تسريل في شبابه صدفة
شاف الشباب في مقهى المعقدين(1)
شعور طويلة ولحى وكلام كثير
لعب ” الطرة كتبة”(2) على عملة معدنية
من فئة 10 فلوس، سعر الشاي في المقهى
وجودية أم سريالية؟
جاءت ” الكتبة ” سريالية
هكذا أشهر سرياليته
صار من المؤمنين
بمرور الشهور حسنت سرياليته
قرأ آيات من بروتون وسحره اسم تريستيان تزارا
لكن مؤيد الراوي قال: تزارا ليس سرياليا
انه دادائي بأمتياز
فكاد يرتد
لكنه نسي في خبصة أيامه
وخبصة السفر
سنوات اللا يقين.
اسم تزارا كان يطلقه حينما يحاصر في النقاش
سريعا مثل زخة رصاص
قبل أن يكتب قصيدة
يتوضأ بالنبيذ ويصلي
قربة إلى بروتون
صلاته بالإنجليزية طبعا
يتهجاها حرفا حرفا.
ومضت السنين،
كما في حكاية أمي عن الزير سالم.
ندمه الكبير: لم ير بروتون في حياته
لم يصر صحابيا
ولا صار من التابعين
ولا القراء
ولا من رواة أحاديثه.
يفخر بما رواه له جوفروا
آخر السرياليين
في عنعنته يتحمس كما يروي فيلم ويسترن
لكنه يخطأ غالبا في التواريخ.
بعد 70 عاما أخضر شعره
فصار رأسه مثل تفاحة غير ناضجة.
كأنه أشنة بأطراف حين يمشي على الأرصفة
يتناثر من شعره الكث فطر وقشور
وطحالب خضراء
وخيوط من صوف كنزته.
يمشي، مداعبا أنفه
يحك مابين فخذيه
يدور سبابته في آذانه
أذنا بعد أذن،
دون أن يطلب أذنا من جليسه
ليس في بغداد
التي عرفته طفلا حافيا
بطاقية صفراء من علاوي الحلة
يحلم بأكل الشعر البنات
بل في باريس
حيث قضى بقية عمره
ينظر الى شعر البنات
على رؤوس فتيات السان جرمان
هولنديات ونمساويات
وأحيانا
سعوديات تبرجن في عطلة الصيف.
بعد 70 عاما ما زال خرافيا
يحلم بفرشاة كبيرة
يصبغ بها الأرصفة بدهان أخضر
كي لا تراه عين الحسود
التي بها عود.
بلا جنبية على خاصرته
بل بلسان معقوف بين أسنانه
يطر به كل صديق قديم طرتين
بلا جدوى
ويحلم أن يكون قاضيا في محكمة
يصدر أحكاما بالسجن لمدى الحياة
على الشعراء والمترجمين
فهو، على كل حال، ضد حكم الإعدام
تلك حسنته الوحيدة
وحسنته الأخرى
يقول شاعر عراقي ثمانيني
طبخ الفاصولياء والأرز
لكن سوء عورته
حديثه حين الطعام بصوت عال
حيث يتطاير الأرز على عين الضيف
على زاوية العين بالضبط.
لكنه يضحك بغباء
حين يعنفه الضيف.
ما زال رغم 70 عاما مضت من حياته
لا يجيد التحية
لا العربية ولا الفرنسية
ولا حتى الإنجليزية
لكنه يترجم منهن واليهن
معتمدا على القاموس وآراء الأصدقاء.
يقول أهلا حتى في رسائله
لا يعرف الصباح ولا المساء
ولا السلام عليكم
ولا مرحبا
وبونجو، يلفظها كأنه يقطع عنق عصفور
أهلا، كأنه يتقيأ
ويطأطأ رأسه مثل متهم بالاغتصاب
مسكين
بعد 70 عاما
ما زال يعتقد أن البول وقوفا
هو السريالية بعينها.
هوامش:
1 – مقهى المعقدين، مقهى في وسط بغداد يرتاده الأدباء. اشتهر منذ الستينات بهده التسمية لأنه كان ملتقى أنصار الفلسفة الوجودية التي غزت العراق حينها.
2 – الطرة كتبة، لعبة حظ على وجهي العملة المعدنية. وهي قريبة جدا من العربية الفصحى. فالطرة هي تحريف للطغراء والكتبة هو ما مكتوب على العملة.
جبار ياسين *