أما صورتك على غلاف كتابك "السيرة الذاتية " فقد أشعرتني بأن المسافة بينك وبين القلب ليست أبعد مما توقعت بل زاد في قربها صديق لي يشبهها – تماما عندما كان بجبل جلعاد – حينما كانت الجبال جبالا – ولكن مدينة الضباب – لندن – سرقت يا صاحبي من صاحبي شعره وقيافته ومشيته وهدوءه وأيضا بداوته المحببة ورسمته على _ الموضة _ فالتقينا بعد قبرص مرة أخرى بالدار البيضاء ولم أجد الاجابة عن سؤالي :
ما الذي تغير في صاحبي؟
وهل ما أزال يحن الى الجلسات التي جمعتنا في بارات نيقوسيا.. وضحكات – جين – التي تمنحها دون مقابل لجميع الزبائن .
كانت أيام (تيك أوف ذا تاون )
وما أدراك ما هي الأيام .
ورأيت ما رأيت ولم أر صاحبي فأسقطت تلك الأيام عظما هي أسقطتني.
***
يا العربي يا أخي المطرز أيامه بالخوف واللاخوف بالحزن الشيعي المتجذر والذي ينخر عظام الأيام الماضية والحاضرة والقادمة أيضا.. الخوف المرقش بالحزن والفرح الدامي والجروح السرية ، والحب الذي لم تعد النفس تتوق اليه .
يا العربي الجميل المخادع يا الماء ليس أجمل من مجهول يشده شيء اليك . . هل نقول الرحيل
… لست أدري ما يشدني الى نصك الابداعي الحميمي "الرحيل " الذي خفت من الاقتراب
منه في البداية متوهما أن الموت قد سبقني.
وعشت من بعد رحيلك اللأي عذبني . رحيل توهمته وغمرتني السعادة وأن أراه يرحل لوحده .
وكان ليا لضحك من خوفي فهذا الصديق كان أكبر من وهمي وكانت إرادة الحياة في داخله الأقوى.
***
الحياة جميلة يا صاحبي
يا العربي – هذا ما يقوله ناظم حكمت _ إنك لاتحاف الاقتراب من الموت ..
ولكنه يحاذر الاقتراب منك حتى لا يخسر الجولة ، وأنت على ما أنت عليه من التيقظ .
يعرف أنه سيهزم وسيموت بالمجان وأكثر من مرة ، ذلك لأنك ستحرمه لذة الخديعة وتقطع عليه دروب المباغتة . ولأنك تترصده كذئب البوادي، ويعرف أنك لم ولن تنكسر يا المخادع الأمين يا من سرقت موتك من الموت . وضحكت عليه حينا بالدعاء ، وأحيانا بأشياء أخرى، وكانت الكتابة حريتك المسمومة كخنجر معقوف يراوح بين الداخل والخارج .
وكنت محترفا في لعبة السرقة التي وفقنا فيها مرات مع أنصاف النساء .
ولكنك وفقت في أن تسرق الموت الساذج الذي يخشى الواجهة ويسلك الطريق الملتوي وأغبطك على النص الجميل _الرحيل -.
***
أقايضك موتك مقابل رحيلي – ولست بخاسر – موتك الذي يخشاك ، والذي استطعت أن تدجنه العام الحاضر والماضي والقادم أيضا ساعدك الرب يا أخي، وأنت تعيش ما يعجز المرء عن تجربته أكثر من مرة .
يقول همنجواي ، ما معناه قد يخسر الانسان .. ولكن لا يهزم من الداخل كيف بالله سرقت رسالة حبيبة صديقك حسن باحتراف جميل ياسيد نفسك .
***
لم نعد نتهافت على اغتصاب كل ما نريد، البعض منذور الى اللامكان ، ومحطاتنا قد تحبل باللقاء .. وقد نكتفي بالسطور / من خلال سيرتك التي رصدتها ابداعا يحتاج الى الاقتراب منه عرفت عنك الكثير.
كانت روعتك في أنك جعلت العربي باطما قريبا من القلب .
وهذا أجمل ما في الابداع ليست مسألة التقعر في اللغة لا وليست الاحتراف الذي يقيس خطوط الطول والعرض ويرسم ما بداخلها ميتا.
ولا الاتكاء على المدارس المتعددة ولا المراهنة على التنظير ولا وضع حساب للنقاد أولئك الأصدقاء الأعداء والذين يصرون على تنظيم الزهور وينسون الجثمان . كل ما عدا النص العفوي بصدقه ، وما فيه من عيوب جميلة وما يزخر به من دفء وصدق .
هذا ما كان رهانك .
الرواية يقتلها الاحتراف عندما يجرها الى الانحراف فيمل المتلقى الكلمات المرصوفة بشكل يحمل البشاعة مثل طرقات روما القديمة .
يا العربي المنذور للخوف واللا..
أيها السلس الناعم كالماء
المجنون الجميل بصدقه وطبيعته
العنيف كمياه هذا الشتاء، يا رب الرحيل الجبار
يا رفيق الحروف الضياء
وأه من عمر يطاردن الخوف فيه كظلك
وتنتصر عليه عندما يكون لكنفوشيوس حضوره
"لا يقهر الزمن إلا الكلمة والحجر، والكلمة أطول عمرا".
***
يا رفيق الحروف الرحيل
للحروف صديق مبدع يدعى (عزيزنا سين ) _ طبعا هذا اسمه المستعار _ يعشق الكتابة الساخرة ، كان من جبابرتها وكانت كلماته كالعنقاء لا تموت إلا لتبعث من جديد كان أكبر من الجدار الصلد الذي يتحداه .
ولكنه كان أصفر من دمعة يتيم عاش مطاردا لم يجد الوقت للزواج ولا للأطفال ولا للفرح ، فقد شغلته السخرية من كل شيء عن كل شيء
كتب رسالة الى الموت يطلب منه الا يأتيه متسللا كاللصوص ولا مخادعا كالجبناء ولا غفلة دون أن يكون مستعدا له باللباس الذي يليق بصديق
وأن يطرق بابه حتى يستيقظ له إن كان نائما ويستعد له وموفي كامل الرضا على النفس كان تقريبا ينتظره دون وجل دون خوف كالرجال وما أقلهم .
وكان يترقبه كحب سماوي طقوسه تحتاج للتحدي والشموخ والمحبة .
هكذا إذن يا العربي
يلتقي الأصدقاء
وكان صاحبي يكتب ويكتب .. ويكتب ليستريح ويستريح ليكتب
وكان الرهان من يمحو الآخر
وخسر الموت حضوره
وكانت الجولات لصالح المبدع الفنان
وعندما انتصر الموت لم يحقق ذلك بالضربة الفنية القاضية ولا بالقاضية حتى ولكنه انتصار الهزيمة – بالنقط – وصمد عزيز سين أطول مدة ،
وكتب ما لا يموت وانتصر سيد الكلمات الساخرة .
ولم يهزم سوى ذلك الجسد الذي سأم اللعبة .
يا العربي يا ولد (أمي) هذا ما تقوله حكاية شعبية من بلادي
"يا العربي ولد (أمي )
خفت . الغولة . تأكلني"
عندما سمعتك تلقي تحية الصباح على الورقة لا أدري لماذا
كان حضور الصديق أمل أنقل قويا
عم صباحا أيها الصقر المجنح
عم صباحا قبل أن تصبح مثلي مستباحا
عم صباحا يا العربي
***
يا العربي باطما
يا ناس الغيوان
يا سيد الرحيل
كان حضورك الابداعي أكبر من التعامل معه بلغة الأنبياء ،
الدجلة .. نصك لا يقبل أدوات التشريح يحتاج الى الرفق والى الاحساس بالانسان أولا وثانيا
وتوجته بخوفك الفطري
فأينما نولي وجوهنا فهناك وجه الخوف
وأينما نكون يدركنا.. الخوف
يطاردنا الخوف في كل لحظة ،
وتحرسنا أعين المخبرين ".
هذه الرسالة كان المفروض أن تسلم لك باليد يوم الجمعة 18- 1-1996 عندما كان هناك احتفاء بك بالرباط ولكن للرسول عذره ، فأعادها حينما تعذر عليه تسليمها لك ، ولأن كل الأشياء التي نتمكن من التعبير عنها بالكلمات ينتهي سرها.. تتبقى لنا براعم لحظات العجز عن توظيف الكلمة يا العربي يا خوي.
وتبقى الصداقة
ما دامت الأرض هي الأرض يا علي والوفاء.. وفاء.. نلتقي.
زياد علي (كاتب من ليبيا)