هل تنقش اسمك فوق الماء؟
أم فوق الحجر القاسي؟
أم في دفتر أسماء المفقودين ؟
هل بالنار
أم الحبر
أم الإزميل
أم السكين؟
يا هذا الرجل الصفصاف
دموعك تجري من أعلى جفنيك على قدميك
فتشربها الأرض العطشى
ويطول نواحك بين يدي عراف الريح
كأنك أرغن أحزانه
فإلام
تدوم أغانيك الثكلى؟
-وخيالك يسقط عن سرج حصانه
أنت صنعت بحارا
في ذاتك حتى … تغرق فيها
وقطارا .. حتي يرحل عنك
وصيادا حتى يصطادك من طلقته
الأولى
وأقمت صروحا كبرى لرفاتك :
أهرامات
ونواويس
وزقورات خرساء
وقبورا يتمنى لو يسكنها الأحياء
الدود تسلى بعظامك أياما
وزحافات الأرض السفلي
عاشت أ ياما أخرى، ومضت
ومضيت ، فمن يأكل من ؟ عجبي
وأراك تشاغل نفسك بالصورة أو
تجعل أنفك أجمل
والعينين
ومهوى العنق على الكتفين
لكأنك في جبل " الأولمب " " يحف بك الأبطال :
اللفتة لحظ غزال
والنظرة أصل الحكمة
والشفتان صراخ الشهوة
فإذا ما اكتملت صورتك المرسومة بالياقوت
أو تمثالك وهو على قاعدة وسط الدنيا
يتعالى فوق سنام الكون على صهوة مهر جامح
أبصرتك تهوي مثل الظل على الطرقات
وتذوي كالخرقة » ثم تموت,
كيف تموت ؟
عجبا…
كيف تموت
هل أنت دم
وعظام
ومفاصل يضربها النقرس حتى تهوي
أم أنت الجبروت :
قطعت رأسك سالومي في رقصتها
فتدحرج بين النطع وحد السيف
أجب يا … يوحنا:
ولست سوى
ملك
أو لص
أو مجنون :
لست سوى " نيرون "
وإذا كنت مسيحا
فلماذا لم تصلب ؟
وإذا كنت رسولا
فلماذا لم تخرج من أرضك
أو تقتل
أو تغلب؟
وإذا كنت من الشعراء
فمن منهم يبقى؟
وبأي لغات الأرض
تتم مخاطبة الفانين؟
وإذا كنت من العشات
فحبك ممهور بالموت
وقلبك منذور للتنين
انظر
هل تبصر غير سحاب
يرحل خلف سراب
يرحل خلف سحاب
خلف سراب
…. حتى أخر أيام التكوين
وسطورك هل هي إلا:
سطر في الماء
وسطر في الريح
وسطر في الرمل
وسطر في ألواح الطين ؟
أتقن خطك فوق الماء
وخل الريح تنبت أقدامك في هودجها
وعلى الرمل أقم كالنمل قصورك واسكنها
سترى أن الممحاة ستكتب سيرتك الكبرى في الطين
ولماذا أنت تغامر
تحت سماء لا تبصر:
أو فوق تراب لا يسمع :
يا هذا الغافي
المفتوح العين ، وليس يرى
… حبلك مقطوع
من سرة آدم حتي يومك هذا:
لم يوصل بالباء اللام ، فماذا تصنع ؟
لكأن إمام الشك الضاحك ،
حتى تبرز في الليل نواجذه ,
والساخر في سائمة هلكي
ومن البشر الخاوين
لكأن إمام الشك ، المبصر في قاع عماه ،خطوط الحكمة
أكثر مما يبصر صقر جارح
يقبل نحوك مندهشا
ويشير بسبابته : انظر
هل تحلم
أم تقفز مثل الجندب في ماء مالح ؟
هل يخفق حولك غير فراغ مزدحم
وفراشات تصعد من جوف التاريخ
لتحرقها شمس التكوين ؟
يا لجمال رماد التكوين !
يا لجمال العدم المتراكم في القاع
كما يتراكم وحل فضي
في بئر مهجورة !
حاق في أصل الصورة
حدق في ذاتك
هل تبصر فيها شيئا ما؟
طفلا يحبو؟
ولدا يلعب
أو رجلا مكتمل القوة يسعى في الأرض
يحب امرأة
يتزوجها
ينجب أطفالا وبساتين ؟
هل تبصر حقا، أطفالا وبساتين .
طفلا يحبو
ولدا يلعب
أو … رجلا..
أم لا شيء على المرآة
ولا شيء أمامك أو خلفك
أنت الآن وحيد
وتحدق في هوة أحزانك ..
ترسم فوق الماء خطوطا ودوا ثر متقنة
وتسميها الأيام وتعمر منها بيتا
مجدا
بحرا وتسافر فيه
سريرا
عرشا
قبرا… وتنام
فنم .. حرستك الأحلام
ونم .. حبستك الأحلام
لكن ..
حاذر
فالنوع على حد الرؤيا
كالنوع على حد السكين
حاذر
حاذر
حاذر
حاذر …….
ولماذا أنت تغامر في بحر سكران؟
بحر كالبر شواطئه تخرج منه
ويفرق فيه الربان
وقل من أنت :
وماذا البحر
وماذا البر
وما البحارة
والمركب
والشطان
البحر هو القرصان
البحر أتان ، يركبه الموج وتلجمه الأرسان
يا لنحيب نوارسه !
وصراخ الرغبة في جوف لآلئه !
يا لبهاء الخوف الكامن في جفن الغرقى
وجلال الرعب إذا امتزج البحران !
لا برزخ يتصل بين الجبلين المائيين إذا التقيا
فلتلق عصاك على هذا السحر
وفز (يا نوح ) على الطوفان
لا شك بأنك لست نبيا
حتى تعبر فوق الماء
وتخرج كالعصفور من النيران
وبأنك لست سوى ملح فيذوب
ولست سوى صدأ لا يطفو
وجناحك من صخر
ويداك معطلتان
وقلبك ليس على وشك المعراج
فخذ حذرك من قلبك
وأنا لست سواك
فما لي أخرج منك
وأجلس مبتعدا وحدي
لأراقب موتك في اللجة ؟
مجنون خطاك أنا
والظل
وسيد أشباح العتمة
وأنا أنت
فنحن – وأنا كنا ضدين – لمجتمعان
ويدي
تذهب كي تلمس جرحك
حتى يبرأ
فلتهدأ
فقد اضطرمت أحشائي فيك
وعراني وجد المجذوبين
فأنا السكران
وسكري فيك
فصبك في كأسي
وهيت لنا..
لا أعرف من منا كان الخمر
ومن منا كان الساقي؟
ومن الصاحي
ومن السكران
وما الكأس
وما الساقي:
لكأن السكران بسكرته
سكر الندمان به
سكر الندمان
ولم يصحوا
لا يعرف ينبت أم يمحو؟
لكأن السكران هو الصاحي…
وشربتك حتى نضبت كل دواليك
فيا خيام أنا تاليك
وأنت الاول (ما أجملنا)!…..
أنت السابق
حتى يرد اللاحق حوض معانيك
وثالثنا قدح الرؤيا
تخرج من بيتك ليلا
وتشردني
وتغامر في التيه
فأحمل خلفك زادي
وعصاي وجعبة أحوالي
وتفذ خطاك
… فأعشاني هذا الوهج الصحراوي
وأذهلني
حتى حجبتنا الفلوات
ستفرقنا السنوات
وتجمعنا الكلمات …
ويمر زمان
لا يعرف أي منا صاحبه
أين يهيم …
ولدت أنا في " نيسابور"
-وأنت مقيم فيها –
وتبعت الى بيتك قلبي, حتى ألقاك.
ودنوت ، فخانتني قدماي،
سألت إمام المسجد عنك
فلم يسمع
وأشار الى باب الحانة
فدخلت
وجدتك وحدك
منتشيا، تبكي,
والخمر يغطي لحيتك البيضاء
جميلا
وتصلي ركعتك الكبرى في الدم
ودنوت فلم تحفل بي
وأشحت بوجهك عن وجهي
ماذا يغويك
وماذا في جعبة أسرارك؟
ولماذا تحجب عني بهجة أنوارك ؟
وأجلت الطرف قليلا حولك
حتى أبصر آخر أحوالك
فوجدت على السجادة خاتمك الفض
(وكنت أنا نقش الخاتم )
ووجدت مدينة علمك مغلقة ففتحت الباب
ووجدتك تمضي في غلس الظلمة
نحو " حراء "
فنمت على حد وسادتك البيضاء
فلماذا
تتركني منقسما؟
ولماذا لا تجمعني، كالطير،
وتمنحني أسباب رضاك : فأرى
-في رأسي – تخرج في الليل
فراشات هواك
وأرى……
وأرى نفسي.
محمد علي شمس الدين (شاعر من لبنان)