أشياء كثيرة تذكر بعضها ببعض .وكما تقول العبارة الشيء بالشيء يذكر.
فإن التلميح بالمدينة المراد ملامسة الكتابة عنخا كفيل بفتح مخزون الذاكرة عن أهم المدن العمانبة .تميزت عن غيرها .بالعلم والأدب اللذين لاصقا مسيرتها عبر الأزمان الحقب .وهي قبل ذلك أول مدينة عمانية أرسلت وفدها الى رسول الله في حياته بقيادةالصحابي مازن بن غضوبة.
إذن مدينة بهذه الصفات الجليلة لها حياة الحضور ,وله حياة الديمومة في شغاف القلوب .وكانت مطمح الدارسين لمعرفة العلوم والتفقه في الدين واللغة .
سمائل : ليست مدينة فقط ..هي حاضرة وحاضنة للعلم .والفصيح في لغته وشعره يؤول إليها …الى حضرة المكان السمائلي ..وكان هذا بذااك شبيهه.
لم يدر في حلدي الكتابة عن سمائل بهذا العجالة ..لكن هذا هو حال الملتفت الى المحب .نحن سمونا إليها ,لكثير من طيب ذكرها في العلم والمعرفة .وقليل من مثيلاتها إتصفت بذلك .وربما هذا التميز وضعها في حضرة دائرة الضوء .أو ربما ضوء المكان (جغرافيته –حيواته – بشره)عامل أساسي للخلق والابداع .إذ ليس من قبيل المصادفة أن تكون سمائل قبلة الدارسين ومحج العارفين لأن الكثير من عطائها وفير .فهي أرض خصبة في ترابهتها المعرفي, هي المسافة في أبعادها حين تكون المسافة امتدادا لأفق العارفين. هي عين المكان أو بمثابة القلب من الجسد كما يسميها أهلها.أو الحلقوم كما سمها شاعر البيان أبو مسلم البهلاني في قوله :
وأين حلقوم ذاك الملك معصمه
سمائل فهي للسلطان سلطان
وكذلك قول الشاعر النبهاني فيها:
كأن الحدوج الرائحات عشية
مواقر نخل من سمائل مبسر
وكذلك قول الشاعر الكبير عبدا لله بن على الخليلي:
كأن تراب المجد فرق سمائل
متون الجياد تحت كل مقاتل
كأن ظباها فى الخمائل رتعا
هام القضا لكن على المتطاول
فقبل الدخول الى ذكرة المكان السمائلي – الأدبي خصوصا لابد لنا من تعريف للمكان – جغرافيا وتاريخيا، فهي المفتاح بين ساحل وداخلية عمان ، وهي القابضة على مشعل الطريق بين الماء والصحراء. فتحيط بها السلاسل الجبلية الشاهقة ويلعب واديها المعروف (بوادي سمائل ) دورا كبيرا في انقسام أهم سلسلتين جبليتين في عمان وهي سلسلة جبال الحجر الغربي وتضم أعلى قمتيه الجبل الأخضر وجبل شمس . وسلسلة جبال الحجر الشرقي وقمتها جبل
سمان .
إذن بهذا الموقع الفاصل قد حجزت لها مكانا جغرافيا متميزا ساعدها به إنها أصبحت ذات موقع استثنائي ، قلما امتازت به غيرها . كما انها ارتبطت بعلائق قد تكون خاصة بين أهم مدينتين "نزوى ومسقط " ساعدها هذا في كثير من نشاطها المعرفي والأدبي بحكم ذلك التموسط بين موقعين ومكانين هامين في الذاكرة العمانية سياسيا ودينيا .
سمائل .. تسميتها:
ينطق بعض العمانيين سمائل بالياء (سمايل ) وبعضهم بما كتب سابقا
(سمائل ).
ويشير الشيخان سالم بن حمود السيا بي وسعود بن علي الخليلي في تعريفهما للاسم السمائلي : بأن اسمها في الأصل سمائيل على وزن جبرائيل وبهذه الصفة يكون الاسم عبرانيا فهي "سماء الله" ان العرب عربتها بحذف الياء فقالوا سمائل (1). كما سميت بالفيحاء..
موازية بذلك أهم مدن التاريخ ، دمشق الفيحاء، وكما يشير الاسم الى المكان الدمشقي بكنيتها المشهورة بالفيحاء، كذلك تتسم به سمائل .
وتشير مصادر الباحثين (2) وأحاديث الأهالي الى أن تسمية سمائل بالفيحاء يرجع الى كثرة مياهها التي تفور بها أيام الخصب وأيام الجفاف . وبعض الأهالي وهم قلة يربطون الاسم لكثرة حضرتها وخصوبتها طوال العام وعدم انقطاع المياه عنها.
هذا الاستطلاع قادني الى معرفة المكان بجغرافيته العجيبة وقد حبب الي المكان بتضاريسه الطبيعية بين اللين فيه والقاسي . ومن امتداد لنظر الناظر الى هتك بانكساره عل تلك الجروف الجلمودية بتقاطيعها واسنانها الحادة ، التي تهرب الصرخة من أحضانها الى خلود السكون بوحشية المنعزل .
وقد تحسرت من هجرة المنازل السمائلية الطينية أو تلك المبنية بالجص العماني الى منازل الأسمنت والخرسانة على فظاعة بنائها وتشكيلاتها التي لا تناسب حالة المكان وقسوة الطبيعة في أيامها الصاهدة .
وكذلك ما الت اليه أسواقها الثلاثة القديمة الى خر ائب " يسرح فيها صمت الغائب عن حضرة المكان . فالمتغيرات قولبت الحياة . ووضعتها في سكة القطار الهارب من قبضة اليدين الى أفاق الصحن الدوار (الستلايت ). واختفاء حلقات الدرس والمجالس التي كانت يوما منارات علم ومعرفة . فالمجالس انتشرت وكبر اتساعها ولكنها صغرت وقل مرتادوها، هذا هو حال كل المدن العمانية . لم تعد النجوم والأقمار دليل السامر بل سقطة "النيون " من أفواه الخيطان ، مؤشر، لا يؤشر إلا الى شيء واحد هو أن الزمان أخذنا دون رجعة الى مسافات بين الشمس ولهاث الحياة اليومية إذ لم تعد الطبيعة مرتع العمر الدائم ، بين اخضرار، واخضرار كأننا في رحلة بين المامي والحاضر. هذه الأرجوحة مدت أصابعها الى مناحي الأدب والشعر خصوصا وكأن طلعته الخجولة لا تناسب الحالة . فلم يعد الشعر السمائلي كما كان بطلا وته الأولى . ذهب بعيدا الى مراتع الوصف وتصورات الواصف فاقدا بعضا من ذلك الحنين والصفاء والتأمل والهاجس
الشعري الغامض والحاد. هذه الأشكالية يمكن تلمسها وتعميمها في الشعر العماني المقفى لحد ما والمحدث في بعضه ، عدا بعض من الومضات المخبأة بين طيات الأبيات التي تحتويها مطولات الشعر هنا أوهناك . لا يعدم منه القليل والنادر على كثرة القول والمناسبة .
ربما تلمس هذه الكتابة مقصدا واحدا الحالة الأدبية في سمائل التي تشكل منطلقه كباديء زي بدء بما سطره الصحابي مازن بن غضوبة في قوله الشعري الذي وصلتنا منه هذه الأبيات :
اليك رسول الله خبت مطيتي
تجوب الفيافي من عمان العرج(4)
لتشفع لي يا خير من وطيء الحصى
فيغفر لب ربي فأرجح بالفلج (5)
الى معشر جانبت (6) في الله دينهم
فلا دينهم ديني ولا شرجهم شرجي (7)
وكنت امرءا باللهو والخمر مولعا
شبابي الى أن (8) أذن الجسم بالنهج
فبدلنى بالخمر أمنا وخشية
وبالعهر احسانا فحصن لي فرجي
فأصبحت همي في الجهاد ونيتي
فلله ما صومي ولله ما حجي
هذه بداية الملامح الأساسية لمكانة سمائل الدينية والشعرية التي ارتبطت بها الى اليوم .
بعد تلك المسيرة الخيرة اشتهرت سمائل بأنها موطن لعدد كبير من الأئمة والعلماء والفقهاء الذين لعبوا دورا أساسيا في بناء الحضارة الاسلامية وخدمة العقيدة السمحاء ونشر الأدب والعلم والمعرفة تجاوزت بهم المكان السمائلي الى الوطن العماني والعربي. قد ننسى في عجالة الاستعجال أسماء اجلاء في نواحي العلوم الدينية والأدبية . وهذا الاغفال غير مقصود ابدا، وراجع إن وجد الى ضعف المصادر التي تشمل برعايتها علماء وادباء سمائل . فاسم ، نأخذه من هنا وآخر من هناك ، لا يجمعوما مخطوط أو كتاب ينهض به أهلها خدمة لأولئك الذين وهبوا حياتهم للطم والمعرفة .
وأشار القاضي الشاعر ابو سرور حميد بن عبدالله الجامعي خلال جلسة أستعدنا فيها بعضا من ملامح الجو السمائلي الشعري بمنزل الشيخ الأديب موسى بن عيسى بن ثاني البكري بحضور أبنائه والصديق خلفان بن سلطان البكري الى استذكار ما استطاعت الذاكرة استحضاره بحنين خاص . وأشار أبو سرور الى وجود قصيدة طويلة له تضم كافة علماء وادباء سمائل وكذلك ما أشار اليه الصديق خلفان البكري الى وجود مخطوط لدى أحد المهتمين من أهالي سمائل يجمع أد باءها وعلماءها وهذا ما أفرحنا من ضياع الأثر لسيرة وابداع أولئك العلماء والادباء. ولكن يبدو لي أن حصرهم كأسماء لا يفي بالفرض المطلوب .
فالعلم والتفقه فيه واكتساب المعارف الأدبية بالشعرية يسير في خطين حسبما أشار اليه الحضور ويتمثل في : الروح الوثابة نحو العلم والمعرفة اضافة الى الموهبة يشكل المسار الأول ،والجو السمائلي المشبع بحب الدرس وحلقاته والذي لا يستثني فيه فرد من الأفراد المسار الثاني.
لهذا فما يعكسه تميزها (سمائل ) بأولئك العلماء والادباء والشعراء هو نتيجة طبيعية لاستغراب منه . وما أشار اليه خلفان البكري الى أن عوامل الطقس والمقيض وطبيعة سمائل لعبت دورا في استقطاب عدد من الزائرين الذين استقروا في سمائل وأصبحوا بعد ذلك جزءا من التشكيلية السكانية السمائلية .
كما يشير الشيخ العلامة سالم بن حمود السيا بي الى أن شعراء سمائل في مرحلة من مراحلها تجاوز عددهم الخمسين شاعرا.
من المتميزين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الامام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي وجده المحقق سعيد بن خلفان الخليلي وولديه أحمد بن سعيد الخليلي وعبدالله بن سعيد الخليلي وناصر بن سالم بن عديم البهلاني وخلفان بن جميل السيابي وحمد بن عبيد السليمي وسالم بن حمود السيابي وهم جميعا عدا الامام محمد علماء شعراء ومنهم من ألف في علوم أخرى كعلوم اللغة والتاريخ والأنساب وغيرها ومنهم أيضا كبار الشعراء مثل سليمان بن سليمان النبهاني وعبداثه بن علي الخليلي وحميد بن عبد الله الجامعي أبو سرور وخالد بن هلال الرحبي وسالم بن سليمان البهلاني وهلال بن سالم السيابي وحبراس بن شبيط الشعملي ونذكر أيضا بعضا ممن برزوا في الأدب وموسى بن عيسى البكري وموسى بن سالم الرواحي وأخيه ناصر بن سالم الرواحي وممن برزوا في مجال الشعر الحديث سيف بن ناصر بن عيسى الرحبي وسيف بن محمد الرمضاني وهلال بن محمد العامري وهناك الكثير من العلماء والادباء والشعراء والفقهاء والقضاة كما عاش في سمائل الشيخ لم سليمان باشا بن عبدالله الباروني وهو قائد وسياسي مغاربي.
انشاد الشعر
تختص سمائل بخصوصية الالقاء والانشاد الشعري بطريقة ميزتها عن غيرها وقد حافظ أهلها على هذه الطريقة الفريدة وبهذا حفظت لهم تلك المكانة والتفرد واضافت ال محاسن غزارة شعرهم حلاوة الالقاء والاطراء به فظهر منشدون متخصصون . يشكل اللحن الصوتي اضافة حقيقية الى ذلك الشعر السمائلي منها النغمات العذبة وتقطيع الأوزان الشعرية بأسلوب غنائي.
ومن شعر أبي سرور حميد بن عبد الله الجامعي
سـمائل وجمـال الطبيـعة
أمن جنة الرضوان سامية الكرسي
شذى قد أتاحته الصبا منعش النفس
أطيب رياض من سمائل داعبت
رياض الهنا في ورضة النازح الأمي
هي الروضة الغنا عزيز نظيرها
وهل لجنان الخلد شبه بها يرسي
احاطت بها حفظا جبال شوامخ
كمثل سوار قد حوى معصم العرس
كما اختطها واد جميل نظامه
كمبسم ثغرزانه بارق الضرس
على جانبيه النخيل والموزيانع
وتين اعناب ومن طيب الغرس
ومنه ترى الأنهار تجري نشيطة
لتسقي هناك الضفتين على أنس
تهينم في تلك الجداول إن جرت
بهمسة مشتاقين في غفلة الحرس
ومن شعر الشيخ الأديب /موسى بن عيسى بن ثاني البكري
تذكـار الـوطن
تاهت سمائل بالفخار
تيها على كل الديار
وأقرت الأعدا لها
فضلا عظيما واشتهار
والفضل كل الفضل ما
شهدت به الأعدا جهار
لا ننس ذكر معاهد
تزدان بالصيد الخيار
كم من جليل مناقب
زاكي المحامد والنجار
حازت وكم من فاضح
بنوال لجج البحار
وخضم علم زاخر
هدى الأنام به منار
وأفاضل وأما جد
ما أن يشق لهم غبار
آه من يمتلك روح اللقالق
في عزلتها الكبرى أمام البحر
وحيدة تنام وحيدة تستيقظ
بعيدة عن السرب .
كانت في الماضي تتنزه على أطراف النهر
بأعماق الوادي
تطاول الجبال بأعناقها ، وهي تمشي مليئة
بالرجفة أمام
جويان الأشياء، لكنها سعيدة كمن يعرف غده معرفة
الأجنحة وهي توغل في سراب المسافة بأرض لا
قرار لها .
كانت البنادق مهيأة للصيد،
بنادق بأيدي صبية يصلون رأس الوادي بنهايته في
أعالي (سمائل )
وكانت اللقالق تفصد الهواء الفاسد
فوق الرؤوس .
لن يعود اليوم حطابوك ورعيانك
من الجبال،
ولن يعود الغجر حاملين فوانيسهم
على امتداد الهضاب ،
وكذلك صائد الوعول وعراف .المياه
لن يعودوا الى بيوتهم هذا المساء.
فالسيول الكاسرة سدت
منافذك الوحيدة
والبروق بحيواناتها الجائعة الطرقات.
لكن وخلف التلال القريبة، ألمح الفؤوس
تلمع في ليلك الكثيف
من ديوان "مدية واحدة لاتكفي لذبح عصفور"
الهوامش
1- ديوان وحي العبقرية للشيخ عبدالله الخليلي ص 22 – مخطوط بيد الشيخ سالم بن حمود السيابي بمكتب والي سمائل .
2- مصدر سابق للسيابي بمكتب والي سمائل.
3- الأبيات كتاب تحفة الأعيان للسالمي ص 53.
4- موضع قرب المدينة
5- النصر.
6- خافت .
7- يقال ليس وهو من شرجه أي من طبقته وشكله.
8- حتى أذن.
9- الأسماء المذكورة أوردها الأديب موسى البكري – أبو سرور والشيخ محمد بن عبدالله بن علي الخليلي.
10- سرور : احدى قرى ولاية سمائل.