لا يمكننا تذكر أسماء المفكرين والعلماء والكتاب الذين تفخر بهم الحضارة العربية في مراحلها الذهبية مثل ابن رشد وابن النفيس والبيروني وابن حزم الأندلسي دون أن يتبادر الى أذهاننا بأنهم رواد فكرة "الكونية" . ففي تلك الامبراطورية الاسلامية الشاسعة التي امتدت اليها الثقافة العربية ، كان المزيج الحاصل يتمثل في الانتماء لمفهوم العالم المتمدن ، ولمعني التبادل بين المركز والأطراف . ولا يصيبنا الاستغراب حين نعلم أن الخليفة المأمون وعلماءه كانوا يناقشون علوم الا غريق ، فهو الحاكم الذي أرسل بعثة استكشاف علمي كي تقيس طول درجة من محيط الأرض ، وبهذا توصل الى قياس محيط الأرض كلها. ومن ثم فلم يكن غريبا أو مستبعدا في حقبة النهضة التي نتحدث عنها أن يحفظ الصوفي "تراث الفلك اليونانيا لذي فقد في أوروبا مثل كتاب بطليموس ، ثم يقوم بتطويره وتصحيح أخطائه في كتابه "صور الكواكب الثمانية والأربعين" ، لكي يستند الى كتابه هذا الفلك الحديث بأكمله .
ان ازدهار الحضارة العربية تاريخيا اشتمل على ذلك البعد الكوني الذي كان يتقبل بسماحة وترحاب كل النتاجات الثقافية السالفة لجميع الأمم والحضارات ، ويضمها ويدرجها في سياق حضارته المتنوعة . ولم يغب مفهوم التسامح والقبول الا في عصور الانحطاط التي أعقبت غزوات أمم أخرى.
ذلك هو المدخل الذي أردت تناوله لدى استشراف مستقبل "الكونية" في الشرق الأرسط وذلك تحديدا عن طريق مدينة القدس .
تعنيني القدس بوصفي كاتبة فلسطينية ولدت وعشت في رحابها ، وتحددت من خلالها هويتي الأولى كمنتسبة لمدينة كونية رغم المنافي الكثيرة التي هفت بها قبل عودتي الفلسطين . ولأنني كاتبة أيضا فانا أفضل التعامل مع المدن والأمكنة العيانية في علاقتها المجتمعات والهويات المتنوعة ، محاولة استكشاف أزمة هذه الجماعات ، والتباس هوياتها. إن ايراد مود وصفي بسيط لما تركت المدينة عليا ، وما عدت لأجده مطبوعا فيها تحت خروف الاحتلال الاسرائيلي يترب الفكرة الواضحة لما يكن أن يحتويه معنى الكونية الذي يجمع البشر على أسامي عالمي دون أن يضيع هوياتهم الاثنية ، ولما يكن أن يحصل من تشويهات وتأويلات تنتسب الى معان ايديولوجية وعنصرية أخرى.
ففي تلك المدينة التي تقدسها الأديان الثلاثة ، تعلمت ويحق تلك الدروس البديهية التي تقدمها المدن الكونية لمن ينشأون فيها ، الا وهي الانتماء للمزيج الاجتماعي، والثقافي والديني الذي يضما المكان . هذا الانتماء يعير جزءا من الكيان المعرفي والسلوكي للناس في حياتهم اليومية . ففي القدس منذ أقدم العصور ومتى الآن مازالت هناك فسيفساء بثرية ، وجماعات اثنية تتعايش فيما بينها ، وتختلط ببعضها . وهناك مازالت حتى الآن أحياء وزوايا داخل المدينة القديمة خاصة بالأفغان ، والأرمن ، والسريان ، والمقاربة واليونان ، والغجر الخ ..فمن وجهة النظر التاريخية البحتة تستطيع شعوب الأرض كلها ادعاء امتلاك هذه المدينة إذ أنها جميعا مرت عليها ، وأقامت فيها معابدها من الحثيين والبابليين الى الأراميين والرومان ، الا أنها بتية دائما وأبدا مدينة للجين لأن كل من فيها كانوا ينصهرون داخل بوتقتها الكونية المرحبة بجميع البشر على اختلاف هوياتهم ، وهذا ما يجري تغييره كليا الآن بدءا من الفترة التي أعقبت ضم اسرائيل لها .
الامتزاج الثقافي وتبادل التأثيرات:
لا يمكن لشعب أن يطمح الى امتزاج الثقافات بمعناها الكوني ان لم يطمئن الى قدرة ثقافته وجدارتها على البقاء . لقد انتمى الفلسطينيون الى محيط ثقافي عربي تبادلوا فيه التأثر والتأثير، كما انفتحوا على حضارات الغرب وفنونه في العشرينات والثلاثينات بحلم موقع فلسطين الاستراتيجي
والجغرافي ووقوعها على الحافة الغربية لآسيا على تخوم البحر المتوسط الذي يفضي الى أوروبا . ومن يراجع سجل الحياة الغنية والثقافية المنفتحة والقصبة في العشرينات والثلاثينات يكتشف ذلك المرير الثقافي والحضاري الفريد الذي تجمد في القدس بوصفها مدينة أماكن العبادة لكافة الأديان السماوية ، ليس هذا وحده بل أن وسائل الانتاج الثقافي القديمة المتجمدة غالبا في المدارس والمعاهد والمكتبات لجميع الطوائف والأديان تواجدت دائمة بكثافة عالية فيها. وحتى الآن فإنه بإمكاننا أن نجد زوايا خاصة بالبشر والدراسة تابعة لشعوب آسيوية أو افريقية . كما أن التمركزات الثقافية لشعوب أوروبية مديدة وجدت فيها دائما دون أية عوائق أو مشكلات وأذكر أنني في طفولتي وخلال دواستي المرحلة الاعدادية في الماسة كان بإمكاني وزميلاتي في مدرسة "دار الطفل العربي- ابناء شهداء دير ياسين" الدراسة على يد معلمة المانية ، ثم الذهاب لحضور كونشرتولشوبان أوتشايكوفسكي في مركز ثقافي أوروبي، ثم استعارة الكتب ومشاهدة الأفلام في مكتبة المركز الثقافي الأمريكي، ثم الاستمتاع بأغنيات مصرية تتلوها أغان انجليزية من الاذاعة المحلية دون أن يثير هذا المزج أي بادرة تعجب من أهلنا . كما أنه كان يمكن لنا كفتيات من بيئة اسلامية تبادل وضع سناسل الصلبان الذهبية كحلية على صدورنا ، كشيء اعتيادي ومألوف مثلما تحمل صاحباتنا المسيحيات أيضا نماذج ذهبية مصغرة من القرآن في عقودهن الذهبية . ولم يكن يصيبنا أي نوع من الاستغراب حين نشارك بعضنا الأعياد برغم تعدد طوائفنا ومللنا. بل إن أفضل مدارس فلسطين كانت هي مدارس الرهبان والأديرة ، وهي التي خرجت الكثير من الشخصيات الفلسطينية من المسلمين أو المسيحيين . كما أن التجار اليهود كانوا يعملون سويا مع التجار العرب دون أية ضغينة أو مشاكل كما سعت من جميع الفلسطينيين الذين عاشوا فترة ما قبل نشره اسرائيل . وأستطيع اقول بأنني قضيت جزءا من طفولتي في قلب القدس القديمة حيث تسنى لي دائما الامتزاج واللقاء مع ثقافات أخرى كانت تؤثر فيمن حولي وليس بي فقط . ولم يكن هناك أي خوف على ضياع هويتنا الثقافية حين كنا نحضر الأفلام الأجنبية ، أو نعيش أعياد الطوائف المسيحية المحيطة بنا، أو نندمج في أساليب غربية من العيش أو اللباس . كان ذلك يعود الى جو المدينة التي تسكنها جماعات بثرية لأماكن سكناها أسماء دالة عليها. فهناك حارة النصاري وحارات الأرمن وحارة المقاربة الخ .. ولا يوفر ذك أية ميزة لمن يقظنون فيها سوى انه ينتمي الى مدينة عظيمة كالقدس تجمع ساكنيها وتضم أحلامهم البسيطة أو الكبيرة تحت جناحيها وحين كان المرء يعبر في أسواقها القديمة فإنه كان يرى تقسيم الأسواق التراثي التقليدي ، فهنا سرق العطارين حيث تباع الحشائش والوصفات الطبية ، وهناك سرق القطانين حيث أنواع الأقمشة المتنوعة ، الخ .. وفي داخل السوق المسقوق "باب خان الزيت" كانت تعرض الخضر والفواكه والأغذية اليومية حشر تمتاز
البضاعة المعروضة كأي سوبر ماركت غربي بالتفوق الجمالي المثمثل بمزيج الألوان المتناسق والروائح العطرية المميزة وغرابة النكهة. ان ما جرى بعد هذا للقدس وأهلها لم يلن أبدا في سياق التطور الطبيعي لمدينة كونية تعيد انتاج نفسها وعلاقاتها بالبشر متعددي الهوية الذين يعيشون فيها.
مجتمعات غربية وهوية قسرية:
عندما ضمت اسرائيل القدس بقوة السلاح كانت هناك نقطتان ، أولهما ان
القانون الدولي يثبت أن ضم القدس غير قانوني. والثانية هو موضوع تعال المحاكم الاسرائيلية مع القدس من ناحية عدم تطبيق القوانين الدولية على سكانها واللجوء الى القانون الاسرائيلي الاحتلالي . فقد تم فرض قانون
الأقامة على مواطني القدس عام 1967 متلازما مع تغيير الحدود البلدية المتعارف عليها، بحث امتدت القدس بشكل غير واضح الى حدود البيرة ورام الله . وتم اعلان أية أراض كان أهلها في الخارج وقت الاحتلال لأي سبب انساني وعملي كالدراسة والتجارة كأراض مصادرة واستولت اسرآئيل على جميع الأراضي التابعة للدولة أو التابعة للمواطنين والتي لم تكن مسجلة بمرب أوراق رسمية ، وشمل هذا قسما هاما من الأراضي الفلسطينية لأن عدم تعجيل الأراضي بشكل رسمي يعود الى تتليا قديم فرض على فلاحي بلادنا بسب أسعار التسجيل المرتفعة ، أو الضرائب الباهظة التي أثقلت كواهلهم ، والتي لم يتوافر لهم سدادها أبدا في فترات المجاعات أو الحروب . هكذا جرى الاستيلاء بالقوة على أراضي أهل القدس والقرى التي تحيطها.
أما بالنسبة للحرفيين القدامي، ومهنهم المقتصة داخل نطاق السور في البلدة القديمة ، فقد جرى إفراغهم التدريجي وتمهيد الطرق لافلاسهم ، عن طريق فرض اضراب الباهظة على السكان العرب تحت أسماء مديدة اذ أن ضريبة السكن وحدها التي يدفعونها تماثل ثمن الاقامة في فندق فافر في أهم عواصم العالم .
وقد كرس نطاع بلدية القدس الاسرائيلي أوضاعا غير متكافئة فهناك الكثير من اضراب على النسق الغربي ، وفي المقابل فإن أهل القدس محرومون من الخدمات البلدية . وكم هو مألوف منظر القمامة المكدسة في الطرقات ، أو مشهد المجاري السائلة أمام البيوت . وقد أدى هذا الى تفكك وانحسار دور قطاع الصناعة الحرفي . كما صار العمال بحاجة العيش حيث أن الرسوم باهظة الثمن التي يدفعونها أكثر بكثير من معدلات دخولهم ، بحشر لجأوا الى العمل لدى الاسرائيليين تفتيشا من لقمة العيش.
ان الشعوب السجينة داخل طوق من السيطرة الاستعمارية تلجأ الى طقوس لرفض الواقع المفروض عليها بالقوة . ومن هنا نرى أن التزمت ، والتعصب وأشكال التفكير الانعزالي والظلامي تتسلل أحيانا الى جماعات داخل هذه الشعوب حيث تظن انها تحمي نفسها باقامة شبكة محكمة حولها من الانغلاق تعطيها وهم الأمان . وهنا يظهر الحذر إزاء اللقاء مع ثقافات أخرى، وتجارب أفري. فكل ما هو غرب يعطي الحس باعتقاد السيطرة على الواقع المباشر، ولذا لن نستغرب اذا اكتشفنا أن من أهم مشاكل القدس العربية اليوم ليس فقط زيادة التزمت والحجر على الذات ، وانما أيضا ازدياد تعاطي المخدرات في صفوف الفتية الذين حرموا من فرص العمل اللائقة ، ومن التسهيلات التي يحتاجها الشباب مثل الأندية والمراكز الثقافية والرياضية وسواها.
يقبل الآخر أم رفضه؟
إن من أهم خصائص الهوية الثقافية امتلاكها ميزة الانتقال من جيل لآخر عبر الذاكرة الجماعية وتقاليد الحياة والحرص الانساني. وهكذا يمكن الحفاظ عل منتجاتها الا بداهية من فن وادب وتراث ثقافي أو روحي. أما ما يحدث في القدس اليوم فهو شيء أفر. فقد محيت ذاكرة الحياة التقليدية القائمة على قيم التضامن العائلي بسب البطالة والفقر، كما تم فرض نموذج غربي
للاستهلاك أي السوبر الماركت الضخم وهو "المول" والذي يدعى "الكانيون" في القدس الغربية ، حيث تعرض البضاعة ذات التغليف البراق والادعاء الحضاري الغربي جاذبة اليها من افقرت مدينتهم وحرمت من بريق صناعاتها التقليدية الجميلة ، ومن أخليت بيوتهم بسبب الاستيطان القسري للجماعات اليهودية المتعصبة .
أما بالنسبة للصراعات اليومية لطرد الفلسطينيين من بيوتهم مع هذه الجماعات التي تستخدم كل أشكال استفزاز الفلسطينيين بما فيها القاء
القاذورات في ساحات الدور العربية ورمي البول والفضلات في خزانات مياههم ، فهي أكثر من أن تعد وأن تحصى.
ان من أهم خصائص الهوية الثقافية الكونية تقبل اللقاء مع الثقافات الاخرى، لكن لك السماحة المعروفة التي لازمت اهل القدس تكادان تضيع الآن في زحمة الصراع مع الآخر ، بسب تخيمه لروابط الحياة التقليدية ، ولتدميره المنهجي للفضاءات الثقافية التي عاش الناس من خلالها معنى التعايش والمسالمة . ان مفهوم الاصالة يتحول هنا الى احساس يتراوح بين نقيضين : فاما الحقد على كل ما ينتمي للغرب بالمعنى الحضاري، أو المبالغة في أصولية دينية تود أن تحل نفسها مكان الثقافات المتعددة التي عاشت عليها المدينة الكونية طيلة العصور. ولا يمكننا إلا أن نذكر هنا الوجه 0الواحد والأوحد للقدس اليهودية والذي تحاول اسرائيل فرضه على المدينة هو الذي يثير نوازع التطرف بين الفتية والشباب العرب – الفلسطينيين . فعندما تستبدل أسماء الامكنة بأسماء يهودية ، وعندما تزور أسماء المواقع الأثرية لاعطاء الانطباع بأنه لم يكن هناك أهل للمدينة سوى مجموعة من اليهود الذين عاشوا 0 كأقلية ولفترات قصيرة من التاريخ باعتبارهم جزءا من شعبها ومن سكانها . فإننا نستطيع حكما فهم التشويه الخيالي والطائفي الذي تفرضه السياسة العنصرية الاسرائيلية" على المدينة . فهناك منهج ايديولوجي شائع بين الاسرائيليين" ، وهو تجيير التاريخ ببساطة شديدة لاهداف الصهيونية . فهو يقفز على ألفي عام من تاريخ مدينة حافلة بكل انجازات . الحضارة العالمية ويختارهن بينها مائة عام أو ما يزيد لكي يحاول إثبات ان المدينة لم تكن الا المكان الصهيوني الأوحد. ففي برج السلطان سليمان القانوني القائم في الناحية الغربية من السور نجد ان متحف القدس الاسرائيلي يقدم المكان على0 أنه تابع للمك سليمان القديم الذي ذكرته التوراة . ويتمثل هذا المنهج في محاولة تغيير اسماء الأمكنة وادعاء نسبتها الى التاريخ اليهودي، كما يبد وأيضا من خلال الاستيلاء على المتحف الفلسطيني في القدس الذي تم تغيير اسمه الى متحف روكفلر ، وفي السطو على جميع القطع الاثرية التي وجدت في الاراضي الفلسطينية طيلة فترة الاحتلال وعرضها في متاحف العالم ، ونسبها الى اسرائيل وتاريخها.
هويات جديدة ومجتمعات حديثة :
ان تبلور الدولة الفلسطينية الوطنية هو الذي يسعيد افساح المجال امام التنمية الاقتصادية والثقافية بما يكفل لاهل القدس التوازن واعادة انماء الهوية المشطورة والمبددة ففي ظل اعتراف كل شعب بحق الآخر في تطوير
ذاكرته وهويته ، وفي تنمية مجتمعه وحفظ تراثه نستطيع العودة الى مفهوم الاخاء والتسامح الذي جعل من القدس مدينة فريدة ومقدسة . ان القبول بدولتين لشعبين هو الحل الامثل لكل هذا التزوير والارهاب العنصري الذي يجتاح القدس وحياة شعبها . ويهمني ان اقتتم الموضوع بمشاهدات عيانية لي أثناء أحدى جولاتي لتفتد المدينة ، حين اشار لي اصدقاء مسيحيون يعيشون في حارة النصارى في القدس القديمة منذ أبيال وأجيال ، على حفر وكسور امام حوائط بيوتهم ، وبالذات قرب المدخل الرئيسي ، تلك الاشارات تعني ان اليهود المتدينين قد أعدوا عدتهم لاجلاء اصحاب البيت ، فني يوم قرب سوف يحضرون ويثيرون الى هذا الحفر على الباب ، والذي ليس له أي شكل ذي دلالة ، ليقولوا انها اشارة يهودية تعنيان البيت كان لهم يوما، ذك اسلوب واحد من اساليب كثيرة تدعمها بلدية القدس التي تقوم حاليا بسب هويات القدس من امداد كثيرة من الفلسطينيين تحت حجج عديدة ، يكفي ان تتزوج أي فلسطينية اي فلسطيني من الضفة الغربية أوغزة كي تسلبها الداخلية الاسرائيلية هوية القدس . لقد نشأت في تلك المدينة المقدسة ، وتعلمت في مدارسها ، وأهلي يسكنون فيها حتى الآن ، كما ان كل أصحاب الطفولة هناك ، ولكنني في كل مرة تصل فيها خطواتي اليها يعيبني احساس مألوف وكاننا متسللون لا يليق بنا الا الفقر، والفناء، والخروج من مجرى العالم والانسانية . وحين انظر وغيري الى المجتمعات الاستيطانية الشاسعة والخاوية والتي يحاولون ملاها بجلب مهاجرين جدد، ونرى كم هي بشعة وضخمة ابراج السكن المثماثلة والفاقدة الهوية او الشكل المميز، والتي تمتد على هضاب القدس كاحياء سكنية فارغة من اي روح أو احساس سوى الاصرار على قهر الآخر والاستيلاء عل ارفعه واهلاكا بالقوة ، اشعر ان القدس تناديني لكي أرى مشهدها التاريخي المميز عند سفح الجبل الذي يرقد عليه بيت جدتي المصادر لصاع بلدية القدس .
ورغما عن كل خطوات الفصل والتمييز العنصري التي تفرض علينا نحن ابناء القدس فانها ستظل دائما : حاقنة لجميع الأديان والهويات . لهوائها رائحة لن تجدها في الارض، ولروحها الكونية سر لن يفهمه الغزاة .
* قدمت هذه الورقة في ندوة دولية عقدتها المؤسسة الثقافية التابعة للاتحاد الأوروبي في مركزها في ليدن – هولندا.
ليانه بدر (روائية وكاتبة من فلسطين)