين؛ ممارسة التصوير كمهنةٍ يقدمُ من خلالها المـُصور خدمات للعائلات الفلسطينية، وممارسة التصوير لتقديم الرواية الأخرى المناقضة للادعاءات الصهوينية، فجاءت الصورة منذ البدء ناطقة بعكس ما تشتهي «سفن الاحتلال»، ولا تزال حتى اليوم تمثل جزءا مهما في معادلة الصراع.
نتذكرُ هنا المصور الحربي خليل رعد وتجربته في ممارسة التصوير الضوئي في العام 1890م عندما افتتح استوديو تصوير خاص به في شارع يافا في مدينة القدس (3)، ولا ننسى كريمة عبود أول مصورة فسطينية – وقيل عربية -، التي بدأت التصوير في العام 1913 في القدس، وفي مدينة نابلس، ظهرت «هدلة عناب، وكانت أول امرأة مصوِّرة، وأقامت في نابلس استديو خاصاً بالنساء في أربعينيات القرن الماضي، وقد ظل يعمل عدة عقود لاحقة في خدمة النساء والأسر المحافظة»(4).
لم تتوقف ماكينة الدعاية الصهيونية، والغربية المساندة لها، عند حدود الفتوغراف، وإنما ذهبت نحو السينما فأنتجت عددا من الأفلام لدعم وتعزيز «الحلم الصهيوني»، وحقهُ في العبور إلى فلسطين، إلا أن البدايات الفلسطينية كانت حاضرة أيضاً، وفق مختلف الروايات التاريخية، مع المخرج إبراهيم حسن سرحان الذي صور زيارة الملك سعود – حين كان أميرا – إلى القدس ويافا العام 1935م، ليكون بذلك أول فيلم تسجيلي فلسطيني يحمل طابعا إخباريا، علمًا أن بعض الباحثين يعودون بتاريخ السينما الفلسطينية إلى «الأخوين إبراهيم وبدر لاما الفلسطينيين الذين كانا عائدين إلى فلسطين من تشيلي، التي هاجرا إليها مطلع القرن العشرين، مع معدات التصوير والتحميض لإنشاء صناعة سينمائية في فلسطين، ولكن بسبب الأوضاع في فلسطين اتجها إلى الإسكندرية – في مصر – حيث كانت الظروف مناسبة لممارسة النشاط السينمائي، وليكون أول فيلم لهما هو « قُبلة في الصحراء» عام 1927» (5).
في العام 1945 أسس أحمد حلمي الكيلاني مع جمال الأصفر وعبد اللطيف هاشم «الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية»، وأخرج صلاح الدين بدر خان عام 1946 أول فيلم روائي في فلسطين بعنوان «حلم ليلة» وعرض في القدس ويافا وعمان (6).
وتأكيدا لمكانة فلسطين الثقافية، فقد شهدت تلك البلاد حضوراً عالميًّا في مجال الإنتاج السينمائي والوثائقي، منذ أن صُوِّر «الأخوين أوغست ولويس لوميير، اللذين ينسب إليهما اختراع السينما، أفلامهما في فلسطين ففي العام 1896 قام عملاء للأخوين لوميير بتصوير لقطات سينمائية في القدس (محطة قطار في القدس)، كما قام توماس أديسون بتصوير فيلم (الرقص في القدس) عام 1902»(7).
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الصحافة الفنية في فلسطين كان لها جولة وصولة؛ فقد «أصدر جبرائيل شكري ديب جريدة «الرياضة والسينما» في عام 1935 في مدينة القدس. وهي تعرف عن نفسها بأنها «جريدة تعنى بشؤون الرياضة والمرسح (أي المسرح) والسينما والراديو». كذلك أسس إبراهيم تلحمي في عام 1937 مجلة الأشرطة السينمائية الأسبوعية بالعربية والإنجليزية» (8)، وأصدر محمد مصطفى غندور مجلة «الحقيقة المصور» عام 1937 في عكا (9).
وفي ضوء ذلك، نخلصُ إلى أن علاقة الفلسطيني بالصورة وثقافتها لم تكن حديثة، أو مستجدة، ولا منقطعةَ الجذور، بل متأصلة ومتجذرة في التاريخ، وما حدث من تهديد لفلسطين واحتلالها لاحقا، غيَّرَ المعادلة لتكون الصورة سلاحاً في وجه المحتل الذي لم يتمكن من تكبيل شعبنا، أو منعهِ من تطويع الصورة ومفرداتها في حروبهِ لتحرير وطنه.
مع قيام الثورة الفلسطينية بعد حرب 1948، تطورت حركة التصوير الفتوغرافي والفيلمي، وحظيت بتفاعل وتضامن عربي وأممي، لتظهر على المسرح أسماء بارزة ومهمة، ومن أولئك هاني جوهرية، الشاهدُ الشهيد الذي واجه عبر عين الكاميرا الرصاص، إلى أن تمكن الاحتلال من تصفيته في 11 نيسان / أبريل 1976 في تلال عين طورة في لبنان أثناء قيامه بتصوير فيلم عن نضال القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية والثورة الفلسطينية.
جوهرية.. القدس والأصدقاء والمحيط الاجتماعي
يبدو واضحاً خلال المرور سريعا على حركة التصوير في فلسطين قبل النكبة، أن لمدينة القدس نصيب الأسد، وأن أبناء هذه المدينة تفتح وعيهم مبكراً على هذا الفن، لذا لا غرابة أن يكون المقدسي هاني جوهرية (مواليد 1939) أحد أبرز رواد المصورين السينمائيين الفلسطينيين.
بدأت رحلة هاني مع الصورة في وقت مبكر، إذ يستعيد صديقه الفنان التشكيلي ومصمم الخطوط فلاديمر تماري ذكرياته مع ابن مدينته، عندما كانا في القدس، أيام الخمسينيات من القرن الماضي (10).
يكشف تماري عدة جوانب مهمة في شخصية وتكوين هاني جوهرية، ومن ذلك أن جوهرية الذي عاش في بداياته حياته عاشقا للتصوير والعمل السينمائي فأخرج أفلاماً تحمل الطابع الهزلي والساخر، ونجد أيضاً أن بيئة جوهرية المقدسية ومحيطه الاجتماعي ساعدا على تأطيره الفني وتكوينه الذي سيمثل العتبات الأولى لولادة جوهرية المصور والسينمائي.
مثلت مدينة القدس النواة الأولى لدفع جوهرية نحو مسار التصوير، فكان من أصدقاءه؛ المخرج المسرحي والسينمائي سمير فرح، الذي صور له هاني عدة أفلام ساخرة وفكاهية في منزله بالقدس – تمثيل تماري -، وهنالك الفنان التشكيلي والرسام كمال بُلاَّطة، علاوة على البيئة الممثلة لبعض أفراد عائلة جوهرية، فمنهم أخيه الأصغر الفنان والخطاط رياض، وعمه الموسيقار واصف جوهرية، وثمة صلة قرابة تجمعهم أيضا مع الموسيقار الفلسطيني سلفدور عرطينة. (11)
يقدم تماري لمحات عن حياة جوهرية في القدس، إذ أنهما – إثر سفر سمير فرح إلى نيويورك لدراسة السينما -، كانا يناقشان الأفلام التي يشاهدانها في دور السينما بالقدس، متعجبا مما حدث لهما بالقول: «لا أدري كيف تعرفنا على نظريات المخرج السوفياتي آيزنشتاين فصرنا نحلل ما قاله عن التكوين القطري بزاوية 45 درجة للصورة». (12).
درس جوهرية في ستينيات القرن الماضي «التصوير الفوتوغرافي والسينمائي في القاهرة ولندن وبعد عودته من لندن ذهب إلى الأردن حيث عمل في وزارة الإعلام بعمَّان في تصوير الجريدة السينمائية في الفترة من 1967- 1969 وقد قام بتصوير أربع أفلام وثائقية قبل أن يلتحق ويتفرغ للعمل بالثورة الفلسطينية، وخلال تلك الفترة أخرج أربعة أفلام هي:
1 – الخروج 1967 . 2 – الأرض المحروقة 1968 . 3 – زهرة المدائن 1969 . 4 – جسر العودة 1969» (13) (14).
وحدة أفلام فلسطين
حددت اهتمامات وبيئة جوهرية موقعهُ داخل الثورة، فاتجه مع المخرج مصطفى أبو علي(15)، والمصورة السينمائية سلافة جاد الله(16)، في العام 1968م إلى تأسيس»وحدة أفلام فلسطين»،، وقبل ذلك بعام أسس هذا الثلاثي قسم التصوير الفتوغرافي داخل حركة فتح.
مع انطلاق الثورة الفلسطينية في العام 1965م، بادرت سلافة جاد الله إلى العمل في التصوير، سرًّا، انطلاقاً من منزلها، فكانت بذلك أول من نشطت في هذا المجال داخل الثورة، ووفق عدة مصادر، فإنها صاحبة المبادرة الأولى لتأسيس قسم للتصوير الفتوغرافي، الذي تطور إلى «وحدة أفلام فلسطين».
وفي هذا السياق، تذكر الباحثة والمخرجة خديجة حباشنة (17) قصة التأسيس، قائلة: «في النصف الثاني من العام 1967، التقى ثلاثة من أوائل خريجي معاهد السينما الفلسطينيين، وبمبادرة من الـمصورة السينمائية سلافة جاد الله ( أول مصورة سينمائية في العالـم العربي) خريجة الـمعهد العالي للسينما في القاهرة، هاني جوهرية الـمصور السينمائي، ومصطفى أبو علي الـمخرج السينمائي، الـمتخرجين من مدرسة لندن لفن السينما London School of Film Technique» (18)، ليمثل هذا اللقاء فرصة ثمينة لانطلاق السينما التسجيلية الفلسطينية.
تنقل حباشنة عن جوهرية في مقال له بدايات مؤسسة السينما الفلسطينية، إذ يقول: «باشرنا العمل قبل إيجاد الـمكان والـمعدات اللازمة، واقتصر العمل في البداية على توثيق صورالشهداء وبعض الأعمال الخاصة بالثورة، ولكن بعد معركة الكرامة آذار 1968 التي صمد فيها فدائيو الثورة الفلسطينية أمام قوات الاحتلال في قتال بطولي دام أكثر من 19 ساعة، شهدت الثورة هجوماً صحفياً عالـمياً، فجاءت الحاجة إلى الصورة الفوتوغرافية والسينمائية، وحصلنا على مكان للعمل عبارة عن مطبخ في أحد البيوت الذي كان في ذلك الوقت يضم معظم أجهزة الثورة، فتحول الـمطبخ إلى معمل للطبع والتحميض وللتصوير أيضا، وبدأ العمل بكاميرا بسيطة جدا وجهاز تنشيف بدائي يعمل على وابور الكاز» (19).
يذكر جوهرية في مقاله أن النشاط السينمائي بدأ محدودا «من خلال استعارة آلة تصوير سينمائي مقياس 16 ملـم لتسجيل الأحداث الفلسطينية من عمليات ومؤتمرات ومظاهرات..الخ، دون وضع خطة محددة في البداية ولكن بوعي لحاجة الثورة لـما يوثق نضالاتها وتفاعل الجماهير معها. وقد حصل القسم في أواخر العام 1969 على آلة تصوير سينمائي متطورة بمزايا إضافية وحديثة و جهاز تسجيل للصوت وبعض الأجهزة الأخرى التي ساعدت في تنفيذ كثير من الأعمال على أعلى الـمستويات وفي أصعب الظروف، وبدأ التفكير بوضع خطة انتاج سينمائي تخدم الثورة، وانتج أول فيلـم بعنوان «لا..للحل السلـمي» على أثر طرح مشروع روجرز أواخر العام 1969، وتم العرض الأول للفيلـم بحضور عدد من قيادة الثورة في ملجأ تحت الأرض وعلى أرض مليئة بالرمل والحجارة، وشاهد الحضور الفيلـم واقفين، إلا أن نظراتهم كانت تتابع كل لقطة باهتمام بالغ، مع أن الفيلـم كان في كثير من جوانبه الفنية دون الـمستوى الـمطلوب بسبب السرعة الشديدة التي تم إنجازه بها، وهكذا انبثقت «وحدة أفلام فلسطين» من «قسم التصوير الفوتوغرافي» (20).
يؤكد المؤلف عنان بركات في كتابه «الموجة الجديدة في السينما الفلسطينية» أن فيلم «لا للحل السلمي» إنتاج مشترك بين عدة سينمائيين، وليس كما ينسب عادة لمصطفى أبو علي، فهو عمل مشترك مع هاني جوهرية، وصلاح أبو هنود، وآخرين (21).
يشير هشام ساق الله في مقال له أن هاني جوهرية واحد من عشرة سينمائيين أسسوا قسم التصوير والسينما، ويذكر منهم: سلافة جاد الله، ومصطفى أبو علي، وصلاح أبو هنود، وإسماعيل أبو شموط ، وقيس الزبيدي، وآخرين، موضحا أن ذلك القسم تحول إلى «جماعة السينما الفلسطينية» (تابعة لمركز الأبحاث الفلسطيني) ومن ثم إلى (وحدة أفلام فلسطين) ثم إلى مؤسسة السينما الفلسطينية التابعة للإعلام الموحّد ضمن منظمة التحرير الفلسطينية (22).
الكاميرا في مواجهة القذيفة
تذكر جانيت فتالة زوجة هاني جوهرية أن الباب دق في «ساعة مبكرة جداً، كانوا نحو ستة شبان وبينهم خديجة أم عمار، لم يبلغوني بشيء فقد علمت وحدي ومن ملامح وجوههم بأن هناك حدثا رهيبا، صرخت بأعلى صوتي «أرجوكم قولوا أنه مصاب ولا تقولوا أنه استشهد» (23).
يستعيد توفيق خليل تلك الواقعة قائلا: «في العام 1976 ذهب هاني جوهرية مع مجموعة من الكتاب الفلسطينيين (24)، حاملا كاميرته السينمائية، إلى جبال عينطوره في لبنان ليصور بعض وقائع الحرب الأهلية سيئة الذكر . انفصل هاني عن بقية المجموعة ولم يبال بتحذيرات مرافقيه من الكتاب ومن المقاتلين واندفع إلى الأمام باتجاه موقع متقدم خطر وبدأ يصور ولم يتوقف إلا بعد أن أصابته قذيفة مدفعية إصابة مباشرة . فيما بعد وفي مقر مؤسسة السينما الفلسطينية، كان على زملائه، بعد أن واروه التراب، أن يصمموا صندوقا زجاجيا يحفظون فيه، كما في المتحف، الكاميرا التي كانت بين يديه، مصابة بعدة ثقوب وعلبة الفيلم السينمائي التي كانت بداخلها وقد اخترقتها الشظايا ودمرت محتواها وبضعة علب للصور الفوتوغرافية لم يسعفه الموت لاستخدامها للتصوير» (25).
مسيرة قصيرة.. وأرشيف غني
في مسيرته القصيرة، استطاع جوهرية أن يترك أرشيفا مهما، ورغم فقدانه بسبب الحروب والشتات، إلا أن بصماته التأسيسية وجهوده في البدايات، دفعت – مع الآخرين – إلى تكوين حاضنة واسعة لاستقطاب الكفاءات والخبرات العربية والدولية.
وللإشارة، فإن جوهرية تمكن من إنجاز عدة أفلام بعد تأسيس قسم التصوير السينمائي في العام 1968م ، من ذلك: فيلم «لا للحل السلمي» في العام 1969، «شهادة الأطفال في زمن الحرب»، العام 1969، «بالروح بالدم»، العام 1970، «على طريق النصر» في العام 1975، «المفتاح» في العام 1976، علاوة على أرشيف ضخم للصور.
ولا تقتصر أعمال جوهرية على التصوير الفوتوغرافي والسينمائي، وإنما تشمل أيضا مساهمات في ملصقات مطبوعة للثورة الفلسطينية، إذ أن له على الأقل ملصقان كما يذكر هاني حوراني في مقال له عن «ملصق الثورة الفلسطينية».
وفي حديثهِ، قال مصطفى أبو علي: «بالنسبة لنا نحن السينمائيين الفلسطينيين.. الكاميرا هي كلاشينكوف سريعة التقاط الصور»، ولا يبتعدُ هذا الوصفُ عن الواقع، إذ تعكس اللقطات التي صورها جوهرية «عن المأساة الفلسطينية إثر حرب حزيران 1967 من دخول دخلت الأرشيفات العالمية»(26)، وبذلك أصبحَ هاني مرجعاً لا يمكن إغفالهُ، ورافدا مهما لأرشيف الثورة (27).
المصادر والإحالات:
1. الوكالة اليهودية: هيئة عامة مشتركة بين المنظمة الصهيونية وتيارات خارجها. ظهر اسم الوكالة لأوّل مرة في صك الانتداب البريطاني الذي أشار في مادته الرابعة إلى (وكالة يهودية مناسبة سوف يُعترف بها كهيئة استشارية لإدارة فلسطين والتعاون معها في المسائل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ما قد يؤثر في إقامة وطن قومي يهودي وحماية مصالح السكان اليهود في فلسطين)، للمزيد؛ مركز مدار، الوكالة اليهودية، الرابط: https://goo.gl/LejnFE .
2. بتصرف؛ وفاء هلال، مصورو فلسطين الذين حافظوا بعدساتهم على الوطن وأهله، 28 أكتوبر 2017، موقع نون بوست: https://goo.gl/WQnYiJ
3. وديع عواودة، الناصرة تستعيد مصور فلسطين الأول، 9 أبريل 2011، الجزيرة نت: https://goo.gl/mJFcr6
4. بتصرف: هاني حوراني، كريمة عبود (1896/ 1940).. أول مصورة محترفة في فلسطين، 27 سبتمبر 2017، العربي الجديد: https://goo.gl/T2sWcJ
5. أنظر؛ بشار حمدان، توثيق الذاكرة السينمائية الفلسطينية، 7 أبريل 2017، موقع نون بوست: https://goo.gl/rD42Cj
6. المصدر السابق.
7. للمزيد؛ بشار إبراهيم، سينما الثورة الفلسطينية في القرن العشرين، وزارة الثقافة السورية، 2002.
8. أنظر؛ علاء العلي، الصحف الفلسطينية تناصر الثورة، 27 حزيران 2011، صحيفة الأخبار اللبنانية: https://goo.gl/t2MT4E
9. بشار حمدان، مصدر سابق.
10. فلاديمير تماري يتذكر صديقه هاني جوهرية، نسخة مصورة PDF، موقع فلاديمير تماري، رابط: https://goo.gl/dmorHz
11. المصدر السابق.
12. المصدر السابق.
13. توفيق خليل، في الذكرى 33 لشهداء السينما الفلسطينية، موقع دنيا الوطن، 13 مارس 2011، الرابط: https://goo.gl/x2wz16
14. درس جوهرية التصوير والسينما في لندن ضمن منحة من وزارة الإعلام الأردنية، وقد عمل في الوزارة بعد تخرجه، والتحق فيما بعد بالثورة الفلسطينية.
15. بعض المصادر تذكر اسمها «سلاف» وليس «سلافة». ولدت في مدينة نابلس عام 1941؛ التحقت بمعهد السينما في القاهرة الذي كان لا يزال في بداياته، لتتخرج في العام 1964 من المعهد العالي للسينما كأول مصورة سينمائية عربية، وأنتجت في العام 1969 أول أفلام السينما النضالية الفلسطينية (لا…للحل السلمي). وفي العام 1969 أصيبت برصاصة في الرأس أثناء قيامها بالتصوير؛ ما أدى إلى إصابتها بشلل نصفي، والتوقف عن العمل كمصورة سينمائية. توفيت العام 2006، بتصرف عن «وفا»: https://goo.gl/p1AhEZ
16. يعد مصطفى أبو علي رائد السينما التسجيلية الفلسطينية ومن مؤسسي سينما الثورة الفلسطينية، فقد شارك في تأسيس وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في فتح العام 1968، وقام بإخراج أول فيلم سينمائي فلسطيني بعد النكبة بعنوان “لا للحل السلمي”، وقد كان من مؤسسي جماعة السينما الفلسطينية في العام 1973 في بيروت، وشغل منصب رئيس مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت ما بين 1971 – 1980، توفي في العام 2010م، للمزيد، الغد الأردنية: https://goo.gl/mttL3T
17. عملت كمتطوعة مع وحدة أفلام فلسطين قبل أن تتفرغ للعمل فيها عام 1973، وعملت فيما بعد كمخرجة ومؤسسة ومديرة للأرشيف والسينماتيك حتى العام 1982، مؤسسة السينما الفلسطينية ــ بيروت.
18. خديجة حباشنة، السينما الفلسطينية.. سينما الثورة، 2008-02-05، صحيفة الأيام الفلسطينية، الرابط: https://goo.gl/kA89P7
19. المصدر السابق.
18. المصدر السابق.
19. المصدر السابق.
20. عنان بركات، الموجة الجديدة في السينما الفلسطينية من الجيل الأول حتى الجيل الثالث بعد النكبة، دار الجندي للنشر والتوزيع 2013، القدس، ص 14.
21. وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)؛ https://goo.gl/j79JSp
22. هشام ساق الله، هاني جوهرية شهيد السينما النضالية، دنيا الوطن، 12 أبريل 2012، رابط: https://goo.gl/YqPGB8
23. هاني جوهرية.. مصور الثورة الفلسطينية وحارسها، تقرير لوكالة «وفا»، 10 أبريل 2018، الرابط: https://goo.gl/GbBN6w
24. تذكر جانيت فتالة أن من بين هؤلاء القيادي في فتح فاروق القدومي ‹أبو اللطف›، والشاعرين محمود درويش ومعين بسيسو (المصدر السابق).
25. توفيق خليل، دنيا الوطن، مصدر سابق.
26. بشار إبراهيم، مصدر سابق.
27. ضاع أغلب أرشيف الثورة الفلسطينية أثناء اجتياح لبنان في العام 1982، وشتات مقاتلي الثورة لاحقاً خارج نطاق دول الطوق، في اليمن، والجزائر، وتونس، وأوروبا، وجزء من ضياع الأرشيف يعود أيضا إلى تفرقهِ في عدة بلدان، لكن هنالك محاولات فردية في جمعه، ومن ذلك ما تقوم به المخرجة والباحثة خديجة حباشنة.
محمد محمود البشتاوي *