الافلاج.. عيون جارية لها حرقة الدمعة على الخد، وهي تسقى الأخضر النابت على وجنة الأرض الصفراء.
لها طعم الاشتياق للمشتاق بين حرارتين ودفء. كنا صغارا نقيس "قامة" الماء، بقامة الجسد. ظل ظليل، الماء النابع بين مجرى وساقية.
هذا الأمداء قلم ومحبرة بلون البلور. ومغبر في بعض أيامه المضطربة بلون الجدار بالجدار. والحصى حصنه من الاندثار. هذا زمان وتلك أزمان، حين فتحنا أعيننا على أنهار الطفولة أو طفولة أنهارنا، القلج نبع مائه، والسواقي طفولته وشيخوخته بداية ونهاية، كما العمر بين منبعين بعضه فان بعضه باق.
تشكل الأفلاج حياتنا على جانبها، أو تشكل الحياة استمراريتها في كنفها. تخلق الحياة، أو تلغي حياة – خصوصا – حين تكون الحياة من بعض مائه وزاده.
شريان يمتد من قلب الأرض الى قلب الكائنات والانسان أوله طين وماء.. وآخر ماء.
"وجعلنا من الماء كل شيء حي" سورة الأنبياء.
أيها الكائن.. الساكن… المتشكل من قلب النقطة، لك الماء وحده.. حياة.. لك القوة والجبروت والتحدي أن تكون وحيدا والماء قريبك. ورفيق رحلتك الأرضية من عطش الأزمان.
ارتو ما شئت. فالماء ملبس للوجود وجوده.. الماء جسدي.. والماء ظهر في تكوينه وتشكله من حضرة المحتضر. قطرة، قطرات في صحراء السماوات تفي أن تكون الخيط واصلا بين حياة دون موت. الماء… دون الماء منقلب الحال الى أثر أبعد عن العين.
لهذا فبكاءات الكائن أوله ماء، وأخره ماء كون الانسان حياته قرب الماء.. أو أن حياته تجوس في أعماقه. وحيث يتواجد تنفرش أسارير اليابسة بالمخلوقات، مجلجلة بهذا الصوت الآدمي الذي كسر بهيبة تفكيره سكونية المكان.
"ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر" سورة القرآنية 28.
تسري المياه على الأرض. كما يسري الدم في الجسد احتياج لا غنى عنه منفعة إن انقطعت اندثرت وفنيت. كنا صغارا، وكانت المياه فرحتنا وبهجتنا من وحشة قفر المكان ولهيب الشمس الذي يستمر شهورا. كانت القطرات المطرية غيثا تبوح لنا مع الحياة وسيرتها المشلكة بين قطرة وقطرة، لهذا فالأمطار رغم شحتها في معظم شهور العام، ترطب أجسادنا، وتجعل من أفلاجنا الصغيرة أنهارا لا ينضب ماؤها. نغتسل فيها، نراكض المدى على رغوة عابرة، أو سمكة مائية صغيرة تنسل من بين أيدينا، وهي تنغرس في أعماقه المرئية، وقد أنقذتها صدفة الحظ من بين قبضة اليدين أو هرس الرجلين. يشكل الفلج ذاكرته فينا، كما تشكل الحياة تقاطيعها مع ملامح وجوهنا. راسمة لنا الخطوط والدوائر، وكما يشكل الفلج سيرته من النبع الى تلك الورقة الخضراء في نهاية القرية.
كنا نعي وجودنا.. بوجود الماء.. نقدس أهميته في دورة يومنا، من أول نظرة في أول الصباح الى أحلامنا التي تبدد وحشة الساكت في عتمة الليالي. أو خلوة قمرية على جانب ساقية يومنا وساقيته وهو يجري الهوينى بهدوء العارف ليروي المكان بريقه الشفاف. تحدث جلبة في مجراه. نراه بين النظرة الأول.. نظرة الكائن لمكانه فنتخيله أكبر من مداه وحجمه مرات ومرات، لا ينقصنا له إلا المحبة الدائمة لأننا مقيدون بمفدراته فإن نقص حزنا، وإن زاد ماؤه فرحنا.. فرحنا معبر عنه باليدين بأن نطرد الزائد منه كلعبة نتسل بها حيث لا نملك غيرها.
لهذا فالفلج ينبوع رزقنا بل حيواتنا بضجيجها البسيط، وعفريتها الريفية ومشاعية الافادة والاستفادة.
ومن أجل أن يكون "للمقدس" قاسيته خلقنا له أسطورة البداية والتكوين، وألبسناه ثوب الهيبة، والمهابة، تناقلته ألسنتنا بالتكرار، والتوارث، وكما للحكاية والأسطورة، لكي تعيش لابد لها من مقومات واقعية غائرة القدم او متخيلة ومفترضة كقصة النبي سليمان بن داوود حينما زار عمان على بساط الريح وقد أمر خدمه من الجن بأن يبنوا عشر ة آلاف قناة في عشرة أيام. أو أن الفرس هم من بنوا هذه الأفلاج في عمان لكن الواقع، غير الخيال، فالانسان منذ أزله الأول شكل حالته حسب ظروفه والمكان – خصوصا – حين يكون ذا تضاريس ومناخات تتراوح بين اللينة حينا والقاسية أحيانا. لهذا فالتكيف المكاني للوجود البشري منطلقاته متعددة: تبدو أول ما تبدو مع توافر هذا الشرط الوجودي.. الا وهو الماء بشتى مصادره – خاصة – حينما نعرف تساقط الأمطار وارتباطها بمواسم معينة أو بمعنى أدق بموسم واحد.
فالماء بشكله السطحي والفجائي سريع التبخر عند درجات الحرارة الشديدة كما أن الآبار وطرق استغلالها البدائية قديما لا تنفع معها إلا الزراعات المحدودة، كيف الانسان العماني علاقته بالأرض بأن جعلها تخرج الماء الدائم، والزرع النضير على مدار العام. لهذا جاءت ابتكاراته موائمة لمدى حاجته للعيش والاستقرار. فأخرج الماء ليروي به ظمأه أولا، ناسفا بذلك فكرة الاستقرار التي صاحبت جزءا من حياته الأول، ففي هذه الحالة شكل أول نواة لحالته المجتمعية ببساطة تكوينها.
هذه المقدمة.. تراوحت بين الذاتية المشبكة بالطفولة اللصيقة التي اغتسلت بماء الفلج. ذلك النبع الذي يولد المحبة لتلك الطلقة الأولى، وهذا المكان الذي برقت فيه عين الصرخة لميلادنا الأول، وكذلك ميلادنا المعجون بأرض الطين والحنين. عمان.
كما أنها المقدمة – المدخل، تؤشر الى أهمية هذا النبع وقنواته والتصاق العماني أزليا به، رابطا حياته بمصيرية قدرية لا انفصام فيها، لا يعيش دون الماء (الفلج) ولا يعيش ولا يستمر جريانه (أي الفلج) دون رعاية الانسان.
يكفي إنه حينما يتضرر الفلج، بسبب ما، تنهض القرية عن بكرة أبيها لا يستثنى أحد فيها عن خدمة هذا المجرى المائي. خدمة لم أر في حياتي توصيفا لها. وتلمس إحساسهم وكأنهم يزيدون في مجراه دمعات من محاجرهم في حالات الجفاف، ويحملون كل ما يعوق سيرته (مجراه) في حالات الأنواء الجوية المضطربة والخراب، دافعين جهدهم فوق طاقتهم… وكأنما الفلج يعوضهم ليس في وجودهم الشرطي به. بل في صوته المنساب، تذوب أناتهم وأثقال الصعاب.
ما هو الفلج..
الفلج في العرف العماني هو الماء الجاري عبر قناة مشقوقة في الأرض مصدرة المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض(1) أو تلك المياه المتواجدة في مناطق الأودية، وفي كتاب جمهرة اللغة يعرف الشاعر العماني ابن دريد الفلج بقوله: "هو النهر الصغير، وكل شيء شققته نصفين فقد فلجته"(2).
يعرفه لسان العرب لابن منظور، والحكم لابن سيدة الاندلسي "الفلج هو النهر.. وقيل هو النهر الصغير، وقيل هواء الماء الجاري من العين، والجمع أفلاج، ويشتق منه الفلج بضمتين وهو الساقية"(3).
فكلمة الفلج كما تستخدم في عمان جمعها أفلاج وهو اصطلاح شامل لنظام من أنظمة الري. والكلمة مشتقة من جذور سامية قديمة تعني (التقسيم) وما يقابل الفلج في اللغة العربية هو تقسيم الملكية الى أنصبة (4).
نظام الأفلاج:
إن هذا النظام يعتمد على المياه الجوفية وشبه الجوفية واستخراجها بطريقة بسيطة دون استخدام الآلات الميكانيكية ومن ثم استعمالها في الزراعة وسائر الاستخدامات البشرية وتعتمد الأراضي الزراعية في عمان على الري بالأفلاج بنسبة حوالي 50 – 60% من اجمالي موارد المياه المتوافرة، ويبلغ عدد الأفلاج في السلطنة حوالي 4300 (5) وتنقسم الأفلاج الى ثلاثة أنواع رئيسية:
أفلاج داؤدية وأفلاج غيلية وأفلاج عينية. وفيما يلي عرض مختصرا لهذه الأنواع الثلاثة:
أفلاج داؤدية:
وهي عبارة عن قنوات طويلة محفورة تحت الأرض يصل طولها الى عدة كيلومترات وتصل أعماقها الى عشرات الأمتار وتبلغ نسبة الأفلاج الداؤدية حولي 45% من اجمالي عدد الأفلاج بالسلطنة وتتواجد المياه طوال العام بهذه الأفلاج.
أفلاج غيلية:
هي عبارة عن قنوات تستمد مياهها من المياه الجارية السطحية أو شبه السطحية بأعماق لا تزيد على 3-4 أمتار وتزيد كميات مياه هذه الأفلاج بعد هطول الأمطار مباشرة وعادة تجف الأفلاج عند انقطاع الأمطار لمدة طويلة، ويتراوح طولها من 500 متر الى 2000 متر ويعتمد عرض ساقية هذه الأ فلاج على نوع الوادي وغزارة مياه الأمطار. وتبلغ نسبة الافلاج الغيلية حوالي 55% من اجمالي عدد الأفلاج.
أفلاج عينية:
وهي الأفلاج التي تستمد مياهها من العيون مباشرة مثل فلج عين الكسفة بولاية الرستاق، فلج الحمام ببوشر ومنها أيضا عيون ساخنة وتتراوح أطوال هذه الأفلاج من 200متر الى 1000 متر وعدد هذه الأفلاج في السلطنة محدودة ونسبتها أقل من 1%.
إذن فالنوعان الآخيران من الأفلاج الغيلية والعينية سنتحدث عنهما على عجالة الموضوع. فالطبيعة أوجدتهما وهذان النوعان لا تختص بهما سلطنة عمان وحدها وانما يشاركها العديد من بلدان الأرض. ويشير الباحث الأسباني خايمي أوليفير آسين الى أن قنوات العاصمة الاسبانية مدريد تتشكل كالتالي: لا تبدو القنوات على الاطلاق عند المنابع المتفجرة على سطح الأرض لأنها غير موجودة. ولكن عند "وديان" تقع على مستوى معين من مدريد، ويوجد في أرضها اكياس جوفيه مليئة بميـاه الامطـار(6).
1- الأفلاج الغيلية:
تشكل وسائل حجز المياه بين الأودية أو على جوانب الأودية أو بين الصخور أساس الأفلاج الغيلية وهي ببساطة أسهل هذه القنوات انتشارا من حيث قدرة الافراد العاديين والمزارعين على اقامتها.. حيث تقام حواجز أمام حركة جريان المياه لتوجيهها الوجهة المطلوبة. كما انها أيضا وبسهولة اقامتها، أكثرها عرضة للفيضانات وجريان الأودية فهي تقام في مواجهة تقدم هذه المياه. وقد شاهدت بنفسي تصدع مثل هذه القنوات، كما أن هذه القنوات عرضة أكثر عن غيرها في أوقات المحل "الجفاف"، بتوقف جريانها بنسب متفاوتة ونادرا ما "تهبط" الأودية وتزيل معها معالم ذلك الثعبان المائي.
2- أفلاج العيون:
تتراوح أهميتها حسب نوعية مياهها، فهي تتراوح بين الحارة والباردة وبين العذبة الصالحة للشرب والضاربة للملوحة والقلوية المخلوطة بمياه الأودية التي تصلح للزراعة وهنالك نوع آخر من العيون التي تحتوي على نسب متفاوتة من الاملاح المعدنية وتصلح مياهها للتداوي والاستشفاء. وتكمن أهمية العيون في سلطنة عمان في كميات التدفق اليومي، حيث يبلغ متوسط كميات المياه المتدفقة من العيون الحارة حوالي (8) ملايين جالون يوميا. ومتوسط كميات المياه المتدفقة من العيون الباردة حوالي (15) مليون جالون يوميا.(7)
الذي يهمنا في هذا الاستطلاع هو بالتحديد العيون التي ينشط الانسان في اقامتها، بحيث تتفجر المياه فيها قبل العيون الطبيعية أو ما يسمى في عمان (الأفلاج الداؤدية) والتي بالأهمية بمكان ذكرها نسبيا بشي ء من التفصيل رغم إنني لا أميل أن أحول هذه القراءة على عجالة عجالتها الى دراسة تحليلية، تناقش تفاصيل لا تهم إلا الباحثين. بل للدارس المتخصص العودة الى المراجع المشار اليها.
الأفلاج الداؤدية:
أشرت سابقا الى الأسطورة ولكن ما يهمنا بعيدا عن الأسطورة واقعية ما نشاهده ونراه يوميا، سيرة وحياة لهذا النوع من العيون التي تشكل أهم الأفلاج في سلطنة عمان وأكثرها أهمية وعددا وغزارة وتأثيرا في المكان والبيئة كما أنها رغم تدفقها الطبيعي بعد اقامتها تحتاج الى مراقبة مستمرة لمعرفة منسوب مياهها كل لحظة وكل حين. لماذا.. لأنها تشكل نسبة 45% من اجمالي أفلاج السلطنة ولا تخلو قرية أو مدينة من هذا النوع من الأفلاج.
وعند أول زيارة لي لمدينة نزوى في بداية السبعينات لم أفطن كثيرا لأهمية القلعة والسوق وغيرها من تفاصيل المدينة العريقة، وهي بأهمية لدراسة خاصة، بل ذهب ذهني سريعا نحو الفلج الذي كان يخيل لي بأنه نهر وكنت وأنا صغير السن أتعجب من هذا النهر المقيد بين جدارين الا وهو فلج (دارس) بل كانت مخيلتي تذهب أبعد من ذلك الى أشياء لم أرها في أفلاج أخرى عايشتها وشاهدتها عيني حينذاك كنت أتوقع مثلا أن أجد فيه (دعوون أبو ثمانية) طيات كبيرة من سعف النخيل وكذلك أشجار السمر والغاف وغيرها وهي تنقل من مكان الى آخر ولكني وجدته فلجا حقيقيا مندفعة مياهه بغزارة مثل رفيقه غير البعيد عنه، فلج (الخطمين) بإحدى نيابات الولاية (بركة الموز) هذا النهر الآخر الذي كان أيضا يمثل أسطورته وأجواءه الخاصة، فهذا الفلج (الخطمين) كما يشير الأهالي بأن بانيه الامام سيف بن سلطان اليعربي، ويذكر الباحث (ولكنسون) "في دراسته "نشأة الأفلاج في عمان" الى أنه أي سيف بن سلطان قد بلغ من الثراء حيازته من الأراضي حدا كبيرا حتى أنه كان يمتلك ثلثي حقوق المياه في عمان. ويشير الباحث أيضا الى أن هذا التداخل بين الممتلكات الشخصية وممتلكات الدولة والأشكال الرأسمالية المتزايدة لاستغلال الأرض في عهده، هو ما خلع عليه لقب "قيد الأرض" وما كان يرمز حسب قول الباحث ولكنسون الى الانهيار النهائي للامامة وتحولها الى سلطة حاكمة، ولكنها كانت في حد ذاتها فترة
من الازدهار الهائل بالنسبة للأراضي(8).
وتشير المصادر الشفافية الى أن "قيد الأراضي" وضمن هذا السياق يعتبر من أكثر الأئمة اليعاربة الذين عمروا الأرض ووسعوا الرقعة الزراعية وشقوا الأفلاج، وقد بلغت أكثر من سبعة عشر فلجا.
عودة الى فلج (الخطمين) شاهدت منظرا قلما يتواجد إلا في بعض الأفلاج العمانية الكبيرة. وهو أن الفلج منبعه واحد، ويسير في مجراه حتى منطقة التوزيع ليتفرع الى ثلاثة أجزاء كل جزء يسمى بـ "الفيز" ففي المنطقة الأخيرة قبل تفرقة الى سواق ثلاث عندما تقذف بثلاث كرات. سيذهب كل كرة الى ساقية بعينها. مما يؤكد روعة التصميم والدقة الهندسية البارعة للانسان العماني في توزيعه العادل لمياه الفلج للمستفيدين منه. وبهذه الحالة لا يظلم أحد ويأخذ كل ذي حق حقه بالتساوي. إذن نظام الفلج هو.. نظام حياة ودون تكاتف الأفراد المكونين لهذا المجتمع، لا يمكن أن يكون للفلج ذاكرة وحضور، بل هو شيء ككل الأشياء.
فتشييد فلج داؤدي صعب للغاية، ويتطلب مهارة لا تتوافر إلا لدى المختصين العارفين. لهذا، وحسب الاستقراءات والقراءة والاستفسار إنه لم تتم إقامة مثل هذه الأفلاج بشكلها المعروف منذ عقود بعيدة ويبدو لي أن آخر الانجازات على هذا المستوى النوعي في إقامة مثل هذه الأفلاج يرجع الى اليعاربة في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين وقبل هذا التاريخ بعقود وخلال الفتنة الكبرى التي شهدتها عمان خلال حكم الخليفة العباسي المعتضد. ودمر الوالي العباسي على البحرين محمد بن نور الذي أطلق العمانيون عليه لقب محمد بن بور معظم أفلاج البلاد وساواها بالأرض(9).
ومع مرور السنين أصبحت حرفة انشاء الأفلاج الداؤدية محدودة أو شبه معدومة ولكن هناك قبيلة اختصت بهذا النوع من المعمار الا وهي قبيلة العوامر وذاع صيتهم في هذا المجال الذي توارثوه أبا عن جد.
فالاستثمار في شق قنوات الأفلاج ليس هينا على الاطلاق في ظل ندرة المياه وعوامل الطقس الحار ودرجات التبخر العالية مما تطلب معطيات أمنية واقتصادية لا يقدر عليها الافراد العاديون بل تطلب جهود سلطات محلية كانت قائمة آنذاك.
ويشير الشيخ بدر بن سالم العبري في كتابه "الأفلاج العمانية ونظامها" الى أن هذه الهندسة دقيقة في تكوينها، عظيمة في إنشائها وصنعتها موهبة الانسان العماني، وقاستها بمعيار عقلي، ووزنت مقاييسها بميزان علم تطبيقي مستمد من تجارب تفكيرية عقلية (10) وحتى لا نسرد خطوات البناء وشرحها التخصصي نسبيا ارتأينا إرفاق الدراسة برسومات وخرائط تسمح للعين بقراءتها بأفضل من شرحها.
توزيع المياه
يبدو لي أن شق الأفلاج وتدفق مياهها يصحبه كما ذكرنا صعوبات جمة لكن نظام تقاسم المياه هو الأصعب ومعر فته لدى العامة من الناس تحيط به صعوبات إلا من لدن المختصين، فالأفلاج لا يتحكم الأفراد في جريانها فهي تتدفق ليل نهار، لها قوانينها وطرقها المتعارف عليها عرفيا حيث لا توجد نصوص مكتوبة للاستناد عليها في مثل هذه الحالات ويقدر توزيع مياه الأفلاج بالساعات الفلكية في النهار بالظلال وفي الليل بالنجوم وهي نجوم معروفة ومحددة. فتحدد أقساط الشرب من طلوع نجم الى طلوع آخر وما بين طلوع وآخر ساعة فلكية، ونصف تلك الساعة يسمونه أثرا.
ويتبين أن هندسة الأفلاج في تركيبها ونسيج تشكلها وما يصاحبها من علائق وحالات اجتماعية واقتصادية هي بالأساس ذات وضعية عمانية وليست منقولة وإن تشابهت بعض الحالات، خصوصا، في قنوات الغيلية والعيون. أما في حالة القنوات الداؤدية فهي استثناء عماني خالص، ومن أجل هذا اهتمت، الحكومة العمانية منذ بزوغ النهضة المباركة في أوائل السبعينات حيث قامت الحكومة الرشيدة بجهود كبيرة في المحافظة على هذا التراث القيم فبدأت في وضع خطط للصيانة والتطوير وذلك من خلال:
أ- اصلاح الأفلاج وزيادة كفاءتها المائية.
ب- تنمية وتطوير المصدر المائي للأفلاج.
ج- حفر الآبار المساعدة للأفلاج.
د- الاستغلال الأمثل لمياه الأفلاج من خلال إدخال نظم الري الحديث.
ففي الخطة الخمسية الأولى 1976 – 1980 كانت مساعدة الأفلاج تتم عن طريق الدعم المباشر للأهالي دون شروط فنية، ولكن خلال الخطط الخمسية التالية تم وضع مواصفات فنية من قبل مهندسين متخصصين مع الاشراف التام على تنفيذ أعمال الصيانة والاصلاح والتطوير بواسطة مهندسي الحكومة. وقد تم خلال الفترة 1980-1993م إصلاح حوالي 1500 فلج بطول كلي مقداره 900 كيلومتر.
وقد وضعت الحكومة ضمن برامجها لاصلاح الأفلاج حفر آبار مساعدة وذلك بإنشاء الآبار الانتاجية سواء الجوفية أو المفتوحة وتزويدها بالمضخات المناسبة وتوصيل مياهها خلال خطوط أنابيب الى الأفلاج. وقد استفاد العديد من الأفلاج من مياه الأبار حيث تم حفر عدد 132 بئرا مساعدة مزودة بعدد 136 مضخة في مناطق مختلفة من السلطنة خلال الفترة 1980- 1993.(11)
خلاصة القول: إن المياه عموما ومياه الأفلاج خصوصا هي رهاننا وملاذنا من قحط الأزمان وصراعات القرن الواحد والعشرين ومتكون انعكاسا، لمن يملك الماء ومن لا يملكه ورغم قلته في الأراضي العمانية فإنه رمز حياتنا ومرتكز وجودنا به نحيا أو نموت.
المصطلح
معنى المصطلح
آخر الليل
أحد تقسيمات الردة ويطلق عليه ربع آخر الليل ويحين موعده الساعة السابعة من بعد منتصف الليل بالتوقيت الغروبي.
آمـة الفلج
آمة الفلج هي النقطة التي ينبثق منها الفلج أو المنبع الرئيسي للفلج، ويطلق عليها رأس الفلج، كما يسميها البعض الآخر أم الفلج، وتكو الآمة مكشوفة في معظم الأفلاج الغيلية. أما آمة الأفلاج الداؤدية فهي عبارة عن أول بئر عند رأس الفلج وتكون مغطاة. وقد يصل عمق آمة الفلج الداؤدي الى (60) مترا في بعض الافلاج.
أثـــر
فترة زمنية تقدر بنصف ساعة تقريبا، ويقصد بها أن قطعة أرض زراعية لها حصة في ماء الفلج لمدة نصف ساعة حسب دورة الفلج سواء أكانت أسبوعية أم أكثر.
بـــادة
البادة نصف يوم (12 ساعة) ويقال: بادة الليل وباد النهار. ويطلق عليها (خبورة) في بعض المناطق.
بــدوة
أحد أرباع تقسيمات الردة وهي عبارة عن توقيت زمني. وتبدأ البدوة عندما يكون طول ظل الشخص (24) قدما، وذلك في معظم الأفلاج الغيلية. أما في بعض الأفلاج الداؤدية فيختلف موعدها باختلاف منطقة الري بالفلج. فقد تبدأ عندما يكون طول ظل الشخص (24) قدما أو (20) قدما أو غير ذلك وفقا لما تم التعارف عليه.
بيــدار
البيدار هو الشخص المتخصص في معرفة كيفية تقسيم مياه الأفلاج وتوزيعها ودورانها. وهو الذي يستطيع ان يفرق ما بين أنواع النخيل، وكذلك تحديد كمية النبات اللازمة لتلقيح كل نخلة، ونوعية الفحل الذي يصلح نباته ويقوم البيدار بالعمل نيابة عن أصحاب الأموال مقابل أجر ينفق عليه.
أسماء نجوم محاضرة الليل في بعض مناطق السلطنة
اسماء النجوم
م
اسماء النجوم
م
كوى
1
الجوزاء
12
الموفى
2
الشعراء
13
الغراب
3
أ- الجنب
14
الأدم
4
ب- الذراعين
15
الصارة الأولى
5
البطن
16
الصارة الثانية
6
السفاع
17
السعد
7
المواثيب
18
الكوكبين
8
الذكرين
19
الثريا
9
الغفر
20
الدبران
10
العقرب
21
الشبكة
11
هوامش
1 -حصاد ندوة الدراسات العمانية – إصدار وزارة التراث القومي والثقافة نوفمبر 1980 المجلد الثالث ص 10.
2- حصاد ندوة الدراسات العمانية – مصدر سابق – المجلد الثامن. ص 183.
3- المصدر السابق – المجلد الثامن ص 183.
4- الأفلاج ووسائل الري في عمان للمؤلف جي. وس، ولكنسون – وزارة التراث القومي والثقافة العمانية الطبعة الثانية 1986، ص 44.
5- الأفلاج في سلطنة عمان كتيب أصدرته المديرية العامة لادارة موارد المياه- بوزارة موارد المياه.
6- حصاد ندوة الدراسات العمانية – مصدر سابق المجلد الثامن ص 189.
7- الأفلاج في سلطنة عمان، مصدر سابق ص 1.
8- حصاد ندوة الدراسات – مصدر سابق، المجلد الثامن ص 128.
9- تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للعلامة الشيخ نور الدين السالمي – اصدار مكتبة الاستقامة مسقط – بدون تاريخ – ص 262.
10- حصاد ندوة الدراسات العمانية – مصدر سابق ص 10.
11- الأفلاج في سلطنة عمان – مصدر سابق ص 40.