عبدالإله الصالحي
شاعر مغربي
رجلٌ يتقيأ في حديقة
يستند إلى ما يشبه شجرة في كابوس ثقيل
والدموع تتظاهر في عينيه
ويرى فيما لفظه على العشب دودا خبيثا ونياتٍ حسنة وثلاثة عقود تبخرت في باريس مع الريح.
قلبه يدق يدق يدق في أغنية مرتجلة
والعمر يتركل بين يديه
مثل سمكة ينقض عليها صياد سخيف
مثل ذروة يبددها شعور جارفٌ بالذنب
مثل عكاز عجوز يتمايل في حافلة تعطلت عند مشارف
مدينة يحتلها معذبون وأغنام ومجرمون لا يتفاوضون.
وفي نشرة الأخبار
عليك أن تختار كلماتك بدقة بالغة
وتستعمل الصمت
وتضبط الصوت
وتستسلم للأُذن
وتحدق في الشاشة بكثير من الاستفهام.
هناك أخطاء في النحو
ومطارات مقصوفة
وأرقامٌ…
ولاحِظْ
أيها المذيع
هذا الامتثال الغريب في التركيب
والقلب المنحط.
حتى المتمردون في بلدان بعيدة يشفقون عليكَ
ويدعون لك بالتوفيق…
هنا عاصمةٌ وهناك ضاحية منهارة وأنتَ تتنفس مثل بغل يجر عربة جنوب الخيال.
في فاصلة تسطع وعورة النهار
والواوُ لا تعطف عليكَ
تتحدث مثل أعمى لا يحتاج الى إغماض عينيه
تحتاج إلى الركوع
وكوارثٌ كثيرة تتزاحم في حلقكَ وتصدك عن التعبير.
تحتاج ثم تحتاج ولا أحد يمد لك يدا
لأنك في المباشر
رجل أعزل لم يستوعب حتى الآن معنى السلاح
لأنك رجل يتكلم ستين درجة تحت الإحساس
بلا إحساس.
وعندما تفتح القاموس بحثا عن المعنى الدقيق لكلمة المخاطرة
تجد المجازفة والمغامرة
ثم تتراجع وتضيع لأن القلب كبير والمعنى قليل.
والبيرة الساخنة تجلب الويل والمشعوذين
تجلب الذل
وكثيرا من الصداقات السيئة قبل الغروب.
تسمع صوتكَ ولا تتحمله
ترى صورتكَ وتتضايق
تحس بنفسكَ ولا ترتاح
أنتَ في معضلة لا تحتمل فكرة الصباح…
التحرر من الحب
ما أجمل أن تتحرر من الحب
وتجلس في حديقة
وتشرب بيرة من دون تفكير
في ذلك الذي أحبَبْتَهُ.
ما أجمل أن تسلك طرقا فرعية
تفضي إلى حصن مهمل على الحدود
والحديقة تبقى حديقة إلى الأبد.
ما أجمل أن يرتاح قلبك
ويدق بحياد
ما أجمل أن تتفرغ عاما كاملا للسماء
وتنشغل برجل يعبر بتثاقل وفي يده كتاب
ما أجمل أن ترى العدم بدون نظارات
في هاتفك النقال.
ما أجمل أن تتحرر
وتفكر فقط
في جدة تحتضر في مصحة بعيدة
وقلبها يكاد ينفجر من شدة الخفقان.
ما أجمل أن لا تركض وراء الجمال
وأن تمارس الجنس بلا إحساس
أن تعيش كشجرة بلا غابة
ما أجمل أن تزدهر بأغنية
بلا ماض ولا تأثير.
أن تكون عبدا في العمل
ومجرد محطة في رأس مسافر تائه
وتنحاز لليأس بدون خلفيات.
وتلك الروايات التي لم تُكتب
وتلك القصائد التي تتهكم عليك
وتلك القصة التي ضاعت في الخامسة صباحا
وذلك الشاب الذي بكى خلسة في القطار.
ما أجمل أن يعود المعنى إلى الليل بلا عتاب
والشكل يتصالح مع منتصف النهار
وأن ترى في المطبخ ملاكا مبتدئا يغفر بلا حساب.
ما أجمل أن تستخف بالحب
وتشرب البيرة التاسعة بلا هدف.