كلمة مدير التحرير

“ليس من التهويل في شيء إذا قلنا أن إصدار مجلة ثقافية بطموح يتوسلُ الجدية هو دخولٌ في مغامرةٍ على نحو من الأنحاء، مغامرة البحث والأسئلة والسفر خارج المألوف”، هذا ما كتبه سيف الرحبي في مقدمة العدد الثاني من المجلة، التي بدأ مشوارها في نوفمبر من عام 1994، واستمرت المغامرة إلى أن أوشكت (نزوى) على مناهزة عقدها الثالث.

وعبر هذا الزمن، شكّلت المجلة أرشيفا نوعيا بمرجعيات ذهنية خلاقة ونزوع فكري مُشع، وراهنت على ابتعادها عن أي انحيازات مجانية.

وقال كبار الكُتاب عنها إنّها صوتُ الحداثة الجديدة الخارجة من قلب شبه الجزيرة العربية، لتكون وريثة المجلات الثقافية التي سبقتها، كمجلة أبولو، مجلة الآداب، و”شعر”، و”مواقف”، و”الثقافة الجديدة” ..وغيرها.

في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بدأ الأدب الحديث في عُمان يشق طريقه الوعر على الصعيد الأكاديمي والنقدي، وعلى الصعيد الشعري والقصة القصيرة وبدايات انطلاق الرواية أيضا، ولكن لم تكن هنالك أطرٌ ثقافية ومنابرُ تستوعبُ ذاك الحراك، وتخرجه خارج جغرافيته الضيقة، فجاء مشروع ” نزوى” التي أتاحت حيزا جيدا للاشتغال العُماني، جوار ما يجود به كتَّاب الوطن العربي والترجمة التي تقلصُ مساحات العالم الشاسعة.

استُقبلت مجلة نزوى على المستوى العربي منذ أعدادها الأولى استقبالا حافلا، وقد تجلى ذلك الاحتفاء في كتابات أدباء وصحفيين كبارٍ من أكثر من بلد وإقليم عربي، مثل د.هشام شرابي، جبرا إبراهيم جبرا، شوقي أبو شقرا، عبداللطيف اللعبي، محمود درويش، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، إبراهيم عبدالمجيد، غادة السمان، وسعيد يقطين وغيرهم..

ولا يمكن بأي حال من الأحوال تقليلُ حيز الصعوبات التي كابدتها المجلة منذ أعدادها الأولى، فقد كانت تطلعُ لتقديمِ طرحٍ مُغاير على صعيد التغيير والحرية الثقافية والتعددية التي يزخر بها العالم الذي سبقنا بأشواط، في مجتمع بعضه مُنكفئٌ على ثقافته الماضوية ومنحازٌ لها، وبعضه مُشككٌ بصورة دائمة في ألوان الحداثة الجديدة، إلا أنّ المجلة لم تبتر علاقتها مع ماضي الثقافة العُمانية والعربية وتراثها، كما لم تغفل عن الحداثة بأشكالها المتعددة، قابضة على توازنات اللعبة الصعبة.

وإن بدا حدثُ وصول مجلة نزوى لهذا المفصل الزمني حدثًا عابرًا ولا يُحركُ ساكنا في ظل تعدد خيارات القراءة بين عمقها وسطحيتها، إلا أنّ استمرار بزوغها لثمانية وعشرين عامًا دون انقطاع بالنسبة لفريق عمل لم يتجاوز يومًا أصابع اليد الواحدة، وقياسا بالجغرافيا التي تخرج منها، وبالتحولات التي تضربُ عصب كل شيء، فإن صدورها أشبه ما يكون بمُعجزة حقيقية.

وإن كنا نسلمُ بأنّه لا بد للثقافة أن «تُعاني لتُعطي للعالم تصورَها الخاص والمُفارق»، إلا أننا بعد هذا المشوار الطويل، نتطلع إلى أن يُصبح واقع المجلة أكثر ازدهارا من اللحظة الراهنة التي نعيشها، وأكثر إيمانا بالدور المنوط بها، وأكثر قدرة على الانفتاح على النتاج العربي والعالمي على اختلافه وتنوعه وثرائه، ففي ذلك كله يتجلى اتساع الأفق وجدوى البقاء.

هدى حمد