ترجمة: محمَّد حِلمي الرِّيشة
شاعر ومترجم فلسطينيّ
ولد “خايمي مانريكي” في “بارانكويلا” بكولومبيا في العام (1949). بدأ كتابة الشعر في عمر المراهقة، وفي عمر السابعة عشرة انتقل إلى فلوريدا مع والدته وأخته، وحصل على درجة بكالوريوس من جامعة جنوب فلوريدا في العام (1972). حصل على جائزة الشعر الوطنية الكولومبية عن مجموعته الشعرية الأولى “عبدة القمر” في العام (1975). وهو مؤلف عديد من الكتب الشعرية، بما في ذلك “كتاب الموتى: قصائد مختارة 1973-2015″ (2016)، و”طرزان، جسدي، كريستوفر كولومبوس” (2001)، و”ليلتي مع فيديريكو غارسيا لوركا” (1997).
يكتب الشاعر “ألفريد كورن”: “في شعر خايمي مانريكي، نغمة طاغية من الفكاهة، دائمة ورقيقة مثل رائحة الزعفران في هواء مطبخ في بارانكويلا”. يقول مانريكي، الذي يكتب الشعر بالإسبانية والنثر بالإنجليزية: “ككاتب، أحاول أن أعكس الثقافتين اللتين شكّلاني. ما أريد القيام به هو اكتشاف البلدين، من منظور شخص لاتيني يعيش في مدينة نيويورك”. نشر “مانريكي” أيضًا العديد من الروايات، بما فيها “حيواتنا هي الأنهار” (2007)، الحائزة على جائزة الكتاب اللاتيني الدولية للعام (2007) في الخيال التاريخي، إضافة إلى مجموعة المقالات البارزة “شخصيات ماريكونية بارزة: إريناس، لوركا، بويغ، وأنا” (2002). ترجم مع “جوان لاركن”، “قصائد حب” لـ”سور جوانا”، إلى الإنجليزية (2003). حصل “مانريك” على زمالات من مؤسسة الفنون الأدائية المعاصرة، ومؤسسة غوغنهايم، ومؤسسة نيويورك للفنون. يدرِّس حاليًّا في كلية مدينة نيويورك، ويعيش في مدينة نيويورك.
السَّماءُ فوقَ بيتِ أُمِّي
إِنَّها ليلةُ يوليو
المعطَّرةِ بعبقِ الغاردينيا.
تأَلُّقُ القمرِ والنُّجومُ
يُخفي جوهرَ اللَّيلِ.
حينَ حلَّ الظَّلامُ
– بظلالهِ العميقةِ منَ العقيقِ اليمانيِّ
وتأَلُّقِ النُّجومِ الذَّهبيِّ-
رتَّبتْ أُمِّي الحديقةَ، وبيتَها، والمطبخَ.
الآنَ، وهيَ نائمةٌ،
أَمشي فِي حديقتِها
مستغرقًا فِي عزلةِ اللَّحظةِ.
لقدْ نسيتُ أَسماءَ
العديدِ منَ الأَشجارِ والزُّهورِ
واعتدتُ علَى أَنْ يكونَ المزيدُ منْ أَشجارِ الصَّنوبرِ
حيثُ تزهرُ أَشجارُ البرتقالِ الآنَ.
اللَّيلةَ أُفكِّرُ فِي كلِّ السَّماواتِ
تأَمَّلتُ وأَحببتُ مرَّةً واحدةً.
اللَّيلةَ الظِّلالُ حولَ البيتِ لطيفةٌ.
السَّماءُ عبارةٌ عنْ آلةِ تصويرٍ معتمةٍ
تعرضُ صورًا غيرَ واضحةٍ.
فِي بيتِ أُمِّي
تخترقُني النُّجومُ المتلألئةُ بالحنينِ إِلى الماضِي،
وكلُّ خيطٍ فِي الشَّبكةِ يحيطُ بِهذا العالمِ
جرحٌ لَا يندملُ.
الصُّور
قضيتُ كلَّ فترةِ الظَّهيرةِ وأَنا أَنظرُ فِي الصُّورِ.
لقدْ تكدَّسَ لديَّ الكثيرُ [منها] فِي حيَاتي
لكنْ توجدُ اثنتانِ تُثيرانِ اهتمامِي علَى وجهِ الخصوصِ.
كِلتاهُما بلونٍ بنيٍّ داكنٍ الآنَ، لَا أَعرفُ أَينَ
تمَّ التقاطُهما، وأَنا لستُ فِي أَيٍّ مِنهما.
الأُولى تركيبةٌ كلاسيكيَّةٌ
مِن تسعةِ أَشخاصٍ.
عائلةُ أُمِّي.
أَجدادي، عمَّانِ، وامرأَةٌ لَا أَعرفُها أَو نسيتُها.
تجلسُ النِّساءُ علَى الأَرضِ، يقفُ الرِّجالُ وراءَهمْ
مَا عدَا عمَّتي “أورا”، الَّتي تمسكُ
جدَّي بيدٍ واحدةٍ وتربِّتُ
علَى كتفِ عمِّي باليدِ الأُخرى.
حتَّى فِي صورتِها هذهِ حينَ كانتْ صغيرةً – بشرتُها مثلَ الكراميل،
وعينانِ سوداوانِ، وشعرٌ أَسودُ، حتَّى أَنَّهُ أَكثرُ جمالًا مِن بنِّيٍّ داكنٍ،
وتَلبسُ لباسَ سباحةٍ مِن قطعتَيْنِ:
مثلَ البكِّيني فِي الأَربعيناتِ –
يمكنُ للمرءَ أَنْ يخمِّنَ جُرأَتَها.
كلُّهمْ يرتدونَ ملابسَ السِّباحةِ
ومعظمهمْ يحاولونَ أَفضلَ ابتساماتِهمْ.
لَا أَعرفُ مَنِ التقطَ هذهِ الصُّورةَ،
أَنا أَدرسُ وجوهَهمْ، وأُحاولُ أَنْ أَفهمَ
بِماذا كانُوا يفكِّرونَ، ومَا كانُوا يأْملونَ مِن حياتِهمْ.
جدَّتي، علَى الرَّغمِ مِن أَطفالِها الإِثني عشرَ،
(أَو ربَّما بسبَبِهمْ)، تبتسمُ
منَ اليمينِ إِلى اليسارِ، مثلَ زهرةِ عبَّادِ الشَّمسِ العملاقةِ.
يَبدو أَنَّ جدِّي يتأَمَّلُ اللَّامُتناهي، وسيمٌ
مثلَ ثورٍ رماديِّ؛ وخالَتي “إِميليا” بضفائرِها
تَبدو أَنَّها تشعرُ بحزنِ الحياةِ.
أَنا متأَكِّدٌ مِن أَنَّني لمْ أُولدْ بعدُ.
لكنْ حتَّى لوْ كنتُ بالغًا بالفعلِ،
هلْ كانَ بإِمكاني مساعدَتهمْ بِما أَعرفُهُ الآنَ
عنْ حياتِهمْ؟ هلْ كانَ بإِمكاني توقُّعَ نجاحاتِهمْ،
وإِخفاقاتِهمْ – هلْ كانَ بإِمكاني أَنْ أَتنبَّأَ بموتِهمْ؟
أَجسامهُم النَّحيلةُ والصِّحِّيَّةُ.
الرِّجالُ بمظهرِ المبارزينَ –
أَشعرُ بالحنينِ حينَ أَنظرُ إِلى هذهِ الصُّورةِ.
الكثيرُ منَ الطَّاقةِ فِي موقفِهمْ!
متَى توقَّفوا عنْ الملاكمةِ مَع الحياةِ؟
فِي أَيَّةِ جولةٍ اعتَرفوا بالهزيمةِ؟
متَى جعلَهمْ صوتُ الجرسِ يشعرونَ بِما لَا يتغيَّرُ؟
لَا توجدُ طريقةٌ لإِخراجِهمْ منَ اللَّقطةِ،
لمعرفةِ ما كانوا يفكِّرونَ فيهِ بعدَ ذلكَ.
هذَا ماضيَّ، هذهِ جذوري،
لكنْ حينَ أَنظرُ إِليها مرَّةً أُخرى فِي ظهيرةٍ ماطرةٍ،
لماذَا لَا يمكنُني ترتيبَ كلِّ شيءٍ فِي مشهدٍ متماسِكٍ؟
مرثيَّةُ البجعةِ
مسترخيًا علَى كرسيِّ الشَّاطئِ
تأَثَّرتُ بوداعةِ المحيطِ،
المسافاتُ الَّتي قطعَها
تتكشَّفُ فِي حلقاتٍ مزبدةٍ عندَ قَدمي.
عندَ ارتفاعِ المدِّ، تتشكَّلُ الثَّعابينُ قزحيَّةُ الأَلوانِ متموِّجةً
تحتَ جلدِ الزَّبرجدِ.
السَّماءُ قوسٌ قِرمزيٌّ مضيءٌ؛
غروبُ الشَّمسِ فِي الرَّبيعِ، رسمٌ مثاليٌّ.
فِي وهجِ غروبِ الشَّمسِ الدَّافئِ،
الصُّورةُ صافيةٌ، لطيفةٌ، مجرَّدةٌ مِن كلِّ تسرُّعٍ –
هدوءُ هذَا الصَّمتِ النَّاعمِ
يجعلُني أُغمضُ عينيَّ،
والبجعةُ البيضاءُ العجوزُ
رأَيْتُها البارحةَ فِي ظهورِ الشَّفقِ.
أَراها ترفعُ رقبتَها نحوَ السَّماءِ
تفتحُ منقارَها لفترةٍ وجيزةٍ
نحوَ ثقبِ قلبِي
بأُغنيتِها الكئيبةِ.
فِي تجمُّعِ الظَّلامِ
أَسمعُ الرَّفرفةَ اليائسةَ لريشِها المنتفشِ
بينَما تبحرُ نحوَ الكفنِ الأرجوانيِّ لمصيرِها.