هنا:
في مكان ما على الأرض :
طائر مدهش
يولد ويموت
منذ زمن بعيد …
لم يستسلم لمصيره بعد
ولم يفن أو يخلد بعد
وها هو يحلق ويسقط . . .!
لتظل بركة دمائه
تضيء بأحلام جناحيه …
ومع هبوب العواصف
واشتداد الصقيع
تهاجمه كائنات الفناء والكواسر
وكل انبجاس
حين يحط الرعب
وتنتشر الظلمة
تتيقظ خلاياه
فثمة أجنة وبذور
ما زالت تشتعل في العروق …
***
هناك :
في مكان ما من التاريخ:
طائر يبدع وصوله جيدا
ولكنه دائما يعود الى عشه
مزدهرا بجرحه
وها هو يفرد جناحيه
حالما بالآفاق كلها…
الرياح الممطرة:
موجان جانحه الأيسر على الغرب …
والرياح المزهرة:
خفقان جانحه الأيمن على الشرق …
وليست الشمس إلا عينيه
وليست الشهب
إلا ريشه المضيء في الأعالي
ولم يكن الماء
إلا دمه الخافق بالحياة على التراب
أما المعرفة ما كنا التمسناها
لولا هدير روحه العاصف
وهكذا تكورت المنبسطة قلبا هائلا
لروعة جسده الممتد حتى الأمكنة
والأزمنة …
هنا و… هناك : طائر
ماضيه ملحمة زمان
وحاضره مأساة مكان
وغده حلم يحيط به الغموض الى آخره …!
ولكنه لم يستسلم لمصيره بعد
ولم يفن أو يخلد بعد…
لإرادته جمال التوقد
ولعينيه توثب السهام
ولقلبه نبضات الينابيع
ولطموح تحليقه حجوم الأمداء
ولقدميه المساحات …
مثلما لم يهدأ لانحطام مرة
كي ينطلق مبدعا المجد والعظمة
فوق البر الأزلي
ومثلما لم يعتد الهزيمة والموت
ليرتفع الى أقصى الفضاءات
مزاحما بجناحيه الأعالي
ومثلما لم يطق الوجود
دون أن يبدع ملحمة النهوض الجديد
ومثلما …!
ها هو ينبض متيقظا
في مكان ما على الأرض أو السماء
فاسحا للزمان والحيز
التغلغل في روحه ومساره
مثلما ترغب إرادة الحلم العظيم …
***
في مكان ما
بعيد عن الروح مجره
وقريب الى القلب نبضه:
طائر له جناحا كوكب هائل
ولكنه يتحطم
على شاطيء هذا الفرح المقسم
ليحلق ذات زمن آت
حين يصبح ذا قلب واحد
وجناحين اثنين …
***
كيف للطائر أن ينتفض
وهو مصاب بأكثر من قلب واحد؟
كيف له أن يحلق
وهو مريض بأكثر من جناحين اثنين ؟
كيف يبدع تخوم جسده
ومدارات روحه.
وهو لم ينعم بدورة دموية واحدة بعد.. ؟
كيف للطائر أن يحول الرماد الى لهب ؟
واليباس الى ربيع ؟
والسكون الى براكين ؟
والنزيف الى عبقرية
وهل بإمكان القلوب المشطورة
والأجنحة المجزأة
أن تبعث ذات زمن آت ؟
أواه كم باستطاعتها
حين لا تنسى أن فيها يكمن الطائر
ذو القلب الواحد الهائل
والجناحين الاثنين العظيمين
الذي قد يدهش الكون بتحليق روحه
فتنتشر منه أمطار الجنوب والشمال
وتنعم بخفق رياحه
أمداء الغروب والشروق
والذي قد لا تكون المدارات جميعها
– في الأرض والكواكب –
إلا البرق اليسير
في ملحمة تكوينه المدهش …
***
هنا….!
في مكان ما من الروح:
طا….. !!
هللوا .. !يا . . . !!
هل هو الموت أم الحياة
هذا الذي يزلزل المكان . . . ؟!
فؤاد كحل ( شاعر من سوريا)