يذهب المفكر العربي الدكتور طيب تيزيني الى أن قضية التراث العربي هي اليوم القضية الأكثر بروزا في الساحة الثقافية العربية، والأكثر إثارة لاهتمام المثقفين العرب، فهي بأبعادها المنهجية والتطبيقية تمثل واحدة من أكثر القضايا التي راحت تفصح عن نفسها بوضعها الأساس والمنطلق في عديد التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية الحاضرة ويجد في هذا الاهتمام "حالة من حالات الانتقال باتجاه أفق ما..".
ومن هذا الأفق ينظر الى التراث فيقرأه ويدرسه، مقدما على ذلك عبر ثلاث لحظات تجمع الماضي الى الحاضر باتجاه أفق مستقبلي مفتوح. وهذه اللحظات الثلاث هي:
– أولا: الحفر الجدلي من موقف مادي – تاريخي في أعماق هذا التراث، في محاولة لاستكشاف (أو للكشف عن) آفاق جديدة تمثل أساسا فعليا للنهوض.
– ثانيا: الرد على الاتجاهات المعاصرة التي تشكل بأعمالها وتوجهاتها الى هذا التراث لم ومن خلاله، لحظة نكوص وارتداد.. فيقدم على مواجهتها بموقف نقدي – جذري كاشفا عن إشكالياتها التاريخية.
– ثالثا: البحث عن الأفاق الجديدة الناهضة (أو التي يمكن أن تكون منطلقا للنهوض) في هذا التراث، وفي مستوى القضية التراثية كما يقدمها/ يتناولها الفكر العربي الحديث – أي البحث عن الوجه الفاعل في هذا التراث.
من هنا كان كتابه: "من التراث الى الثورة" بمثابة مقدمة فكرية – تنظيرية – نقدية لمشروعه الكبير في دراسة التراث العربي وفي تقديمه من خلال رؤية جديدة تأخذ بالوعي العلمي،. إثارة للتفكير بهذا التراث، في سعته وغناه، من زاوية أخرى تتضمن، فيما تتضمن، عامل التحريض العقلي – على صعيد بناء مرتكزات راسخة لفكر عربي نقدي جديد، وهذا هو ما جعل هذا الكتاب بمثابة مشروع نظرية مقترحة في قراءة التراث العربي من خلال ما عده نزعات /مواقف أساسية تحيط هذه القراءة… مقيما نظرته على أساس تحليلي – نقدي – تاريخي.. مثبتا ما وجد ضرورة لتثبيته ورافضا ما رفض، من منطلق نظري – معرفي – اجتماعي سياسي وقد حصر هذه النزعات في خمس نقاط هي:
1- السلفوية (النزعة السلفية) التي يجدها تمثل التيار الأكثر قوة في نطاق الفكر العربي المعاصر،، فهي ما تزال تستند الى موروث كبير يمتد على مدى ستة آلاف سنة من التاريخ العربي، مدعية أن الأسلاف لم يتركوا شيئا نوعيا للأخلاف. وبذا فهي ترفض الابداع الفني والفكري والأخلاقي، داعية الناس المعاصرين الى تلمس الحلول لمشكلاتهم المعاصرة في الماضي.
2- العصروية (الننزعة العصرية) التي تأخذ موقفا مناهضا للسلفوية، ولكنها، في الحقيقة، تصل الى ما وصلت اليه. فهي تدعي أن الاشكالات والصعوبات التي يعاني منها العرب حاليا تنحدر من الماضي، وأن هذا الماضي يفهم في إطار العصروية على أنه المرحلة التي أنبتت ما يسمى بـ "الأوراق الصفراء"… وبذلك فهي تلح على العصر الراهن، مؤكدة على ضرورة تبني الحضارة الغربية ووضعها في نسق يتيح لنا تجاوز الماضي تجاوزا كليا.. فيجدها تمثل، هي الأخرى، موقفا نظريا، معرفيا وايديولوجيا، يستند الى معطيات تحققت في الوطن العربي في القرن التاسع عشر، من خلال ما يسمى باخفاق الثورة البرجوازية والديمقراطية، فهي في ذلك مثلها مثل السلفوية: نزعة هجينة تلح على واحد من أبعاد الوجود وهو الحاضر.
3- التلفيقوية (النزعة التلفيقية) التي تزعم لنفسها أنها تحقق نهوضا مرموقا على صعيد القضية التراثية، وهذه النزعة تمثل ظاهرة طريفة،، فهي تزعم لنفسها، بمزيد الجدية إنها قادرة على تجاوز الاشكالات التي وقعت فيها السلفوية والعصروية في آن معا. فهي كما تقول، لا تتحدد لا بالمامي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل، وانما تأخذ من هذه الأبعاد الوجودية ما يسمح لها بتحقيق "الوجود المعاصر". ولكنها – بحسب هذه النظرة – تقع في معادلة زائفة معرفيا، فهي تؤكد إنها إذ تلتفت الى الماضي إنما لتأخذ منه القيم الصادقة المطلقة فقط، وهي بهذا الموقف ترى أن هذه القيم السائدة هي ما يشكل أصالتنا. وهذا المصطلح يتحول على أيدي التلفيقوية الى موقف خاطيء وايهامي. فهذه القيم التي تمثل أصالتنا تأخذها كما هي لمزجها، بشكل ما مع القيم المتحركة التي تتحدر الينا من أوروبا الحديثة والمعاصرة، وعلى هذا فإن إشكالية التلفيقوية تكمن في أنها تحاول التوحيد، على نحو ما بين قيم ثابتة إطلاقية وقيم متغيرة.
4- التحليلوية (النزعة التحليلية) التي تزعم لنفسها أنها استطاعت أن تتجاوز كل النزعات اللاعلمية في دراسة التاريخ والتراث العربي قائلة، إن مهمة الباحث تكمن في التصدي للوثائق التاريخية بعيدا عن النظر اليها في السياق التاريخي الايديولوجي الذي يحيط بالباحث، وكذلك الاجتماعي، فهي ترفض ما وقعت فيه السلفوية والعصروية رفضا مبدئيا، وهو ما تسميه: مبدأ الأدلجة في النظر الى التاريخ والتراث العربي، وهذه النزعة نشأت في ظل الاخفاق الذي عنيت به الثورة الثقافية الحديثة والمعاصرة.
5- تبقى النزعة الأخرى التي يدرجها في نطاق اللاتاريخي – اللا تراثي، وهي نزعة نشأت خارج الوطن العربي – وهي "المركزية الأوروبية"، انطلاقا من أنها ترى في التاريخ العالمي "حضارة واحدة" تتمثل في "الحضارة الأوروبية" أما الشعوب الأخرى غير الأوروبية، فهي في نظر هذه النزعة، لم تستطع تحقيق شيء يتيح لها الزعم بأنها قد حققت حضارة بالمعنى المحدد، فإذا ما تسامحت مع هذه الشعوب قالت: إنها "معابر حضارية"، ليس إلا. أما الحضارة، بالمعنى الدقيق، فهي "الحضارة الأوروبية".
* اذا كانت هذه النزعات والمواقف مرفوضة، فإن التصدي لها والرد عليها هما من مهمات "الفكر البديل".
– في الحقيقة هذه مواقف أساسية بل حاسمة ومهمة في نطاق الفكر العربي المعاصر، ولم يكن بد من التصدي لها من قبل أي باحث يرى نفسه مدعوا لطرح بديل، أو فكرة ما، لهذا الذي قيل، ومن هنا نجد أن الفكر العربي، في سياقه، كان يحاول تلمس الطريق للتصدي لهذه المواقف التي لم تسيء الى المواقف العلمية الأكاديمية فقط، وإنما أسهمت إسهاما عميقا في اعاقة التقدم الاجتماعي والسياسي.
* هل هذا الحكم أخلاقي أم تاريخي ؟
– هذا الحكم ليس حكما أخلاقيا، بقدر ما هو حكم تاريخي ينطلق من معطيات واقع الحال في نطاق إخفاق الثورة البرجوازية الديمقراطية.
يبقى أن أقول: إن هناك دعوة لتجاوز هذا الواقع اللاتاريخي، اللاتراثي المتمثل بالنزعات الخمس، الليبرالية واليمينية، ثم المراحل الأخرى من موقف اليسار من قضية التراث (والتي تتمثل في المرحلة الارجائية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، والتي كان هذا اليسار فيها يخشى قضية التراث، ثم تأتي المرحلة الاقتصادوية، وبالتالي الطفولية التي تدعي بأن تغيير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية للانسان العربي هو الكفيل بتغيير البنى الفوقية وهو موقف خاطيء علميا، وكانت له آثاره المدمرة التي مانزال نعيشها والمرحلة الثالثة تمثل ما قبل الفكر العلمي، في نطاق الفكر اليساري، وهي في حقيقتها صيغة ثانية من السلفوية، فهي تدعي أن كل فكر ايجابي تقدمي ندعو اليه نحن العرب التقدميين، موجود في مخزوننا التراثي، وما علينا إلا أن نعود اليه لنجد الحلول الناجزة الأساسية)، هذه الدعوة أتيح لها أن تتبلور نسبيا في مجموعة من الكتابات أزعم أن كتابي "من التراث الى الثورة" يريد أن يكون ممثلا لها بصيغة أو بأخرى.
* بما أنك اشتغلت في موضوع التراث: قراءة جديدة، وتحليلا، واعادة تقديم.. أجدني أسألك عن الضرورات التي دفعتك في مثل هذا الاتجاه والتوجه ؟
– إنها ضرورات تكمن في مسألة نظرية وأخرى تطبيقية.
المسألة النظرية هي أن هذا التراث يمثل جزءا مهما من ثقافتنا، هذا إذا أخذنا التراث بمعنى "تمثيل الماضي"، أنا شخصيا أبتعد عن مثل هذا الموقف، وانطلق من أن التراث يشترك فيه الماضي والحاضر.
إذن هذا المسوغ النظري لدراسة التراث ينطلق من ضرورة اكتشاف حلقات الاتصال بين الماضي والحاضر علما بأننا، على الصعيد العلمي الأكاديمي لا نستطيع التكلم فقط عن هذه الجسور والتواصل.. إنما أيضا هناك اللا- اتصال – بمعنى: ان كل حقبة اجتماعية تمثل شخصية متميزة لها قانونيتها الاجتماعية والاقتصادية – والسياسية والثقافية، وبالتالي فهذه الحقبة وكل حقبة، حينما تحاول اكتشاف مسوغاتها (مسوغات وجودها) فإنها تجد هذه المسوغات فيها نفسها انطلاقا من أنها تمثل حقبة نوعية لها إشكالاتها الخاصة، ولكن هذه الاشكالات تتصف، بشكل أو بآخر، بالاشكالات المنصرمة، وبالتالي فإن التواصل يستدعي هنا اللاتواصل أيضا أي أن اللاتواصل موجود عبر التواصل.
ما أريد قوله هنا: إن ضرورات طرح قضية التراث تنطلق من هذا الاعتبار النظري.. أي من اكتشاف هذه النظرية في صيغة المشكلة العربية التراثية..
هناك شق آخر من هذه الضرورات هو في أننا، نحن العرب مانزال نعيش في الماضي. وهذا يمثل مشكلة اجتماعية واقتصادية وثقافية تراثية.
* "نعيش في الماضي…" بأي معنى؟
– بمعنى أن الوضعية التي كان عليها أن تحقق نموا جديدا يسهم في تجاوز الماضي تجاوزا خلاقا، ولكن مثل هذه الوضعية لا تتحقق.
نعود الى القرن التاسع عشر لنجد أن الطبقة الاجتماعية التي كان عليها أن تنجز مثل هذه المهمة قد اختفت لا لقصور فيها وانما لنشوء وضعية في غاية التعقيد. وهي ما تزال تمارس دورها الى الآن، ما يتمثل فيما سميته بالتواطؤ التاريخي بين الامبريالية الغازية والنظم الاقطاعية وما قبل الاقطاعية. هذا التواطؤ كان قادرا على اجهاض أي تحرك سياسي وثقافي واقتصادي.
وعلى سبيل التمثيل أقول، كان على هذه الطبقة أن تنجز مهمات ثلاثا: أولا: الثورة الاجتماعية. الانتاجية، بما في ذلك الثورة الاقتصادية، وثانيا: الوحدة الوطنية والقومية. وثالثا: الثورة الثقافية. والذي يهم في هذا كله، هو الثورة الثقافية. هذه الثورة لم تتحقق وانما نشأ ما لا يخرج عن الاصلاح البسيط. فنحن نقرأ الفكر العربي الحديث، فنجد مصلحين، ولا نجد من يسمي نفسه بالثوري. أي أن هذه الطبقة لم تحقق المهمات الأساسية التي تتيح لها أن توظف التراث في خدمتها فبقيت تعيش على تراث الماضي – أي أنها لم تكتشف شخصيتها المتميزة، على سبيل المقارنة، قال الفيلسوف الفرنسي فولتير، في مطلع الثورة الفرنسية البرجوازية: إن مهمتنا أن نهمش الاقطاع الثقافي، وقد تحقق ذلك لأن الوضعية الاجتماعية سمحت لهذه العملية الثقافية أن تستمر حتى نهايتها.. فتهمشة وقامت مكانها ثقافة عقلية نقدية. إن لم نقل مادية.. وبالتالي فإن المهمات الثورية الأساسية للثورة البرجوازية تحققت بشكل كبير في الوقت الذي لم تتحقق فيه هذه المهمات في الوطن العربي إلا في حدودها الأولية البسيطة.
* وما السبب الأساسي والجوهري في ذلك برأيك ؟
– السبب، كما قلت لا يقوم في الفكر العربي، كما يقول البعض على سبيل الخطأ.. وانما هو في تلك المعطيات التي تولدت في نطاق التواطؤ التاريخي الامبريالي – الاقطاعي العربي، وعلى هذا فإن المهمة الأساسية المطروحة أمام الفكر العربي التقدمي تكمن في رصد هذه الظاهرة أولا، رصدا دقيقا، ثم في تقديم البديل.
* وما الأفكار أو المسارات الأساسية التي يتحدد فيها هذا البديل عندك ؟
– هذا البديل لا يمكن أن يكون إلا الطرح الجديد للمسألة الثقافية في سياق الثورة الاجتماعية والثقافية. أي أن طرح المسألة التراثية ضمن هذا المنظور المنهجي يعني الابتعاد عما يمكن تسميته بالتراثوية. وهذه الظاهرة نواجهها لدى بعض الباحثين التراثيين الذين يقولون بأن حل اشكالاتنا يكمن أولا وأخيرا في حل مشكلات التراث.
* والحقيقة.. هل هي في هذا فعلا؟
– الحقيقة، إن هذا الكلام صحيح وخاطيء في آن معا:
فهو صحيح لأنه يأخذ جانبا من المشكلة، ويؤكد على أن قضية التراث تمثل وزنا مهما في المشكلات الواهنة..
وهو خاطيء إذا اعتبرنا المسألة التراثية المبتدأ والمنتهى في هذه الاشكاليات. إن اكتشاف السياق التاريخي لمسألة التراث العربي في نطاق الثورة الاجتماعية والثقافية يكمن في أننا استطعنا أن نتلمس القضية في نطاقها الأولوي الدقيق، وبالتالي أريد أن أقول هنا إن الثورة الاجتماعية التي لابد لها أن تؤدي الى الاشتراكية تمثل الشرط الموضوعي للثورة الثقافية.. والثورة الثقافية تمثل بدورها الشرط الذاتي للثورة الاجتماعية. ثم فيما يخص قضية التراث، فإن الثورة الثقافية تمثل الشرط الموضوعي للثورة التراثية وكذلك الثورة التراثية، بما هي مشكلة مخصصة في غاية الأهمية، تمثل بدورها الشرط الذاتي للثورة الثقافية.. فلا نستطيع أن نطرح قضية الثورة الثقافية إلا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الدقيق القضية التراثية، لأنها هنا تمثل لولب المشكلة. فإن نسحب هذا البساط العصروي التلفيقوي والتقليدوي من تحت أرجل دعاة هذه النزعات، معناها أن نحرر العقل العربي، ونتيح له فرصة تقبل التراث بعقلية علمية نقدية.
* وهذا ما يفترض أن تكون أسئلتنا، التي نطرحها على كل من الحاضر والتراث غير تلك التي تم طرحها بالأمس.
– لا شك أننا مدعوون الى إعادة النظر في الأسئلة. فنحن لا نجيب عن أسئلة طرحت ضمن إشكاليات محددة، إنما الأمر المقترح الآن هو أن نشخص موضوع البحث ليس على النحو الذي طرح في سياق النزعات التي أشرت اليها، في هذا المعنى، إن الوعي الذي تولد في نطاق تلك النزعات وعي زائف ومزيف في آن واحد.. وبالتالي لابد أن نعيد النظر في الأسئلة نفسها.
إن هذا لا يعني أن هناك نقاطا مضيئة وكثيرة أحيانا في نطاق النزعات نفسها، ومن هنا أقول: إن البديل التراثي الذي يطمح هذا البديل الى أن يكون فيه هو، بمعنى ما، الوريث الشرعي لتلك النقاط المضيئة التي يمكن توليدها هنا في نطاق النزعات المشار اليها في نطاق الفكر التراثي العالمي عموما، والأسئلة هنا، أيضا لابد من إعادة صياغتها.
أريد هنا أن أشير الى ما قاله "عبدالله القروي" مثلا. قال: نحن لا نضع أسئلة إنما كنا نجيب عن أسئلة وضعها الغير (ويقصد بالغير، هنا، الأوروبيين)، وفي الحقيقة هذه قضية منهجية في غاية الأهمية، واشكالية، في آن واحد.
يد هنا أن أثير ما يمكن تسميته بقانون العلاقة بين الداخل والخارج. فالداخل يعني الوضعية الذاتية التي تتسم بخصائص اجتماعية واقتصادية وسياسية وقومية وثقافية. هذه الوضعية هي التي تحدد ملكة التعامل مع الخارج – مع الغير، سلبا أو إيجابا. ففي مرحلة إخفاق الثورة العربية الديمقراطية البرجوازية في القرن التاسع عشر ظلت هذه الوضعية الذاتية هي التي تملي على الغير كيفية ومستوى التأثير فيها بصيغة أخرى – غير التي يريدها أو يردها الأوروبي الرأسمالي المتطور الذي وصل الى قمة الامبريالية في القرن التاسع عشر، هذا "الغير" عمل، ولا شك على أن يدمر القانونية الداخلية للتطور في الوطن العربي. وهذه العملية لم يكن ممكنا تحقيقها إلا من موقع الذاتية العربية، أي كانت هناك مقومات أساسية في الوضعية العربية الذاتية هي التي سمحت لهذا "الغير" أن يملي عليها ما يريده ويرده.
بصيغة أخرى إن الأسئلة هنا حددت من الغير، ولكن من موقع الوضعية العربية نفسها. ولذلك غاب عن القروي أن هناك علاقة لا يمكن تجاوزها في التعامل بين الداخل والخارج هي العلاقة التي تتعين في أن الوضعية الداخلية تمثل مبتدأ ومنتهى في تقبل كل شيء يدخل ويخرج وهذا يجعلنا نخلص الى نتيجة هي أن ما يسمى عادة وعلى سبيل الخطأ العلمي، بالأفكار المستوردة أو الدخيلة لا يعني شيئا هذا الكلام لا يمثل ضلالة معينة على الصعيد المنطقي والفكري. ليست هناك أفكار مستوردة، إن وضعية ما حين تكتسب أفكارا ما تكون في موقع يتيح لها تقبل هذه الأفكار سلبا وايجابا.
الحقيقة أنا في ما سميته بالبديل، أريد له أن يمثل دليلا على صعيد المشكلة التراثية انطلقت من مباديء أساسية هي، إن التصدي لقضية التراث لا يمكن أن يكون إلا في المرحلة المعاصرة – ولكن المرحلة المعاصرة في أفقها الذي يعني: التجاوز الجدلي الخلاق للأطر المتسمة بالاخفاق الاجتماعي والاقتصادي، الوطني والقومي. بصيغة أخرى أقول: توصلت الى نتيجة أن تجاوز هذا الاخفاق يتم عبر الوحدة الوطنية والقومية والثورة الاجتماعية الاشتراكية، واعتبرت هذين الأمرين يمثلان وجهين لمسألة واحدة هي مسألة الثورة العربية المعاصرة.
من هذه المرحلة المعاصرة في أفقها الناهض يمكن أن أنظر الى قضية التراث. والنظر الى التراث هنا يعني أولا أننا حينما نعود الى الماضي والحاضر إنما نعود اليهما ضمن الأفق النظري المنهجي المتاح لنا في إطار هذه المرحلة أي أن المعاصرة هي التي تحدد لنا المستوى – الأداة التمهيدية – التي ننطلق منها في فهمنا لقضية التراث.. وثانيا، إن هذه المرحلة المعاصرة في أفقنا الناهض هي التي تحدد لنا أيضا النسق الايديولوجي الذي نتوجه من خلاله الى هذه المشكلة. وبطبيعة الحال فإن كل فئة اجتماعية وكل طبقة اجتماعية عربية فعلت ذلك فهي تنطلق من مستوى تصورها النظري وتصورها الايديولوجي – أي موقعها – الذي تمارسه. وهذا الأمر ينطبق أيضا على القوى الجديدة في الوطن العربي التي تمارس الحق نفسه.. ولكن الفرق الأساسي بين هذه المجموعة الأولى يكمن في أن القوى الناهضة الجديدة تنطلق من رؤية علمية تمثل فعلا الحقيقة النقدية في عصرنا الراهن تلك التي تتمثل فيما سميته بالنظرية الجدلية التراثية التاريخية.
* نحن نعرف أن تراثنا لم يكن تراثا حياديا تجاه كثير من الأمور والقضايا المطروحة، أو المعروضة عليه في عصوره المختلفة. إلا أن ما يلاحظ اليوم هو أن بعض الدراسات المعاصرة التي تناولت هذا التراث قدمته بصيغة من صيغ الحياد الموقفي، أو أفرغته من مضمونه الموقفي الفعلي.
– الحقيقة أن نقول: إن تراثنا ليس حياديا، فهذا أمر صحيح، ويصح أيضا، على كل تراث إنساني.. كأنما:نقول: نحن الآن لسنا محايدين لأننا نحن سوف نصبح جزءا من موروث يستخدمه اللاحقون. الاسلاف كانوا أيضا غير محايدين انطلاقا من أنهم مارسوا نوعا اجتماعيا معينا على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي فظاهرة الحياد، موضوعيا ليست موجودة في الأصل.. إنما مفهوم الحياد اهو الذي ظهر في شكل من أشكال التعمية الاجتماعية. أما الحياد، واقعا فليس له وجود. والتراث مظهر من مظاهر الوجود الانساني – الاجتماعي. (وهنا أشير الى ضرورة التمييز بين التراث والتاريخ).
* بمعنى: إن التراث والتاريخ لا يمثلان الشيء نفسه.
– كباحث في تاريخ التراث قمت بدوري في تحديد ما سميته بالحدث الاجتماعي. ان الانسان يقوم بدور اجتماعي ما، أي يصنع حدثا ما وهذا الحدث (الاجتماعي) حين يتجاوز اللحظة التي تم فيها يكون قد دخل في الحدث التاريخي – أي تجاوز تموضعه الاجتماعي.
إلا أن الاجتماع يبحث في الحدث الاجتماعي.. في منشأ هذا الحدث.. في تنوعه وفي اكتسابه انساقه الاجتماعي وتكوينه الداخلي. ولكن حالما ينقضي هذا الحدث ويدخل في عملية الصيرورة، يتحول الى حدث تاريخي. وهنا يجب على التاريخ أن يجد نفسه أمام مهمة دراسة هذا الحدث الاجتماعي.
أما الحدث التراثي فهو القاسم المشترك بين المرحلة المعاصرة والمرحلة الماضية. ومن هنا فإن الحياد فيه ليس واردا، انطلاقا من أن هذا الحدث الانساني بصيفه الثلاث: الاجتماعية والتاريخية والتراثية، حدث أنتجه أناس فاعلون لهم اشكالاتهم الخاصة، الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والثقافية.. وبالتالي فإن النزعة التحليلوية التي أتيت عليها تمثل موقفا خاطئا على الصعيد النظري العلمي، لأنها تريد لهذا الحدث الاجتماعي والتاريخي والثقافي أن يبحث من موقع بعيد عن سياقه الذي اكتسبه. فالمسألة ليست في أن نجرد الحدث الاجتماعي من سياقا التاريخي، أو ننزع عنه أطره التي اكتسبها ضمنا، منطلقين من موقع توثيقي، الحياد هنا غير وارد، وتراثنا مليء بالاشكالات، كما نحن إلا أن المسألة هي: من أي موقع منهجي نستطيع دراسة هذه الظاهرة دراسة علمية ؟ فالخلاف هنا ليس بين أن نكون حياديين أو لا حياديين، إنما الخلاف هو: من أي موقع يمكن أن نكون متحزبين، وفي الوقت نفسه متمسكين بالحقيقة العلمية ؟ فهذا يعني أن "التحزب" يمكن أن يكون مندرجا في إطار النزعتين: النزعة العلمية النقدية، وبالتالي فهو تحزب للحقيقة التاريخية والاجتماعية، التراثية.. كما يمكن أن يكون تحزبا لا ينطلق هن واقع الحال، وانما من واقع يعمل على تزوير هذه الأنساق الثلاثة. فالحياد ليس أكثر من وهم.
من المؤسف أن الكثير من الباحثين العرب وقعوا تحت تأثير السلفوية والعصروية،والتلفيقوية والمركزية الأوروبية حين قالوا: علينا أن نرفض كل ما من شأنه التمهيد والأدلجة لهذا الذي نسميه تاريخا وتراثا عربيا، ونبحث في هذه المسائل من موقع أكاديمي، حيث تتحدد مهمة الباحث التراثي، هنا، أولا وآخرا في اكتشاف الوثائق وضبطها، وإخراجها للناس لكي نقول في النهاية إننا قمنا بواجبنا تجاه الموروث العربي. وبطبيعة الحال، هذا غير سليم ولا صحيح.
* وهذا يقودنا الى مسألة المنهج في دراسة هذا التراث وفي اعادة تقويمه وتقديمه.
– الحقيقة أن هذه المسألة تمثل ألف باء الدخول الى المشكلة التراثية. وأؤكد هنا، على سبيل المثال، أن "أدونيس" قال في أحد أجزاء كتابه «الثابت والمتحول» أنه يريد أن يبحث في الشعر العربي ليس من موقف مسبق، وانما يريد أن يولد الموقف المنهجي من هذا التراث نفسه. أي أن يكتشف السياق التاريخي التراثي دون أية نظرة مسبقة. والحقيقة أن هذا الموقف يثير إشكالا أساسيا في قضية المنهج. فأدونيس يرى ضرورة الاقبال على التراث الشعري العربي دون أي رؤية مسبقة، ويقول أيضا: إن محاولة دراسة التراث من موقف مسبق يسيء الى التراث نفسه. وهذا الكلام، حقيقة، وجه من أوجه إحدى المنهجيات، فهو إذن، يمارس منهجية معينة إنه، هو نفسه، ينطلق من موقف مسبق في رؤية هذا الموروث الشعري.
الجانب الآخر من المسألة هو أن القضية تكمن في أن هذا السياق الذي يريد "أدونيس" دراسته يؤدي، بدوره الى موقف منهجي معين.
مشكلة أخرى: منهجية علمية، أو يراد لها أن تكون علمية معاصرة، هي نفسها وليدة هذا السياق، وبالتالي فإن المنهجية العلمية لا تمثل أمرا مقحما على السياق نفسه.. قد تمثل امتدادا طبيعيا ومنطقيا للسياق التراثي التاريخي.
لذلك أرى أن قضية المنهج لابد من حسمها حسما أوليا قبل الاقبال على العملية، وهذا لا يعني القول: إننا اخترنا هذا المنهج، وعلينا أن نقبله لدراسة التراث العربي، وانما نستطيع التوصل الى أن هذه المنهجية هي التي ولدت تاريخية تراثية، وبالتالي فإنها هي القادرة على العودة الى الموروث لتفني نفسها عبر اكتشافها هذا الموروث.
لقد اهتممت بما سميته بالموقف الجدلي التاريخي التراثي وهذا الموقف يعني أن نكتشف أولا الحدث الاجتماعي في سياقه الذاتي، أي كما نشأ هو بذاته، ولكن عبر تولده وبالتالي عبر امتداده تاريخيا وتراثيا.
هذه العملية المركبة والمعقدة (الانتقال من الجزء الاجتماعي الى الجزء التاريخي الى الجزء التراثي، ثم الانتقال من الكل الاجتماعي الى التاريخي فالتراثي) مسألة منهجية، وقد تولدت تاريخيا وبالتالي فإن المنهج هنا غاية في الأهمية لأنه لا يضيء لنا المشكلة التي نتصدى لها.
بطبيعة الحال نحن لا نستطيع، رغم ذلك، أن نقول مع عزالدين اسماعيل أن المشكلة الأساسية الحاسمة في الفكر العربي الحالي هي مشكلة المنهج… إذ ربما يؤدي هذا الى ما نسميه بالمنهجوية – أي أن المشكلة، أولا وآخرا، تكمن في ايجاد المنهج.
أريد القول هنا ان القضية ذات أبعاد مركبة ومعقدة، فهي ذات بعد منهجي ثم ذات بعد تطبيقي – والبعد التطبيقي يكمن في اكتشاف المنهج ممارسا، وإلا فإننا سوف نرتد الى ظاهرة التأملوية التي تحيلنا بدورها الى "سرير بروكوستا" الشهير، الذي يتصدى لضحاياه، من الرجال والنساء، فيأتي بهم الى سريره ويقص ما يزيد عنه أو يمط ما ينقص عن طول هذا السرير حفاظا على التطابق القسري بين الضحية والسرير. فالمسألة المنهجية إذن، هي أيضا ذات بعد، تطبيقي في المنهج في أي سياق جاء. أي أن ممارسة المنهج ممارسة تطبيقية على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي أمر ذو أهمية بالغة. ولا شك في أن المناهج متعددة ولكنني أعتقد أن المنهج الأكثر قدرة – على الأقل في المرحلة الراهنة – هو هذا الذي نعرفه: بالجدلية التاريخية التراثية.
* هنا أريد أن أسأل: أية أسئلة كانت في ذهنك وأنت تقبل على قراءة هذا التراث العربي لتقديمه ضمن رؤية جديدة ؟
– الحقيقة إن كتابتي كتاب "من التراث الى الثورة" كانت بفعل ما تولد في ذهني من قراءات للتراث نفسه، أي أن مواجهتي الاشكالات التي وجدتها في التراث العربي، وبخاصة في التراث الفلسفي والنظري بعامة، هي التي أثارت في ذهني قضية المنهج الذي عليه أن يتصدى لهذا المسائل النظرية – وقد كانت مسائل عديدة منها مثلا ما وجدته في أوروبا من خلال ذلك التيار المخيف: تيار المركزية الأوروبية الذي يعصف بالفكر الأوروبي حاليا، هذا التيار وضعني أمام سؤال كبير، هو: ما موقع الفكر العربي في سياقاته التي أشرت اليها: الاجتماعية والتاريخية والتراثية ؟ وكنت أجد نفسي عاجزا عن مواجهة هذا السؤال انطلاقا من أن المركزية الأوروبية مارست دورا كبيرا في صنع الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر..
لكن المركزية الأوروبية ليست هي المهيمن في كل أوروبا، وانما تمثل قطاعا مهما في الفكر الأوروبي. وهذا يعني أن هناك المنهجية الأخرى التي أرى فيها بديلا حيا، تلك التي تمثلت بالفكر الماركسي. فالماركسية هنا تعني منهجا بإمكانه أن يتصدى للمشكلة التراثية والتاريخية والاجتماعية في الوطن العربي انطلاقا من أن هذا الفكر وهذا المنهج يكتسب قدرته كما يكتشف فيه هذا الواقع المخصص شخصيته.
صيغة أخرى إن الماركسية طرحت فكرة العام والخاص.. وأعتقد أنها تمثل هنا المدخل الى فهم قضية المنهج، والعام والخاص، هنا، بمعنى أنها، وهي العام ليست شيئا إلا بقدر ما تستطيع اكتشاف الخاص (العربي أو الصيني، أو الفرنسي…الخ) وهذا الخاص يبقى بعيدا عن التطبيق ما لم يوضع في سياق العام.. والعام بدوره، لا يمثل شيئا بعيدا عن هذا الخاص. لذلك، فالفكي العلمي علمي بقدر ما يكتشف شخصيته، عبر الدراسات الميدانية التطبيقية.
من هنا وصلت الى أن المركزية الأوروبية التي تقصر الواقع العالمي ضمن أحد أبعاده، وهو البعد الأوروبي، هي نظرية خاطئة علميا، وسيئة اجتماعيا وقوميا ووطنيا، فمثل هذه النزعة لا يمكن تجاوزها إلا عبر منهج علمي دقيق، يأخذ الواقع العام كما هو – أي بوصفه مشكلة عامة – ثم يطرح هذه العموميات ضمن الخصوصيات.. وبالتالي فإن العام يكتسب شخصية في الخاص، والخاص يكتسب أيضا شخصية في العام. والفكر الماركسي بوصفه منهجا، وهو الذي أتاح لي التوصل الى هذا المنهج الذي استطعت من خلاله التصدي لمشكلات التراث العربي تصديا نظريا، منهجيا وتطبيقيا.
إلا أن هذا لا يعني أن هذا المنهج يعطينا المفتاح السحري الذي يستطيع حل الاشكالات جميعا دفعة واحدة. ولكن ما يمكن قوله في الحد الأساس الأدنى، هو أن هذا "المفتاح" بإمكانه أن يطرح الاشكالية بصيغة صحيحة – أي بصيغة غير زائفة.. وربما يسمح أيضا، أن نضع أيدينا على القضية بالحدود الأولى. إلا أن البحث الميداني نفسه هو الذي يعمق المنهج، وعليه أن يفعل ذلك والمنهج هنا، ليس مقحما على العملية بقدر ما هو مدعو الى أن بعمق ويخصب عبر الدراسات الميدانية.
* ولكن، الا تجد أننا في كثير من توجهاتنا نحو التراث إنما نعبر عن أكثر من قضية وموقف: قد نعبر عن قصور ثقافتنا الحاضرة وفكرنا المعاصر عن تقديم إجابات شافية عما نواجه من أسئلة يطرحها علينا واقعنا فيما يعيش من مشكلات أو يمر به من إشكالات، وقد تكون هذه العودة ضربا من ضروب "التقية" نلجأ اليها للتمويه تعبيرا عن موقفنا الراهن. وقد تكون تراجعا، وعدم جرأة في إعلان الموقف المطلوب هنا في الحاضر.
– الحقيقة إن قضية "التقية" التي ذكرتها كانت وما تزال تمثل أمرا ذد شأن في حياة المثقفين والمفكرين والعرب عموما.. وأذكر، على سبيل المثال، ما كتبه الفيلسوف "ابن طفيل" في سياق هذه القضية، إذ قال: إن الملة السائدة في عصره لا تسمح لنا أن نخوض فيما نحن بسبيل الخوض فيه، ولذلك على الانسان النبيه أن يستشف ما نريد قوله تقريبا. وهذا الكلام يمكن أن يردده الآن كل مثقف في جميع اتجاهات المثقفين.
* الى أي العوامل تعيد هذه المسألة ؟
– أنا أعيد هذه المسألة الى مرحلة الاخفاق.. الاخفاق الكبير الذي تولد من خلال التواطؤ الاقطاعي – الامبريالي، وما قبله، وهناك أمثلة عديدة تبدأ بالرواد الأوائل، من الطهطاوي وصولا الى مرحلتنا المعاصرة. وربما نستطيع ضرب مثال على هذا بطه حسين، أو علي عبدالرازق.. هذان اللذان أدينا، وضعت كتبهما بعض الأحيان، لأنهما حاولا أن يطرحا شيئا ما يخالف التكوين الثقافي السائد.
وهو ما يعني ويشير الى أن المعالجة العلمية الدقيقة للاشكاليات القائمة في الوطن العربي تثير صعوبات كبيرة. ومن هنا أريد إثارة المسألة الثقافية والتراثية في الوطن العربي عامة.. ولكنني أدرك أنها سوف تجد نفسها، مرة أخرى، أمام صعوبات جديدة.
بصيغة أخرى، أذكر ما قاله "العروي" من أن المشكلة الرئيسية في الوطن العربي هي، حاليا، كيف نجعل من الايديولوجيا الثورية ايديولوجيا مهيمنة. فهو هنا يحصر القضية الأساسية في الوطن العربي بالقضية الايديولوجية.
* وأنت، ماذا ترى في هذا الخصوص ؟
– أنا أرى أن هذا يمثل أحد الأخطاء الكبيرة التي تسهم في تعقيد الاشكالية القائمة. إن المسالة ليست مسألة ايديولوجيا، وانما هي مسألة الثورة العربية، والثورة العربية ليست هي «الثورة الثقافية» فقط، انما هي الثورة الاجتماعية، والوطنية القومية، وفي سياق ذلك: الثورة الثقافية، ومن هنا لابد من الوصول الى ما يتيح للفكر العربي أن يكتسب حماية، لقد سقط المصلحون العرب الحديثون والمعاصرون بسقوط الطبقة الاجتماعية التي تتيح لهم التقدم في فكرهم بشكل أو بآخر. ومن هنا أجد أن بداية الحل لهذه المسألة تنحصر في إيجاد تنظيم اجتماعي – سياسي يسمح بحماية هذا الفكر، ليس من الخارج – أي الا يكون هذا التنظيم «حاميا تنظيميا» بيروقراطيا، وانما أن يمثل هو نفسه صيغة سياسية واجتماعية واقتصادية عامة.
إذن، الثورة العربية، بهذا المعني هي مفتاح الدخول اليها – أي بتسييس الفكر العربي وجعله أمام المهمات والأطر التي نجد أنفسنا أمامها. أما إذا حصرنا أنفسنا في نطاق المشكلات الثقافية، فإن هذا سيخلق أمامنا مشكلات جديدة ستدعونا، مرة أخرى، الى الانكفاء والارتداد والقنوط، بحيث نجد أنفسنا يدا بيد مع أولئك المصلحين الأوائل الذين ابتعدوا عن الساحة بعد أن اكتشفوا وحدانيتهم.
إن المشكلة الثقافية هي في الأساس مشكلة سياسية، لذلك لابد من طرح القضايا السياسية في الأفق التنظيمي والسياسي بحيث نجد أنفسنا أمام مخرج أولي للمشكلة الثقافية عامة، والتراثية بصورة خاصة.
* ولكن ألا تجد أن مجرد ومع التراث في مشروع رؤية جديدة يعني، في بعض ما يعنيه، البحث لثورتنا العربية عن "شرعية تاريخية"، وعن حماية – نظن إنها لا تتوفر لها، على النحو المطلوب، إلا من خلال التراث وما هو تراثي أصلا؟
– الحقيقة إن صيغة السؤال ربما تؤدي الى نزعة نزعوية. معنى ذلك: إننا نريد توظيف التراث بطريقة يخدم بها مرحلتنا المعاصرة، ويتيح لنا أن نكتسب مشروعيتنا أمام من يخاطبنا. ولا شك أن التصدي لهذا التراث في المرحلة المعا هوة يطمح في الوصول الى مثل هذه الشرعية، ولكن كما أشرت في بداية هذا الحديث، أن التصدي للتراث ليس أمرا ايديولوجيا فقط، وانما هو أمر نظري أكاديمي أيضا، بمعنى: إننا إذ نتصدى للقضية التراثية لا ننسى المرحلة المعا هوة التي نعيشها، والتي تكتسب قانونيتها منها نفسها، انطلاقا من أن كل مرحلة اجتماعية تاريخية تمثل مرحلة نوعية لها خصوصيتها النسبية ولها اشكالياتها وتساؤلاتها… وبالتالي فإننا عندما كنا ندعو الى الثورة الاشتراكية، فإننا لسنا بحاجة أساسا للعودة الى التراث لكي يمنحنا مشروعيتنا، ولكن على صعيد الواقع التطبيقي أي حينما نواجه الجماهير العربية، فإننا لابد واجدون أنفسنا أمام ضرورة التصدي لهذه القضية أي قضية اكتساب المشروعية التراثية.
* وهذه الجماهير التي عليها أن تحقق الثورة العربية، لماذا ما تزال تعيش في الماضي؟
– إن العودة الى التراث تمثل أفقا نفعيا (ولا أقول: نفعويا – أي يعمل على توظيف هذا التراث، بوصفه قضية في خدمة الاشكالية القائمة في المرحلة المعاصرة)… ومن ثم فنحن لا نكتسب مشروعيتنا من الماضي – كما يريد البعض – إن مشروعيتنا قائمة في مرحلتنا الواهنة، ولكن هذه المشروعية ذات بعد تراثي يتيح لنا أن نعود الى الماضي وتحقق هذه المشروعية بشكل آخر.
إن العلاقة بين الخارج والداخل (الداخل يعني أننا نعيش داخل إشكالياتنا والخارج يعني هنا، الماضي القومي والماضي الأوروبي العالمي، ثم الراهن العالمي) يمنحنا كل المشروعية لأن نحقق ثورتنا العربية المعاصرة.
إلا أن هذا "الخارج" إذ يدخل في بنيتنا الداخلية، فإنه يدخل على سبيل الانصهار ليصبح جزءا من هذا "الداخل".
فالمشروعية، إذن، مسألة قائمة هنا، ولكن ليست كما نرى، فنحن عندما ندعو، مثلا، الى الوحدة الوطنية والعربية، والاشتراكية، ليس لأننا مدعوون الى العودة الى الماضي لنكتشف هذه المسائل فيه، وانما لأن مقتضيات المرحلة المعا هوة تؤدي الى مثل هذه الطروحات. فمشروعيتنا، إذن مشروعية ذاتية إلا أنها في سياق العلاقة بين الماضي والحاضر نكتشف فيها بعدها التراثي الذي يتحول بدوره الى وجه من أوجه المرحلة المعاصرة.
* وما الأساس الذي تقوم عليه لم أو الجذر الذي تنطلق منه هذه الرؤية المستقبلية عندك ؟
– الرؤية المستقبلية هي نفسها الرؤية التي تصديت من خلالها للماضي والحاضر، المستقبل، في الحقيقة، هو أحد أبعاد الوجود، أي أن عملية التواصل بين الماضي والحاضر تؤدي بدورها الى تواصل مع المستقبل، هذا المستقبل سوف يصبح وجها من أوجه الماضي بالنسبة للاحقين… وبالتالي فإن تحديد سمات المستقبل لا يمكن أن تكون دقيقة إلا إذا حددنا سمات الحاضر في الأفق التاريخي، التراثي.
إن المستقبل سوف يكتسب بدوره مشروعيته الذاتية، فالمستقبليون – أي أخلافنا – لن يجدوا أنفسهم في المستقبل مدعوين من حيث الأساس الى أن يعودوا الينا لكي يكتسبوا مشروعيتهم لاحقا. إن مشروعيتهم مكتسبة ضمن أطرهم التي سيعيشون فيها، ولكنهم انطلاقا من عملية التواصل التاريخي – التراثي لابد أنهم سيكتشفون علاقتهم معنا.
هذا المستقبل في إطاره هذا، سوف يصنعه الآخرون، ولسنا نحن. نحن نصنع المرحلة الواهنة في أفق مستقبلي، وهذا يذكرني بكلمة ممتعة وذات دلالة، قالها "الجاحظ" المفكر العربي الكبير. قال: سوف يخسر المرء حين يقول إن السابق قد أنهى اللاحق. فاللاحقون سيخسرون كل شيء إذا اعتمدوا علينا – وإن كنا نصنع تاريخنا الراهن من أفق مستقبلي ناهض.
* اذن، هناك اشكاليات في راهن ثقافتنا وفكرنا.. لابد من حلها أو السير نحو تجاوزها.
– إن تجاوز هذه الاشكاليات لابد أن يأخذ بنظر الاعتبار الخصوصية النوعية للوضعية العربية الواهنة – والخصوصية، هنا، في إطار المنهج. وهذه الخصوصية تمثل موقفا نسبيا، ينبغي الا تعني أمرا مطلقا يؤدي الى التقوقع.
إن نشوء الامبريالية في القرن العشرين خلق ما يمكن تسميته بالعالمية الامبريالية، حيث نشأت، ودخلت وأوجدت قوانينها الاقتصادية والسياسية وجعلت من العالم وحدة في نطاق العلاقات الدولية.
إلا أن هذا يمثل الوجه الأول للمشكلة أما الوجه الثاني، وفي موقف مماثل للوجه الأول، فهو عالمية الثورة. إن أي تصد للمسألة على الصعيد العالمي يستدعي أن نربط نشاطنا في إطار الوصول الى وحدة عالمية، على أساس أن أي تحرك اجتماعي أو ثقافي أو اقتصادي، أو أي وطن، لابد أن يصطدم بمصالح الامبريالية عامة، وعلى الصعيد الثقافي، خصوصا، نجد الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر حتى الآن قد رزيء من قبل الايديولوجيات والفلسفات الامبريالية انطلاقا من المركزية الأوروبية وحتى الوجودية.
* في نطاق هذه المسألة، ما هو الفكر الذي تجده مسعفا لنا في تصدينا لمسائلنا الواهنة، ثم في التصدي للاغلال الفكرية الامبريالية ؟
– هو ذلك الفكر الذي أصبح قادرا على حل مشكلاتنا في نطاق كوننا نمثل جزءا من الثورة العالمية، هذا الفكر، كما أراه، هو "الاشتراكية العلمية" على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، و"الفكر الجدلي" على الأصعدة الثقافية والفلسفية والنظرية عامة.
* لماذا هذا الفكر وليس فكرا آخر سواه ؟
– السبب يكمن في أنه قد نشأ، حيث نشأ، بصفته وريثا شرعيا للفكر التقدمي العالمي،إن هذا الادعاء من قبل هذا الفكر يقوم على أساس أنه ولد في المرحلة النهائية للمجتمعات ما قبل الاشتراكية – أي أنه استطاع أن يلخص، بصورة أساسية مختزلة، الصيغ العامة الرئيسة في الفكر التقدمي العالمي، وبالتالي فإن الفكر العربي الوسيط، مثلا وجد تموضعه المنطقي في هذا الفكر الجدلي في العصر الحديث.
من هنا نجد هذا الفكر يحتوي على الخصوصية والعمومية في آن واحد: إن الخاص بقدر ما يستطيع الانسان تطبيقه في هذه الوضعية أو تلك.. وهو العام بمعنى: إنه يمثل بناء هذه الخصوصية، فنحن في واقعنا العربي الراهن لا نستطيع تحقيق أية خطوة إيجابية ما لم نلتزم مسألة التقدم الاجتماعي، والوحدة الوطنية، والوحدة القومية، فهذه القضايا مسائل منهجية بحثت من قبل هذا الفكر المنهجي الذي أشرت اليه.
* ولكن، هل تجد من علاقة، قائمة أو محتملة، بين هذا المنظور للترات وبين ما ندعو اليه اليوم من ثقافة عربية جديدة ؟
– لا شك أن الثقافة العربية الجديدة هي جزء من الثقافة العالمية، والثقافة العالمية هي جماع الثقافات البشرية.. وبالتالي فنحن أمام حقبة جديدة من البحث العلمي هي: حقبة الفهم الجدلي للتاريخ العالمي، هذا الفهم يسمح لنا أن ننظر الى الثقافات العالمية على أنها ذات بعدين: بعد تأثير وبعد تأثر. والفكر العربي الوسيط كان من الأفكار المبدعة التي استطاعت أن تسهم في دفع الفكر الأوروبي البرجوازي الناهض الى الأمام، وعلى وجه التحديد: ابتداء من القرن السادس عشر.
الفكر العربي يعاني حاليا من مسألتين:
– أولا: مسألة التهيج.
– ثانيا: مسألة التنهيج في سياق الواقع الخاص، الميداني.
تجاوز هذه الاشكالية الثنائية – أي النظر والعمل – لابد له أن يأخذ بنظر الاعتبار ضرورة وجود مجموعة من المثقفين والمفكرين العرب الذين يتداعون لبحث هذه المسألة بصيغة جماعية خالصين الى منهاج عمل يتيح لمم رصد ظاهرة الواقع العربي بمختلف اشكالاتها. وبالتالي فإن هذا المنهاج يستطير أن يشكل منهجا علميا تطبيقيا في العملية الثورية العربية. إن الفكر العربي، هنا، فكر ذو بعد محدد المعالم. إنه الفكر الثوري والعلمي، أو أن صيغة "العربي" فيها بعض التعميم. هذه الصيغة التي تدعونا الى أن نخصصها، إذ نقول: "الفكر العلمي الثوري"، لأن هناك فكرا عربيا آخر، هو الفكر العربي السلفوي، العصروي. فالدعوة الآن تكمن باتجاه خلق هذا الفكر العلمي الثوري القادر على رصد المشكلة الواقعية في الوطن العربي، والقادر على تجاوزها تجاوزا خلاقا.
إذن، الفكر العربي الناهض، هو الفكر المتسم بمنهج علمي قادر على حل (المسائل الواهنة في آفاقها المستقبلية).
* وأين من هذا ما يشير اليه عديد من الباحثين والمفكرين العرب من وجود أزمة ثقافية يعيشها واقعنا العربي؟
– في الحقيقة، "الأزمة الثقافية" موجودة، وتمارس وجودا كبيرا في الوطن العربي. ولكن المشكلة فيمن يطرح هذه الأزمة، فهم يرونها "حصيلة ذاتها". والحقيقة، أن هذه الأزمة هي وجه من أوجه الأزمة العربية العامة، والأزمة العربية العامة هي في واقع الأمر حصيلة الاخفاق الذي سميته بالتوافق التاريخي بين الامبريالية الغازية والنظم الاقطاعية وما قبل الاقطاعية في الوطن العربي.
الأزمة العربية، بهذا المعى، هي أزمة الاخفاق، وفي الوقت نفسه: الطموح لتجاوز هذا الاخفاق. ومن هما يمكن القول: إن هذه الأزمة هي أزمة نمو. وبتحديد دقيق: بما أنها أزمة نمو في ممثل مرحلة اعتقال.
هذا الكلام لا ينطلق من تفاؤل سياسي، أو ثقافي، بقدر ما ينطلق من معطيات واقع الحال. فإذا ما اعتبرنا الأزمة الثقافية وجها من أوجه مرحلة الانتقال في الوطن العربي، لا يمكننا إلا أن نسيسها -أي ننظر اليها في سياقها من الأزمة العامة التي سميتها بأزمة النمو.
وبطبيعة الحال، فإن الأزمة الثقافية، على الرغم من أنها وجه من أوجه الأزمة العامة، تكتسب شخصيتها المستقلة نسبيا، عن الأوجه الأخرى، والمشكلة التي تبرز هنا هي أن هذه الأزمة تكتسب شقين أساسيين:
– فأولا: أزمة تظهر في صيغة المشكلة التراثية.
– وثانيا: أزمة تظهر في صيغة التصدي للفكر العالمي عموما.
أتيت على المشكلة الأولى فاعتبرتها مدخلا منهجيا للتصدي للقضايا الثقافية الواهنة. أما الجانب الآخر – وهو التصدي للفكر العالمي، بمعنى: مواجهة هذا الفكر العالمي – فها هنا نجد أنفسنا أمام وضعية متسيبة بشكل مذهل، إذ إن الفكر العربي في مجمل اتجاهاته وجد نفسه عاجزا أمام هذا الفكر العالمي.
* وما السبب في هذا، برأيك ؟
– السبب هو في أن هذا الفكر العالمي يمثل فكرا لمرحلة متقدمة حتى النهايات القصوى في حدود القرن التاسع عشر والقرن العشرين. فهو فكر الثورات البرجوازية التي انطلقت من أوروبا محققة كل ما استطاعت تحقيقه على الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، مثل هذا الفكر واجه فكرا وليدا يحبو على قدميه هو الفكر العربي الناهض في القرن التاسع عشر، وبالتالي كان على هذا الفكر أن يفقد الكثير من قدراته لأنه لم يواجه ندا بقدر ما واجه فكرا عملاقا قد وصل الى مراحله القصوى.
لكن هناك مسألة أخرى تتصل بهذا الفكر العالمي، وهي أن هذا الفكر العالمي لا يمثل نسقا واحدا متجانسا، إنه فكر ذو نسقين:
– النسق الغربي – الامبريالي.
– ثم النسق الآخر: التقدمي..
وتحت النسق التقدمي فكران:
– فأولا: الفكر الليبرالي البرجوازي التقدمي.
– وثانيا: الفكر الاشتراكي العلمي.
* وأين هو الفكر العربي الحديث من أنساق هذا التطور؟
– الحقيقة أن الفكر العربي، منذ القرن التاسع عشر حتى بداية الحرب العالمية الأولى، لم يستطع التمييز بين هذين النسقين، فاعتبرهما فكرا واحدا – طبعا هناك استثناءات ولكنها لا تشكل نمطا محدد المعالم وأساسا على هذا الصعيد.
الفكر العربي، بهذا المعنى لابد أن يكون تحليليا.. وبالتالي لابد من التعامل مع الواقع المحلي، والقومي، والاشتراكي، والعالمي.. تعاملا ينطلق من الفكر التحليلي النقدي. هذا الأمر، أرى أنه لا يتحقق إلا في نطاق هذه المنهجية التي دعوتها بالمنهجية الجدلية التاريخية، إذ إن هذه المنهجية تمثل بناء الفكر العالمي التقدمي.
* تقول بهذا انطلاقا من.. ماذا؟
– هذا الكلام يقال انطلاقا من أن هذا الفكر، هو نفسه، قد تأثر بالفكر العربي وبالفكر الصيني.. وبالتالي فهو ليس وليد أوروبا فقط، وانما هو وليد هذا الفكر العالمي عموما.. وبالتالي فنحن إذ نأخذ بهذا الفكر في مرحلتنا العربية المعا هوة فذلك يعني أننا نفني هذا الفكر عبر تطبيقنا له، إذ إن هذا التطبيق ليس ذد بعد ميداني فقط، وانما هو ذو بعد نظري. أي أننا ننظر الى هذا الفكر ونحن نخضعه للواقع المحلي المخصص. وهنا نجد أنفسنا أمام حلقة متفقة الأبعاد.. حلقة عالمية تنطوي على الخصوصيات، كما ننطوي على الكل.
فالفكر العربي، إذن، هو فكر الثورة العربية الاشتراكية العلمية الذي عليه أن يواجه الاشكالية كما هي. وربما تلزمنا هنا عودة مريعة الى اليسار العربي في مواقفه من التراث. هذا اليسار الذي اعتقد أنه انطلق بشكل أو بآخر، من الاشتراكية العلمية، أو من الفكر المادي الجدل عموما.
إلا أنه في الحقيقة أساء لكلا الطرفين: الى الواقع العربي المخصص، والى هذا الفكر نفسه.
* وكيف تفهم الخصوصية في مثل هذا التمثل لقضية الفكر العربي المعاصر؟
– الخصوصية هنا تعطي مدلولا أكثر عمقا.. فهي لم تعد تعني الماضي، وإنما تعني القدرة على إغناء المرحلة القائمة في أفق ناهض، ودفعها باتجاه مستقبلي أفضل.
حوار أجراه: ماجد السامرائي (ناقد من العراق)