في هذه الدراسة سوف نشير إلى خطاب السرد ومفاهيمه بشكل عام ونركز على الكتابة المسرحية وحضور خطاب السرد فيها، وننتخب نماذج مسرحية محددة فتحت فضاءات واسعة لتوظيف الخطاب السردي في أبنيتها الدرامية للدكتور عبد الله علي إبراهيم الأكاديمي والباحث المتميز في شتى ضروب المنجز الإبداعي. في هذه الدراسة سوف نشير إلى خطاب السرد ومفاهيمه بشكل عام ونركز على الكتابة المسرحية وحضور خطاب السرد فيها، وننتخب نماذج مسرحية محددة فتحت فضاءات واسعة لتوظيف الخطاب السردي في أبنيتها الدرامية للدكتور عبد الله علي إبراهيم الأكاديمي والباحث المتميز في شتى ضروب المنجز الإبداعي.يشكل السرد أساسا قامت عليه أنواع روائية منظومة شعراً ونثراً وكل أشكال الأدب الشفاهي التي عرفتها الحضارات الانسانية القديمة مثل الملحمة والسيرة والرواية والقصة ومعظمها يستند على وجود (شخص يروي ويحكي) والسرد لا يتوقف عند النصوص الأدبية فقط إنما تعدى ذلك إلى أنواع أخرى تتضمن في بنيتها السرد بشكل مختلف مثل اللوحة والأفلام السنمائية والصور المتحركة والإعلانات في هذه الأعمال الفنية ثمة قصص تحكي بشكل مختلف(4).والتمييز بين الدراما والرواية يقوم أساساً على الحوار لأن الحوار يعتبر أسلوب التعبير الدرامي والصيغة الأكثر ملاءمة لتعبير الشخصية المسرحية عن أفكارها وقضاياها وعن الواقع.الذي تتحرك في فضائه.حيث إن أشكال الخطاب المسرحي الأخرى مثل المونولوج والحديث الجانبي والتوجه إلى الجمهور وأناشيد الجوقة جميعها غير مطابقة للواقع لأنها مصطنعة ولا تقبل إلا ضمن الأعراف المسرحية المصطنعة لأن الحوار في المسرح يأخذ عدة أشكال منها تبادل المقاطع الكلامية والتناظر في القول والتواصل بين المتحاورين الذين لهم علاقة بالموضوع المطروح، والحوار يعتبر العنصر الأساسي الذي يميز المسرح عن بقية الأجناس الأدبية التي تقوم على فعل السرد. هذا لا ينفي وجود السرد كوظيفة إبلاغية ضمن القالب الحواري في المسرح أما في المسرح الشرقي فلم يعرف هذا التمييز بين الحوار والسرد لأن السرد ظل هو الأساس والحوار فيه يأتي ضمن السرد وهذا ما استندت عليه التجارب المسرحية الحديثة وتحديداً بريخت وغيره كثر، بدأ الحوار يتراجع ولم يعبر عن التواصل لذا لجأ رواد التجارب الحديثة في المسرح إلى أشكال جديدة تخلق تواصل بين المؤدي والتلقي.إذن شكل السرد في النص المسرحي حيزاً واسعاً منذ زمن بعيد وكان رفيقاً له منذ المسرحية الكلاسيكية ووصولاً إلى المسرحية الحديثة، فإذن المسرح في بداياته ارتكز ارتكازاً واضح على السرد حين بدأ الراوي يأخذ أدواراً رئيسية في النص المسرحي، إذ يقوم بسرد أحداث المسرحية على الجمهور والتعقيب عليها وشرحها. كما أن للسرد دوراً واضحاً في المسرح عندما يقدم مشهد قتل على خشبة المسرح فيكون السرد المخرج الأساسي في سرد الحادثة أو روايتها على المشاهد وجعلها قريبة من ذهن التلقي سواء داخل الخشبة أو خارجها(5).إن السرد داخل النص المسرحي بوصفه آلية حكي تنقل للتلقي مادة حكائية. فالمسرحية كغيرها من الأجناس الأدبية تمتلك قصة وراوياً لهذه القصة فالراوي إما أن يكون الكورس وإما أن ينوب مكانه السارد أو المؤرخ أو غيره.وهناك أنماط مسرحية قائمة في بناء حبكتها على عنصر السرد يقول بريخت: (لقد أصبح المسرح يروي وهكذا فلم يختفي القاص باختفاء الحائط الرابع(6).بناء عليه أننا في عالم لا يعترف بالثبات المطلق ويوجه إيمانه نحو التغيير والتداخل والتشابك مستمداً فرصة هذا التغيير للعمل على تفكيك الأنساق المطلقة والشاملة وإعادة إنتاج المعنى وفق رؤى جديدة تؤمن بالانفتاح. لذلك شهدت النظرية الأدبية الحديثة- انقلاباً كبيراً في المفاهيم والتوجهات وكان من الطبيعي في مثل هذا الجو أن تتعرض مقولة النوع الأدبي لهجوم عنيف من السلطة المفروضة على الكتاب والكتابة ووقع الهجوم على جهات متعددة فالأنواع من جهة لم يعد لها ثباتها القديم وأصبح كل نص جديد كأنه نوع في ذاته، ولم يعد من السهل أن تجتمع مجموعة من النصوص لنقول أنها تنتمي إلى نوع أدبي واحد، ومن جهة ثانية بدأ دور الأنواع الأدبية بوصفها مرشداً يستخدمه القارئ والناقد في عملية التفسير، في ظل هذه المتغيرات التي شهدتها النظرية الأدبية لا تبقى هناك ضرورة ملحة لتحديد النوع الأدبي الذي ينتمي إليه النص المسرحي. وإذا ما أخذنا التعريف الصارم للأنواع الأدبية الذي حدده فينتست بقوله: (هو مجموعة من الآليات ليست سوى صيغ فنية عامة لها مميزاتها وقوانينها الخاصة وهي تحتوي على فصول أو مجموعات ينتظم خلالها الإنتاج الفكري على ما فيها من إختلاف وتعقيد).نجد أن هذا الحد يفرض قيوداَ صارمة على عملية الإنتاج الأدبي وعملية التلقي والقراءة وكذلك تنغلق الحدود المرنة للأنواع الأدبية مما يشكل جموداً في العملية الإبداعية وعائقاً حقيقياً، إن النص الأدبي الحديث لا يعترف بالحدود الفاصلة بين الأنواع الأدبية لذلك ولدت إشكاليات في التسمية وفي تحديد النوع مما فرض ظهور إشكالية أخرى- وهي إشكالية القراءة المستبعدة عن التراث التقليدي لنظرية الأنواع الأدبية(7).إذن خصوصية الكتابة المسرحية تخضع لقواعد التأليف المسرحي التي تأخذ بعين الاعتبار تحول النص إلى عرض من هذه القواعد وجود الحوار والإرشادات الإخراجية وتطور الفعل الدرامي وتقسيم النص إلى مشاهد وفصول أو لوحات ويطلق على هذا النوع من التأليف ب(الكتابة الدرامية) التي تشترط العرض بكل ما هو مرئي ومسموع على الخشبة وهنا يدخل عنصر التمثيل كحد فاصل يميز الدراما عن سائر الأشكال الأدبية الأخرى، الذي يقوم بأداء الفعل الحركي وينفرد بعالمه الخاص من واقع إلى خطاب متخيل والفرق بين السرد والمسرح أن السرد عندما يقرأ يتم إدراكه لأنه حدث في الماضي، أما الدراما تخلق حاضراً وفي هذه الحالة يصبح الراوي بحضوره في المكان وسرده لحكايته هناك والآن يعيد تمثيل نفسه كشخصية. أما السارد في الرواية يشكل حلقة تواصل إتصالي بين السرد والتلقي وهذان لا يلتقيان في المسرح الدرامي لأن الكاتب لا يتكلم باسمه ويقتصر ظهوره على بعض الأشكال المسرحية وبشكل خاص في المسرح الملحمي أن السارد عنصر مصطنع لا يجب أن يقف بين ما هو خيالي وواقعي مانعاً الطرفين من الاتصال. أي أنه لا يتدخل في نص العمل باستثناء المقدمة أو الإرشادات والحالة الأكثر انتشاراً في المسرح هي حالة الشخص السارد الذي يحكي ما لم يتمكن عرضه مباشرة على المسرح. وأحياناً من الصعب رسم حد فاصل بين السرد والحدث الدرامي لأن ما يقوله السارد مرتبط بخشبة المسرح ويتحول إلى فعل درامي والسارد يتولى مسؤولية الفرجة ويقوم بتنظيم الحكاية ويقترح الحل ويزود الجمهور بمعلومات ويخبره بمختلف الأحداث والوقائع واستخدامه (السرد) في المسرح الدرامي أخذ حيزا كبيرا كضرورة درامية عملية وشكل حلاً لما تتطلبه القواعد المسرحية الصارمة على مستوى الكتابة من تكثيف زمن الحدث والالتزام بوحدة المكان لهذه الأسباب تم التعامل مع وجوده في النص المسرحي كعرف من الأعراف المسرحية.الخطاب السردي في تجربة عبد الله علي إبراهيم المسرحية:1 – مسرحية القصر إلى النصر:اشار الكاتب أن المسرحية كتبت في 1969 للمشاركة في الاحتفال بالذكري الرابعة لثورة أكتوبر 1964 , وقد جرى تمثيلها في مساء يوم 1969/10/28 وهو اليوم الذي صرع فيه رصاص الجند جماعة شهداء ثورة أكتوبر من المشاركين في المظاهرة التي توجهت نهار ذلك اليوم للقصر الجمهوري لأربعة أعوام خلت.استهلالية النص خطاب مباشر موجه من شخصة(1) يحث المواطنين على المشاركة في المظاهرة المتوجهة الى القصر ….أيها المواطنون أيها المواطنون بعد أن تنازلت الطغمة الدكتاتورية النوفمبرية عن الحكم تحت ضغط إصراركم الباسل….وهلمشخصية(2) : الى القصر حتى النصر.الكل: بالدم سنحمي الثورة الى القصر حتى النصر(8)الإستهلالية التمهيدية للنص أسست لمدخلين الأول تأسيسه لرؤية إحتجاجية ضد ما كان سائداً انذاك والثاني وضع النص في مواجهة سرية بين ما حدث آنفاً وما أفرزته الثورة من تغيير جزري على خارطة مفاهيم السلطة الدكتاتورية.وعليه جاء المشهد الأول آخذاً طابع الحكي القصصي أو السرد الدائر حول مضمون حادثة القصر واضعاً إشارات الراوي وحوارته السردية عن إضراب الصحف السودانية وإضراب قوة البوليس، رغم ما حمله المشهد من بنيات سردية لكنه جسد حالات عامة من مواقف وإضراب عام مرتبط بمؤسسات الدولة.أشبه بمواقف الفعل الدرامي الذى إتخذه بروميثيوس من الألهة .المشهد الثاني:ـالتوظيف السنمائي الذي وضح برؤية سردية ما حدث من تفاصيل الثورة عبر تقنية الفلاش باك في محتوى النص وهو صورة سردية ذات دلالات ومحمولات لايمكن عرضها إلا بمثل هذه التقنية وعليه كشف النص بعمق دلالة السرد بهذه الطريقة ، وهذا أسلوب لجأت إليه الكثير من التجارب المسرحية التي عرضت حدث في الماضي وأعادته بهذا الأسلوب التقني.المشهد الثالث:ـأشار فيه الكاتب الي ذكر أسماء شهداء أكتوبر اعتماداً علي ذاكرته وتعميقاً لفكرة السرد الماثلة في النص.إذن نص مسرحية من القصر حتي النصر استند على موضوع له أثر مشهود في تاريخ السودان الحديث بالتالي لم يكن النص موفق في عرض الثورة ومعالجتها وفق رؤية درامية إبداعية ، وإنما إعتمد فيها الكاتب علي مخزونه المعرفي وذاكرته الحاضرة مما جعل النص واقعا تحت سلطة بنيات سردية وضعت حاجز بين الإحالات المرجعية وكيفية معالجتها درامياً .2 ـ مسرحية تصريح لمزارع من جودة:ـكتبت هذه القطعة الحوارية للاحتفال بالذكرى الرابعة عشر لحادثة عنبر جودة الزراعي بالنيل الأبيض 1956م (9).بنية التأليف في هذا النص قائمة علي حوار متداخل مع بنية سردية حوارية مما شكل حضورا في النص كهيكل منتظم صاحب الكتابة بشقيها السردي والحواري وهذا مما استدعى عنصر السرد وتوظيفه بإشارات واضحة تدخل القارئ في صميم قلب الحادثة وتوظيفها مسرحياً أما استدعاء الخطاب السردي أفقد النص القيمة الدرامية التي تقوم علي بناء درامي محكم وغيابه جعل النص أقرب لفن القصة من المسرح، وإذا أخذنا بإشارة الناقد السر السيد بقوله :(أن النص يعتبر نص توثيقي أو تسجيلي لحادثة محددة)(10)هذه تعتبر إشارة فيها ملابسات قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة ، صحيحة في حالة تكون إستدعاء الحادثة التوثيقية أو التسجيلية داخل النص كرؤية تشكل بناء يصطحب خيال مؤلف قادر علي ربط الأحداث وصياغة الأفكار وفقاً للمنطق الدرامي المحدود، أما نص تصريح لمزارع من جودة استبدل القاعدة الدرامية بعنصر سردي جعله متأرجحا بين الحدوتة و التوثيق التسجيلي العاجز عن فكرة المعالجة برؤية درامية.3 – مسرحية حار جاف مترامي الأطراف :ـأخذت طابع السرد والحوار التساؤلي حول كيفية التغيير لسودان بدأت تتشكل مفاهيمه الحديثة للثورة من خلال جيل حديث لهم تصوراتهم وقضاياهم الخاصة لإحداث تغيير على مستوى البنيات الاجتماعية والسياسية إذن مسرحية حار جاف مترامي الأطراف كنص استند على قصة قصيرة كما يشير المؤلف- شكلت خطاب سردي يمثل نقطة خلافا جوهرية للنصين السابقين( عنبر جودة- النصر حتى القصر) هما أخذا طابع القالب الثوري المباشر لأحداث حصلت في تاريخ السودان الحديث هما أكتوبر وحادثة عنبر جودة الزراعي أما حار جاف اوغلت في طرح جوهر التغيير برؤية سردية لذا فشل الخطاب الدرامي في النصوص الثلاثة باستناده المباشر على بنية سردية أنتجت خطابا سرديا بديلا للبناء القواعدي الدرامي المتبع في كتابة النص المسرحي.ويشير أيضاً هنا الناقد السر السيد في كتابه أفق التساؤل( فمسرحيتي القصر والنصر وتصريح لمزارع من جودة تجلت فيهما وإتحدت روح الباحث المعروف بها د. عبد الله علي إبراهيم مع روح المسرحي فقد جمع المؤلف المادة التي تتعلق بالحادثتين من الصحف خاصة جريدة الصراحة أو من الإذاعة عن طريق النعي أو التبرعات أو تصريحات وزارة الداخلية. وكذلك أسماء الضحايا فقد كانت أسماء الشخصيات حقيقية والحادثة كما هي… إذن تجلت النزعة التسجيلية في جمع المادة ثم تجلت كذلك في طريقة الكتابة)(11).والنزعة التسجيلية أو الوثائقية الذي أشار إليها الناقد السر السيد هي ليست عرض لوقائع إنما هي معالجة ابداعية لحقائق الواقع لأن المسرح التسجيلي يناقش قضايا سياسية واجتماعية ترتبط بحقبة ما أو فترة زمنية ما وفق معالجات درامية صحيحة.بدلاً عن التسجيل الذي ينقل الحادثة كما هي.4 – مسرحية الجرح والغرنوق:الجرح والغرنوق لا تختلف كثيراً عن النصوص السابقة في حضور مفهوم السرد لكن السرد في الجرح والغرنوق أخذ طابعا متعدد الإشارات داخل النص ويمكن أن يقال أن الجرح والغرنوق تأثرت في شكلها البنائي بطابع الفعل الروائي أو الفقرة الرواية التي تجيء بعناوين مختلفة قد تكون ذات موضوع واحد أو مواضيع عدة يجمع بينها موضوع خفي في طرحه. فالجرح والغرنوق تندرج تحت هذا السياق اعتمدت إعتماد مباشرا على فكرة المسمى المشهدي أو العنوان داخل بنية النص. إبتدءاً من المقدمة (استئناس الكارثة، وكورس النساء وإشاراته للعلاقة بين الرجل والمرأة وفقدان الأول للثاني.العنوان الأول: قطيع الصبابة.مشهد لمرأتين طاعنتين في السن تتحاوران بشكل حكائي حول ماض مفقود يمثل العلاقة الحميمة بين المرأة والرجل وتسمية المشهد بقطيع الصبابة يدل على فقدان هذا العالم وحضور السرد فيه بمثابة تقريب للمسافات بين الماضي الذي عاشتا فيه والحاضر الذي خلفه الرجال بكل ذكرياته وأشواقه. كما يتمثل في الحوار الأتي:ـمرأة 1 سيعود الرجال لا شك والأحاجي خير من غيرها وأخيرها غير معيب.مرأة2 نأكل من لالوبنا حتى ينضج بلحنا.العنوان الثاني: (goat) الماعزيجسد فكرة نزاع حول ملكية بين العافية ونفسية وهن متقاربتان في السن هذا العنوان أقرب إلى روح العنوان السابق هنا دار الحوار حول التفاصيل الدقيقة بين الرجل والمرأة من خلال مشاجراتهن هنا حدث إنقلاب على مستوى السرد من ملكية تدعى كل واحدة منهن أن الماعز ملكها إلى أسلوب فضح كل واحدة منهن وما فعلته من ممارسات جنسية مع رجل.نفيسة:- ما هذه إلا هواجس المرأة البائرة.العافية:- بائرة أنا يا قاتلة الرجال. كم مرة امتلأ فضاء حوشك بنعلين المعذبين وكم مرة انكفأ عنقريب الجنازة على حائط بيتك لا مرة ولا مرتين…الخ.هذا المشهد جسد حالة كسر الحواجز الممكن تكون مستورة بين شخص وآخر وهذا البوح المستور ناتج من فعل السرد نفسه لأن السرد يستحضر حدث مرئي وغير مرئي في الماضي ويعيد صياغته.في الحاضر بمعني أقرب لذهن التلقي.العنوان الثالث: الشاهديشير إلى علاقة سالم حامدوك بالبلد وملكيته للنخيل والطين والبيوت وترد إشارات حول مفهوم الحر والعبد على لسان زهرة.سالم: آخر المسألة جعلتينا عبيداً يا أنثى ما بقي لك في الدنيا بقية ويسألك الله.جاء هذا العنوان مستنداً علي شخصية (زهرة) كمرأة طاعنة في السن بمثابة حبوبة لها ذاكرة في حفظ الانتساب لكل عائلة وجذورها.زهرة: جاء الفكي السوسي الكبير إلى جدك كان الفكي أعجمياً أفسد كتاب الله برطانته وكان عارفاً بالأعشاب والعروق ومضرة الخلق وأراد جدك أن يكافئه على نجابته وخدمته له فليس من غير جدكم تأصلت شروركم…الخ.وفي ختام العنوان أو المشهد وضح خطاب السرد أصل حامدوك وملكيته كغريب للأرض العنوان الرابع: الشوق إلى المرافئصور هجرة الرجال ودورهم في تحريك الساكن من الحياة العامة إستناداً على هذا الحوار.فضيل: النخيل الحياة يدعونا يشتل الرجل النخلة فتعمر حتى جنى الجني النخيل كالأيام أطول في العمر.العنوان الخامس: (الماعز- ديوان سالم حامدوك)استخدم فيه مجلس حامدوك كمؤسسة اجتماعية تساهم في حل النزاع بين الأطراف.العافية: (تقتحم المكان زاعفة): خرابي سوادي في رجاك يا سالم أستحلفك بمن براك وسواك أمنع عني تهجمات هذه المرأة ليست امرأة ولكنها شيطان قاتل.نفيسة: (تقتحم الديوان وتجر الماعز خلفها، خرابي سوادي، واقعة لك في طريقك سألتك بالذي خلقك أمنع عني تهجمات هذه المرأة (صمت) ليست امرأة ولكنها شيطان بوار…الخ).اختتم المشهد بحوار سردي يعكس ماضي ساهم فيه مجلس حامدوك لحل مشاكل الطرفين.سالم حامدوك: يا ملائكة الرحمن كانت المشاكل واقعة بين ناس واقعين وحول بقر وضأن وماعز ومن لحم ودم وروث. وكان مراح حامدوك يقدم حلولاً واقعية فيها عرف وتسويات…الخ.العنوان السادس (الجرح والغرنوق)مبني حول مفهوم الرق وعتقه عبر حوار سردي له خلفياته في التاريخ السياسي للسودان في فترات محددة الحكم الانجليزي والمهدية متمثل في السرد الحواري الأتي:-سالم حامدوك: يا ملائكة الرحمن مضى زمن منذ أن بعثت الحكومة لنا بورقة الحرية التي عتقت بمقتضاها كل الرقيق…الخ.وإشارته للدعوة نحو جهاد الحكومة الكافرة وتطعيم الناس من الجدري وإنشاء مرسى للبواخر على النيل وقتال الترك وفكرة المجلس هنا أو الديوان فكرة عادةً يتم فيها تبادل الحديث في السياسة والمجتمع.والتفاصيل الخاصة بحياة الناس..الخبواسطة حكي يأخذ مساحات شاسعة من فعل السرد الماضوي وبدوره يشكل حد فاصل بين زمنين حاضر وماضي وهذا ما تم تجسيده في مجلس حامدوك.العنوان السابع: درب القريةأخذ السرد فكرة تداعي حر لإستعادة ذكريات موت أزواجهن.نفيسة:- كانوا أزواجي قتلهم آجلهم…الخ.العافية:- ما دنوا من بابي انتظرتهم طويلاً بلا جدوى…الخ.العنوان الثامن: ديوان حامدوك السوط والعواءهنا السرد أخذ طابعين في مفهوم الحكي الأول: الحوار السردي داخل مجلس حامدوك.الثاني: توظيف فكرة العقاب بالسوط كفعل له دور في النسيج الاجتماعي وبالذات في مجتمع الريف وظف المشهد فكرة السوط كفعل دال على العقاب يتم حدوثه في الماضي وحضوره في النص وفقاً لمكانة حامدوك وإختياره كسلطة تساهم في حل معضلات المجتمع حتى ولو كانت طريقة الحسم بصورة أعنف من المشكلة.في خاتمة النص كورس نساء القرية إشارة إلى إنشاء المدنية الحديثة التي بدأت تتشكل وتكتمل حضارتها في العمران وتحسين أوضاع المجتمع على المستوى الاقتصادي والترفيهي مما يجعل موازين الإنسان البدوي أكثر تحضراً لذا تضاعفت هجرة الرجال من الريف إلى المدينة بالتالي أصبحت المدينة لدى المرأة بمثابة ضرة أفقدتها وجود سلطة الزوج بناء على الاستشهاد الأتي:- المدينة ضرتنا الماجنة الجديدة.. ينذل الرجال عند محطات السكة الحديدية فتنمو المدن كالراقصات يتشبعن من وسطهن كالحضر تنشأ في جوفها لو لم تبق غير الجراح فلتكن الجراح الأوسمة لو لم تبق غير الدموع فلتكن الأنهار لا البرك مهيضة الجناح لو لم تبق غير السوط فليبدأ الإذلال العام تشب الهواجس على جذوعنا المترملة.5 – مسرحية السكة حديد قربت المسافات كثيراًنص مسرحي إستوعب في هيكله طريقة البناء الدرامي على مستوى التقسيم الفصلي بمشاهده وإشاراته مع توظيف عنصر السرد وهي المسرحية التي جاءت كخاتمة لسفرنا حول خطاب السرد في تجربة عبد الله علي إبراهيم, ونركز هنا على إشارات محددة في النص باعتبارها تجاوزت الطرح المسرحي المعروف وقفزت على بنيات مضامينيه واضعة طرح نقدي وظف فيه الكاتب مفردات لها مدلولات في المجتمع السوداني مثل مفردة حر، خادم، عبد، حلي وهي ذات صلة بمفهوم العرق والقبلية الناتجة من مخلفات المستعمر ودوره في تفكيك النسيج الاجتماعي لذا نص السكة حديد إختطف الوجه السيئ لثقافة المستعمر وأعاد صياغته برؤية سردية تحيل القارئ وتجعله يتأمل في مصدر الأزمة الطاعنة في خاصرة النسيج القومي والإشارة الأخرى.حول حضور المدينة الحديثة مثلما كانت حاضرة في نص الجرح والغرنوق حيث أن المدينة شكلت حاجز حرمان بين المرأة والرجل من خلال التواصل الحميمي لذلك شبهت المدينة بالضرة لأن عندما افتتحت أبواب الهجرة بدأت حركة المدن تتضاعف وتستوعب كميات هائلة من الريف مما خلق عدم تواصل بين الجنسين وحضور المدينة في السكة حديد شبه بالناقة الكاتل وهو مفهوم يطلق على الحيوان الذي يقتل زريته ويسمى بالحيوان الشؤم لأنه ليست لديه رحمة للجناه عندما يشبه نور الديم المدينة بهذا المعنى خوفاً من أبناءه وإحتكاكهم بثقافة المدينة وأثرها علي سلوكهم و الفرق بينهما (الريف والمدينة) شاسع وكبير لذا كان متوجس لأبناءه أن لا يضيعوا في زخم الحياة العصري. هاتان الإشارتان تم فيهما توظيف السرد بفكرة دالة على مضامين لها حضور متميز في المخيلة الأولى تكمن في الأزمة التي صارت بمثابة صرخة داوية للإشكالات القبلية الماثلة اليوم وبمعنى آخر قدمت قراءة حقيقية لفصل النسيج إلى قسمان والإشارة الثانية توظيف فكرة الهجرة من الريف إلى المدن وسلبياته على الثقافة المحلية لذا صار السرد في مسرحية السكة حديد مقدماً طرح نشاهد أحداثه اليوم كمعادل أساسي للطرح العرقي والتخوف من ثقافة المدينة.الإحالات المرجعية:ـ1- ماري اليأس وحنان قصاب- المعجم المسرحي: بيروت مكتبة لبنان، 1996- ص248.2- فاضل الأسود- السرد السينمائي: القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996- ص29.3- محمود عبد العزيز- البناء الدرامي: القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998- ص6.4- مارتن. راسلن- مجال الدراما ترجمة/ السباعي السيد: القاهرة- ص35- 49.5- برتولدت. بريخت- نظرية المسرح الملحمي ترجمة/ جميل مصيف التكريني: عالم المعرفة (دون تاريخ وترقيم).6- هوراس- فن الشعر ترجمة/ لويس عوض: المكتبة العامة المسرحية،: القاهرة، 1947(دون ترقيم).7- م.ك. فنست- نظرية الأنواع الأدبية- حسن عون: الاسكندرية، دار المعارف.8- عبد الله علي إبراهيم- مسرحية القصر والنصر: منشورات المسرح السوداني، 1991- ص 7- 19.9- عبد الله علي إبراهيم- مسرحية تصريح المزارع من جودة: منشورات المسرح السوداني، 1991- ص35-46.10- السر السيد- أفق التساؤل- المسرح السوداني مسرحيون وقضايا: الخرطوم، هيئة الخرطوم للصحافة والنشر، 2011- ص42.11- السر السيد- نفسه- ص 42.12- عبد الله علي إبراهيم- الجرح والغرنوق: السكة حديد قربت المسافات وكثيراً: الخرطوم، منشورات معهد الموسيقى والمسرح، 1981- ص 5-32.
أبو طالب محمد عبد المنطلب*