تتعمد بعض الدول ألا تعطي للكاتب قيمة، بل، إذا أعطته بعضاً من تلك القيمة (أو أخذها هو) فهو في محل ضعف وهوان حيث بيدها خيوط اللعبة.
وهنا، نتحدث عن الدول العربية، بالأخص أكثر من غيرها- تتعمد (ربما، بقصد) وضع الكاتب في هذه الزاوية، من منطلق، أن للكتابة حياة وتجريباً ومغامرة وكشفاً وبوحاً وفضحاً وتغييراً.
الكتابة، هنا، هناك.. (المفترض) أينما تكون، تلك التي تذهب بعيداً في الاستثناء والخلق والتجديد والبناء، التي لا يراد لها، (لدينا) أن تكون لها حياة.
لهذا، تظهر الخيارات (المتاحة) امام الكاتب في أفق ضيق، ومساحة وهواء أضيق، ولهذا يتكرر المتكرر، ولا جديد، تحت كل شمس جديدة.
فما دام من يحدد الخيارات هو السلطة.. والسلطة العربية قد حددت سقفها سلفاً من الكاتب والكتابة المغايرة.
إذا، أسفل ذلك السقف الكاشف لذاته، تَذْبُل كل كتابة مهما كانت نوعيتها (نثر، شعر، الكتابة بأنواعها).
في هذه المسافة الضيقة، تضيق الكلمات بكاتبها، وتصل به إلى حالة من التأزم، وتذهب به بعيداً إلى «جوانية»، أعمق. وهنا، تتحدد وتتشكل الكتابة (الجميلة) في هذا المضيق بالكتابة الذاتية (رسائل «حقيقية ومتخيلة» وشطحات «أناوية») والسرد والتباساته وغموضه وكتابة الشعر المتلبّس أو المغْرق في الرمزية، التي قد يتعمدها الكاتب والشاعر بالهروب إلى الأمام من مثلث الرقابات (الاجتماعية، الدينية والرسمية) المعروفة والتي قد تطال معيشته أو رقبته.
تلك الرقابة تنتظر من يُؤججها ويرشدها بالإشارات والكشف والتأويل، والقول في العمل (الكتابي) بعلم أو بدونه.
وما دامت كل الأمة (العربية) لا تصنع إبرة قلم (هي.. تصنع الخيوط) فهي بالتأكيد، لا تحب مثل هذا النوع من الاشتغال المعرفي، لأنه يناقض سكونية الحال التي تعيش فيه منذ زمن طال تدهّره.
وحتى أولئك الكتّاب الذين يعيشون في المنافي ليسوا بمنأى عن أسوار أوطانهم اللينة والشوكية، هذا ليس انتقاصاً من الكاتب العربي، همومه ومشاغله وجهاده واجتهاده، ولكن، الكتابة العربية، رغم، كل عذاباتها، الطريق أمامها طويل، لتصل مثل نظيراتها في أمريكا الجنوبية، (التي هي، أقرب إلينا، الكتابة التي نحتاج إليها من أجل التغيير) لتصنع تاريخها ومغامراتها وتفّردها وجدّتها ونوعيّتها، أمام الطبيعة والديكتاتوريات (الصغيرة والكبيرة).