حيث مشيت
يتعقبني ، أو يمشي قدامي ، قد ظلام
يأخذني من كتفي
يدخلني في نفق أعتم من ليل العابس
ينهزني فترن عظامي في من الخوف
فاعوي…
حتى يرتج سريري من تحتي ،
ويهب النور على عيني فاحسبني حيا
وأقوم الى شأني…
أسعي في دنياي كما يسعى الأحياء:
أهيىء ثيراني،
أشحذ سكة محراثي،
أفلح ارضي ،
أترقب أن يكرمني الله فتسقط أمطاري..
ثم أعود الى بيتي كالرجل الفاضل
أنتظر غياب الشمس لكي أشعل ناري
وأعد طعاما لي .. ولأهلي .
حيث مشيت ..
لي قبر وظلام .
حيث مشيت ..
لي حارس موت لا يغفل .
حيث مشيت ..
لي أم تبكي ،
وأب يندب فوق سريري فى الليل
(وأنا لست بميت)
فيفيض سوادي فوقي، وتخور من اليأس
فأقوم الى نفسي
أشغلها بكلام ما، أو أخدعها بغناء مر،
وألطف حماها بالطيب لكي تبرأ من وحشتها…
ثم أشد حزام رصاصي حولي
وأطل على الدنيا من فوق السور
فأصرخ :
يامن خلف السور .. ..
فيرد علي صداي
وتسيل الوحشة من أطراف قميصي كالينبوع الاسود
صماء .. وقاتمة ؟
فألملم أعتدة جنوني:
بوق صياحي،
وفمي ،
وحزام رصاصي،
وحشة عقلي .. وذكاء الروح العمياء،
كتاب صلاتي .. ودخان خطاياي …..
وأرجع من حيث أتيت .
بيتي في موضعه
وسمائي فوقي
والأرض هي الأرض !..
وحولي شجر، ومياه ، وقطوف دانية ،
وخواف وثعالب شقر، وطيور،
وزواحف ساهمة الأعين ،
وأنا ……؟
.. وأنا تعباا ان كقلب الأم ،
ضعيف كالنسعة ،
غض ورقيق كجناح العصفور ….
فأفتح بابي
وأطل على جبل سواد مصنوع من ذهب ، وحرير وتوافه ، ونعال ، وغبار حروب ، وجلود دمى
ميتة ، وأساور أهل ، هلكوا في الغزوات ، وأوسمة ، وقواميس عذاب ، وأنين ثواكل ومحبين
،وأصناف نقود باطلة ،وغرائب مما لا يخطر حتى في أذهان الموتى من سقط الأشياء ….
ثم – كأني نبهت –
أحول عيني الى حيث تموء القطة في الركن
فلا أجد سواي
ملفوفا بغباري
ومسجى
في
صدر
البيت
*
حيث مشيت ..
يرتعد فؤادي هلعا من شي ء ما :
من ماض ،
من لقحة ذكرى،
من ندم أو نسيان ،
من عاصفة جنون أو حب …
فأحدق في عيني نفسي كاللص
وأشهق من فرط الخوف كأن شهابا أفلت من بين يدي
فأميل على
أتفقد أعضائي باللمس كأني أندب أطلالا،
أخذني من كفي اليمنى.. وأطيل النظر الي
كأني …
شخص يشبهني
هو ذا،الآن ، أمامي، شخص يشبهني
يضرب في الأرض وحيدا،
عريان ،
كفيفا،
يتفقد كفيه بكفيه ..
ويسأل
عن شخص يشبهني .
شخص يشبهني
حياني إذ أبصرني عن بعد.. وأشار الي :
تقدم . قلت : فهل تعرفني يا ابن أخي؟
قال ,تقدم .
فتقدمت ..
وقال : أنا أنت .
فأرعبني.
قلت : بلى ، أنت أنا.
قال : إذن فاتبعني .
ثم مشى … فمشيت .
شخص يشبهني.. قال : اتبعني. فمشيت
وجعلت أعد خطاه لكي أنسى خوفي
فالتفت الي على عجل
وتفرس في كأن صياحا يخرج مني ..
قلت : فهل تسمع شيئا ؟
قال : أنينك .
قلت : فماذا تبصر؟
قال : شقاءك في الأرض ، وخوفك من نسياني
ثم توقف قدامي… وتنهد.
قلت : لعلك تشكو من ألم .
قال : أنا لا أشكو … بل أنت .
قلت : لعلك ترغب أن أحمل عنك إذن بعضا مما تحمل
قال : أحملني .
قلت : ولكني …….
قال : أحملني.
قلت : ضعيف ..
(وأشرت الى رأسي كي يعرف أني مصدوع
كالعادة)..
قال : احملني بالله عليك …
فهممت به أحمله ،
فتبخر من بين يدي كخيط دخان أبيض ..
فشممت روائح نفسي فيه …
صحت به : يا هذا،
يا أنت ،
أنا ،
يا ابن أبي،
يا صاحب قلبي وثيابي وفمي.. يا أنت ،
توقف حبا بالله .. لكي أبصرني أكثر فيك
توقف يا صاحب نفسي
كي أعرف أني لست بميت
شخص يشبهني ..
حياني ومضى!
يشبهني ،
وله عيناي، وكفاي،وصوتي، وفمي، وإمارات
جنوني..
حياني ومضى..
فمضيت
أتعثر بغبار الأرض كأني شخص أسرف في الموت خلفني في الأرض وحيدا، أعزل ، مكسور
القلب
كأني أغمد أخر مسمار في نعش صبي ميت .
شخص يشبهني
حياتي ومضى
فمضيت
ثم دخلت الى ظلمة نفسي
فضممت يدي على رأسي
بكيت
نزيه أبو عفش ( شاعر سوري)