كاتبة وصحفية من لبنان تقيم في مصر.
تبدو رواية «حيث لا تسقط الأمطار»، وهي العمل الروائي الأول للشاعر أمجد ناصر، نصا روائيا يختزل سيرة حياة بطله الشاعر أدهم جابر، ولا يمكن القول بأنها سيرة حياة فقط بقدر ما هي سيرة تداخلات لأزمنة وأمكنة وأقدار شكلت حياة البطل منذ فراره من وطنه لأسباب سياسية، وحتى لحظة عودته بعد عشرين عاما. وبين لحظة المغادرة والعودة تدور رحى الزمن الأبدي المستمر لتطحن الأيام، الأصدقاء، الأحبة والأهل، وتنثر بذور الغربة واليتم بلا توقف.
لكن لحظة الرواية تبدأ بعد النهايات، بعد مرور الزمن، فقدان الحبيبة، وأفول الشباب، وهنا لا تكون لحظة استرجاع أو استنطاق للأمس بقدر ما هي لحظة رقص باطني صامت، دون موسيقى، بلا شاهد، إنها رقصة تأملية حول معبد الأمس السرابي، لأن أشياء كثيرة ستتكشف حقيقتها، ستسقط أقنعة المدن والأشخاص، وتظهر الوجوه الحقيقية المحجوبة بفعل الخوف المسبق من المواجهة، التي لابد من حدوثها الآن.
ولعل المتابع لمسيرة أمجد ناصر لن يقدم على قراءة «حيث لا تسقط الأمطار»، من دون استحضار كتبه النثرية الأخرى، التي دمج فيها بين تقنيتي السرد والتكثيف، كما في «خبط الأجنحة»، وهي جزء من سيرة ذاتية يحكي فيها عن الأشخاص والأماكن بأسمائهم الحقيقية. وهذا نجده أيضا في الكتب التي وضعها عن الرحلات، حيث السرد هو الهيكل الأساسي للنص لا الشعر، أما في كتابه «فرصة ثانية»، والذي صدر قبل الرواية بقليل من الوقت، فقد تشابك فيه السرد والشعر. ربما بسبب كل هذه الإصدارات التمهيدية للرواية، تغيب فكرة التجربة الروائية الأولى، ولا يحضر سوى الرغبة في اكتشاف جماليات السرد الذي يتخذ من الشعر في بعض الأماكن متنًا يدعم به الاستنتاجات الحكمية في آراء بطله.
وتميل هذه القراءة في «حيث لا تسقط الأمطار»، إلى كشف الدلالة الجمالية في بناء الزمن، بما يرادفه من انقسام «الأنا» بين زمانين يشكلان الفضاء الروائي للنص، فالزمن هنا يسير متوازياً مع «أنا» منقسمة بين اسمين، ومكانين، وبين ماضٍ وحاضر، وبين الشباب والمشيب. فمن خلال ثنائية «الزمن والأنا» تتشكل خصوصية هذا النص، لينتج شكلًا روائيًّا يتيح للقارئ أن يجد فيه علامة نصية فارقة، تتشكل عبرها معانيه ودلالاته لتكشف رؤية الكاتب للعالم عبر سرديات حكائية تتخذ من الثنائية معماراً أساسياً للسرد. ولا تتجه هذه الدراسة نحو التحليل أو الربط بين العمل ومؤلفه، أو ربطها بالبيئة الاجتماعية التي عاش فيها المؤلف، بقدر ما تعنى باستقراء النص الروائي قراءة استكشافية تحليلية بمعزل عن السيرة، إذ يبدو من الأهمية بالنسبة للتحليل النصي أن يكون منشغلًا بالكشف عن جماليات النص، بما فيها من توتر داخلي، ونبض خاص يبوح من خلاله بمكنوناته.
ويرى د. سعيد يقطين أن: «مقولة الزمن متعددة المجالات، ويعطيها كل مجال دلالةً خاصةً، ويتناولها بأدواته التي يصوغها بحقله الفكري والنظري»(1.) أي أن الزمن – كما يوضح د. يقطين – له أكثر من شكل واحد، فمن جهة: هناك صلة الزمن مع اللغة والتطابق الفيزيائي بينهما، ثم هناك تحليل الزمن من خلال الخطاب أو النص.
ويقدم ميشيل بوتور رؤيته للزمن على اعتبار أن من الممكن تقسيمه إلى أزمنة متعددة، منها: «زمن الكتابة – زمن المغامرة – وزمن الكاتب»(2). وفي هذه الأزمنة الثلاثة ينحصر فعل الزمن في (حكاية) يقدمها الكاتب يمكن للقارئ أن يقرأها في ساعات محددة، لكن أحداثها امتدت عبر سنين. وهذا الكلام يتفق مع رأي تودوروف بأن زمن الخطاب خطي، وزمن القصة متعدد الأبعاد، أي أن أحداث القصة من الممكن أن تقع في وقت واحد، لكن في الخطاب لا يمكنها أن تأتي متسلسلة.
الزمن الكلي في الرواية
وبهدف تحليل الزمن الروائي في «حيث لا تسقط الأمطار»، سأنطلق أولا من تحليل زمن الحدث على مستوى عام، أي تحليل عام للزمن، قبل التفرع على مستوى ثان لتحليل خصوصية ثنائية الزمن، بهدف إبراز أهم خصائصه التي جاءت متجاورة في هذا النص مع ثنائية الأنا، وعلاقتها بالشخصيات المطروحة في الرواية.
ينفتح النص على فعل العودة. إنه حدث محوري أساسي يقع في الزمن الحاضر: «ها أنت تعود…» (ص: 13).
مما يفرض منذ البداية طرح سؤال عن نوعية العلاقة بين زمن القصة من جهة، وزمن الخطاب من جهة ثانية، وزمن النص من جهة ثالثة، فالزمن الحاضر الذي يبدو في صيغة المخاطب «ها أنت تعود»، رغم صيغة المضارع فإنها تنفتح تلقائيا على سرد سيحكي عن الماضي. من هنا يتيح لنا هذا التحديد للزمن الحاضر، معرفة ما هو قبل، وما هو بعد في السرد، حيث التفريق بين (الحكي) الذي سيكون ماضياً، وبين (حكي) يقع ضمن إنجاز الخطاب الروائي، كما سنرى لاحقاً خلال التقطيعات الزمنية التي يمارسها الكاتب في سرده.
وإذا كان هذا على مستوى الزمن، فإن ثمة أسئلةً أخرى تستدعيها جملة البداية «ها أنت تعود»، على مستوى الأنا لتحرك عاطفة القارئ ومخيلته: «لمَ غادر البطل السارد؟ وإلى أين غادر؟ ولمَ يعود الآن؟
وهذه الأسئلة لن تجد إجاباتها الشافية، إلا في الكشف عن الصيغ الزمنية التي تحكم النص، ضمن أزمة الذات والهوية، حيث ثنائية الذات هي انقسام الزمن الكلي، بين ذات مغتربة عن الوطن، تعيش ارتحالاتها، واغتراباتها في بعد ملحمي يبدو مُحملا بهاجس البطل الأسطوري الذي يخوض غمار رحلة كونية تنتهي برجوعه إلى مداره الأول، وبين ذاته الأولى، الأكثر براءة، النقية في رؤيتها للعالم. الذات التي لم تحمل جراحَ الغربة، ولم تشاهد الدماء تسيل على أسفلت الشوارع، تلك التي لم تغادر الوطن. وبين الذات الأولى والثانية يمتد وقت طويل يُلخص في حركته هشاشة البطل وعجزه أمام الحركة الآلية والمستمرة للزمن، لذا فلن يجد القارئ في رحلة (أدهم) الطويلة والشاقة، والممتدة معاناتها على مدار صفحات الرواية، رحلة خاصة به وحده، لأنها معاناة الغرباء المرتحلين أبدا في علاقة لولبية مع الزمن. إنها الرحلة التي أخذت سواد الشعر، وانتصاب القامة، ووهج الشباب، لتنتهي مع هزيمة الجسد التي لا مناص منها.
ثنائية الزمن والأنا
تنقسم اللحظة السردية الأولى بين زمن الغياب الماضي، وبين الزمن الحاضر: «مضى وقت طويل على خروجك» (ص: 13)، لكن فعل الغياب والعودة يستكمل انفتاحه على دلالة أخرى تتمثل بالهوية، أو الاسم: «أيها الرجل الهارب من عواقب اسمه، أو ما فعلته يداه». (ص: 13).
إذن، فمنذ السطر الأول في الرواية يضع الكاتب قارئه أمام محنة ثقل الزمن الحاضر، بما يحمله من إرث عواقب زمن مضى: «فالماضي لا يقل غموضًا أحيانًا عن الحاضر» (ص: 183). ثم هناك مواجهة حتمية مع ذات انتظرت عشرين عامًا رجوع شطرها الذي انقسم عنها، مرتحلا، في بلاد كثيرة، يحمل اسمًا آخر وهوية أخرى.
«أدهم» هو الشاعر المناضل العائد بعد طول غربة وترحال، بينما يونس هو الشاب الغر الذي ظل كما هو قابعًا بين عائلته، فمن هي الذات الحقيقية: أدهم، أم يونس؟، وبأي اسم سيدفن البطل ذات يوم، باسمه الذي يحمله في جواز السفر، أم بالاسم الذي أمضى عمره بين حروفه؟.. لنقرأ هذا المقطع الذي يوجز ثنائية «الأنا» يقول: «بمرور الأيام والترحال والبحار العازلة نسيت، تقريبًا، يونس الخطاط.. هكذا من وراء أسوار الزمن البعيد، انبثق أمامك في المكان الذي لم تتوقع أن يصل إليه رسول أو خبر سار من بلادك. لم يكن يونس الخطاط بشخصه. هذا غير ممكن. هو لم يغادر الحامية إلا إلى الحدود وتوقف هناك، الذي عبر بلدًا قاده إلى بلدان أخرى حمل اسمًا آخر وصارت له مصائر مختلفة» (ص: 74).
تقدم لنا رواية «حيث لا تسقط الأمطار» إشارات زمنية من خلال تردد كلمات محددة مثل: (الماضي – الأيام – السنوات – الأشهر – الحنين – الحاضر – الزمن – الذكرى – اللقاء – النسيان – الحكايات – المستقبل).
إن هذه الإشارات الزمنية، والنفسية، تتكرر وتغطي مساحة الرواية، هذا مع الملاحظ أن السرد لا يسجل تأريخاً لأي حدث، بل هناك مفاصل زمنية كبرى تتمثل في حدثي العودة: (زمن حاضر)، والمغادرة (زمن ماضي)، وبينهما أحداث زمنية صغرى امتدت على مدار عشرين عاما هي زمن الغياب، لكن يوازي زمن الماضي والحاضر زمن آخر ينطلق من الحاضر ليستمر على مدار زمن الخطاب الروائي للنص، لنقرأ معاً: «من أين تبدأ حكايتك الطويلة، أو حكاياتك المطلة بعضها على بعض؟.. فالأزمنة والأحداث والوجوه والأصوات تختلط في ذاكرتك» (ص:14).
– «عُدت إذن، لقد مرت عشرون سنة على فرارك.. عشرون سنة ليست رقماً، بل قد تكون، في مثل وضعك حياة أتمت مدارها» (ص: 22).
– «أمام نافذة تطل على شارع.. رحت تدبج كتابك الأخير. لقد قررت أن تحرر كتابتك من التواريخ»
– «قلت لذويك إنك لا تريد أن يعرف خلق الله كلهم بعودتك». (ص: 197).
فالبطل الشاعر (أدهم جابر) الذي يقوم بفعل السرد بصيغة المخاطب، يقرر تحرير كتابته من كل الأسماء التي تثقل ذاكرته، وهذا القرار يأتي عن تعمد واضح، لأن البطل يعي في لحظة محاسبة للذات أن الأسماء لا تهم، وممكن استبدالها بالوصف الذي يحكي عنها، وفق حركة الدال والمدلول، لذا فلا تحضر المدن بأسمائها الحقيقية في النص، بل تحضر صور تشبهها حد التطابق.. ويقول واصفاً أحد الأماكن: «كانت جزيرة الشمس، تعج بعدد كبير من اللاجئين والفارين من مدينة الحصار والحرب»، و»حدث أن وباء اجتاح المدينة الرمادية والحمراء..» (ص: 16).
لكن هذا الزمن لا يمكن اختراق مداره واستيعابه تماما إلا عبر شخصية (يونس): «أنا «يونس الخطاط»، الشخص الذي كانه هذا العائد قبل عشرين عاماً» (ص: 30).
من هنا تكون ثنائية الأنا موظفة لصالح تحولات الزمن، وتبدلاته في مفاصل السرد، حيث تكون شخصية يونس هي الأنا الساردة للحاضر المستمر، الأنا التي تراقب فعل الأنا العائدة، وتحكي لها ما حدث في الوطن خلال غيابها، تحاكمها وتعاتبها في قسوة لا تني: «قلت له على أي رصيف كنت تتسكع عندما وُجد والدك ميتا في محترفه، وعقب سيجارة في الطرف الأيسر من فمه؟ في أي حانة أو مقهى كنت تتجرع كأسا أو ترشف فنجان قهوة، وأمك يأكلها السرطان في مستشفى «الحامية» العمومي؟» (ص: 31).
تلك المواجهات، تحضر في أكثر من موضع في النص، لكن لا يمكننا التعامل معها على اعتبارها مواجهة بين ذاتين، بقدر ما هي صدام بين زمنين أيضا، حيث يصل صراع الزمن وتقاطعاته في مداه الأقصى مع «أدهم»، أو بين «أدهم» و«يونس»، عبر لقاء أشخاص من الماضي (خلف – فهمي – رلى – محمود)، فاللقاء مع خلف والحوار الذي دار بينهما (ص: 120 – 121)، بما فيه من حديث عن ثنائية الاسم بين «يونس» و«أدهم»، وبما تنطوي عليه من صيغة استرجاع للماضي للحكاية يوجز أزمة الهوية، الفقد والاغتراب عبر سؤال يطرحه خلف: «ها إننا نستعيد شيئا من الألفة القديمة بيننا، فإن كنت لا ترغب في سرد حكايتك، قل لي، على الأقل، من أنت الآن؟ أقصد هل أنت يونس أو أدهم؟».
قلت له: إنني الاثنان معاً، رأسي المكلل بالشيب وقامتي هما أدهم، أما الخافق الحرون بين أضلاعي فلعله لا يزال يونس» (ص: 127).
مثل هذا الحدث المتوتر سردياً وزمنيا، من الممكن الوقوف عليه أيضاً في لقاء أدهم مع حبيبته رلى، والحوار بينهما (ص: 216)، فهذا اللقاء يحدث فيه تقاطعات زمنية متداخلة بين ثلاثة أزمنة: (الحاضر) زمن الحدث ولقائه مع رلى، و(الماضي) استرجاع قصة الحب بينهما، و(زمن مجهول) يتضح بعد زمن الحاضر والماضي حين يقول: «لا تدري كم طال بكما الوقت، وأنتما تتحدثان، إذ إن الأنوار أُضيئت» (ص: 227).
لكن ذروة الصراع الزمني بين الشخصيات، هي في مواجهة أدهم ويونس، الأنا الواحدة التي تحولت إلى مثنى، وهذه المواجهة من الممكن إدراجها ضمن الزمن الحاضر للخطاب الروائي، إذ إن الكاتب يقرن هذه المواجهة بزمن ما بعد العودة: «كان عليك أن تواجه من تفاديته طويلا، ذلك الذي تركته هنا قبل عشرين عاماً».
فالحكايات في حياة أدهم أو يونس تسير إحداهما على حساب الأخرى، حياة أدهم على حساب حياة يونس التي توقفت، وحولته إلى شبح ثابت في زمن معين. وحياة يونس على حساب زمن أدهم الماضي، لأن يونس هو الذي يصير حاضراً في المرآة بعد زمن الحاضر، ويتضح هذا في حوار أدهم مع نفسه حين كان برفقة ابن أخيه يونس الصغير يقول: «كنتما ثلاثة في المرآة، أنت، الشخص الآخر في المرآة، ويونس الصغير». يرى أدهم في المرآة وجه يونس الشبح هو الذي يحدق فيه بنظرات تتراوح بين الإشفاق والرجاء، وكما لو أن يونس هنا هو الأقوى، هو الأكثر حياة وثباتا، من أدهم الذي استمد وجوده من الكلمات والغربة. يونس هو الأرض، بينما «أدهم» عاصفة هبت في زمن ما، ثم مضت، تاركة آثارها فقط.
لكن محنة الزمن تتضح أكثر عند أدهم، عبر علاقته بالساعات، بالإذاعة التي يفضلها على التليفزيون، لأنه يقضى على عمل المخيلة، بالأسواق القديمة التي تبيع الأشياء المستعملة، وعبر ذاكرته العجيبة التي تعيد إليه أقدم الصور في انثيال عجيب، يقف مدهوشاً أمامه، هو الذي ارتحل من بلد إلى آخر، نام في أسرة غريبة لا تعد، وجلس على مقاه لا حصر لها، وتسمى باسم غير اسمه، العلاقة مع الزمن بالنسبة له هي وقت يحتاجه فيمر بلمح البصر، وآخر لا يعنيه فيفيض علي الحاجة، يقول: «لا تحمل، عادة، ساعة في يدك. تشعر أنها قيد. شيءٌ يغل الرسغ ويصنع رابطة قسرية بالزمن. الزمن ليس ساعة. الساعة ليست وحدة زمنية إلا في المرائب وماكينات بيع قوة العمل وأسرة بنات الليل. للزمن مقاييس أخرى. بعضها تعكسه لك المرآة، بعضها يبدو في طول خطوتك وسرعتها» (ص: 62).
تقدم الرواية أسئلتها القلقة والعبثية، عبر تاريخ بطلها، ماضيه، وحاضره، في تحليله لأحداث حياته، والأشخاص الذين مروا بها، وما آل إليه مصيرهم، ثم هناك محاولة تأكيد التقاطع بين علاقة الزمن بالأماكن أيضا، وكيف أن الزمن يترك بصمته على المكان أيضا، لنقرأ هذه العبارات:
– «فالزمن كما تعرف.. لا يرضخ للأماني مهما كانت ضارعة»
– «للزمن طرقه المباشرة أو الماكرة».
– «الزمن قطار لا يؤثر محطة على أخرى، حتى لو تلكأ هنا أو أسرع هناك».
يحضر الزمن بوضوح عبر قرينه «يونس»، هذا الآخر الذي لم يكبر، وظل شبحاً، لكن فيما بعد ستنقلب الأمور ليظهر هذا الشبح ويستولي على زمن العائد الجديد، ليصف تحركاته، تنقلاته المكانية، لقاءه بأشخاص من الماضي، ثم تمرده أحيانا، في ردة فعل على كل ما كان.
ويستمد الزمن مرجعيته أيضا في الرواية من استمرار الاسم، أو الهوية، ففي القسم الأخير من الرواية، يتكثف حضور الطفل يونس في النص، ليكون بمثابة مُخلص جديد، عبر حمله اسم عمه، لقد اختار الكاتب عن عمد وضع هذا التفصيل المهم، في شخص يونس الصغير، الذي يمثل أحد رموز الرواية، مثله مثل المدن، هو الذات الباقية، التي يرى «أدهم» فيها طفولته وشبابه.
ومن هنا لا يبدو مستغرباً، أن تنتهي الرواية في زيارة «أدهم» لقبر والدته، في يوم يتميز بشمسه المتسلطة، تلك الشمس التي تبدو نوراً ساطعًا يبدد حجب الوهم كلها، ويسمح للبطل السارد أن يسأل نفسه أي اسم سيُنقش على شاهده؟ لا يعطي إجابة لكن المشهد الأخير في الرواية ينتهي بأن يعطي «أدهم» لحارس المقبرة عملة معدنية من الزمن الماضي، من وقت مغادرته للوطن، عملة معدنية انتهى زمن تداولها.
الهوامش
1 سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي 1997، ص: 61..
2 ميشيل بوتور: بحث في الرواية الجديدة، ت: فريد انطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، 1971، ص: 107.