فاطمة الشيدي*
«ونزوى تحتفل بمئويتها، نتذكر نحن أصدقاء البدايات -الذين بدأنا النشر بها في السنوات الأولى من عمرها الأنيق والزاخر بالجمال والمعرفة-نتذكر ذلك الفرح الذى انتابنا والنشوة النفسية والفكرية التي استبدت بنا حين سمعنا عنها كمشروع ثقافي جديد يخرج من بين ضلوع وطننا الحبيب في بداية تسعينيات القرن الفائت، وهو أي الوطن بحضارته الممتدة وثقافته الكلاسيكية الراسخة في الزمن يخطو نحو الحداثة بتعثر، ويرسم بداياته الجديدة بهدوء ويقين، فما أجمل أن تنبثق من روح المكان الذاهل في الجديد مجلة وباسم عماني راسخ في الذاكرة المكانية (نزوى) تهلل لها القلوب والضمائر والعقول.
نتذكر نحن القادمين من قرانا ومن الجامعة في حماس البدايات نتخبط في وعي بدئي نسعى أن يتبلور وينمو بالقراءة، فنجد الكثير في نزوى ونلمس حضورها النوعي من أول عدد بقيادة المايسترو الكبير سيف الرحبي الذي قادها وتقدم بها بوعيه الفارق الذي تشكّل عبر المسافة التي تفصلنا عنه في الزمان والأمكنة، والذي انعكس بجدارة وجمال في مجلة نزوى بخلطتها السحرية الساحرة التي تجمع الأدب والفلسفة والسينما والمسرح والموسيقا والفكر، وتقدم المحلي للعالمي، والعالمي للمحلي مترجما، وتؤاخي بين نتاج ما كان يعرف بالهامش، ونتاج ماك ان يعرف بالمركز في اتساع فكري ووعي شمولي متقدم بلا محاباة ولا تهميش تقول عبره أن الأدب لا مراكز له، وأن الزمن يخلق أبناءه في العلم والأدب والثقافة وفق معطيات العصر على حد سواء، وتقدم للقارئ والباحث ما يغنيه ويأخذ بتلابيبه من الجديد والقديم على حد سواء، وتمكنه من مناهل المعرفة عبر إشاراتها الذكية ومداخلها الثقافية المواكبة للفعل الثقافي المحلي والعربي والعالمي حتى ليكون من العسير عليك أن لا تجد قلما عربيا لم يُنشر له في مجلة نزوى شعرا أو نثرا أو نقدا أو سردا أو ترجمة.
كما لا يمكن أن نجد حدثا ثقافيا عالميا فارقا، أو كتابا مائزا ظهر وفتن القراء في جهة ما من العالم لم تنشر له أو حوله مادة في نزوى متابعة أو ترجمة كمسئولية ثقافية أخذتها على عاتقها، ولذا كان قارئ نزوى أبدا في أمان المعرفة وطزاجتها يشعر بالعمق والشمولية معا.
وهكذا ترسخت علاقتنا بها كقراء، ثم كنا من كتابها الفخورين بنصوصنا وهي ترصّع صفحات المجلة الجارحة في وعيها ورؤاها باستمرار. واستمر حضورها فينا وحضورنا فيها في علاقة ثقافية ونفسية، وصداقة إنسانية وفكرية نعتز بها فهي منا ونحن منها.
وحتى في زمن الهشاشة الفكرية والنشر السريع على مواقع التواصل الاجتماعي وتصاعد الميديا، وتراجع الفعل الثقافي، وتهاوى القيمة الفنية وتساقط المشاريع الثقافية الجادة بعد زمن قصير، وتوقف الكثير من المجلات بإغلاقها أو تحوّلها لنسخ رقمية فقط؛ ظلت نزوى محافظة على ذلك الحضور الخاص والوهج المشع، كما ظللنا مؤمنين بها، وحريصين على اقتنائها والاطلاع على موادها بانتظام، وباحثين عنها في منافذ النشر الشحيحة دائما.
واليوم وهي تحتفل بمئويتها يتملكنا الفخر بنزوى المجلة العمانية الرصينة والفارقة في قيمتها ومسيرتها الفكرية الراسخة والمستمرة، ونعلن أنفسنا قرّاء دائمين مخلصين لها، ونرسل لها كل الأمنيات والدعوات الصادقة بالاستمرار بذات الاتساع والتعدد والعمق، ونشد على أيدي أسرة تحريرها، مثمنين عملهم الدؤوب وجهدهم الثقافي الخاص والدائم، ونتمنى لهم كل التوفيق، وعقبال الألف عدد يا ابنة عُمان العظيمة.