يتعرض كتاب "السواحيلية: لسان شعب افريقي وهويته " لمؤلفيه الباحثين العمانيين الأمين المزروعي وابراهيم نور شريف لقضية غاية في الأهمية، هي قضية الهوية السواحيلية التي يمكن تلخيصها في التساؤل التالي: ما هو كنه الهوية السواحيلية،وما هي المميزات التي تفرقها عن غيرها؟
في مقدمة الكتاب يتعرض المؤلفان لثلاثة مفاهيم للهوية وهي: المفهوم الافريقي الذي يربط الأصل الافريقي بالمحددات الثقافية والاجتماعية للهوية، والمفهوم العربي الذي يقوم أساسا على اللغة العربية التي يصبح من اعتبرها لغته الأم عربيا دونما نظر الى أصله العرقي أو لونه، والمفهوم الأوروبي الذي يربط الهوية باللون الأبيض الذي يعتبر حسب هذا المفهوم العلامة الغارقة التي تميز الأوروبي من غير الأوروبي.
يتكون القسم الأول من الكتاب الذي يحمل عنوان "الحرق واللغة والهوية" من فصلين، يحمل أولهما عنوان "الهوية السواحيلية مرة ثانية" وفيه يستعرض الباحثان باستخدام المنهج التاريخي كل ما كتب عن منطقة الساحل الافريقي مشبعين بذلك نشوء الهوية السواحيلية، فيتعرضان في البداية لكاتب اغريقي مجهول كتب عن الاقليم، وعن التجار العرب الذين كانوا يتاجرون مع سكان الاقليم في بداية الفترة المسيحية، بعدها يتتبع الباحثان ما كتبه الرحالة العرب كالإدريسي والمسعودي وابن بطوطة، الذين تحدثوا عن سكان المنطقة قائلين انهم يتميزون فيما بينهم في اللون والدين لكنهم يتفقون في انهم يحملون هوية واحدة هي الهوية الزنجية، بعد ذلك يستعرض الكتاب ما ذكره المستعمرون الأوروبيون الذين نظروا بدونية الى شعب المنطقة رابطين بين اللون الأسود للسكان وبين التخلف الحضاري. ويعكس الأوروبيين فإن الحكام العرب – من عمان – لم يكونوا ينظرون الى اللون الأسود بدونية، لأن اللون لايد خل في تحديد الهوية كما هو المفهوم العربي الذي أشرنا اليه آنفا، ويدافع المؤلفان عن التأثير العربي الاسلامي في الهوية السواحيلية قائلين أن العنصر العربي والاسلامي أساس في تعريف من هو السواحيلي.
أما الفصل الثاني فيحمل عنوان "اللغة والهوية السواحيلية"، وفيه يتعرض المؤلفان للعلاقة الجدلية بين اللغة والهوية السواحيلية من خلال مناقشة الآراء الأوروبية التي تشك في أصالة اللغة السواحيلية، مدعية أن السواحيلية ما هي إلا ابنة غير شرعية لعلاقة تمت بين العربية واللغات الافريقية، ويناقش المؤلفان أيضا الآراء الافريقية التي تقول إن السواحيلية لغة افريقية يمتد نسلها الى لغة البانتو، وان تأثرها بالعربية ليس الا في مجال المفردات، ولا يمتد الى القواعد النحوية التي تظهر الأصل الافريقي للغة السواحيلية بجلاء لا يخفى على الأعين.
وفي نفس الفصل يحاول المؤلفان تتبع تاريخ تطور السواحيلية كلغة من خلال افتراضهما انها بدأت كلغة تفاهم بسيطة بين السكان الافارقة والتجار العرب، ثم تطورت تدريجيا الى أن أصبحت لغة مستقلة بذاتها، امتدت وانتشرت لتشمل كل ساحل افريقيا الشرقي.
أما القسم الثاني من الكتاب فيحمل اسم "الأدب والهوية السواحيلية " ويتكون من فصلين أيضا، ويحمل الفصل الثالث عنوان "التاريخ الأدبي والهوية السواحيلية" وفيه يناقش المؤلفان تاريخ الأدب السواحيلي وارتباطه بهوية منتجي ذلك الأدب، فيحاولان في البداية التوصل الى تعريف لمصطلح "الأدب السواحيلي" أهو ما كتبه الشعب السواحيلي، أم أنه كل ما كتب باللغة السواحيلية، ويريان أن الأدب السواحيلي هو الأعمال الأدبية التي انتجها السواحيليون في تنزانيا التي ارتبطت ارتباطا مصيريا بالهوية السواحيلية، ويدافع المؤلفان عن الأدب السواحيلي ويريان أنه غير مرتبط بأي استعمار للمنطقة (عربيا كان أم أوروبيا) وأن له أصول افريقية رغم المسحة العربية الاسلامية التي ميزته في فترة من فترات تطوره الى حد أن بعضهم رأى أن هذه المسحة لازم من لوان مه. وقد تطور الأدب السواحيلي في الشكل وفي الأجناس الأدبية، حيث ظهرت فيه مثلا قصيدة الشعر الحر التي لم تكن موجودة، وتطور أيضا من ناحية الوظيفة، فبعد أن كانت وظيفته دينية اجتماعية أصبحت له وظيفة ثقافية تنويرية ابداعية.
في الفصل الرابع والأخير من الكتاب،" لشكل الأدبي والهوية السواحيلية" يتعرض المؤلفان لقضايا مرتبطة بموضوع الشكل الأدبي وتطوره وتغيره وارتباط كل ذلك بالهوية السواحيلية، فيستعرضان على سبيل المثال الضجة التي قامت إثر ظهور الشعر الحر، حيث اعتبره بعضهم جسما دخيلا على الأدب السواحيلي يجب اجتثاثه لأن القبول به قد يفتح المجال للتخلي عن الهوية ذاتها، فيما يرى مؤيدوه انه حافز لتطوير القريحة الشعرية وانه خطوة للتخلي عن العنا هو الحربية التي صبغت الشعر السواحيلي لفترة طويلة، ويجادل هؤلاء بالقول ان الشعر الحر يجد أصولا له في بعض الأشكال الأدبية الافريقية القديمة. وكذلك الحال عند ظهور المسرحيات والقصص في الأدب السواحيلي، حيث ربطها بعضهم ببعض الأشكال الأدبية الشفوية القديمة.
الكتاب عموما محاولة لتحديد بعض العنا هو التي تشكل مرتكزات تقوم عليها الهوية السواحيلية، والمرتكز العربي الاسلامي هو أحد أهم هذه المرتكزات التي لا يمكن للمرء أن ينكرها كما يؤكد المؤلفان في خاتمة الكتاب.
ـــــــــــــــ
صدر الكتاب باللغه الانجليزية عن:
مطبعة افريقيا العالمية
Africa World Press
نيوجرسي – أمريكا سنة: 1994
المؤلفان: الامين المزروعي
(كاتب من عمان واستاذ بجامعة السلطان قابوس)
ابراهيم نور شريف
(مترجم ومدرس مساعد بجامعة السلطان قابوس)