صدرت مؤخرا عن دار الآداب رواية « سيدات القمر» للكاتبة المبدعة جوخة الحارثية، وتتقاطع الرواية في الكثير من أجزائها مع مراحل بعينها من التاريخ العماني، ومع شخصيات يبدو أن لها ملامح معروفة، لكنها لا تقدمها في سياق تاريخي بقدر ما توظفها لخدمة روايتها القائمة بالضرورة على الخيال.
لم يكن من السهل أن تتحدث جوخة الحارثية عن روايتها الأخيرة «سيدات القمر» حيث كانت ترى أن الكاتب يكتب الرواية وهذا كافٍ عليه جدا، لكن الحديث عنها أو حولها أمر منوط بالقارئ والمتلقي بالضرورة، لذلك كانت صاحبة سيدات القمر متحفظة إلى حد ما في كشف تفاصيل دقيقة عن شخصياتها، لكن في المقابل كنا نحس أن ذلك من حقها.
في هذا الحوار نحاول أن نقترب من « سيدات القمر» قدر الإمكان برفقة كاتبتها الدكتورة جوخة الحارثية فإلى التفاصيل.
بين جيل ميا وبين جيل ابنتها لندن هل تغير شيء . لندن ظلت تتذكر حبيبها رغم فشل العلاقة لكن لندن رغم الدفقة الشعورية التي استقبلتنا الرواية بها لم تتحدث بل فضلت الصمت؟
الرواية سكتت عن ذكر علي بن خلف الذي أحبته ميا، لكن هل يعني سكوت الرواية عنه أن حبيبها انتهى؟
أنا أوجه هذا السؤال لك.
أحس أن هذا السؤال يجب أن يوجه للقارئ. أو أن القارئ هو الذي يكتشف الأمر إن شاء.
لكن هل حصل تغيير؟
نعم حصل تغيير، ليس فقط على مستوى التعبير عن المشاعر والأسرار والقرارات قياسا بما كان بين ميا ولندن بل حتى على مستوى الحياة. ما الذي جعل «لندن» تملك القدرة لتصر على الزواج من شخص تعرف أنه غير مقبول لدى أهلها؟ هذه القدرة التي لم تكن ميا تملكها إطلاقا، بغض النظر عن النتائج.
لكن هل هذا التغيير جوهري أم أنه سطحي بحيث يجلب وراءه جوانب تدميرية ربما؟
لك الحق طبعا في هذا التأويل. لكن يبدو لي أن الرواية كانت مهتمة بأمر التغيير، وتعاقب الأجيال، حتى قبل جيل ميا كان هناك جيل التاجر سليمان وقبل ذلك جيل أبيه، والرواية بهذا المعنى مهتمة بالتحولات، وهي في غاية الأهمية، ومن المهم أيضا كيف ننظر إلى هذه التحولات وكيف نقيّمها.
في هذا السياق هل لتسمية ميا لابنتها باسم لندن علاقة بتمسكها بحبها القديم على اعتبار أن علي بن خلف كان عائدا عندما رأته لتوه من لندن؟
«تبتسم» يبدو لي أن هذا هو الشكل الوحيد الذي دافعت فيه ميا عن حبها، ميا التي صمتت طوال الرواية وفي حياتها كلها لم تقل أشياء كثيرة، الشكل الوحيد الذي أصرت عليه بعناد هو تسمية ابنتها باسم « لندن» على اعتبار أن لندن الفردوس المفقود الذي لم تستطع الدفاع عنه ولم تستطع امتلاكه ولو للحظة واحدة، رأته من بعيد فقط. وهذا هو شكل دفاعها وتمسكها بالحلم والفردوس. «أنت فضحت جزءا مهما في الرواية».
ليس فضحا بقدر ما يستطيع أي قارئ مهما كان عاديا أن يمسك بمثل هذه الجزئية؟
لذلك أفضل أن نترك مثل هذه الأمور للقارئ ليكتشفها لوحده.
روايتك سيدات القمر مليئة بالشخصيات التي مرت بأجيال متنوعة، لكن الملاحظ أن جلها كانت شخصيات مأزومة، تعاني من تشظيات ليس على المستوى الخارجي فقط بل حتى على المستوى الداخلي. لماذا كل هذا الكم من التأزم وهذا التشظي؟
لأن التأزم يصنع الإنسان. الإنسان غير المأزوم إطلاقا إنسان بلا قضية وأكاد أقول بلا هوية؛ لأن الأزمة تخلق الشعور الإنساني. وكما لاحظت بدقة ليس بالضرورة أن تكون الأزمة بسبب أشياء خارجية، هناك شخصية عبدالله على سبيل المثال وهو أحد أبطال الرواية وحسب تعبير الناشرة «من الشخصيات التي لا ينقصها شيء»، فعبدالله لا ينقصه شيء ظاهريا، فعنده عمله وزوجته التي أحبها واختارها بنفسه، وعنده أولاده وتجارته التي ورثها من أبيه، لكن في الحقيقة هو شخصية مأزومة بأزمات داخلية عميقة، وجودية غالبا.
والأمر ينسحب على شخصيات أخرى لها وضعها الاجتماعي الخاص مثل ظريفة فهي تبدو سعيدة، ومحبة للحياة ومرحة لكن لديها أزمة مع زوجها، ثم مع ابنها ، وهناك إشكالية نظرتها لنفسها في سياق المجتمع. لذا يبدو لي أن التأزم والحزن ليس مبالغا فيه إطلاقا، بل هي أزمات تشكل جوهر الوجود الإنساني، وأي إنسان مهما كان وضعه.
في سياق الحديث عن الشخصيات في روايتك نجد أن ثمة شخصيات تتقاطع وبشكل واضح مع شخصيات حقيقية في التاريخ العماني. مثل شخصية عيسى المهاجر. هل أنت مشغولة بإعادة الحياة لشخصيات تاريخية. وألا يشكل ذلك خطرا عليك ككاتبة؟
سأستشهد بمقولة للأصفهاني «من ألف فقد استهدف» إما أن تختار أن تكتب وإما ألا تكتب.إذا اخترت أن تكتب فيجب أن تتحمل نتيجة اختيارك، عليك أن تكون شجاعا بما فيه الكفاية لتواجه آثار الكتابة.
ويجب أن نختار كما يقول الفيلسوف سيوران بين الجدل والنواح. إما أن أنوح بلا جهد كما يفعل بعض الكتاب، وهذا غاية في السهولة، وإما أن أطرح الجدل، وفي تصوري أن سيدات القمر حاولت أن تطرح شيئا من ذلك، والتاريخ جزء من الجدل وخاصة التاريخ العماني. يبقى أن لا نحضر الواقع كما هو ونضعه بين دفتي كتاب ونقول هذه رواية. في النهاية الكتاب التاريخي مختلف، والرواية مختلفة فهي قائمة على الخيال، لكن من حقها أن تستفيد بشكل أو بآخر من التاريخ وأن تتقاطع مع الأحداث والشخصيات الحقيقية وتناقشها من زوايا مختلفة.
السؤال يأتي لأن الكثير من المراحل في التاريخ العماني غير موثقة لذلك يتهيب الكثير من الكتاب للتقاطع معها؟
هذا صحيح، ولذلك عندما كنت أفكر أن أكتب عن فترة الثلاثينات والأربعينات وهي الفترة التي ولدت فيها بعض شخصيات الرواية، سالمة مثلا ولدت في الأربعينات، وظريفة ولدت في الثلاثينات، وجدت صعوبة في الحصول على مراجع باللغة العربية، والموجودة فقيرة جدا، لم أكن أبحث عن السياسة ووضع الحاكم، كنت أريد أن أعرف كيف كان الناس يعيشون، وماذا يأكلون، وكيف يخرجون، وكيف كانت النساء يخرجن من البيت، ومن التي كان يسمح لها بالخروج ومن التي لا يسمح لها، لكن المصادر كانت شحيحة جدا، وقد اعتمدت منها طريقين: الأولى المصادر الشفوية وذلك بمجالسة كبار السن ممن يتذكرون تفاصيل تلك الفترة، والثاني هو الوثائق الأجنبية، وكنت في بريطانيا وقتها للدراسة ورجعت إلى مكتبة الجامعة. على سبيل المثال تسرد الرواية محاولة إحدى الشخصيات لإنشاء مدرسة عصرية في الثلاثينات أو الأربعينات من القرن المنصرم، والقصة حقيقية، كان هناك نزوع للتعليم العصري، المسألة حساسة بالنسبة لي أن التعليم الحديث بدأ في عمان في السبعينات فقط، لكن هذا لا يعني أن العمانيين لم يرغبوا في التعليم، كانت هناك محاولات، لكنها أجهضت، وإدخال مثل هذه القصص في قالب روائي أمر مبرر.
الواقع أكثر غرائبية فلماذا لا يحاسب
رغم تماس أحداث رواية سيدات القمر مع أحداث تاريخية بعينها إلا أنك اخترت أن تدور الأحداث في قرية متخيلة لماذا؟
لأن قرية العوافي بوسعها أن تكون أي قرية عمانية.
المتتبع لتفاصيل قرية العوافي وهي القرية التي دارت فيها معظم أحداث الرواية ويبدو أنها متخيلة، إنها ظلت تعاني من تنوع الطبقات الاجتماعية فيها رغم أن أحداث الرواية تصل إلى مرحلة زمنية قريبة جدا من وقتنا الحالي. ألا تعتقدين أن في الأمر مبالغة؟
لا أعتقد أن ثمة مبالغة. نعم الحديث عن هذا الموضوع حساس جدا في عمان، قد لا توجد الآن تلك الطبقية الصارمة، ولكن دعني أقول لك إن ذلك قد لا يظهر في الصداقات والوظائف، لكن عندما يتعلق الأمر بموضوع حساس مثل موضوع الزواج الذي سيترتب عليه نسل وسلالة تبدأ الموضوعات التي اعتقدنا أننا تجاوزناها بالظهور على السطح.
لكن هل حاولت شخصيات الرواية الثائرة محاربة هذا الأمر؟
حاولت بعض الشخصيات ونجاحها أو فشلها أمر نسبي. المشكلة في كتابة الرواية أن الروائي مطالب أن تكون أحداثه كلها مبررة، لكن في الحقيقة الواقع أكثر غرابة وتعقيدا وتشابكا مما في الرواية نفسها. إيزابيل ألليندي تقول « لا أحد يحاكم الواقع على غرائبيته، ونحن نحاكم على غرائبيتنا» فالواقع أكثر غرائبية. هل يجب على جميع الشخصيات أن تكون ثورية؟ هل يجب أن تنتهي جميع قصص الحب التي تتحدى المجتمع نهاية سعيدة؟ هل يجب أن يحصل جميع الثائرين على حياة مريحة؟
نعود إلى قصة زواج لندن من رجل جده كان يعمل في مزرعة جدها. فشل تلك العلاقة هل هو انتصار للأفكار القديمة؟
لا. لا أبدا، وأنا أزعم أنني كنت واعية لذلك أثناء كتابتها. في الرواية العربية نجد أن الحب يجب أن ينجح، بينما في الحياة لا يكون هذا هو الحال دائما. فهذا ليس موقفا فكريا أتبناه، الرواية بها شخصيات متنوعة وعلاقات متشابكة ومتفاوتة في مدى نجاحها. موقفي الفكري ربما يقرأ من مجمل العمل، فأنا مع الحرية ومع الحياة بشكلها المشرق. ففشل لندن هذا ليس انتصارا لموقف الأم أو الأب ولكنه تقديم لنموذج من نماذج الحياة في مجتمعنا.
طبعا يتضح ذلك في مجمل عملك، وكأن القارئ يستطيع ان يثق أن مثل تلك القيم ستنجح وربما خلال فترة قريبة من الفترة الزمنية التي تنتهي معها الرواية؟
طبعا بلا شك. يوجد تفاوت في نظرة الشخصيات وتفاعلها مع موضوعات الطبقية والحرية، خذ مثلا شخصية حبيب وسنجر وظريفة؛ فظريفة شبه راضية بواقعها وهي مبررة له، ولا تتصور أن تستقيم حياتها خارجه، بل هي تحب سيدها كرجل، فهو حبيبها، فيما يرى سنجر الموضوع من زاوية أخرى، ويرى حياته يكتنفها الظلم وسيهجرها حتى لو اضطر للهجرة والعمل في بلد آخر في عمل قاس مادام ذلك يتسق مع تفكيره وتحقيقه لذاته ولإنسانيته.
ما أريد قوله هنا أن التنوع موجود في الحياة وموجود في الرواية، والناس مختلفون في تلقيهم لما يحدث.
يلحظ القارئ لسيدات القمر أن ثمة تحولا في استخدام اللغة السردية خلافا لما كان في رواية منامات؟
نعم أعتقد أن هناك تحولا فعلا. ربما منامات بسبب طبيعة موضوعها وتركيزها على بطلة محورية واحدة وعلى ثيمة الحب اعتمدت لغة خاصة يبررها خصوصية الموضوع، وخصوصية المعالجة، لكن في سيدات القمر هناك شخصيات كثيرة وتستمر لأجيال متعددة فكانت اللغة المستخدمة فيها هي اللغة التي تناسبها، وهي لغة السرد البسيط المكثف.
لكن حتى اللغة الشعرية الحالمة صارت تهمة يتهم بها السرد العماني وخاصة في القصة القصيرة؟
هذا صحيح، ولكن لو كنت تسألني قبل سنوات سأدافع بشراسة عن هذا الموضوع. لكن رأيي الآن هو ألا نهاجم اللغة الشعرية على إطلاقها، اللغة الشعرية في ذاتها جميلة ولا ينبغي الهجوم عليها، لكن أيضا السرد لا يحتاج إلى الإثقال في الأساليب البيانية.
صوتان سرديان في الرواية
القارئ للرواية يجد تعددا في الرواة الأمر الذي يجعله يتوه في الإمساك بالسارد. فمن هو السارد في سيدات القمر وهل هناك مبرر لعبدالله يجعله يعرف كل شيء؟
سؤالي هل عبدالله كان يعرف كل شيء؟. بدا لي أن عبدالله يعرف الأشياء من وجهة نظره هو، مثلا في علاقته بزوجته .. القارئ كان يعرف أشياء لا يعرفها عبدالله.
وفي موت أمه؟
لم يكن هو من يسرد، فعبدالله كان يسرد بضمير المتكلم فقط والسرد في الرواية فيه صوتان: الذي يحكي بضمير الغائب وصوت عبدالله، وهو لم يكن عليما بكل شيء بل كان يسرد الأحداث من وجهة نظره.
النسيان غير التجاوز
هناك شخصية مهمة أيضا في الرواية تحمل الكثير من المتناقضات وهي خولة والتي دافعت عن حبها وحقها في اختيار زوجها ولكن خذلها زوجها في النهاية لتتحول إلى ثورية هي الأخرى؟
يبدو لي أن شخصية خولة ترد على سؤالك السابق في أن كل تمرد في الرواية ينتهي دائما بالفشل. الذي حدث مع خولة هو العكس، رغم أنها من جيل سابق للندن لكنها برهنت على ان الخنوع للواقع ليس خيارا نهائيا في الحياة، بل هناك شخصيات قادرة على تغيير نفسها ومصائرها.
لكنها فشلت؟
لم تفشل.
ولكنها انفصلت؟
هل الانفصال بالضرورة فشل؟ تقرأ في بداية الرواية أنها فتحت محلا للتجميل مرموقا، وهذا كان مجال اهتمامها منذ البدء، مما يعني أنها لم تتحطم على الصعيد الإنساني.
لكن على رهانها الذي انتظرته سنينا فشلت!.
حدث ذلك في الوقت الذي ظن فيه الجميع أنها نجحت أخيرا.
الماضي كان من بين الأسباب التي جعلتها تنفصل، هل الكل في الرواية يهرب من ماضيه؟
رغم أن زوجها بعد عشر سنوات استقر أخيرا ولم يعد يذهب إلى كندا وأصبح رجلا مثاليا في نظر الناس، لكن في نظرها أن الماضي لا يمكن أن يسامح حتى لو كان الحاضر رائعا.
هذه الجزئية يمكن أن نربطها مع جزئية التقسيمات الطبقية التي تحدثت عنها الرواية فهي تطارد الشخصيات ولا يمكن تجاوزها ونسيانها؟
لا يمكن نسيانها شيء، ولا يمكن تجاوزها شيء آخر، ربما لا ينسى نعم ولكن هل يتجاوز؟ أقول نعم من الممكن تجاوزه. النسيان غير التجاوز. خولة نفسها تجاوزت الماضي.. ماضي الحب المثالي والقائم على الأحلام، وفارس الأحلام، هي تجاوزته في إقامة حياة خالية من الرجل الذي تمسكت به منذ طفولتها.
هل اهتمامك بالرواية جعلك تنسين القصة التي بدأت من خلالها، وهل كتابة الرواية هي مرحلة متقدمة من كتابة القصة القصيرة؟
هذا الفصل الحاد بين القصة والرواية وأن الرواية مرحلة متقدمة من مراحل كتابة القصة غير موجودة بهذه الحدة في بلدان العالم. لا أعتقد أن الرواية هي تطور بالضرورة عن القصة القصيرة، هي جنس مستقل إن شئت ، وبعض الحالات والأفكار يصلح للتعبير عنها بالقصة وبعضها بالرواية، الكتابة وحدها تختار جنسها وطريقها الأدبي. وكما تعرف هناك كتاب لم يكتبوا روايات وهم قامات في كتابة القصة مثل زكريا تامر، ولا يمكن أن نقول أنه ينقصه تطور حتى يكتب رواية، المسألة ليست بالضرورة تطور.
الملاحظ أن الروايات التي كتبت في عمان وكانت تتماس مع التاريخ تكون أكثر نجاحا هل نحن مسكونون بالتاريخ أم أنها الأجمل فنيا؟
مبدئيا بالنسبة لي الرواية الجميلة هي الرواية الأجمل فنيا، هي القادرة على إمتاعي وإقناعي، هذه هي الرواية الأجمل بغض النظر عن الموضوع. اما إذا كان الموضوع فيه أبعاد تاريخية واجتماعية، فهذا يعتمد أيضا على كيفية توظيف الكاتب لتلك الأبعاد فلا يحكم بالنجاح حسب المضمون فقط.
ثم ما هي معايير النجاح؟ خاصة في ظل إشكالات النقد في عمان، ما معيار النجاح هل هوحجم المبيعات؟ أم الكتابة النقدية؟ هذا سؤال مهم كيف نقيس نجاح رواية في عمان؟
الكتابة لا تنفصل عن النوازع الشخصية
اتجهت للكتابة للأطفال عبر عش العصافير كيف تقيمين هذه التجربة؟
بالنسبة لعش العصافير لم يكن يخطر في بالي أن أكتب للأطفال إلى أن رزقت بطفليّ، ووجدت نفسي في امتداد تاريخي لدور الأمهات القديم ودور الساردات القديمات وأنني مطالبة أن أحكي حكايات كثيرة فلا تكتفي طفلتي خزامى بكل الكتب في مكتبتها ، وبعض هذه الحكايات أثارت انتباهها بشكل لافت ومن ضمنها حكاية عبيد الذي تأوي العصافير إلى شعره، فكرت في كتابتها وتخوفت من التجربة لأن الكتابة للأطفال صعبة جدا ومغامرة قد تكون غير محسوبة أحيانا، لكن عندما كتبتها اختبرتها في محيط الأطفال فوجدت لديهم القبول، ثم تحمس لها الفنان والشاعر عماد أبو صالح، وشجعتني أزهار أحمد وهي المهتمة بأدب الطفل على نشرها، فأصبحت قصة عبيد كتابا.
إذن سبب المغامرة هم أطفالك وليس هاجس الكتابة وحده؟
طبعا هاجس الكتابة للطفل موجود ولكن أنت تعرف أن أمر الكتابة لدى الكاتب لا ينفصل عن النوازع الشخصية، لا يكتب الكاتب في أمر لا يعنيه لمجرد أنه يسد نقصا في السوق! لا أكتب رواية مثلا لمجرد أنه لا توجد روايات عمانية كثيرة .. وكذلك في أدب الطفل وهو كما ترى أنت مهمش وفقير جدا، وهناك مشاكل كثيرة في هذا الكتاب واجهتنا في الرسم والإخراج والتمويل.
كيف تنظر جوخة إلى المشهد الروائي لدى جيل الشباب وهل هو مبشر بترسيخ هذا الجنس الأدبي في السلطنة؟
أنظر إلى المشهد بتفاؤل، ربما نحتاج زمنا كافيا حتى نغربل الموجود على الساحة الآن، ولكن المشهد بمجمله مبشر جدا، خاصة بالنسبة لبلد بدأت فيها الكتابة الروائية في وقت متأخر نسبيا قياسا بدول أخرى.
من هم الكتاب الذين تقرأ لهم جوخة وربما أثروا فيها؟
كل كاتب يخاطب أعماقي، هو كاتب عظيم بالنسبة إلي، ويؤثر في. لا يمكن إعداد «قائمة».
هل تؤمنين بمقولة أننا نعيش زمن الرواية على حساب تراجع الشعر؟
لا، لا أحب ترديد مقولات من هذا النوع، ربما يكون جمهور الرواية أوسع فقط، وهذا يحدث الآن في كل العالم، وليس في العالم العربي فقط، وأسبابه كثيرة، ليس أقلها تعالي الشعر الحديث على متلقيه، ولكن هل يمكننا الحياة بدون شعر؟ لا أظن.
هل انعكست دراستك الأكاديمية على كتابتك، وهل تعملين كرقيب على كتاباتك نقديا؟
لقد بدأت بالكتابة والنشر قبل أن أمتهن العمل الأكاديمي، الأكاديميا لا علاقة مباشرة لها بعملية الإبداع، ولكن ينبغي الاعتراف إنها تعلمني الدقة، وتوجه تفكيري حين يتعلق الأمر بإعداد مادة خام، تاريخية مثلا، للعمل الروائي. أعمل طبعا كرقيب على كتابتي، لا يوجد كاتب لا يراقب نفسه، ولكن ليس من وجهة نظر نقدية أكاديمية على الإطلاق، بل بصفة ذاتية بحتة، إذا فكرت في النقد ونظرياته أثناء الكتابة لن أكتب شيئا.
هل تشتغلين الآن على أي مشروع كتابي آخر؟
منشغلة على ديوان جدي الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي وهو صديق ومجايل للشيخ عبدالله الخليلي ويسير بنفس النفس الشعري الذي سار عليه الخليلي الذي نشر ديوانه منذ فترة مبكرة فيما لم ينشر ديوان الحارثي حتى الآن، وإن كان في العمر فسحة سوف أجمع الديوان وأقوم بتحقيقه .
حاورها: عاصــم الشيـــدي
كاتب وصحفي من عُمان