إن مصطلح العولمة مصطلح إشكالي وبخاصة لدينا نحن العرب الذين نخلق دائماً اطاراً متعدداً لتفسير ايّ مصطلح وقد نخلق لذواتنا إطاراً من التوجس والخوف والريبة والشك وأمام إشكالية المصطلح فلو طرحنا هذا التساؤل حول هذا المصطلح على مجموعة من الناس ذات المستويات الثقافية المختلفة نكتشف تعدد التفاسير حسب رؤية الآخر لمعنى مصطلح العولمة، وقد يقول معنى العولمة بسيط وسهل ويسير، العولمة تعني العولمة!! أو المعنى الشمولي (العالم) أما المتشائم فيذهب الى تحديد الأمر بأنه الارتماء في أحضان الآخر.. من هو الآخر؟ لا يهم وإذا حاولت أن تغوص معه الى ابعد مدى قال (الارتماء في أحضان أمريكا والغرب وأن العولمة مؤشر سيء.. عودة الرجعية والاستعمار ونهب ثروات الأمة، وأن الآخر يريد تحويل الشعوب الى مجموعة من البشر لا تملك من أمر نفسها شيئاً) رأي آخر يطرحه متشائم أكبر حيث يحدد مسار الكلمة (أن توافق على كل ما يطلبه الآخر منك.. أن تقول نعم لأمريكا والغرب) وهكذا ينشأ صراع الأنا والآخر.
هكذا تتعدد الآراء مع ان مفردة العولمة أن تكون جزءاً من العالم الذي ننتمي إليه هذا لا يعني ان مصطلح (العولمة) إطار من الخير والعطاء ذلك ان نظرية العولمة التي تعمل لها الدول الكبرى نظرية قائمة على انتقال البشرية من التاريخ الخاص الى التاريخ الواحد ذي الثقافة الواحدة والنمط الانتاجي الواحد.. إذاً هل العولمة ذات ارتباط عضوي (بالتجارة) رأس المال وسيطرة أم أن مفردة العولمة مرتبطة بكل الأطر.. هل نجحت في اطار الثقافة مع اختلاف (الدين، العادات، التقاليد، العقيدة، وغيرها) مع خصوصية كل مجتمع عن الآخر!!
هذا الأمر وأعني غموض المصطلح يأخذنا الى اتجاهات عدة أو كما عبر عن ذلك أحد السياسيين القدامى ذات يوم عندما قال (نحن لا نتوقف كثيراً عند المفاهيم وضبط المصطلحات وانما تطربنا الشعارات فنرددها دون التوقف كثيراً عند معناها.. وأردف قائلاً منذ ان كنت في السادسة من عمري وكنت اشارك في المظاهرات وأردد الشعار الخالد «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» والمؤسف انني حتى هذه اللحظة لا اعرف بالضبط معنى مفردة الموت الزؤام) وكان ذلك السياسي قد بلغ من العمر عتيا..
إن العقدين الأخيرين قد شهدا تحولات جذرية هامة وقد أثرا سلباً وايجاباً على مجمل الثقافة العربية سواء كنا مع هذه التحولات أو ضدها ولكن هذا جزء من الواقع المعاش ونحن لا يمكننا ان ننفصل عما يدور حولنا..
هناك تطور تكنولوجي رهيب ولكن هل نربط مثلا بين ضياع الهوية لدى البعض بتأثير التكنولوجيا او العولمة؟ وهل التفكير الجمعي لبعض المجتمعات ساهم في إرساء بعض الآثار السلبية بدءاً بالضياع الروحي الذي خلف إطاراً مهمشاً للثقافة المجتمعية أو كما ذهب احد الباحثين ان تأثير العولمة على بعض المجتمعات كانت أكبر بكثير من الجنز والهامبرجر والكولا وأغاني مايكل جاكسون!!
هل حقاً هذا الاطار قد ألقى بظلاله على المجتمعات حتى المنغلقة على ذواتها؟ هل العولمة الإطار الأساسي للضياع الروحي وتلاشي الثقافة المحلية؟ ومن ثم أصاب بنية الثقافة الخاصة للعديد من المجتمعات.. هذا لا يعني أن كل المجتمعات ذات تفكير واحد.. والبعض من هذا المنطلق قد يرى ان الوطن العربي مجرد ضحية للعولمة وبخاصة في الاطار الاقتصادي عصب الحياة الآن، والاطار الاقتصادي المرتبط بالحاجة الملحة الى الآخر يجرف خلفه كل الأطر بما فيها الإطار السياسي، الاجتماعي، الثقافي.
هذا الخوف من العولمة وان كان له مبرراته إلا اننا كأمة وعبر تاريخنا خلقنا علاقة بالآخر عبر الحضارات المختلفة (الإغريق والصين، الفرس، الهند، الروم… الخ) ذلك ان الشعوب لا تعيش بمعزل عن الآخر، وهناك علاقات وطيدة بين كافة الحضارات حتى الموغلة في القدم (الإغريق، الفراعنة، الصين، الفرس، حضارة بلاد الرافدين والفينيقيين في بلاد الشام… الخ) حتى ان بعض الدراسات أوجدت نوعاً من العلاقات بين الحضارات الأقدم، وكان الدليل لدى البعض ان اهرامات الجيزة في مصر شكل هندسي ابداعي، ولكن هذا الشكل الهندسي له علاقة ببعض الحضارات في امريكا الجنوبية وان كان الأمر لا يوازي الابداع الفرعوني. ولكن كل الحضارات التي مرت في تاريخ الأمم والشعوب خلفت لذاتها اطاراً من المعرفة بالآخر وان ارتبطت بواقعها المعاش إلا ان معرفة الآخر كانت جزءاً من اهتماماتها.
العرب عبر تاريخهم خلقوا نماذج من هذه العلاقات وكان هناك تلاحم مع فكر وثقافة الآخر دون أن يضعوا في الاعتبار ما هي (العولمة) هذه الكلمة التي خلقت إشكالية في واقعنا المعاش.. أخذ العرب مثلاً من الحضارة الاغريقية في عصر الازدهار الاسلامي.. العصر العباسي أيام الرشيد والمأمون كل ما هو مرتبط بالفكر والفلسفة والآداب بجانب الطب والفلك والرياضيات.. كان هناك نوع من التمازج مع الآخر ذلك ان الثقافة اليونانية اعتبرت قمة في ثقافات العالم كما ان العرب تعرفوا على ثقافة الهند عبر المجالين المادي والروحي مثل التصوير أو الفلسفة الدينية.. أما الفرس فقد أثروا الحياة الثقافية بما يملكون من فنون الشعر والنثر والقصة والتاريخ والأمثال وغيرها..
إذاً اتصل العرب عبر تاريخهم الثقافات المتعددة وبخاصة عبر (بيت الحكمة) الذي تحول الى جامعة عالمية لمعرفة فنون وابداعات الآخر.. لم يكن هناك خوف من غزو الآخر او الانصهار بفكر الآخر، فقد تم ترجمة كتب الآخر، فالكاتب ابن المقفع قد لعب دوراً هاماً في ترجمة الكتب الفارسية مثل (تاريخ الفرس وآيين نامه) التي تتحدث عن العادات والتقاليد والاعراف والشرائع نظراً لحاجة الخلفاء اليها للتعرف على كيفية ادارة ملوك الفرس لدولتهم، ولعب كل من هارون الرشيد والمأمون دوراً مهماً في تلك الحقبة.. ان المنصور العباسي كان أول من فكر في هذا الاطار عبر بيت الحكمة والتي نسبت الى المأمون لاحقاً، فقد كان التفكير والحاجة الى مكتبة كبيرة ومعهد للترجمة أمراً ضرورياً ولعب حنين بن اسحق فيما بعد دوراً هاماً في هذا الاطار حتى ان المأمون قد أوكل اليه أمر البحث والتنقيب عن الكتب القديمة في أجزاء المعمورة.. إذاً كانت عملية التأثير والتأثر واضحة وفي كافة فروع الابداع الانساني.
أما مفردة الثقافة فكما يرى العلماء ولا نريد أن نذهب الى معاجم اللغة كالمنجد ولسان العرب، فهي تشمل الفنون والعادات والتقاليد والميراث الفكري والتاريخي والتقدم العلمي والتقني.
إذاً الثقافة هي أسلوب المعيشة والقيم والاخلاق، وكل ما يتم انتاجه من قبل الانسان في اطار الابداع وفي كل الفنون والآداب والعلوم مع أن المؤرخين مثلاً يعتقدون ان الثقافة تعني التراث الاجتماعي، وعلماء الاجتماع يرون ان الثقافة تعني الجانب الفكري ، ولكن مهما كان الأمر فان الثقافة الوعاء الذي يضم أيضاً المعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف والعادات، وكل ما تصنعه يد الانسان وعقله بجانب اللغة والأفكار وكل ما توصل إليه الانسان عبر تاريخه الموغل في القدم من أفكار ونظم ومهارات وأسلوب حياة، وكل ما له علاقة بالابداع والفنون (نحت، تصوير، الرقص الشعبي، الأدب، الرواية، الأساطير).
إن الثقافة في إطارها الشمولي ميزة إنسانية عن بقية الكائنات والأهم أنها تختلف بين شعوب الأرض قاطبة، بل ان بعض الدارسين ذهبوا الى ابعد من هذا، فقد وجدوا ان هذا الاختلاف قد يحدث في المدينة الواحدة، وقد تختلف من قرية الى أخرى ولسنا هنا بصدد شرح أو سرد هذا الأمر ذلك ان الثقافة في مجملها تختلف من فرد لآخر، لان الثقافة نتاج عقلي ونتاج مجتمع زراعي، صناعي… الخ.
لقد وهب الله الانسان القدرة على اكتساب هذه الميزة منذ لحظة ولادته الى رحيله عن الدنيا الفانية.؟. انسان لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن الآخر ففي احتكاكه بالآخر يكتسب ممن يعيش في محيطهم الشيء الكثير وقد يتطور الأمر الى الافضل او الاسوأ ومن الكبير الى الصغير في بعض الحالات.
إذا فالانسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخر وهذا أمر بديهي.. هذا التلاحم مع الآخر عبر الثقافة بمعناها الشمولي وعبر كل الأطر الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، وهذا يؤدي الى تضييق المسافة الفاصلة بين الأمم..
الغرب منذ عصر التنوير وقد ساهم في الثورة العلمية وحمل مشروع الحداثة واعطى قيمة للمعرفة دون سلطة تحد من اي اطار بل تحول الانسان الى نقطة ارتكاز عبر استقلاليته وحريته لذا كان الدور الأميز للثقافة، ذلك ان الآخر قد اتخذ من العلم طريقاً للحياة ومن المعرفة منهجاً لخلق عالم أكثر تمدناً وتحضراً وملاءمة ومواءمة للحياة..
نقلب في صفحات المسرح وتاثير العولمة في اطاره العام لابد وأن نكون موضوعيين فلا ندعي ان هذا الفن قد تغلغل في مسارنا الابداعي منذ القدم ذلك ان فن المسرح قد تغلغل حضوراً متأخراً.. ومتأخرا جداً مع مارون نقاش ذات مساء بيروتي في عام 1848 وكان قد شاهد عملاً في احدى القنصليات في بيروت ان عمر المسرح الآن (162) عاماً تقريباً، منذ تلك اللحظة ظهرت محاولات أخرى في بلاد الشام وانتقلت اللعبة الى مصر، ومع اننا لسنا بصدد تاريخ المحاولات فان المسرح الخليجي قد ظهر في الكويت والبحرين عبر تلك التمثيليات المدرسية القصيرة سواء في مدرسة الرشيد في الكويت على سبيل المثال او عبر مدرسة العريض والمعاودة في البحرين.
أما أول نص خليجي طبع ففي القاهرة في الفترة من 1930- 1931م للشاعر البحريني ابراهيم العريض وتحمل عنوان (وامعتصماه) ولكن المسارح العربية سواء في مصر او بلاد الشام أو بلاد المغرب العربي قد استمدت كينونتها من الأعمال العالمية، كان شكسبير وكورنيه وراسين وموليير حاضرين، كما ان الفودفيل والفارس والكوميديا دي لارتي يطل برأسه في الأعمال الكوميدية الارتجالية وبخاصة في فترة الازمات (الحرب العالمية الأولى، والثانية) للترفيه عن الأثرياء (أثرياء الحرب وغيرهم).
إذا العلاقة في اطار الارتكاز على الآخر في معرفة الفن الجديد ارتبط منذ أن تعرف المتلقي بهذا الفن ونشأت علاقة جديدة مع فن جديد يغزو ذاكرة المتلقي العربي فيما بعد كي يضاف الى فنونه الفرجوية (خيال الظل، الأراجوز، السامر، الحكواتي.. الخ) هذه العلاقة تجذرت فيما بعد عبر البعثات لدراسة المسرح سواء في مشارقنا أو مغاربنا او حتى في دول منظومة مجلس التعاون.
كان الاحتكاك.. الفرجة، الاقتباس عن الآخر، كان التأثير ومعرفة أنماط وأشكال فرجوية مسرحية، المسرح الملحمي، عبر نتاج برخت واسهامات المرحوم سعد أردش، فكان كسر الايهام مع أعمال المرحوم صقر الرشود في مجموعة من أعماله مثل بحمدون المحطة وغيرها.
الخطوة الاخرى الخروج بالمسرح الخليجي من اطار الطرح الواقعي الاجتماعي الى تغليف الطرح بكل ما هو كوني وشمولي عبر فكر المبدع، ثم بدأ مسرحنا وان كان على استحياء في مجاراة الآخر، شاهد المبدع الخليجي مسرحاً آخر عبر انتقاله المكاني سواء في أوروبا او امريكا او عبر بعض الفعاليات والمهرجانات العربية كالتجريبي في القاهرة حيث حصد البحريني عبدالله السعداوي جائزة الاخراج في احدى الدورات كأفضل مخرج (عالمي) واعتبر النقاد ان هذا يُعد فتحاً في مسار مسرحنا الخليجي. مثل تلك الملتقيات لاشك قد خلقت حافزاً هاماً لذاكرة المسرحي الخليجي، شاهد واحتك بتجارب عدة واكتشف ان المسرح مثل الحياة، فالعولمة في هذا الاطار المسرحي الهام فتحت أبواب الآخر علينا والمسرحي الخليجي لم يكن بمعزل عن تجارب الآخر.
1 – التجربة على النص المسرحي: وهنا لابد وان نتوقف لنؤكد ان البدايات الاولى قد حملت سمات الآخر، أحمد شوقي في أعماله الشعرية قد تأثر ولاشك بمشاهداته في فرنسا لأعمال كورنيه وراسين، وخليل مطران في رحلة البحث ترجم بعض أعمال شكسبير من الفرنسية الى لغة الضاد، أمين صدقي وجد معيناً لا ينضب في الاقتباس من الفودنيل والفارس والاعمال الكوميدية وغيرهم.. صلاح عبدالصبور في رائعته (مأساة الحلاج) ارتكز على (اليوت) في جريمة قتل في الكاتدرائية، المفتش العام لجوجول كان حاضراً في (الجريمة) عند عبدالرحمن المناعي (القطري) على سبيل المثال وبودرياه، حمد الرميحي كان استحضارا لأوديب (سوفيكلس)، ومع ان تجارب في اطار المسرح لا تقاس بتجارب الآخر إلا ان الكاتب المحلي قد حول مسار مسؤوليته في اعادة تشكيل الثقافة في اطار المسرح عبر المتخيل السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي لانه جزء من هذا العالم.
2 – إذاً العولمة فتحت كل الأبواب وشرعتها أمام العالم وبخاصة في مجال الابداع الانساني وأصبح الاحتكاك بثقافة الآخر أمراً سهلاً وميسراً واثرت التجارب المسرحية سواء في اطار الشكل او طرق المعالجة، وهذا ما حفز تجارب بعض المسرحيين في بلاد المغرب العربي، على سبيل المثال (الفاضل الجعايبي) وكذلك تجارب المرحوم العراقي عوني كرومي وانتصار عبدالفتاح المصري، وحمد الرميحي (القطري) بالاضافة الى تميز البحريني عبدالله السعداوي في جل تجاربه ناهيك عن تجارب مسرحية متميزة في بلاد الشام وبخاصة في بيروت وتونس (توفيق الجبالي، وعزالدين فنون وغيرهم).
3 – المتأمل في كلمة المسرحي الكندي (لوتاج) يكتشف مدى تأثير المسرح في تكاملية علاقته بالآخر. يقول: ان بقاء المسرح يرتهن بقدرته على اعادة ابداع ذاته عبر استيعاب أدوات جديدة ولغات جديدة، وإلا كيف سيكون بمقدور المسرح ان يستمر شاهداً على القضايا الكبرى لعصره وان يشجع التفاهم بين الشعوب إذا لم يتحل هو نفسه بروح الانفتاح! وكيف له ان يتباه بتقديم حلول لمشاكل التعصب والاقصاء والعنصرية إذا كان في أعماله يمج التمازج ويرفض التكامل! من أجل تمثل العالم بكل تعقيداته.
لو تأملنا مسار المسرح وتأملنا ملياً وما أخذه الآخر نكتشف أن برخت قد اقتبس من مسرح الشرق وما اطاره الملحمي إلا صورة أحادية، وحتى بيتر بروك وجد بغيته في الشاهنامه الفارسي والمهابراتا الهندي. إذاً تمازج وتلاحم الفنون في اطار الحضارة الانسانية جزء من الحراك الانساني، لذا فلماذا الخوف من العولمة وتشكيله كأنه مارد يغلف الحضارة الآنية بكل ما هو غير انسان؟!
4– ولكن هذا لا يعني اننا لم نندفع دون روية الى تقليد الآخر، وفي هذا الاطار أصبح البعض يقلد في طرح ما لا يتوافق مع أهدافنا وميولنا ومعتقداتنا الحياتية فاذا كان الغرب قد خلق تواصله مع الواقع المعاش وبخاصة بعد الحربين، وقدم (في انتظار جودوو والكراسي والخرتيت وغيرها) فاننا استوردنا مع الأسف بعضاً مما لا يناسب ثقافة المجتمع قبل ان نكتشف اننا قد وضعنا معوقات تحول دون امتزاج الجمهور بالطرح، كما ان المسرح في الغرب وامريكا قد تحول الى سلعة عبر منظور العولمة التي حولت كثيراً من فنون الابداع من منطق القيمة الى المنفعة وهكذا يتحول المسرح الى سلعة استهلاكية.
5– لا يمكننا ان ننأي عن ما هو واقع.. العولمة.. الثورة المعلوماتية وتحويل العالم الى قرية صغيرة، فهل بمقدورنا ان نكون بمعزل عن الآخر؟ وحتى نبتعد ان الاطار السياسي، أليست العولمة الركن الهام في انتاج حراك فني، ثقافي، سواء في اطار وسائط الاعلام والسينما أو حتى الرواية والمسرحية.
6 – هناك أكثر من تيار يريد أن يحدد ملامح المرحلة تيار مازال يعيش في الاطار القديم، وان المسرح مجرد شكل يهتم بطرح القضايا الآنية ويدغدغ حواس المتلقي، وهناك من يندفع الى خوض غمار التجارب المختلفة، تيار قديم يدرج المحاولات الحداثية بأنها الدفاع للارتماء في حضن أمريكا والغرب وفريق يرى أن التعميم أمر مبالغ فيه، هذا لا يعني أن المحاولات من الجانبين فاشلة ذلك اننا لو حددنا سلفاً المحور الذي نرتكز عليه فاننا سنقع في المحظور، علينا أن نأخذ ما يتماشى مع أفكارنا ورؤانا.
7 – لقد لعبت الترجمة دوراً مؤثراً في خلق حالة ثقافية وهذا الاطار قد أكد ان المسرح كائن حر يلقي بظلاله على كافة المسارح.. كان اسخيلوس وسوفكليس ويوربيدس وارستوفان من العصر الاغريقي، وكان ميناندر ويلاوتس ثم رحلة المسرح وحضوره في الأدب العربي من شكسبير وكورنيه وراسين وموليير مروراً بأعمال فولتير وفيكتور هوجو وصمويل بيكت وبرخت وطاغور وغيرهم، هذا التنوع خلق حالة مسرحية عربية ذات يوم.. بل ان الأمر لم يتوقف على مسرح أحادي بل استمد العربي في الخليج ثقافته من الآخر مسرحياً عبر المعامل المختلفة والتجارب المتعددة.
8 – ذات يوم بحثت عن نص للكاتب الروسي العظيم انطون تشيخوف بعدها بفترة وجيزة تفضل أحدهم مشكوراً باستحضار نسخة من الموقع الالكتروني، أليس هذا جزء من ثقافة العولمة!! إذا ايجابيات العولمة لم تعد حكراً على شكل حياتي مؤطر، ولكن العولمة لعبت دوراً في كافة الأطر، فلماذا نخاف إذاً من العولمة ونعتقد انها كيان لمحو ثقافة وهوية الأمة؟!
9– كيف نتعامل مع العولمة الثقافية في المسرح بكلمة مختصرة.. أقول الوعي وهذه الكلمة تعني كل شيء.. كيف تستخدم في مسارحنا ما يتلاءم مع المنتج من الآخر؟ هناك مثلاً الاستعمال الرخيص من قبل البعض:
أ – الليزر: والذي يستخدم بلا مبرر تقليداً للآخر.
ب – جهاز الدخان: الذي ساهم في ازدياد حالات الربو وبخاصة لفلذات اكبادنا في مسارح الأطفال.
ج – الممثل والجسد.
د – تقنية المسرح: ولابد من توظيفها لصالح المسرح، فذلك ان الآخر يعمل الآن عبر تقنيات متعددة سواء في اطار الكهرباء، الاضاءة، ديجتل، وسوبر ديجتل.. إلخ حتى السينما في الفلاش باك والكولاج ونظام المشهد.
هـ – على مستوى الكتابة كان الآخر على وعي بما يملك من أدوات ومن رؤية فنية فكان ان خلق شخوصه وأحداثه بما يملك من وسائط تساعده على ايصال رسالته وهذا الأمر مفقود لدى المبدع العربي.
و – اذا كنا نستفيد من كل هذا فلابد أن نضع في الاعتبار ان كل هذه الوسائط من أجل خلق حالة أخرى تسهم في ايصال رسالة المبدع الى المتلقي في أجمل صورة لأن الملاحظ ان البعض يبحث عن اطار مغاير للمألوف فيندفع بلا رؤية الى عالم مجهول.
الخلاصة:
هناك علاقة تكاملية في اطار العولمة وبخاصة فيما يخص ثقافة المسرح العربي على وجه العموم، ولأننا جزء من المنظومة فإننا جزء من الاسهام العام ولكن هل استفدنا خليجياً من كل العناصر التي شكلت وتشكل في نهاية المطاف ما يتمناه المسرحي!!
1 – هل المسرح الخليجي على وعي تام بما يطرحه فوق الخشبة في اطار الرقص التعبيري أم إنها جزء من التقليد للآخر دون وعي؟
2 – هل استفدنا من كل الأعمال التي طرحت عبر مسارح العالم وخرجنا بمسرحنا المحلي من الاطار المتعارف عليه؟ من حيث طرح المواضيع التي تلامس فقط الواقع الخليجي أم كنا شركاء وبحق طرح قضايا الانسان في هذا الكون!!
3 – هناك محاولات حثيثة في دول المنطقة من قبل الجيل الجديد والباحث بشكل جدي عن أعمال تشكل اتجاهاً مغايراً لما يتم طرحه وهؤلاء يجدون بغيتهم في الفعاليات العربية وعبر المهرجانات فقط وبخاصة بعد تلاشي تأثير المسرح وغياب الرافد الحقيقي للمسرح وأعني (المواسم المسرحية الثابتة، غياب دور المسرح المدرسي، عدم وجود الدعم الكافي من قبل المؤسسات لصالح المسرح).
4 – نعم.. تأثرنا بما هو متاح في المسرح الخليجي من العولمة، ومن ثقافة الآخر ذلك اننا لا نرفض الآخر لأننا.. أنا والآخر شركاء في كل شيء..
حســن رشيـــد
قاص وكاتب مسرحي من قطر