(1)
أغُسطسْ،
الشَّوارعُ التي بلَّلها الحَنَانْ،
البُيُوتُ التي ضمَّدَتهَا العُذُوبةْ،
أبداً على هذا النَّحوْ:
أغساقٌ تسيلُ على جبينِ الفجرْ،
نهرٌ تعبرهُ الحياةُ سريعاً،
دروبٌ إثرَ أخرى،
إثرَ أخرى،
ذَوَتْ..
أعالٍ ظلَّلها الغمامُ لمرَّةْ..
ثمَّ هاهوَ الليلُ يأرقْ،
نَوَاحٍ تَنزَحُ ثَانيةً،
شجرٌ بأسرهِ في الرِّياحِ الغريبةْ..
..
هَكَذَا،
ثمة ما أنجبتهُ المحطَّاتْ،
غِطاءٌ أبديّ..
ثمَّةَ ما تَهَبُهُ الحياةْ،
قَطرَةٌ من عذوبةْ..
ثمَّةَ ما ينطوي،
ما لا تقولهُ أبداً
(2)
وكمثلِ أيِّلٍ في بريَّةِ الَّليلْ،
تقتنصُكَ الجوارحُ في عتمةِ النَّواحي..
وكأنَّكَ آخرُ الطَّرائدِ في الغَمرْ…
وأنتَ أنتَ رغمَ كلِّ شيءْ،
مَعصُوبٌ بانطفاءِ الجِهَاتْ،
بالمطَاحِنِ في العُمرْ..
تبحثُ عن مَوْطِئٍ في قليلِ الحياةْ،
حيثُ لا يُرَاوِدكَ الموتُ أبداً،
ولا الأملْ..
ثمَّ تكونُ حُرَّاً،
تعدو في النَّواحي،
حَالمَاً بالجِهَاتِ الأثيرةْ..
الجِهَاتُ التي تترقبُّ صوتكْ،
التي أسمتكَ ضَنَاهَا،
ونُورِها..
التي جرَّحتكَ بالخفاءِ
فجرَّحتها بالنُّحُولْ..
(3)
أنا فَقَطْ،
ذلكَ الذي التمعتْ عَينَاكِ لرؤيتهِ ذاتَ مساءْ،
ثمَّ عبرتِ بهِ حياةً بأسرِها،
وموتاً بأسرهْ،
ذلكَ الذي لوَّحتِ لهُ من بعيدْ،
فشقَّت يَدُكِ الوَاهِنةُ وحشةَ العَالمَ..
(4)
ثمَّ لُحتِ لي كخيطٍ من النُّورْ..
ولم تغطِّيني بجناحكْ،
ولم تقولي لي انتظرْ،
ولم تنادي عليَّ أبداً،
ولم تسألي..
فقط راقبتني بصمتٍ ذاهلْ،
وأنا امضي إلى البعيدْ..
البعيدِ الأبديّ..
(5)
ذاتَ مَسَاءٍ
كُنتِ القطرةَ التي سالتْ على صخرةِ الحياةْ
كنتِ الممرَّاتَ تُفضي إلى النَّهرْ..
كنتِ الوقتَ الذي اخضرُّ قربي،
كنتِ الجِهاتَ التي أمطرتُ فيها..
ويداكِ كانتا تربِّتان على وحوشِ الليلْ
فتستحيلُ عصافير وحنانْ..
..
ذاتَ مَسَاءٍ أيضاً،
هاهيَ الوحوشُ سائبةٌ في الجِهَاتْ..
ثمَّ
ها
هوَ
الَّليلُ يأرقْ..
أنس مصطفى*