مقدمة :
لقد دعت الحاجة إلى اختراع الملابس، للإنسان البدائي الأول، حاجته لستر عورته، واتقائه البرد ولفح الحر، وعليه فإن أول ما اهتدى إليه هذا الإنسان البدائي، لصناعة الملابس، هو جلد الحيوان، فاتخذه وقاية له وسترا، فكان يصطاد الحيوانات أو يربيها؛ ليتخذ من صوفها وشعرها أو برها نسيجا بدائيا يرتديه، أو يتخذ من ألياف الأشجار والنباتات : من القنب والقطن والكتان، ليصنع من ذلك خيوطا يبرمها براحة كفه، أو بمغزل بسيط، ثم يضع طرف الخيط في حجر مسنن أو عصا بُرِيَة من طرفها، ثم ينسج من ذلك شملة أو رداءً.
وتروي الأساطير أن البطلة برتا berta كانت أول امرأة غزلت بيدها، ثم نسجت أول ثوب في العالم ؛ لتجتذب إليها المعجبين، وأما العرب فينسبون صناعة الملابس إلى نبي الله إدريس ـ عليه السلام ـ كما تقول الأساطير اليونانية إن هرمس ( عطارد ) هو أول من صنع الملابس.
وعندما عرفت الفراعنة الملابس، بدأوا بوضع حزام وسط الرجل، ثم يضعون تحته فوطة يسترون بها عوراتهم، أما نساؤهم، فقد كانت تلبس أردية إلى أسفل الركبة، وعندما عرفت الملابس، ولبسها كل الناس، صار الجلد زيَّا تقليديا، لفئة خاصة من الكهنة، وهذه الفئة كانت تستخدم جلد الفهود.
وكذلك الحال عند الإنسان العربي، فإن ملابسهم كما جاء وصفها في الشعر العربي الجاهلي ؛ بسيطة جدا، ليس فيها أي تعقيد، فمنها ما هو مخيط كالقميص والسروال، ومنها ما هو غير مخيط كالشملة والإزار، وفي هذه الملابس ألوان وخطوط وزينة، إلا أنها بسيطة ساذجة، وقد صارت أشكالها تتغير وتدخلها إضافات نتيجة للتغيرات الحضارية التي شهدتها العصور التالية لذلك العصر، وخاصة العصر العباسي.
وعُرِف عن اليمن، أنها كانت متقدمة في صناعة الملابس، والثياب الفاخرة، فكانت تصدرها إلى شبه الجزيرة العربية، في العصر الجاهلي، وكانت لليمن شهرة واسعة النطاق وقتئذ ؛ لجودة صناعتها، ونفاسة مادتها، وبراقة ألوانها ووشيها…
وقد اشتغل في الحياكة، الرجال والنساء، وقد ذكر ذو الرمة مهارة الحضرميات في الحياكة، فيصف رقتهن في الحياكة، في قوله :
كأن عليها سحق لفق تأنَّقت
ْ بها حضرميات الأكف الحوائك
وهذه المنسوجات والملابس اليمنية، تجلب إلى أسوق مكة، في رحلتي الصيف والشتاء، ومن هذه الملابس التي تجلب من اليمن، وذكرت في الشعر الجاهلي :
الأتْحَميَّة : لباس من برود الملونة، وهي جمع بردة، والأتحمية ؛ ضرب من البرود حمراء اللون، ويروي الفراء قوله : التحمة ؛ البرود المخططة بالصفرة، قال رؤبة :
أمْسَى كسَحْقِ الأتحمي أرْسُمُهُ
وقال آخر :
صفراء مُتْحَمةً حيكت نمانِمُها
من الدِّمَقْسِيِّ أو من فاخر الطُّوط
الجَيْشانية :
بردة يمنية موشَّاة، منسوبة إلى جيشان، ورد ذكر هذا النوع من الثياب في شعر عبيد بن الأبرص :
فمِلْنا ونازعْنا الحديثَ أوانساً
عليهن جَيْشانِيَّةٌ ذات أغْيالِ
وأنشد ابن الأعرابي :
قامت تَبَدَّى في جَيْشانِها
أي قامت تتبختر في ثوبها الجيشاني، وهذا الثوب كما يبدو من قوْلِ ابن الأعرابي : أنه لا تلبسه إلا الفتاة المخدومة، ذات الدلال والمكانة العالية.
الحَبَرة : بكسر الحاء وفتحها.
وهو ضرب من البرود، بل هو من أثمن البرود اليمانية، والحبير من البرود، وهو ما كان موشيا مخططا.
وفي الحديث، عندما خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة ـ رضي الله عنها ـ، وأجابته، استأذنت أباها، وكان أبوها ثملا، فأذن لها، وقال : هو الفحل لا يقرع أنفه، فنحرت بعيرا، وخلَّقت أباها بالعبير، وكسته بردا حمراء، فلما صحا من سكرته، قال : ما هذا الحبير وهذا العبير وهذا العقير..
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «مَثَل الحواميم في القرآن كمثل الحِبَرات في الثياب».
وثياب الحِبَرة، من الثياب الغالية، التي يلبسها الأغنياء والسادات، يقول عبيد بن عبد العزى السلامي، يشبه الرسوم بالرداء المحبر :
أتعرف رسما كالرِّداءِ المُحِبَّرِ
برامة بين الهضب والمُتَغمَّرِ
ومما يشير إلى جودة هذا الثوب ونعومته، قول المرار بن منقذ العدوي :
قد لَبِسْتُ الدهرَ من أفنائه
كل فنٍّ ناعمٍ فيه حَبِر
ومنها « الخال « :
وهو ثوب ناعم من البرود، به خطوط سوداء، وقد ذكره الشماخ في قوله :
وبُرْدانِ من خالٍ وسبعون درهما
على ذاك مقروظٌ من القدِّ ماعز
كما جاء في شعر امرئ القيس :
ذعَرْتُ بها سِرْبا نقيّاً جُلودُها
وأكرُعُه وشْيُ البرود من الخال.
الخِمْس :
وهو ضرب من برود اليمن، يعرف بالخِمس أو الخميس، ويسمى بهذا الاسم، نسبة إلى ملك من ملوك اليمن، يقال له 🙁 الخميس)، وهو أول من أمر بصناعة هذه الأردية، فنسبت إليه.
يقول الأعشى، واصفا الأرض، حيث يشبهها بالخِمْس :
يوما تراها كشِبه أرديةِ الـ
خِمسِ ويوما أدِيمَها بَغِلا
السَّحولية :
تجمع على السَّحْل والسُّحُل : وهو رداء أبيض رقيق من القطن، وقد وصفها المتنخل الهذلي بالبياض، حيث يقول :
كالسُّحُل البيض جلا لونها
سَحٌّ نِجاء الحَمَلِ الأسْوَلِ
والسحيل والسحل : ثوب لا يبرم غزله، قال زهير بن أبي سلمى :
يمينا لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سَحيل ومُبرمِ
كما يراد به، الحبل الذي على قوة واحدة، ويراد به : الخيط غير المفتول، قال أبو عمر :
فَتَلَ السحيلَ بمُبْرَمٍ في مِرَّةٍ
دون الرجال بفضْلِ عَقْلٍ راجحٍ
العبقري : نوع من البسط، تصنع من الصوف وشعر الماعز، وعبقرة : موضع في اليمن أو بالجزيرة، يوشى ـ ينقش ـ فيه الثياب والبسط، وهذا النوع من الثياب غاية في الحسن والجودة، فصار مثلا لكل شيء رفيع..
وقد جاء ذكر العبقري، في أغلب الشعراء الجاهليين، ويكفي أن نتخذ مثالا على ذلك، فقد وصف عبيد بن الأبرص، أغطية الهودج وأستاره وزينته، في قوله :
عالين رقْماً وأنماطاً مُظَاهرة
ًوكلةً بعتيق العقــــل مقـرومـــة
للعبقري عليها إذ غدوا صَبَحٌ
كأنها من نجيع الجَوْف مدمومة
وفي حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ : « إنه كان يسجد على عبقريّ »
العصْب : ضرب من برود اليمن، سُمي بهذا الاسم ؛ لأن غزْله يدرج ثم يصبغ، وبسبب صبغه من بعد النسج، نهى عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المُعتدَّة، عن لبسه .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « المعتدة لا تلبس المصبَّغة إلا ثوب عصْب « .
وقد أورد ابن سيده، بيتا لم يذكر قائله :
يبتذلنَ العصب والخـزْ
زَ معاً والحَبِراتِ
التزيدية : برود تنسب إلى بني تزيد، وتزيد أبو قبيلة، وهو تزيد بن حلوان بن عمر بن الحاف بن قضاعة، وإليه تنسب البرود التزيدية، قال علقمة :
ردَّ القيانُ جمال َ الحيِّ فاحتملوا
فكلها بالـتَّزِيديَّات مَعْكـوم
ويُبيِّن أبو ذؤيب الخطوط في هذا الثوب، بأنها تشبه طرائق الدم :
يَعْثُرْنَ في حدِّ الظُّبَاتِ كأنما
كُسِيَتْ بُرُدَ بني تزيد الأذرُعُ
المُقَطَّعات : برود عليها وشي مقطّع، وهي ثياب تشبه الجباب .
جاء ذكر هذا النوع من الثياب في الشعر الجاهلي، على لسان رؤبة :
كأن تحتي ناشطاً مولعا
بالشام حتى خلته مبرقعا
بنيْقة من مَرحليٍّ أسْفعا
تخالُ نِصْعاً فوقها مقطّعا
وتسمى الثياب الموشَّاة، قطوعا، قال الأعشى في وصف بعير له :
أتتك العير تنْفَحُ في بُرَاها
تَكشَّفُ عن مناكبها القُطُوعُ
الشرعبي : ضرب من البرود، جاء ذكره على لسان الأعشى، في وصف امرأة سمينة تثقلها أردافها الممتلئة، وقد تفضلت بثوب شرْعبي واسع عند النوم :
ينوء بها بُوْصٌ إذا ما تفضلت
توعَّبَ عَرْضَ الشرْعبيِّ المُغيَّلِ
والشَّرعبي من الثياب النفيسة، التي يحرص على صونها والمحافظة عليها، ولذلك يشبه الحطيئة صونه لحديث الحبيبة، كصونه للرداء الشرعبي :
أكلُّ الناس تكتمُ حبَّ هندٍ
وما تُخْفِـي بذلك من خفي
مُنعَّمةٌ تصونُ إليك منها كصونك من رداءٍ شرعبيِّ
وينشد النابغة الجعدي، مشيدا بملوك آل جفنة :
إذا ملكٌ من آل جفنة خاله
وأعمامه آل امرئ القيس أزهرا
يـردُّ عـلينا كأسَهُ وشواءَه
مناصفةً والشـرعـبي المُحَـبَّرا
القطْرِيَّة :
القطر، نوع من البرود، نسبة إلى مدينة من المدن العمانية، ينسج فيها البرود من الصوف، إلا أنه رخيص على شهرته، إذ لا يتعدى ثمن البردة الواحدة خمسة دراهم .
ورد ذكرها في الشعر العربي على لسان ابي عمرو :
كساكَ الحنظليُّ كساء صوفٍ وقِطْرِيا فأنت به تفيدُ
ومن الملابس التي كانت شائعة في العصر الجاهلي عند العرب : « الهجريّة «، وهي مدينة في البحرين، عرفت بجودة ثيابها .
و» الصحارية « وفيها يصنع أثوابا عالية الجودة، إلا أنها لم ترد في أشعار الجاهليين، وإنما ورد ذكرها على لسان صحابته الأطهار ـ رضوان الله عليهم ـ حيث قالوا 🙁 كُـفِّن الرسول في ثوبين صحاريين ).
القطيفيات : نسيجٌ ورداءٌ من الخمل ؛ أي المخمل، ورد في أشعار الجاهليين، على لسان الأعشى، بلفظة خَمْل : وهو خمل القطيف المصبوغ بالأرجوان، بعدما ذكر المراكب وما عليها من الخز، والشفوف والباغز :
خاشعاتٍ يُظهرْنَ أكسيةَ الخـ
ـزِّ ويبْطِـنَّ دونهــا بشُفُـوفِ
وحثثنَ الجِمال يسْهَكْنَ بالبا
عز والأرجوان خَمْلَ القطيف
وتجمع القطيفة، على قطائف والقُطُف، وتعرف أيضا بالقراطف جمع قُرْطُة : وهي فرش مخملية، ورد ذكرها بلفظة « القراطف «في شعر معقر بن حمار البارقي، يتحدث عن أُمْنية امرأةٍ ذبيانية، بأن يغنم أبناؤها القراطف والقروف :
وذبيانية أوصت بنيها
بأنْ كَذِب القراطف والقرف
نسج العراق :
جاء في الشعر الجاهلي، ملابس وأرْدية، ذكرت بأسماء البلدان، أو ربما تنسب إلى مواضع ومدن، ربما كانت تصنع فيها، فنسبت إليها، ومن هذه الملابس « حوك العراق» وقد جاء ذكرها على لسان الحُمام ـ امرئ القيس ـ :
جعلْنَ حوايا واقتعدنَ قعائدا
وحَفَّفْنَ من حوك العراق المنمّقِ
كما جاء وصف هذا الثوب أيضا على لسان طفيل الغنوي :
لقد بيَّنت للعين أحـداجهـا معـــا
عليهنَّ حوْكيُّ العراق المُرقَّمِ
عِقارٌ تظلُ الطيرُ تخطف زهْوَهُ
وعالَيْن أعلاقا على كل مُفْأمِ
الديابوذ :
ثوب ينسج على نيرين، ويقال بالفارسية « دُوَابوذ « وهنا لفتة تاريخية : وهي أن العرب الأقحاح كان لا يأنفون من عَـوْرَبة الألفاظ غير العربية، شعرهم الفصيح، ومن ضمنها هذه الكلمة.
وعليه، فقد ورد ذكر هذا النوع من اللباس على الأعشى، عندما كان يصف ثورا وحشيا :
عليه دَيابُوذٌ تسرْبلَ تحته
أرَنْـدَجَ إسكافٍ يخالط عِظْلما
الديباج :
ثيابٌ فارسية الأصل، وأصلها « ديوباف « ؛ أي : نساجة الجنِّ، وردت في شعر مالك بن نويرة :
ولا ثياب من الديباج تلبسها
هي الجياد وما في النفس من دَبَبِ
كما ذكرها الأعشى، عندما كان يدح هوذة الحنفي :
وكلُّ زوج من الديباج يلبسه
أبو قُدامة محبوَّا بذاك معا
الآخني :
ثياب مخططة، سوداء، يلبسها النصارى، قال البعيث :
فكرَّ علينا ثم ظل يجرُّها
كما جرَّ ثوب الآخنيِّ المُقدَّسُ
وهنا إنما يذكرها الشاعر، على مناسبة الغزل، من خلال وصف جمال النساء في تلك الثياب.
الإتْب :
ثوب رقيق تبرز فيه المرأة، يشقُّ في وسطه، فتلقيه المرأة على عنقها من غير كُمٍّ ولا جيبٍ.
ويبدو أن هذا النوع من الثياب، إنما هو خاص بالبنات الكريمات، وقد بين ذلك امرؤ القيس، عندما وصف ترف ابنة عفزر:
من القاصرات الطرف لو دبَّ مُحْوِلٌ
من الذَّرِّ فوق الإتب منها لأثَّرا
والإتب ؛ من لباس صغار الجواري، اللواتي ما زلن يلعبن، وذكر ذلك أسماء بن خارجة في قوله :
عَرِفَ الحِسَانُ لها جويرية
تسعى مع الأتراب في إتْبِ
قال الثعالبي : الإتب والقرقر والقرقل والصدارة والمجول والشوذر : قُمُصٌ متقاربة الكيفيَّة في القصر وعدم الأكمام، يلبسها النساء تحت دروعهن، وربما اقتصرن عليها في أوقات الخلوة .
فالإتب : هو كل ثوب قصير، لا أكمام له ولا جيب، قال كثير عزة :
هضيمُ الحشى رُؤْدُ المَطا بُخترية
جميل عليها الأتخميُّ المؤتَّبُ
الإزار :
الملْحفة، يذكر ويؤنث، وهو قماش غير مخيط، وموضع الإزار من الحقْوين : أي أسفل الظهر، لذا قل الحق جل جلاله : { اشدد به أزري } سورة طه، الآية 31 ؛ أي ظهري.
قال صاحب اللسان : هو ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن ـ الظهرـ، فتقول للصبي إذا كَبُرَ وبلغ مراتب الرجال : « شدَّ عليه إزاره «.
وعن ابن الأعرابي، قال : آزر به الشيء ؛ أحاط به .
قلتُ : وهذا النوع من اللباس، يطول فيه الحديث، ولنا فيه بحث طويل، ليس هذا مكانه.
وممن ذكر هذا النوع من اللباس، في الشعر الجاهلي، الأعشى :
كتمايل النشوان يرْ
فُلُ في البقيرة والإزار
وجمع الإزار : أُزُر، وقد جاء طرفة بن العبد، بهذا الجمع في وصفه لسرعة الخيل التي تُطيّر الأزر المشدودة في وسط الرجال، من سرعة جريها :
فهي ترْدِي فإذا ما أُلْهِيَتْ
طار من إحمائها شدُّ الأُزُرْ
وفي موضع آخر، يكني طرفة عن الموت، بسقوط الإزار :
وَلُّـوا وأعطونا الذي سُئلوا
من بعد موت ساقطٍ أُزُرُهْ
وقد أبدعت الخنساء في تفصيل ملبس الرجال، فتأكد أن الإزار، هو ما لبس أسفل اظهر من الحقوين ـ الخصرين ـ حيث تصف أخاها صخرا :
وإنْ ذُكِر المجدُ ألفيته
تأزَّرَ بالمجد ثم ارتدى
وهنا تضع الخنساء الحقيقة لفقهاء الأمة، في نصابها الصحيح، فالرجال ما زالوا يضعون الإزار في أنصافهم، ثم يرتدون فوقها ما يشاؤون من ملابسهم، ولا يلتفت إلى من يطلقون الإزار على عموم الثياب والأردية من البرود والعباءات والقمصان وغيرها.
والعفّة : موضعها أسفل الظهر، ويقصد بها (العورة)، وتستر عند الرجال بالإزار أو السروال، فكـنُّوا بالإزار عن العفاف، قال أبو عبيدة : فلان عفيف المئزر، وعفيف الإزار ؛ إذا وصف بالعفة عما يحرم عليه من النساء .
وقد كنَّى عدي بن زيد بالإزار عن العفة في قوله :
أجلِ أن الله قد فضلكم
فوق مَن أحْكأ صُلباً بإزار
وتأكيدا على موضع لبس الإزار، ما أنشده الفارسي:
كان منها بحيث تُـعْكى الإزارُ
وعكا إزاره : إذا أغلظ معقده ؛ أي المكان الذي يعقد فيه الإزار، ولذلك مدح ابن مقبل قوما بأنهم هيف خماص، ليس معاقد أُزُرُهم غليظة :
يمشي إليها بنو هيجا وأخوتُها
شُمَّا مخاميصَ لا يعكون بالأُزُرِ
والأُزُر : الظهر : وهو موضع الإزار من ظهر الإنسان، ولذلك قيل : فرس آزر : أي أبيض العجز.
وكان العرب، ينهون أطراف أُزُرهم بحواشي ـ مفرد حاشية ـ مهدَّبة، ذات خيوط متدلية، وهي ما لم يستتم نسجه من الإزار، وما زال أهل عمان واليمن يحافظون على هذه الأُزُر المهدَّبة .
ويشير امرؤ القيس إلى الهُدَّاب في الإزار، عندما يشبه الشحم الزائد به :
فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها
وشحْمٍ كهُدَّاب الدِّمقس المُفتَّلِ
وقد اهتم الجاهليون بالإزار أيما اهتمام، وذكروها كثيرا في أشعارهم ومحافلهم ومفاخرهم، حتى تفاخروا بلبسها وجرِّها، فهذا عبدة بن الطبيب، يصف نديما له، نشوان قد أرخى إزاره بطرا :
إذا أشرف الديكُ يدعو بعض أسرته
لدى الصياح وهــم قــومٌ معازيــل
إلى التِّجــار فأعــداني بلـذتـــه
رخْوُ الإزار كصدر السيف مشْمُوْلُ
ويمدح زهير بن أبي سلمى قوما، فيصفهم بالترف والنعمة، فعبَّر عن ذلك الترف بلين المآزر، يريد أنهم ملوك، لا يشدون مآزرهم للممارسة العمل أيّاً كان نوعه، بل لهم من الخدم مَن يكفيهم شأنهم :
في فتيةٍ ليِّني المآزر لا
ينسونَ أحْـلامَهم إذا سَـكِرُوا
وإرخاء الإزار : دلالة على المرح والكِبْر، ولهذا نهى الرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إرخاء الإزار إلى أسفل الكعبين، قال قيس بن الخطيم، واصفا العربي صاحب المال والجاه، من كِبره أنه يرخي إزاره :
ولا ينْسِني الحدثانُ عِـرضي
ولا أُرْخي من المرح الإزارا
ويجعل عبيد بن الأبرص، طعم حبيبته كالخمر، التي تجعل شاربها يشعر بكبرياء، فيرخي إزاره، ويجره تِيهاً وبطرا :
إذا ذقتُ فاها قلتُ طعم مُدامة
مشعْشعةٍ ترخي الإزارَ قديحُ
ويستعمل قيس بن الخطيم، عبارة ( خط مئزري ) كناية عن الخيلاء بعد أن شرب أربعا، فجرَّ إزاره زهوا وخيلاء ن يقول في ذلك :
إذا أصبحت أربعا خط مِئْزري
وأتبعتُ دَلْـوي في السخاء رشاءها
وهذا بشر بن أبي خازم، يكنِّي عن الخيلاء ومرح الشباب، بطول الإزار إلى ما تحت الكعبين، وهذا البيت فيه من الدلالة، عن النهي من إرخاء الإزار في الإسلام، فطول الإزار، هو المنهي عنه، وليس الرداء ـ والإزاء معروف موضعه وكيفية لبسه ـ لا كما يدَّعي بعض الفقهاء، من الخلط بين الإزار والثياب بشتى أنواعها، والعرب من فصاحتهم، أنهم وضعوا لكل شيء اسما وكيفية ومعنى، ومن لم يطلع على ديوان العرب وفقه لغتهم، يغم عليه معرفة تفاصيل دقائق العلوم وتفسيره .
وما يدل على إرخاء الإزار، إلى أسفل الكعبين، قول بشر كما أسلفتُ :
لياليَ لا أُطاوعُ مَن نهاني
ويضْفُو تحت كعْبَيَّ الإزارُ
يقول الجبُّوري : «كما كنُّوا بإرخاء الإزار وخط المئزر، عن الخيلاء والزهو والكبر، فإنهم كنُّوا ( بشدِّ الإزار ) : عن الجد والتهيؤ للشيء».
تقول الخنساء مستنهضةً قومها، مستخدة عبارة شد الإزار :
شُدُّوا المآزِرَ حتى يُسْتدفَّ لكم
وشمِّروا إنها أيام تَشْمارِ
كما استعملوا عبارة « كميش الإزار» كناية عن العزم والمُضي والسرعة في الأمور، يقال : فلان كميش الإزار ؛ أي متأهب، مشمِّر نفسه للجد والعمل، قال دريد بن الصمة يرثي أخاه عبدالله :
كميش الإزار خارجٌ نِصفُ ساقِهِ
صبورٌ على العـزَّاء طلاعُ أنْجُدِ
واعلم أنَّ في الإزار «الحُجْزَة»، وهي مَعْقِدُ الإزار وموضع شَدِّه، في وسط الإنسان، يقول ابن مقبل، ما يدل على ذلك، حين ركب فرسه، وقد غلبه على أمره بسرعة جرْيه، حتى اجتمع إزاره إلى وسطه :
وأغرقَني حتى تكفَّتَ مِئزري
إلى الحُجْرةِ العليا وطارتْ ذلاذِلُهْ
ومما سبق في موضوع الإزار، يتبين لنا : أنّ العربي قديما وحديثا، يرتدي قميصه او جلبابه، ويلفُّ تحته من الحقوين إزاره، فمن أراد الجد شمر إزاره إلى أنصاف ساقيه ـ وهذه الصفة رأيتها في آبائنا، عندما يشتغلون في مزارعهم، واليوم نرى كثيرا من العمال الآسيويين، يفعلون فعلتهم، من لبس القميص والإزارـ، ومن أراد المرح والزهو ؛ إظهارا للتعالي والكبر والخيلاء ؛ أرخى إزاره بطرا وأشرا ـ وهذا ما زال موجودا في الأعرابي، وشباب الساحل من أرض الباطنة في عمان، ولئن سالتهم عن سبب ذلك، وكيف أنه نازل من الدشداشة(الجلباب) ليقولن إن ذلك يحافظ على نظافة ملابسهم من الأسفل، وهذا بحد ذاته كبر وبطر..
ناصر السيابي *