يتزايد الاهتمام بالدراسات السينمائية في السنوات الأخيرة عند المتخصصين في الأدب وتتزايد الرغبة في فهم أعمق للأدب لدى نقاد السينما. وفي هذا الإطار يعد الاقتباس السينمائي من الأدب، والمقصود به عملية انتقال العمل الأدبي إلى شاشة السينما، مدخلا محوريا لإجراء الدراسات التي تتناول العلاقات المركبة بين الفنين.
على مدار سنوات طويلة بدا تاريخ دراسة هذه العلاقة مسرحا للعديد من النقاشات التي ثارت حول قضايا غدت اليوم كلاسيكية مثل قضية «الإخلاص/الأمانة» أو قضايا أخرى تدور حول خصوصية اللغة الفنية التي تسمح أو لا تسمح بنقل بعض الأعمال الأدبية إلى السينما، بالإضافة للعديد من التصنيفات التي وضعها المنظرون لتصنيف فئات للاقتباس مبنية على قياس درجات التشابه والاختلاف بين النصوص. وقد بدا أحيانا أن هذه المقاربات قد قلصت من إمكانيات تناول تلك العلاقة المركبة وحصرتها داخل أطر معيارية يرسمها الممكن والمسموح والممنوع والمتاح وغير المقبول .. إلى آخره من حدود تقف حائلا أمام انطلاق النظر لتفحص الاقتباس كعملية توالد أو تبادل أو تفسير أو عبور وترحل للنصوص.
ومن منطلق هدف شبكة آمون للباحثين في الأدب والسينما إعادة فتح النقاش حول هذا الموضوع وطرح رؤى جديدة تتنوع فيها المداخل وتتعدد المناظير في فهم حركة النصوص واستبيان العلاقات بين النصوص وسياقات تحولها، نقدم هذا الملف البحثي المكون من خمس دراسات تستكشف مناطق لم يتم التعرض لها من قبل في الكتابات النقدية باللغة العربية وتتخذ مكانا بينيا بين درسات النقد الأدبي والنقد السينمائي. نفتتح الملف بمقال لمالك خوري، أستاذ الدراسات السينمائية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. فتحت عنوان «الاقتباس الأدبي في اطار العلاقة المتشنجة مع التنظير السينمائي» يتتبع المؤلف تاريخ دراسة الاقتباس في إطار النظرية السينمائية ومناهجها منذ العقود الأولى لظهور السينما وحتى تجلياتها في عصر النصوص الافتراضية. ويرى أن التاريخ الطويل لدراسة السينما في تخصصات الأدب والعلوم السياسية وعلوم الاجتماع، والفلسفة والتاريخ وغيرها لا بد أن يتطور كي تتناول الدراسات الإنسانية السينما كنص ثقافي يعتبر امتدادا لعناصر اجتماعية وتاريخية متفاعلة. أما سلمى مبارك، أستاذ الأدب المقارن والأدب والفنون بجامعة القاهرة فتطرح في مقال بعنوان «الاقتباس وتفكيك قداسة النص» تساؤلا عن الأسس النظرية التي شكلت قيم الخطاب النقدي حول موضوع الاقتباس بالتركيز على قضيتين : قضية التراتبية وقضية شرعية العمل السينمائي في تغيير النص الأدبي. فتتطرق الدراسة أولا لبعض من الأصول النقدية المؤسسة لمفهوم التراتبية بين فن الكلمة وفن الصورة من خلال التعرض لرؤى قديمة أسست لعلاقات صراعية. وتستدعي ثانيا مفهوم التناص في مقاربة عملية الاقتباس باعتباره يدحض الثنائيات القديمة ويسائل سلطة المؤلف فيكسر الحدود المقدسة التي تغلق النص على ذاته. وترصد مي التلمساني أستاذ الدراسات العربية ونظرية الفيلم بجامعة أوتاوا في مقالها « الاقتباس انتقال عبر ثقافي» ثلاث مستويات لعمليات الانتقال من نص لنص: أولا عملية الانتقال من نص روائي لنص سينمائي، أي عملية الاقتباس من المنظور النصي. وثانيا الانتقال من نص سينمائي أصلي لنص سينمائي يحاكيه، وهو الشكل الذي يطلق عليه لفظ ريميك remake. ثالثا وهو الجانب الذي يتم تناوله بالتحليل في هذه الدراسة، الاقتباس عبر الثقافي transcultural adaptation والريميك عبر الثقافي remake transcultural والمقصود بهما انتقال النص ليس فقط من وسيط أدبي لوسيط سينمائي بل ومن لغة وثقافة بعينها للغة وثقافة أخرى بالتطبيق على تمصير مسرحية «جريمة في جزيرة الماعز». ترتكز داليا السجيني مدرس الأدب والفنون بجامعة القاهرة في مقال بعنوان «التواسط في عرض الذات في الأدب والسينما» على مفهوم «التواسط» من خلال دراسة أنماط العلاقات بين وسائط أدوات التعبير التي يستخدمها الكاتب/المخرج في فعل الحكي داخل منتجيهما الذاتيين: الطباعي (كتابة وفوتوغرافيا) والسمعي البصري (سينما وتلفزيون)، مستعرضة الأطر المعرفية والنظرية التي تؤسس للمفهوم. ويختتم الملف بدراسة لوليد الخشاب أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك بكندا يستخدم فيها مفهوم التواسط لقراءة عملية الاقتباس كحالة بين/بين، بالرجوع للمفهوم عند الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز(Gilles Deleuze). ففي مقال بعنوان «الاقتباس والتواسط: تعدد مقامات الذات بين الجسدية والسياسة»، ينتقل من الأرضية النظرية التي شكلت مفهوم التواسط في إطاره الفلسفي إلى دراسة تطبيقية على تجربة «وا إسلاماه» كنموذج للقضايا التي يثيرها تجسد الذات في حالة التواسط المتضمنة بعملية اقتباس الرواية وتحولها إلى فيلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* «آمون» هي شبكة علمية تتكون من باحثين معنيين بدراسة أشكال العلاقة بين الأدب والسينما على كافة الاختلافات النوعية للوسيطين، وهي تعتمد على البينية والانفتاح على التعددية اللغوية. «آمون» هو أيضا إسم أول جريدة سينمائية مصرية أسسها رائد السينما المخرج محمد بيومى في 1923. والشبكة العلمية إذ تتخذ هذا الاسم فهي تشير للتاريخ التأسيسي الذي ربط الكلمة بالصورة السينمائية المصرية لأول مرة.
إعداد وتقديم: سلمى مبارك