تفرد مجلة ( نزوى) ملفّا خاصًا عن الشاعر أبي بكر أحمد بن سعيد الخروصي الستاليّ، الذي يمثل علامة فارقة في التراث الشّعري العُماني، بما تركه من إرث شعريّ زاخر بالجمال والفرادة والتجاوز. قرابة عشرة قرون مضت على حياة الستالي وما زالت قصائده حليفة المجالس والدواوين وقاعات الدرس؛ بحثا ومراجعة وقراءة.
يمتح الستاليّ من ماء الشعر ومعينه الذي لا ينضب؛ فتسري في نسغ قصائده الأخيلةُ والصورُ البديعة والمجاز الخلّاق. نموذجٌ بارزٌ لحداثة الأسلاف التي تراهن على القيمة الفنيّة والإبداعية التي تخترق الأزمنة والأمكنة، لتضمن الحضور الباذخ في خارطة الشعر العربيّ، وإن تقادم الزمان.
وإلى جانب القيمة الجمالية واللغوية؛ يكتسب هذا الأثر الشعريّ قيمة تاريخية بالغة في سياق الدراسات العُمانية؛ لكونه يمثل وثيقة مهمّة دالّة على حقبة العهد النبهانيّ، في ظل غياب غامضٍ لهذا العهد الطويل من مدوّنات التاريخ العماني، إذ ترسم القصائد جوانب عديدة من ملامح ذلك العصر الضاجّ بأشكال الحياة المتباينة.
طرق الستالي أغراض الشعر المختلفة، إلا أنّ المديح بمقدماته الغزلية هو الغالب على شعره، فقد دبج مطولات القصائد في مديح النباهنة، حتى عرف بشاعر النباهنة. وتحيل نصوص قصائده إلى شخصية عالِمة بالأدب والإيقاع وأساليب البلاغة والبيان، وهو ما ينمّ عن تجذّر عميق في اللغة والشّعر، شأنه شأن نظرائه من شعراء العربية. ولذلك لا غرابة أن نجد أبياتًا من قصائده شواهدَ يستشهد بها الفقهاء والعلماء العمانيون في مصنفاتهم وموسوعاتهم، توضيحًا لغوامض اللغة وأسرارها الدفينة، كمثل ما نجد في كتاب الحل والإصابة لابن وصاف النزوي في شرحه اللغوي لدعائم ابن النضر.
تكتنف حياة الشاعر الستالي ضروب من الآراء المختلفة، بمثل ما التبست به أحوال تلك المرحلة؛ إذ لا تسعفنا المصادر وكتب التراجم بما يحيل إلى ظروف نشأته وأحوال حياته، فلا نجد مستندا وثيقا يدلل على تاريخ ولادته ووفاته؛ ففي حين يؤرخ محقق ديوانه حياته في الفترة الممتدة من (584 – 676)؛ نجد في ثنايا ديوانه قصائد تعود إلى زمن سابق، لا سيما قصيدة رثائه للسلطان أبي محمد بن نبهان بن عمر في عام 474 هـ، ما يعني تضاربا والتباسا في المعطيات التاريخية.
ولد أحمد بن سعيد الخروصي في بلدة “ستال” من أعمال وادي بني خروص بحسب الرأي الشهير، وانتقل إلى بلدة “سمد” في نزوى، عاصمة عُمان التاريخية، ومقرّ أمراء الدولة النبهانيّة آنذاك، فعاش في كنفهم ونسج في مديحهم درر القصائد، وخلد ذكرهم ومآثرهم ببليغ البيان.
يشارك في هذا الملف باحثون وأكاديميون تناولوا هذا الأثر الشعري من جوانب متباينة، فقد رَصد الدكتور محسن بن حمود الكندي ” حضور السّتالي شاعرًا في أدبيات الثقافة العُمانية والعربية” وناقشت الدكتورة سعيد بنت خاطر الفارسية “الصورة الفنية لدى السَّتالي ودورها في رسم ملامح العصر”، وحلّل إبراهيم سعيد بعض نصوصه وقصائده تحت عنوان “الأعراس الستالية”.
