حسن شهاب الدين
شاعر مصري
1- فاسيلي كاندينسكي
(شلَّةُ خيطِ قوسِ قُزَح)
قليلٌ مِن الظِّلِّ يكفي
لترتكبَ امْرأةٌ مِنْ نُحاسِ الظهيرةِ
خَدْشًا بزاويةِ اللوحةِ القُزَحيَّةِ
كَيْ يتدفَّقَ منه النُّعاسُ
إلى شارعٍ عابرٍ في القصيده
…
قليلٌ مِن الصَّيْفِ
فوقَ قُماشةِ ذاكرتي
إذْ تُديرُ الحياةَ إلى أوَّليَّةِ ألوانِها..
وتَرْمي إليَّ بِشَلَّةِ خَيْطِكَ
كَيْ يَتَدَحْرَجَ قَوْسُ قُزَحْ
وتنفرطَ الأرضُ كالبُرْتقالةِ
مِنْ شُرْفةِ امْرأةٍ في سماءٍ بعيده
هنالكَ..
إذْ يفتحُ اللونُ نافذةً في يَدَيْكَ
ويأخذُ حمَّامَ شمسٍ
بِصُحْبَةِ فُرْشاتِكَ العَارفه..
تكونُ الحياةُ أقلَّ ضجيجًا
وتغدو السماءُ على بُعْدِ ضِحْكةِ طِفْلٍ
وأَشْعَارُنا زَوْرَقًا للنَّجَاةِ
برَغْمِ وجوهِ الحروبِ العديده
فامسكْ مَعِي طَرَفَ الخَيْطِ
لُفَّ قُمَيْرًا..
وأطْلِقْه بالونةً في الهواءِ
وفُكَّ ضفائرَ بنتٍ..
لكَيْ تتأرْجَحَ في الرِّيحِ أقراطُ أشجارِها المريميَّةِ
حرِّرْ عصافيرَ هذي المَصَابيحِ مِنْ لَيْلِ ألوانِها
كَيْ تُنَقِّرَ قمحَ القصائدِ مِنْ شُرْفةٍ في يديَّ
وَشَكِّلْ حروفًا بِغَيْرِ نِقاطٍ..
لكي تتقاربَ أسماؤنا
أَجَلْ هكذا..
ولا تَنْسَ شيئًا مِن البَحْرِ
خَلفيَّةً للبلادِ التي سَوْفَ نَسْكنُها
رُبَّما ذاتَ صَيْفٍ بعيدٍ
بعيدٍ
كخاتمةٍ للقصيده.
2- سلفادور دالي
(قُدَّاسُ من أجلِ الجنون)
رُبَّما نحتسي قهوةَ العابراتِ
ونأْملُ أنْ نصطادَ غيمتَيْنِ للعشاءِ
رُبَّما..
نحجزُ تذكرتَيْنِ بسينما الرَّصيفِ
ونسألُ أعمدةَ الضوءِ عنْ خبرٍ في الجريدةِ عنَّا
نُسَمِّي –كما يقترحُ الليلُ– نَزْوَتَنا لوحةً
ونراودُ قبلَ فَوْضَى اليقينِ بِقَارُورَتَيْنِ
عصافيرَ ألوانِكَ السائباتِ
نُغلقُ دُكانةَ العقلِ شيئًا..
ونُرَدِّدُ لأصدقاء لا نراهم بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ لوركا
على إيقاعِ لحنٍ أزرقِ العَيْنَيْن
لابدَّ مِنْ صَخَبٍ يا صديقي
لأنَّا نبيعُ الدهشةَ على غيرِ قارعةِ الصمتِ
فانزعْ مَعِي البحرَ
مِنْ لوحةِ العابرين إلى حصَصِ اللونِ المدرسيَّةِ
وادْلُقْه فوقَ الرصيفِ
صَلِّ معي للجنونِ..
وَاصْنَعْ مُفَاجأةً للسَّماءِ
تعالَ لنكسرَ وَزْنَ القصيدةِ
خُذْ طقطقاتِ القوافي العِجافِ التي سُمِّرتْ
منذُ ألفٍ رتيبٍ مِن الثرثراتِ
لنخرجَ بها مِنْ شموخِ التثاؤبِ
للشارعِ الضاجِّ بالسمكِ المُتحرِّرِ
مِنْ تُرَّهاتِ الحريرِ
وبالفتنةِ اللغويَّةِ خلفَ بلوزٍ شفَّافٍ
وبالضحكاتِ التي ترنُّ على مَقْهَى المجازِ
أو فُكَّ مساميرَ هذي النجومِ التي ثبَّتوها
بأقفيةِ الزُّرْقةِ الباليةِ
وارْمِ بها للشعراءِ الأطفالِ لتلهو بها
على شاطئِ الجنونِ
رُبَّما يا صديقي
ستُدخلُني في متاهةِ فُرْشاتِكَ
وتغلقُ أبوابَها السبعةَ
وتطلبُ منِّي عبورَ فِخَاخِ الثلوجِ
ومُراوغةَ القامةِ المُسْتطيلةِ للريحِ
والصعودَ على سُلَّمِ المطرِ الحجريِّ
وتضحكُ حينَ تراني
أقفزُ مِنْ شُرفةِ اللونِ
وأصنعُ بالكلماتِ جناحًا
أطيرُ به في سماءٍ جديده
تُسمَّى القصيده.
3- خلافٌ شخصيٌّ..
مع كلود مونيه
الأصفرُ الرنَّانُ حزنٌ شاخصٌ
وَالقاربُ المكسورُ
دونَ وصولِ
وأنا أطلُّ عليكَ
-عبرَ قصيدتي-
تمضي وراءَ اللونِ
ذاتَ أصيلِ
ماذا لو استبدلتُ بحْرَكَ
صفحةً بيضاءَ
لا تحتاجُ للتأويلِ
وأضفتُ حزنًا..
لا ظلالَ لصمتِه
وشحوبَ وجهٍ مطفأٍ مخذولِ
وبلونِ هذا الماء
أرسمُ وجهةً للتيهِ راحلةً
بلا تعليلِ
وهجيرَ صحراءٍ
يلوحُ سرابُه خلفيَّةً
للشاعرِ الضِلِّيلِ
ماذا إذا شَكَّلْتُ فوقَ وُرَيقتي
وَطَنًا..
فهَلْ سَيَضُمُّني تشكيلي
وتكونُ لي أمٌّ هناكَ
وطفلةٌ
ويدٌ تُضمِّدُ بالحنينِ رحيلي
بيديَّ إزميلُ الكلامِ
فكيفَ لي
أن أنقشَ الضحكاتِ بالإزميلِ
وأبدِّلَ الكلماتِ
وَجْهَ أحِبَّةٍ
وَأُضيفَ أُفْقًا مُشْمسًا
لأُفولي
ماذا إذا ضاقَ الإطارُ بلوحتي
يا أيُّها الرسَّامُ
ذاتَ هديلِ
وَأَحَلْتُ قاربَكَ الصغيرَ
لِشُرْفةٍ
ترنو لطفلٍ في القصيدِ خجولِ
يتعَجَّلُ الأيامَ
كي تمضي به
ليسيرَ بالكلماتِ
للمجهولِ.
4- بيكاسُّو
(كوميديا اللونِ الأسودِ)
لا تَحْزَنْ إنْ فرَّتْ ألوانُ الجُورْنيكا
فالثَّوْرُ المُتَحَدِّرُ مِنْ أصْلابِ الجِنرالِ المَدْفعِ والسيِّدةِ الباروده
أصبحَ قسًّا..
يعقدُ بابيونًا..
ويُدَخِّنُ تَوْرَاةَ الماءِ على الغَرْقَى
ويُرَبِّي في قاعاتِ التاريخِ قبورًا تعرفُ مَوْتاها
لا تَحْزَنْ..
إنْ نقصتْ مِنْ جُورْنيكا الأيْتَامِ دمشْقُ
ومِنْ جُورْنيكا الأرضِ الثَكْلَى صَنْعاءُ
وَجُورْنيكا الأَحْزِمةِ الناسفةِ شوارعُ بغدادْ..
فالوقتُ لدَيْكَ إلى نَفْخِ (الصُّورةِ) في البَرْزَخْ
لتُعيدَ الرَّسْمَ على مَهلٍ..
وقماشةُ هذا الشَّرْقِ سَتْكفي
لِنُفَصِّلَ أكْفانًا لجميعِ رعايا الأُمَمِ المُتَّحدَه
ولِنَصْنَعَ مِنْها راياتٍ سُودًا للخُلفاءِ الجُددِ..
ونَخُطَّ عليها بدماءٍ شَرِهه
سبعةَ آلافِ مُعلَّقةٍ
تكفي لمدارسَ خاويةٍ إلا مِنْ خَشَبِ مَقاعدِها
ونُطرِّزَ في آخرِها ما نَسِيتْه الجُورْنيكا
ممَّا وصَّى الآباءُ المَوْتَى الأبْناءَ المَوْتَى
بطعامِ عصافيرِ الشُّرْفه
وبِتَزْيينِ المَدْخلِ للأعيادِ
وسُقْيا النخلةِ خلفَ الدارِ..
وذلكَ..
قبلَ دقائقَ..
مِنْ مَوْتِ الألوان.