الذاكرة الشفهية أو الشفاهية هي من أهم المعارف التي يعتد بها كذاكرة أساسية لدى العديد من الأمم والشعوب .
بل أنها بطرائقها واعراضها حتى لدى بعض الشعوب التي يشكل التدوين أحد مرتكزاتها تؤخذ بجدية واحترام خاص . فهي الذاكرة الحقيقية والمؤثرة لدى جميع شرائح المجتمع .
وحين تختفي الذاكرة الشفافية في حضورها الملموس على أرض الواقع . وتفقد صيرورتها . ووهج خلق وتوالد أحداثها وشخوصها يصبح التدوين أساسيا. بل عدم العناية به تفريط في حق الأمة والوطن ، في جزء أساسي. من محصلته وذاكرته الجمعية . بل إنه بصريح العبارة إلغاء لموروث الأمة وتغييب ذاكرتها الى الأبد بل أنه توليد محدث لذاكرة جديدة تتوسل الماضي بجذور مقطوعة أو شبه مقطوعة . الحديث عن الذاكرة الشفافية مهم . لأن الذاكرة العربية تنقسم الى ذاكرتين . الأولى أساسية تضرب بجذورها في أعماق الزمان والمكان شاخصة بحضورها دون مواربة أو استحياء للجهات الأربع .
هذه الذاكرة متحركة تغذي نفسها بحضور الوقائع والأحداث والتفاعلات في الأزمنة والأحقاب . الأحداث التي دون مكياج بعيدا عن أصباغ الزينة . وديكورات التجميل . هذه الذاكرة هي الذاكرة الشفافية ..
مخزون كبير . متحرك يموج بأطياف من الأقوال والأحداث . الذاكرة الأخرى : الرسمية . في معظمها أو كليتها ذاكرة مكتوبة . وبهذا يتم الاعتداد بها كقول فصل في التقبل والاعتماد.
والاشكالية بين الذاكرتين واضحة للعيان في كل دول العالم الثالث . لأن أحدى الذاكرتين تلغي الأخرى. إلغاء مبطنا ، خفيا وإلغاء علينا واضحا.
وبدلا من أن يكون هناك تقارب يدعم الذاكرتين بمخيلة ذات أفق رحب يتم دوما إقصاء الشفهي لصالح الذاكرة التي عادة ما تسمى المكتوبة أو الرسمية .
وهنا خطورة المسألة لأن الذاكرتين أساسيتان لأي أمة كانت خصوصا وان الذاكرة الشفافية تشهد اضمحلالا واضحا على مستوييها . الحافظ والناقل ، مما يعدم وسيلة انتشارها. بل تغيب أو تغيب بطريقة تثير الأسئلة والاستفسارات .
الأحداث والوقائع ذاكرة أمة لا تتكرر
وبما أن الأزمنة المعرفية لا تكرر نفسها! فإن أي ضياع لأي منتج ثقافي ،معرفي ، إبداعي، وقائع تاريخية ، جغرافية ،سياسية ، علوم ، وغيرها من الأحداث التي شهدتها الأمة وورثتها عبر أجيالها المتعاقبة . واختفت ولم تسجل أو تؤرخ . أو تنقل الى الأجيال اللاحقة هو ضياع حقيقي لتلك الذاكرة .
والتوجس الذي يؤخذ دوما على الذاكرة الشفافية . توجس في معظمه مسبق . وفيه نوح من المغالاة .
وبهذا لو صدقت النيات في تجيير الفجوة ما بين الذاكرتين . وتحويل الشفاهي الى المقروء المعمم لكان اغناء أكثر لذاكرة عربية ربما يكون لها شأن عظيم .
خصوصا إن الذاكرة الآن . ذاكرة الحاسوب الذي يسحق أمامه أخضر العالم ويابس الثالث .
واذا لم تهيىء بعض الدول المختلقة نفسها لوضع أفضل . فإن المتغيرات المتلاحقة . التكنولوجية منها. سوف تسحق كياناتها الثقافية – المعرفية والوجودية بأكثر مما تصوره هي نفسها. هذا التهيؤ يتم بأن يكون لها مستويات وسطى على أقل تقدير بالمحافظة على تراثها وثقافتها بإعطاء المعارف والعلوم جزءا مهما وليس ثانويا أو هامشيا من اهتماماتها . لأنه في الأول والأخير . الخندق الذي تحتمي به دول العالم الثالث من الضياع هو ثقافاتها ومعارفها بتنوعها وتعددها واختلافها عن المستعمر الجديد.
أردت أن أشير في النهاية أننا في سلطنة عمان مدعوون لحفظ ذاكرتنا الشفافية من الاندثار بتسجيلها وتدوينها وتيسير الحصول عليها. وجمع المخطوطات التي تتواجد هنا وهناك والعناية بها. والاهتمام بكل ما يمس الذاكرة والوعي الجمعي. خصوصا وأن العديد من أصحاب الذاكرة ، أو الذين عاشوا الأحداث . في المكان /الوطن . أو الذين عاشوا في شرق ووسط افريقيا وسواحل الخليج غربه وشرقه والهند وباكستان . وغيرهم من كبار السن . أو من الذين لديهم خبرة الجبال والبحار والصحاري. وتجارب السنين . يرحلون دون أن يتم الاستفادة من ذاكرتهم الحافظة . وأسرار حياتهم الخفية والعلنية . بل إن أحداثا فقدت تسلسل حصولها. مما يجعل الدارس والباحث والمحب للمعرفة يلقى صعوبة في الوصول الى بعض المعلومات التي تهمه .
كما أن هناك تنوع مصادر الأحداث يغني الدراسات التي يطمح اليها أفراد المجتمع . وتقوي الروابط المستقبلية بين أبنائه . وتكشف الخلل والعثرات التي صاحبت دورات المجتمع في فترات سيرته الطويلة .