بقلم- عادل القصاص
لدى محاولة الحديث عن الأدب الإرتري، المكتوب باللغة العربية، من حيث هو أحد مفاصل مظاهر الثقافة العربية في إرتريا، لابد من الإشارة، بدئيًا، إلى الآليات/ الظروف التاريخية – الموضوعية التي ساهمت في توطين/ توطيد الثقافة العربية في إرتريا، تدريجيًا.
الجغرافيا، التاريخ،
الملامسات الأولى:
بسبب من الموقع الجغرافي المتميز لمنطقة القرن الأفريقي، ووضعها اللصيق بمنطقة شبه الجزيرة العربية، بدأت الهجرات المبكرة والمتفرقة لمجموعات من ساميّي جنوب شبه الجزيرة العربية إلى مناطق الحاميّين في القرن الأفريقي منذ عهود سحيقة.
وحسبما تشير إلى ذلك “المكتشفات الأثرية في المدن المندثرة والمعابد ومحطات استراحة القوافل التجارية بين العقبة وساحل البحر الأحمر”(١)، فإنه من الراجح أن تكون تلك الهجرات قد بدأت منذ حوالي عشرة آلاف عام قبل الميلاد. فمن الثابت أن قبائل سبئيّة (نسبة إلى مملكة سبأ) وحِميَريّة (نسبة إلى مملكة حِمْيَر) من اليمن عبرت البحر الأحمر عن طريق باب المندب وجزر دَهْلَك وكانت وجهتها مرتفعات إرتريا والحبشة. وكان على رأس القبائل النازحة من الجنوب العربي ومن أقدمها قبيلة يمنية تدعى الأجاعز، اختارت المقام في الأقسام الجنوبية من مرتفعات إرتريا، ومنها انتشرت لغتها الجئزية، وهي لغة سامية مكتوبة… “وثمة قبيلة أخرى هي قبيلة حبشات التي استقرت في الأراضي الواقعة إلى الجنوب من المواطن التي تمركزت فيها قبيلة الأجاعز أو فيما هو اليوم يُعرف بإقليم تقراي بالحبشة. وفي ربوع هذا الإقليم المجاور لإرتريا قامت مملكة أكسوم المعروفة في التاريخ”(٢). وتلك المملكة كان قد “أنشأها المهاجرون الساميون من قبائل حبشات وأجعازيان(٣) وغيرهما في المرتفعات الإرترية وهضبة التجراي في شمال إثيوبيا الحالية”(٤). والجدير بالملاحظة أن كلمة “حبشة” -هذه التي كانت تطلق على المنطقة المعروفة اليوم بإثيوبيا وإرتريا- قد انحدرت من كلمة “حبشات”.
ولقد كان من أسباب تلك الهجرات المبكرة ما هو متعلق بالتجارة، وما هو متعلق بالبحث عن المعادن (خصوصاً الذهب)، وما هو متعلق بالهرب من الحروب، وما هو متعلق بتدهور الأحوال الطبيعية والبيئية، سيما بعد انهيار سد مأرب الشهير.
وغني عن القول أن تلك المجموعات القبلية التي حطت رحالها فوق هضبة إرتريا وهضبة إثيوبيا قد جلبت معها “كنوزًا لا تقدر بثمن من التراث الأصيل ومعالم حضارة عريقة متمثلة في اللغة المكتوبة والمهارات الزراعية المتقدمة والأساليب المتطورة للتحكم في مياه الأمطار عن طريق إنشاء المدرجات الزراعية على سفوح الجبال وزراعتها بالمحاصيل والأشجار. كما حملوا معهم فنونهم المعمارية وبراعتهم في النحت على الحجر وبناء السدود الضخمة الثابتة لحجز المياه التي اشتهرت بها مدينة مأرب التاريخية(٥). كما أن هنالك عددًا من مجموعات قبلية عربية أخرى “جاءت إلى أرض البجا في القرن السادس للميلاد، أي قبل ظهور الدعوة الإسلامية، وقد ضمت هذه المجموعات بطونًا من حمير عُرفوا بقبيلة (البَلُو أو البَلَويت)(٦). وأيضًا كانت “ربيعة من أكثر المجموعات العربية التي جاءت إلى أرض البجا عن طريق مصر رغبة في الحصول على المعادن، تصحبهم مجموعات القبائل القحطانية والجهينية… والظاهرة البارزة لهجرة العرب هو اتجاههم إلى العمل في المناجم في إقليم البجا امتدادًا من جنوب أسوان حتى الهضبة الشمالية الإرترية”(٧).
كانت تلك الهجرات المبكرة، المتفرقة، هي الملامسات الأولى التي أدت، تدريجيًا إلى التمازج العرقي، الثقافي- الديني- اللغوي بين ساميّي جنوب شبه الجزيرة العربية وبين حاميّي منطقة القرن الإفريقي بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى. على أن منطقة الهضبة الإثيوبية (إثيوبيا، إرتريا) كان حظها أوفر من ذلك التمازج. ومن شواهد ذلك ما هو جليّ في لون بشرة سكان هذه الهضبة، وفي العديد من ملامحهم وعاداتهم، بالإضافة إلى أن لغتهم (الأمهرية في أجزاء واسعة من إثيوبيا، التِقرنيا في مرتفعات إرتريا وفي أجزاء من إثيوبيا، والتِقري في منخفضات إرتريا وفي مناطق من الساحل الإرتري للبحر الأحمر) ، إنما هي سليلة اللغة الجئزية، أو الجعزية (نسبة إلى قبيلة الأجاعز أو أجعازيان- من أقوام مملكة سبأ). ودليل ذلك ما نجده أحيانًا من تشابه -يصل في بعض الحالات إلى درجة التماثل بين عدد من مفردات تلك اللغات الثلاث- بنسب متفاوتة، ومن شأن المقارنة التالية أن تثبت ذلك، غير أننا سنقصر الجدول على إيراد مفردات من اللغة العربية والتقري والتقرنيا لأسباب يقتضيها موضوع المقال.
عربــــي تِقــــــري تِقرنيــــــا
حساب
بَيْت
عَيْن
بَحْر
مَنْ؟
ساعة
دقيقة
ماء
طاعم
اسْم
نحن
كلاكما
كُلكم
اسْمَعني
اسمعي
تغيير
سوق
حديث (جديد) حساب
بَيْت
عِنْ
بَحَر
مَن؟
ساعتْ
دقيقتْ
مايْ
طُعومْ
سِمْ
نحْنا
كِلئيتْكُمْ
كُلْكُم
سِمْعنّي
سِمْعي
تغيير
سُوق
حديس حساب
بَيْت
عَيْني
بَحْري
مَنْ؟
ساعتْ
دقيق
مايْ
طُعُمْ
شِمْ
نحْنا
كِليّتكم
كُلّاتْكُم
سِمْعَنّي
سِمْعي
مِغيّار
شوق
حدِّيش
ولا ينحصر التشابه في الكثير من المفردات فقط، بل إن ثمة تشابها أيضًا بين الأرقام العربية وأرقام لغتي التقري والتقرنيا. كما أن هناك أسماء بعض المواقع الإرترية كنهري “عنسبا ” و”مرب” كانا في الأصل “عين سبأ” و”مأرب”.
الإسلام، اللغة العربية..
تسريع معدل التمازج
على أن التمازج العرقي- الثقافي- الديني- اللغوي الأكبر قد تم عقب ظهور الإسلام من خلال تزايد عدد الهجرات، مما سرّع من معدل الاختلاط، ورفع بالتالي من وتيرة التلاقح العرقي -الثقافي- الديني- اللغوي.
ومن بداهة القول إن علاقة الإسلام باللغة العربية إنما هي علاقة عضوية، تكاد تكون شرطية. فانتشاره -أي الإسلام- كدين، يستلزم أداة انتشاره، التي هي لسانه العربي. ومن هنا حققت الثقافة العربية -عبر وسيطيها الفعالين: الإسلام/ اللغة العربية- انتشارها الأوسع في إرتريا.
ثقافة شفوية
بيد أننا نرى الثقافة العربية- الإسلامية، التي امتزجت بثقافة سكان هذه المنطقة، وأثرت فيها، وتأثرت بها، ومن ثم حققت ذلك الانتشار الواسع، كانت “ثقافة شفوية”. وذلك عائد، في تقديرنا، إلى أن الثقافة العربية- الإسلامية، التي كانت، وما تزال سائدة في المنطقة العربية، هي ثقافة شفوية. والأدب العربي الذي كان، وما يزال سائدًا، من حيث هو أحد مفاصل الثقافة العربية، هو سليل “الشفوية الجاهلية” بامتياز. وهي خصيصة انحدرت له من الأدب الجاهلي- ممثلة بشكل رئيس، في الشعر الجاهلي- وظلت طاغية إلى اليوم. وتلك الشفوية -أي شفوية الشعر الجاهلي- وحسبما يرى أدونيس، قد قُنّن وقعد لها، نظريًا، من قبل نقاد أتوا بعد العصر الجاهلي، أي خلال القرون الثلاثة الأولى لنشوء الإسلام، ومن ثم ساد ذلك التقنين والتقعيد بوصفه “قواعد معيارية مطلقًا للشعرية الكتابية، بحيث لا يُعد كلامٌ شعرًا، إلا إذا كان موزونًا على الطريقة الشفوية التي حددها الخليل، وبحيث جعل من هذه الطريقة الخاصية الشعرية الأولى(٨) هي قواعد ما زالت “سارية” إلى اليوم، مما ساهم، -في اعتقادنا- في تكوين وتسييد حساسية وذهنية شفويتين وَسَمتا بميسمهما جُلّ الخطاب الإبداعي -الثقافي- الفكري العربي السائد.(٩)
والأدب الإرتري، المكتوب باللغة العربية، بما هو أدب ينتمي إلى الخريطة الإبداعية- الثقافية- الفكرية العربية، أصيب جله -في رأينا- بداء الشفوية ذاك، هذا، بجانب عامل آخر ساهم في “استقبال” وغرس وتوطيد الثقافة الشفوية في إرتريا يتمثل في النسبة المرتفعة من الأميين بين السكان الذين اعتنقوا الإسلام.
والثورة الإرترية نفسها، منذ تفجرها (١٩٦١)، وعبر مراحلها المختلفة، كانت تسود فيها، فيما نرى، تلك الثقافة الشفوية، على الرغم من التزايد المتصاعد في أعداد المتعلمين من أبنائها. ففك الحرف -وحده- لا يكفي لتقهقر طغيان الثقافة الشفوية.
الأداة الإبداعية الأبجدية
ومن الأدلة الساطعة على سيادة الثقافة الشفوية في إرتريا (نقصر حديثنا ها هنا، بالطبع، على ذلك الجزء منها المنتمي للثقافة العربية- الإسلامية) هو أن الأداة الإبداعية الأولى -منذ ما قبل تفجر الثورة، في أغلبها، مرورًا بها وإلى الآن- إنما تكمن في الأغنية التي كانت، قبل انطلاقة الثورة، في أغلبها، عبارة عن ملاحم، مأثورات، حكايات شعبية، وحالات عشق رومانسية. وبعد انطلاقة الثورة، غلب عليها الطابع التعبوي التحريضي التبشيري الجياش، لاستقطاب جماهير القضية ولاستنهاض قدراتهم النضالية والصمودية، وهي جماهير كانت تسود فيها الأمية. والطابع التعبوي التحريضي التبشيري الجياش هذا (وهو في اعتقادنا غالبًاً ما يشير إلى طغيان الثقافة الشفوية- حتى وإن جاء كتابة) لم تتأثر به الأغنية فحسب، وإنما ترك أثره على سائر الضروب الإبداعية الأخرى من شعر، قصة، وتشكيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن العديد من النصوص الشعرية لمحمد عثمان كجراي، وبالأخص المتأخرة منها، وكل النصوص الشعرية للشهيد أحمد سعد، والعديد من النصوص الشعرية لمحمد مدني، سيما المتقدمة منها، ومعظم النصوص الشعرية لمحمد الحاج موسى، وكل نصوص الشاعر الشهيد عمار محمود الشيخ، وجل نصوص الشاعر عبدالحكيم محمود الشيخ، تضرب بقوة في ذلك الطابع التعبوي التحريضي التبشيري الجيّاش. ونفس الشيء ينطبق بنسب متفاوتة، على النصوص القصصية لإدريس أبعري، حامد ضرار، صلاح سينيوس، جمال هُمّد، خالد محمد طه، سيما النصوص المبكرة لهذين الأخيرين. وذلك راجع، دون ريب، إلى هيمنة السياسي من ناحية، وإلى ضمور التراكم الإبداعي- الثقافي- المعرفي لدى أغلب المبدعين الإرتريين المنتمين للثقافة العربية – الإسلامية، من ناحية ثانية.
الشتات، التراكم المعرفي – الثقافي – الإبداعي
على أن ظروف وملابسات الشتات المديد (ثلاثين عامًا)، التي طالت أعدادًا هائلة من الإرتريين، قد وفّرت لأعداد قليلة من المبدعين الإرتريين حالات من الاستقرار، في المنطقة العربية بشكل خاص، أدت إلى أن تتراكم معارفهم وخبراتهم المعرفية- الثقافية- الإبداعية، وذلك بانخراطهم في الحياة التعليمية- الثقافية- الإبداعية في المنطقة العربية، مما هيّأ للخطاب الإبداعي لبعضهم نضجًا وأسَّسَ لاختلافه.
محمد عثمان كجراي، الذي ولد ونشأ وتلقى تعليمه وعمل في السودان، كان أحد الأصوات الشعرية التي أسست قصيدة الشعر الحر في السودان. ومحمد مدني الذي نشأ وتلقى تعليمه وعمل في السودان، كان عضوًا برابطة الجزيرة للآداب والفنون (في مدينة ود مدني بوسط السودان، التي اكتسب اسم شهرته منها، وهو أمر ذو دلالة ثقافية بيّنة)، وكان عضوًا بجماعة ” تجاوز”، وعضوًا باتحاد الكتّاب السودانيين.
أمّا عبدالرحمن سِكاب (اليمن)، عبدالرحيم شنقب (السودان- سوريا)، إدريس أبعري (السودان- العراق)، حامد ضرار (السودان- سوريا)، أحمد سعد (مصر- ليبيا)، محمد الحاج موسى (السودان- العراق)، صالح جزائري (السودان- الجزائر)، جمال هُمّد (السودان- سوريا)، خالد محمد طه (السودان)، عبدالقادر حكيم (السودان)، عبدالجليل عبي (السودان)، أحمد عمر شيخ (السعودية)، صلاح سينيوس(السودان)، فتحي عثمان (السودان- الكويت- سوريا)، أحمد شريف (السودان)، منى محمد صالح (السودان)، الغالي صالح (السودان) -وهي أسماء على سبيل المثال وحسب- فتتفاوت نسب تأثرهم الثقافي- الإبداعي بتلك المناطق. بل إن بعضًا من هؤلاء، ممن ذكرنا، وغيرهم، ممن لم نذكر، قد أفادوا، بدرجات متباينة من حركات الحداثة في تلك البلدان. الشيء الذي ينتخبهم -وحسبما يرى ذلك الشاعر محمد مدني- عناصر لتأسيس حركة حداثة وطنية عربية في إرتريا. إذ لا يمكن الزعم بأن ثمة، حاليا، حركة حداثة (عربية على الأقل) في إرتريا، فحركة الحداثة، في أيما قُطر، تحتاج إلى تراكم خبرات متعددة، ومعقدة، مؤسسيًا، ثقافيًا، فكريًا، تعليميًا، إبداعيًا.. إلخ وهي عناصر ليست متوافرة الآن في إرتريا الوليدة. لكن بوسع المرء أن يرى العشب، وهو يتماوج، من بعيد.
الحرب: الواقع الاجتماعي، الأدب
جُل الخطاب الأدبي الإرتري المعاصر، المكتوب باللغة العربية، شعرًا وقصة، تناول موضوعات رئيسة تمثلت في الحرب وتأثيرها على الواقع الاجتماعي. وبشكل ما يمكن القول بأن -جُل الخطاب الأدبي الإرتري- العربي المعاصر- قد “أرّخ” تلك الحرب. واستنادًا إلى ذلك، بوسعنا تقسيم الخريطة الأدبية الإرترية- العربية المعاصرة إلى ثلاثة مفاصل:
المفصل الأول ، واقع الحرب من الداخل / أرض المعارك:
وذلك من خلال نصوص، أغلبها لأدباء مقاتلين، نذكر منهم -ليس حصرًا- وإنما تمثيلًا: محمد مدني، إدريس أبعري، عبدالرحيم شنقب، حامد ضرار، عمار محمود الشيخ، خالد محمد طه، وعبدالحكيم محمود الشيخ.
المفصل الثاني، واقع الحرب من الخارج/ الشتات:
عبدالرحمن سِكاب، محمد عثمان كجراي، أحمد سعد، محمد مدني، حامد ضرار، محمد الحاج موسى، جمال هُمّد، أحمد عمر شيخ، ومصطفى محمود.
المفصل الثالث، واقع ما بعد الحرب:
محمد عثمان كجراي، محمد مدني، عبدالرحيم شنقب، جمال هُمّد، خالد محمد طه، عبدالقادر حكيم، عبدالجليل عبي، صلاح سينيوس، أحمد عمر شيخ، فتحي عثمان، مصطفى محمد محمود، والغالي صالح.
ملاحظات نقدية عامة
١/ تتميز الساحة الشعرية الإرترية- العربية المعاصرة، وفقًا لمتابعتنا لما ينشر، بحضور ، شبه متساو، للقصيدة التقليدية ولقصيدة التفعيلة. والقصيدة التقليدية جاءت بتأثير واضح من الشعر الجاهلي، شعر العصر الوسيط، شعر ما يسمى بـ”عصر النهضة “، والشعر العربي التقليدي اللاحق، ويأتي على رأس ممثليه شوقي وحافظ. وأبرز ممثلي القصيدة العربية التقليدية في إرتريا، على سبيل المثال فقط: عبدالرحمن سِكاب، محمد الحاج موسى، وأحمد شريف. أما قصيدة التفعيلة، التي أتت بتأثير من بعض شعراء حركة الشعر الحر الرواد في العالم العربي، كالسياب وغيره، وبتأثير من بعض شعرائها اللاحقين، كمحمود درويش، أمل دنقل، ومظفر النواب، فيمثلها، لا على سبيل الحصر: محمد عثمان كجراي، محمد مدني (الذي يلجأ في بعض معالجاته الشعرية للأسلوب التدويري)، وأحمد عمر شيخ.
ونرى أن ثمة حضورًا غير خاف، كمرجعيات شعرية، في قصائد العديد من الإرتريين، من الشباب سيما الكاتبين باللغة العربية، لثلاثة أصوات شعرية عربية معاصرة هي: محمود درويش، أمل دنقل، ومظفر النواب. على أن أبرز تلك الأصوات حضورًا وتأثيرًا يمثلها محمود درويش. (أَلِبعض أوجه الشبه بين الثورتين دور في ذلك؟). أخيرًا، لا تتمتع الساحة الشعرية الإرترية- العربية المعاصرة بوجود لقصيدة النثر.
٢/ أما ساحة القصة القصيرة الإرترية- العربية المعاصرة، فقد تأثرت بصورة عامة، بالقصة القصيرة العربية المعاصرة في أقطار كالسودان، مصر، سوريا، العراق، ولبنان. بيد أنه بوسعنا القول -بالرجوع الإحصائي إلى الجزء الذي تحدثنا فيه عن التأثير المعرفي- الثقافي- الإبداعي للشتات- إن تأثير القصة القصيرة السودانية المعاصرة -بالذات القصة القصيرة في سودان الثمانينيات- لها تأثير أكبر خصوصًا لدى أغلب كتّاب القصة القصيرة العربية من الشباب الإرتريين (فوجودها في إرتريا حديث جدًا) كخالد محمد طه، جمال هُمّد، عبدالقادر حكيم، عبدالجليل عبي، صلاح سينيوس، مصطفى محمد محمود، والغالي صالح. كما إن بعض الكتابات القصصية لبعض الكتّاب الإرتريين الشباب تعتمد -بدرجات متفاوتة- التجريب، مثال ذلك كتابات كل من عبدالجليل علي، الغالي صالح، صالح جزائري، وعبدالقادر حكيم.
٣/ وعن الساحة الروائية الإرترية- العربية المعاصرة، فلم تكن هنالك سوى روايتين حتى عام 1996، كانتا تفتقران آنذاك إلى مقومات العمل الروائي.
الهوامش
محمد سعيد ناود، “العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي”، ص٣٠
المصدر السابق، ص٣٠
هي نفسها قبيلة الأجاعز.
عثمان صالح سبّي، “تاريخ إرتريا”، ص٢١، دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٨٤
محمد سعيد ناود، “العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي”، ص٤٠
عثمان صالح سبّي “تاريخ إرتريا”، ص ٩٨
المصدر السابق، ص٩٩
أدونيس، “الشعرية العربية”، ص٣٠، دار الآداب، الطبعة الثانية ١٩٨٩
نعتقد أن “الشفوية الجاهلية” التي ساهم في تأسيسها -فنيا- الأدب الجاهلي، ممثلًا بشكل رئيس في الشعر الجاهلي، والتي تم التقنين والتقعيد النقدي- النظري لها خلال القرون الثلاثة الأولى لنشوء الإسلام، خلقت مناخًا شعريًا- أدبيًا وإبداعيًا عامًا. مغلقًا ومستبدًا، وبالتالي سيدت ذائقة أدبية- إبداعية تركن إلى السهولة والإبانة (البيان). وتلك أهم الخصائص التي ميزت الشعر الجاهلي بخاصة، والأدب الجاهلي بعامة. حيث إن تلك الخصائص- الميّزات هي التي قعّدت لشفوية الشعر الجاهلي (وللأدب الجاهلي عمومًا، إذ إن الخطابة، مثلًا، تنهض فنيًا، على الارتجال، الفصاحة، البيان)، ومن ثم أسست وسيّدت “مزاجًا أدبيًا- إبداعيًا عامًا يركن إلى تلك الخصائص- الميراث- وإن اختلفت وتباينت تجلياتها في/ من جنس إبداعي. أي أننا نعتقد أن الأجناس الأدبية السائدة في الخريطة الإبداعية العربية -مع تأكيدنا على خصوصية واستقلال كل جنس منها عن الآخر- تلتقي في الخصائص- الميّزات الجوهرية لشفوية الشعر الجاهلي، وتختلف في الكيفية التي تتمظهر بها. بعبارة أخرى، نرى أن الشعر الجاهلي قد هجر وسيّد حساسيته الشفوية تلك إلى بقية الضروب الإبداعية. فالتخمة التقريرية والتبشير الأخلاقي اللذان يرشحان من الرواية والقصة العربيتين السائدتين، والمحاكاة/ المباشرة التي تهيمن على كل الخطاب البصري- التشكيلي العربي السائد، هي دليل على هجرة/ طغيان شفوية الشعر الجاهلي إلى/ على معظم الصنوف الإبداعية العربية السائدة. أما على صعيد الفكر العربي، السائد، فتتمثل “الشفوية الجاهلية” فيما يدعوه مهدي عامل بـ”الفكر اليومي” أي أننا نرى أن أدونيس ومهدي عامل -على اختلاف منهج المقاربة لدى كل منهما- يشتغلان على موضوع واحد ، ولكن في حقلين مختلفين. وخطورة الفكر الشفوي، أو اليومي، تكمن في أنه يتوجه -في حقول الإبداع (الفن)، الفكر، والثقافة بصورة عامة- إلى مخاطبة عقلية بسيطة، غير مركبة، غير معقدة، فهو يسيّد ويستديم، حساسية/ ذهنية اليقين، الاسترخاء، والطاعة، لا حساسية/ ذهنية الشك، التقصّي، والمساءلة.