ترجمة: محمود عبد الغني*
مسألة الحدود
الذي يوجد على الجانب الآخر من الحدود، الغريب، ذلك الذي لا ينتمي إلى نفس مجموعتي، والذي لا أفهمه، في غالب الأحيان، ال”بربري” الذي لم أسمع منه في البداية سوى “با،با،”، أصوات غير مفهومة، هو من يقع في مركز اهتمام المقارنين، وإذن في مركز أبحاثهم.
1 – الغريب
يوجد الغريب في مكان آخر. إنه يستقرُّ، في الغالب، في بلد آخر (ألمانيا) ويعبّر بلغة أخرى، يمكن أن يكون جاراً يضعه خارج الجنس البشري. (alien) دون أن يكون “من بلدنا”، حتى أن هناك معنى حديثاً في الإنجليزية
: يستدعي الغريب طواعية الاختبار، عدم الفهم، étranger/ étrange تعرف الفرنسية هذا الجناس اللفظي القلق.
ورغم ذلك، يخصُّ التقليد الغربي خصوصاً في مكوّنه اليهودي- المسيحي، الأجنبي بمكانة مهمة. من بين التعليمات الإلهية التي نقلها موسى للشعب اليهودي نجد اثنتين ( السفر، 22، 20 و23، 9)، وتتعلّق بعدم اضطهاد الغريب. يجب أن نلاحظ أن المصطلح يعيّن ذاك الذي نستقبله بيننا وبالتالي فهذا المنع يبرّر، في الحالتين، التذكير بأن العبرانيين كانوا هم أنفسهم غرباء. وفي اللغة الفلسفية: أن تكون (أن يُنظر إليك) باعتبارك غريباً ليس مشاركة بماهية، إنه شرط وجود، وهذا الشرط قابل للتغير.
افتتح أحد أساتذة الأدب المقارن الفرنسي، هو جان جاك أمبير، بتاريخ 12 مارس 1980، في “أثيني مرسيليا”، برنامجاً مقارناً كبيراً أطلق عليه عنوان ” من تاريخ الشعر”، ركّز فيه على آداب الشمال (ألمانيا، إنجلترا، الدول الإسكندنافية). رسم في محاضرته الافتتاحية مبادئ منهج: معرفة الأعمال التي نتحدث عنها، الاهتمام بالحضارة التي وُلدت فيها وبالعبقرية الفردية لكل مؤلّف. هناك صيغتان تلخّصان الحالة الذهنية التي يشترطها:” لكي تتذوّق شاعراً يجب أن تشعر بالغربة كلياً”، و”كل الأعمال الخالدة في كل الأزمنة تنتمي إلينا”. هكذا فتح “ج.ج لامبير” طريقاً ستجعله لاحقاً يعلن أنه لابدّ، من أجل فهم الأدب الفرنسي، “من دراسة مقارنة بدونها سيبقى تاريخ الأدب ناقصاً”. كل أدب أجنبي يمكن أن يكون أدبنا، شريطة القبول بالخروج من فضائنا الخاص، كما أنه شرط يسمح بفهم حقيقي لهذا الفضاء. إن الأجنبي ضروري من أجل تحديد وفهم الوطني.
2 – أدب أجنبي، آداب أجنبية
منذ أنشئ كرسي الأدب الأجنبي سنة 1830 تأسّس بفرنسا ما سُمّي “إبدال الأجنبي” (وفي إسبانيا سنة 1993)؛ فكفّ الأدب الفرنسي وآداب العصور الكلاسيكية عن إنتاج المرجعيات ذات الامتياز، بل الوحيدة، من مجموع الأدب.
1 – أدب أجنبي أم آداب أجنبية؟
إن فرادة الكراسي الجامعية الفرنسية الأولى تدل أولا على تصور شامل للأعمال القادمة من الخارج أكثر من الأعمال المأثورة. والمجتمع الفرنسي يعرف، بكل تأكيد، تنوع اللغات التي تُنتج بها ثقافات أخرى. لكن، إلى حدود القرن الثامن عشر، كان استيراد الأعمال الأدبية ضعيفاً بالمقارنة مع الإنتاج الوطني، سواء تعلّق الأمر بالترجمات، أو إضافة إلى ذلك، بالأعمال الأصلية. لقد كانت الترجمة، إلى حدود حوالي نهاية القرن الثامن عشر، تتمّ عن اللغة الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية، بدرجة أقل من الألمانية. ومن الطبيعي إضافة العبرية، اليونانية، وخصوصاً اللاتينية. لكن لهذه اللغات الثلاث وضع خاص. العبرية هي لغة التوراة، الذي اعتُبر في تلك اللحظة نصّاً مقدّساً قبل كلّ شيء. اليونانية واللاتينية، اللتان تشكلان حصة مهمة في النشر والترجمة، لم يُنظَر إليهما على قدم المساواة مع اللغات الحية، ولا حتى كلغتين أجنبيتين حقيقيتين: إن الإنسان المثقف يعرف على الأقل اللاتينية، التي تبقى لغة نكتب بها، بل ونترجم بها: في سنتي 1801-1802 أنجز “ه. أنكوتيل ديبرون ترجمة لاتينية 1Upanishadsل ال
هكذا تدخل مقولة الأدب الأجنبي في فرنسا، خلال فترة معينة، ضمن نوع من الانقسام الأدبي- قديم، فرنسي، أجنبي- يتخذ داخله الوافد الجديد وزناً إضافياً وهو ينتشر داخل مؤسسات التعليم العالي. لقد أنشئ “كرسي اللغة والأدب السلافي” في الكوليج دي فرانس سنة 1840، وفتحت السوربون كرسي اللغات والثقافات في جنوب أوربا سنة 1880 إلخ. وفي بداية القرن العشرين بدأت عبارة “لغات، ثقافات وحضارات أجنبية”، تثير الانتباه، في الجامعات، إلى السياق العام الذي يُدرس داخله كل أدب أجنبي.
2 – أدب أجنبي، أدب مهاجر
أحياناً، إذا ما حافظ أدب أجنبي ما على شكله الأصلي، وإذا كانت بعض البلدان أكثر استقبالا من أخرى، فإن الولوج إلى أدب أجنبي معين يتمُّ في الغالب بواسطة الترجمة: هذه الأخيرة هي القاعدة الطبيعية لمعرفة الأجنبي، )؛ على هذاRHLFإلا أن بعضها ينتهي بعدم اندماجها في تراث المجموعة الوطنية التي استقبلتها( 1997-3،
المستوى تكون القضايا التي تثيرها شبيهة بتلك التي تعترض الأشخاص المهاجرين داخل المجموعات التي تستقبلهم.
إن عملا مترجَماً هو أولا عمل غيّر مكانه؛ فقد كُتب في البداية لجمهور يُفترض أنه يوجد في نفس المستوى الذي يوجد فيه، وهو على وشك أن يشوّش على قارئ حذر أو مبتدئ، رغم أنه غيّر من هيئته. فهل من السهل إبرام صفقة معه؟ هل سيبقى مطبوعاً بالملامح التي ظهر بها في الأصل؟ وبالعكس من ذلك، هل اندمج؟ هل طرأ عليه تحريف حتى، إلى درجة أنه أصبح شبيهاً بالأعمال الأصلية في بلد الاستقبال؟ هل فعلا جاء حقّاً لملء فراغ، وتقديم جديد؟ باختصار: هل كان ضرورياً؟ إن الترجمة تمنح تأشيرة دخول تجعل من اليسير عبور الحدود جعلتها الرقابات (السياسية والإيديولوجية) أكثر ملاءمة، ولم يبق سوى اجتياز الجمارك الثقافية والفنية، التي ليست دائما الأكثر تساهلاً.
3 – آداب “جهوية”
إن المركّب الموحّد دفعة واحدة: الأمة-اللغة- الأدب ليس شائعاً كما يمكن أن نعتقد. بلجيكا، كندا، الهند، سويسرا، هي دول متعددة اللسان؛ الألمانية، الإنجليزية، الإسبانية لغات يُتحدّث بها في دول عديدة، في حين أن hochdeutsch مؤرخي الأدب الألماني يدرجون أعمالاً مكتوبة بلهجات مختلفة تماماً ضمن الـ”هوشدوتش”
(الألمانية الوسطى) التي كتب يها غوته أو هوفمانستهال.
في فرنسا ذاتها، البلد النموذجي للأمة الموحّدة، هناك كُتّاب ألّفوا بالألزاسية، والباسكية، البروتانية، البروفانسية. ما هو وضع هذه الأعمال؟ إنها توجد في لغتها الخاصة، بقيمها الجمالية الخالصة، لكنها، بشكل عام، ليست متوفّرة إلا لأقلّية، إلا إذا تُرجمت إلى الفرنسية (وعموماً من طرف كُتّابها أنفسهم). ومن استحقاقات الحركة الرومانسية أنها ساهمت في تعميم عدّة أعمال كانت شفهية. إن نشر طبعة مزدوجة اللغة، بروتانية-فرنسية من طرف “ه. دي لا فيلوماركي”(2) سنة 1837 كان إشارة لاهتمام فرنسي بثقافة سلتية(3) Barzaz Breizل
أصلية، بعد عشرات السنين من النجاح الأوربي الباهر الذي حقّقته قصائد “أوسيان”(4) المنشورة من طرف “ماكفيرسون”(5).
في خانة آداب أجنبية. Mirèio أو Barzaz Breiz لن نقف طبعاً إلى جانب وجهة النظر الفرنسية، فنصنف
كما أن الأدب المقارن، في كل الحالات، لن يتجاهلهما. هذا النوع من الأسئلة يُطرح أيضاً بمفاهيم مختلفة أحياناً في بلدان أخرى. إن الأدب الإسباني يعرف أعمال أدبية باللغة القشتالية6، وأيضاً الكاتالانية والباسكية. وتشكل الهند وحدة وطنية على مستوى الدولة لا تتحدّد إطلاقاً بتوحيد لساني موروث عن الوجود البريطاني؛ إنها أمة متعدّدة اللسان، وغنية بآداب مكتوبة بالإنجليزية، البنجالية، الهندية، الأوردو، التاميل، إلخ. ما يجعلنا نقرُّ أن بنية الأدب الهندي الحديث نفسه (بالمفرد) كانت دوما، في حدّ ذاتها، “مقارنة”.
4 – أنجلوفونية، فرانكفونية ( وفونيات أخرى)
إن تعقيد مفهوم “الأدب الأجنبي” يظهر أيضاً في الصعوبات التي تمكّنت من اجتيازها الشبكة العالمية المشكّلة من بعض اللغات المنتشرة عالمياً. إن مصطلحي “فرانكفوني” و”فرانكفونية”، اللذان تجاهلهما معجم “ليتري”، ولم يظهرا إلا في أواخر القرن التاسع عشر، واللذان انتشرا ابتداء من النصف الثاني القرن العشرين على الخصوص، يطرحان صعوبات في الاستعمال. في “والوني”(7) يتم التمسك بعبارة “آداب فرنسية في بلجيكا”؛ ونتحدث عن أدب سويسرا الروماندية(8) أو الأدب الكيبكي، لكن عن كُتّاب إفريقيا الفرانكفونية. في العالم الأنجلوفوني، يتعلّق الأمر المناطق المتحدثة بالإنجليزية(9)، لكن يوجد أيضاً، في نظر العديد من الجامعيين، كومويلت أدبي(10)، الشيء الذي يؤكّد الطابع السياسي للمفهوم؛ وإذا عاينّا ظهور إشارات مثل “مترجم عن الأمريكية”، فإنه يجب أن نقبل بأن اللغة الرسمية في الولايات المتحدة الأميركية هي الإنجليزية. إذن، أين نضع هذه الآداب التي تتخطى الإطار الوطني؟
يطرح هذا السؤال نفسه بمصطلحات مختلفة عن تلك المثارة أعلاه بخصوص الآداب المسماة جهوية. ليس مؤكّداً أن شخصاً من باريس أو بروكسيل يمكن أن يصل إلى رواية من الكيبك، أو ساحل العاج أو الأنتيل: الكلمات المحلية، الأفكار الأسطورية، المعجم، البنيات النحوية، تشكّل عقبات تقف أمام القراءة المستعجلة. لكن، هل تكفي هذه العناصر الأجنبية حتى تتحوّل هذه الروايات إلى أعمال أجنبية؟ هل اللغة الفرنسية، في مختلف أوضاعها، تشكّل مبدأ موحّداً لثقافة فرانكفونية- هذا المصطلح الذي يدخل فيه أيضاً الأدب المكتوب في فرنسا؟ إن الدراسات الفرانكفونية تتردّد بين المجالات الثقافية المقارنة وبين الأدب الفرنسي.
3 – الأدب العالمي
في حوار أُجراه “إيكرمان”(11) مع غوته، أطلق هذا الأخير مفهوم “أدب عالمي”(12)، وهو ما انتشر تحت نفس الاسم. وقد دار نقاش حول ما كان غوته يقصده به بالضبط، لكن رعايته هذه تمّ الاقتداء بها طواعية من طرف الذين حاولوا الخروج من إشكالية وطنية صارمة، خصوصاً من طرف الذين رأوا أن الأدب المقارن هو الحقل الذي يجب أن يأخذ بالاعتبار هذه العالمية. وقد أعلن أحد أكبر الراديكاليين منهم (إتيامبل، 1974، 28):” لن ينال (…) شيئاً من عقلي، إذا كان ذلك هو مستقبل الإنسان، حين يقرأ طلابنا، أو حين يريدون قراءة، جيبانشا إيكو(13) ورابلي، وانغ تشونغ(14) وهوبز(15)، “رسالة الغفران” و”حزن الفراق”(16)، ” الحياة” لـ”سيلّيني”، و”اعترافات” القديس أوغسطين(…) فما كان على ما سُمي في القرن الماضي “أدباً عالمياً” إلا النزوع نحو هذا المثال.” في هذه الجملة، يعبّر إيتيامبل عن تذمّره من الازدواجية: رابلي وياباني ألّف سرداً رحلياً ساخراً في بداية القرن الثامن عشر؛ هوبز ومؤلف صيني من القرن الأول، مؤلف كتاب في السياسة؛ قصيدتان يبدو أن كل شيء يفرّق بينهما، الأولى مكتوبة باللغة العربية (يتعلّق الأمر ب”رسالة الغفران”، في القرن الحادي عشر)، والثانية باللغة الصينية ( القرن الثالث قبل المسيح)؛ وفي الأخير مذكرات رجل إيطالي من القرن السادس عشر، وأخرى كتبها إفريقي باللغة اللاتينية في القرن الرابع.
إن برامج قراءة مثل هذه، إذا كانت مستفزّة، تظهر مغالية واعتباطية. فهي تجسّد جزءاً من اليوتوبيا التي يخفيها هذا الحقل. لكنها تشير إلى ما يكوّن أساس المشروع المقارن: الفضول، بمعناه الإيجابي مثلما هو نموذج بداية القرن الثامن عشر، مقروناً بالرغبة في تأسيس موضوع للدراسة. إن ما يميّزها هو أن تعيد للأعمال الأجنبية وضعيتها كمحرّضة على اختبار الأدب، بالذهاب بالانتباه إلى أبعد من تلك، التي بقيت مقدّسة، في العصور الكلاسيكية، والتي لم تعد متشابهة، مثلما هي “الكلاسيكيات العالمية”، علاوة على غوته نفسه، دانتي، شيكسبير، سيرفانتس، أندرسون، تشيخوف، عمر الخيام… ومع ذلك فإن الأدب العالمي في القرن الواحد والعشرين يجب أن يحذر من يصبح مدفناً للعظماء. وحتى إن امتدّ إلى الأعمال الكبرى في أكبر عدد من الآداب الممكنة؛ فإن عليه أن يبقى تجمّعاً مفتوحاً من الأعمال حيث علاقاتها المتعدّدة بآداب أخرى ستساهم (بحق) في تطوير نزعة إنسانية عالمية.
4 – حدود المقارنة
إن حدود اللغة هي بدون شكّ الأكثر بداهة؛ ومع ذلك فليست هي الوحيدة التي ينبغي أن تشغل بالنا في الأدب المقارن.
1 – عمل أدبي أم نص؟
منذ السبعينيات، عموماً، تحت النشاط المزدوج للدراسات اللسانية والسرديات، فرض مصطلح “نص” نفسه بشكل واسع لتحديد الشيء اللغوي الذي يستحقّ الدراسة، عوض “أثر” أو “عمل”. سيرتبط هذا التوجه بهاجس الاهتمام الكلي بالعلامات التي يمنحها استعمال اللغة، بالوظائف التي يمكن أن تطّلع بها هذه الكلمة، هذا الصوت، أو هذه المجموعة من الكلمات أو الأصوات. إن المعجم التقني الذي اقترحه “جيرار جينيت”(17) – (18)، النص الموازي الخارجي(19)، النص الموازي(20)، ( يمكن أيضاً إضافة: النص الموازي الداخلي(21))- يذهب نحو هذا المعنى، ونفس الشيء بالنسبة للشروح ذات الطبيعة الاصطلاحية عن النص مثل “نسيج”(22).
يسمح مصطلح “نص” بكل تأكيد بالتمييز بين العمل الأدبي، وبين الكلمة التي لها تقليد عريق يدافع عنها، بما أنه ارتبط منذ وقت مبكّر مع مفاهيم الأصالة والمطابقة مع نوايا المؤلّف. يمكن أن يبدو مع ذلك أنه من الأهمية بمكان اعتبار الخدمات التي يمكن أن يقدّمها مصطلح “أثر” ضمن بعد مقارن. وإذا تعلّق الأمر، إلى حدّ الآن، بأثر أجنبي (وليس بنص أجنبي)، فذلك لأن للعبارة فائدة تمييز شيء، وليس فقط متتالية متماسكة من الفونيمات تكوّن المعنى، بصرف النظر عن الحامل الذي توجد عليه.
إن أولى استراتيجيات المقارنة هو التساؤل عن أين، وتحت أي شكل، تظهر الآثار، وملاحظة ما يحدث أثناء انتقالها. سواء تعلّق الأمر ببرامج البحث أو ببرامج التدريس- والحلقات الدراسية للأستاذة الباحثين في الجامعة تنتمي لهما معاً- فإن المقارنين ينتبهون بالضرورة للتحكّمات التي يقبل الأثر، وليس فقط النص، تحمّلها. يكفي أن نسجل أن مجموعة من التعديلات يمكنها أن تؤثر في الشكل، في عدد الأجزاء، في وجود رسوم (أو تقوم بتعويضها)، في إقحامه (أو عدم إقحامه) ضمن سلسلة معينة، في حضور خطاب التقديم أو المصاحبة… كل أثر معرض لمجموعة من التحوّلات ( فقط بسبب التصحيحات التي يدخلها المؤلف على مدار الطبعات المتتالية)، لكن الأثر الأجنبي معرّض بشكل خاص لمجموعة من التحكّمات، لا تتوقف فقط عند ترجمة النص.
إن طرق قراءة أثرٍ مّا تخضع لشروط قرائيته، من بين نماذج أخرى من المعالجة. يمكن من جهة أخرى نخمّن أن التقنيات المعاصرة التي تعمل على رقمنة الآثار، والتي تغيّر طرق القراءة والمعالجة، ستجيب عن مشاكل جديدة.
2 – أدب مقارن، أدب عام
منذ أربعين سنة تقريباً، تمّ إدخال نعت “عام” ضمن مصطلحية الدراسات الأدبية، وفي فرنسا كما في بلدان كثيرة، اتخذت عبارة “أدب عام ومقارن” نوعاً من الامتداد. وعبارة “أدب عام” وحدها لها سلبية أن تكون غامضة: بالنسبة للكُتبيين وأمناء المكتبات العامة، هي تشير فئة من الأعمال، وهي بالنسبة للمتخصصين في الأدب هي مقاربة نظرية لهذا الأخير (إنها إذن قريبة من “نظرية الأدب”).
واستعمالها، المقرون بنعت “مقارن”، هو بهدف ربط منظورين: هاجس اختبار مفهوم الأدب، واعتبار “متنٍ” ليس فقط متنوع بل أيضاً متكوّن من تقاليد مختلفة. هكذا وضعت العديد من الأعمال لها كهدف تحديد نظرية الأنواع الأدبية بالارتكاز على “متنٍ” أكثر أو أقل اتساعاً؛ لكن، ولوقت طويل، قام رُسوخ النموذج الموروث عن العصور الكلاسيكية – اليونانية أساساً- المقرون بالجهل بالآداب غير الأوروبية، بدراساته عن بعض آداب أوربا؛ فجعل الانفتاح على الحضارات الأخرى، واكتشاف آداب الماضي (الهند، مصر) من أمر اللجوء إلى الغريب مسألة معقّدة وضرورية في نفس الآن.
قادت عالمية الأبحاث في الأدب، إذن، إلى طرح العديد من الأسئلة. لقد ساد كتاب أرسطو “فن الشعر” بطريقة دائمة على مفهوم الأدب الذي كونته أوروبا لنفسها، وإنه بالاعتماد كثيراً على هذا المفهوم الفريد كمقياس تمّ تطوير نظريات ذات قيمة عالمية، والحكم على ثقافات أخرى. فهل أصبحت النقاشات حول “المحاكاة”، وحول “التطهير”- وهما مفهومان إغريقيان ظل معناهما يطرح مشكلة- في النهاية متجاوزة على مستوى “الأدب العالمي”؟ أم أن هناك، رغم كل شيء، متغيّرات يمكن رصدها داخل مجموع الآداب؟ ما دلالة مفهوم الـ”استثناء”، حين يتعلّق الأمر بشعرية كفّت عن أن تصبح معيارية؟.
الهوامش
1 – مجموعة من النصوص الفلسفية باللغة السنسكريتية تشكل الأساس النظري للهندوسية. (م). 1
2- Théodore Hersart de la Villemarqué ( 1815- 1895) فيلولوجي فرنسي متخصص في الثقافة البروطون. (م).
3- Celtique
4 – Ossian شاعر غنائي اسكتلندي من القرن الثالث الهجري. كتب مجموعة من القصائد تُرجمت في البداية إلى اللغة الإنجليزية بين 1760 و1963 من طرف الشاعر جيمس ماكفيرسون.. (م).
5 – James Mcpherson شاعر ومترجم إانجليزي ولد سنة 1736 ب”روثفن” وتوفي سنة 1796. شاعر اسكتلندي عُرف بترجمته للشاعر “أوسيان”(م).
6 – Castillane لغة رومانية تُتحدّث بها في إسبانيا وفي العديد من دول أمريكا وفي العديد من دول العالم. (م).
7 – Wallonie
8- Suisse romandeمنطقة في سويسرا يتحدث سكانها اللغة الفرنسية.
9- English-speaking countries.
10 – Commonwealth literature.
11 – Johann Peter Eckermann ( 1792-1854) كاتب وشاعر ومفكر ألماني معروف بحواراته الكثيرة مع غوته. (م).
12 – Weltliteratur بالألمانية
13 – Jippensha Ikku أديب ياباني ولد سنة 1765 وتوفي في 1831:
14 – Wang Tch’ong
15 – Thomas Hobbe فيلسوف إنجليزي له تأثير قوي على الفلسفة السياسية الحديثة :
16 – “حزن الفراق” هي أول قصيدة صينية طويلة (372 بيتاُ شعرياً) كتبها الشاعر “كيو يوان” من مملكة “شو”. 16
17 – G. Genette, Seuils, éd. Seuil, 1987.
18 – Hypotexte.
19 – Epitexte.
20 – Paratexte.
21 – Péritexte.
22 – Tissu ( latin : textus).