قبل الإبحار في متون هذه الدراسة نجد أسئلة ملحة تطرح نفسها وهي : لماذا وطن القصيدة؟ وليس الوطن في القصيدة، وما الفرق بينهما؟، وللوقوف على إجابة هذين السؤالين ينبغي للدراسة التوسُّل بما يسد مسد الإجابة عنهما بالقول : ان وطن القصيدة يأخذ منحى آخر في الدراسة تتمثل بالوقوف على نزوع القصيدة إلى البحث عن موطنٍ مثالي ومدنٍ فاضلةٍ، دأب الفلاسفة والمفكرون إلى النزوع إليها منذ زمن بعيد، أما الوطن في القصيدة فيتجه هذا الدرس إلى تتبع ذكر الوطن في القصيدة وأسلوب توظيفه في مناكبها عند شاعرٍ ما، ولأن القصيدة كائن شفاف يتخلَّقُ في وجدان الشاعر كما يتخلَّق الجنين في بطن أمه، يبدأ فكرةً يستمدها صاحبها من بيئته وما يدور فيها من أحداث، يحمل الشاعر هموم وطنه وأمته، ينزع إلى الارتقاء بهما حتى يكونا جارين للنجوم، والشاعر الدكتور عبدالعزيزالمقالح واحد من هؤلاء الشعراء الذين يبحثون لقصائدهم عن أوطانٍ مُثلى، يطمحون أن يسودها النظام والقانون، والعدل، ويحفَّها السلام، والتحليق في فضاء الإنسانية التي تتخلصٌ من كل عوالق التقوقع والتخفي خلف متاريس الفئوية والمناطقية، وهو أيضاً جهاد أكبر للنفس البشرية، وتعايش مع كل الكائنات في عالم مثالي، تسوده المحبة والإيمان بحق الآخر في الحياة التي خلقها الله مشاعة بين سائر الكائنات، كان هذا السَّمتُ في قصيدة المقالح مسيطراً على جُل كتاباته، كأن بوصلةً في خلده توجه عقارب النص نحو الخلود الأمثل، خارج المعقول، ان صورة الوطن في ذهن الشاعر ليس لها شبيه في هذا العالم، ولا يقاس الوطن بالتماثل في الأيقونة السيميائية البصرية عند تشارلز بيرس، ولكن يقاس بالصورة المثالية المرسومة في خلد هذا الشاعر العظيم، وهكذا تكون مدينة الخيال معلقة إلى النظر الإلهي، فلا يروج فيها من الخيال إلَّا بمقدار محاكاته للحقيقة. ولا يتدخل اللَّا معقول إلَّا بحسبان التعقُّل النظري وميزانه.(1)
في هذه الدراسة نحاول أن نبلجَ للقارئ جوانح هذه القصيدة التي تسافر بنا في عوالمَ من البهجة والسعادة والأمن والسلام، وطن القصيدة هو المتخيل الفكري للوطن، فالأوطان المُثْلى مطلب فلسفي قديم، إذ أسس الفارابي مدينته الفاضلة وأسس افلاطون جمهوريته انطلاقاً من هذا التصور، منذ كان في الثالثة والعشرين من عمره، أي بعد أن وضعت الحرب البلوبونيزية ـ بين أثينا واسبرطة بين عامي 404 – 431 ق.م ـ أوزارها، ليضع نموذجاً لمجتمعٍ خيالي مثالي يتحقق فيه الكمال أو يقترب منه، ويتحرر من الشرور التي تعاني منها البشرية(2)، وشاعرنا المقالح ينحو هذا النحو يبحث عن حياة مُثلى للعيش في وطن آمن مستقر بعيداً عن صراع (هابيل وقابيل) .
فالقصيدة عند المقالح لم تعد ذلك الفعل الكتابي المرسوم بالأحرف ؛ بل غدت وطناً يسكنه وقصيدة تسكن الشاعر، هذه المساكنة أنجبت وطناً أمثل هو وطن القصيدة الذي يتمثله الشاعر ويطمح للعيش فيه مع أبناء جلدته من البشر .
المقالح بهذه الرؤية لم يعد ذلك الشاعر المحلي الذي يحمل هم قطر ما من أقطار عالمنا ؛ بل تجاوز ذلك الإطار الضيق إلى الانسانية التي ليس لها حدود مكانية أو زمانية وقصيدة المقالح في بحثها عن وطن مثالي بديل مرَّت بثلاث مراحل هي مرحلة الأنين، ومرحلة الحلم،ومرحلة الخلاص، كل مرحلة من هذه المراحل تنتقل القصيدة من طور إلى طور آخر بغية وصولها إلى تحقيق هذا المنجز على مستوى الواقع والنص، فالنص يتطور ويتقدم والواقع يسوء ويتراجع، وظلت القصيدة في مجابهة الواقع المتردي، فتقدمت القصيدة وتخلَّقت وتطورت، وتراجع الوطن، نحاول في هذه الدراسة أن نعرض منها للقارئ ما تيسر في هذا المقام .
الأنين
حين يتوجع الإنسان ندرك أن ثمَّة ألماً يعتصره، وأن ثمَّة محاولة للتشافي لأن التوجع يشي بأمر غير مستساغ في جسد المريض ويبغي الشفاء منه، والأنين في قصيدة الشاعر هي بداية الشعور أن ثمة مطلباً أسمى يسعى الشاعر إليه، هو وطن الحلم (القصيدة)، لكن أين يكمن وطن القصيدة عند المقالح؟ هل في الماضي الحضاري لوطن الشاعر اليمن؟ أم في المستقبل؟ أم في خلد الشاعر وأحاسيسه؟
فالأنين هو ناجم عن التألم والتأزم والتوجع من واقعٍ يتردَّى تارة ويتطور أخرى، لكن هذا التطوُّر كان بطيئاً وحيياً غلب عليه التراجع في كثير من مناحي الحياة، ومن ثمَّ دأب المقالح في شعره على البحث عن عالمٍ روحي مثالي مخبأ في روحه تعشعش فيه قصيدته، وتكتنف ذلك العالم المحبة والعدل والتسامح والمساواة، هذا الوطن الحسي ليس مهماً في القصيدة، بل المهم أن يكون حضوره مضمناً في قصيدته، لذلك يقول وهو يتفحص حالة شعبه :
«يتملكني حزنُ كلِّ اليمانينَ
يفضحُني دمعهم..
جرحُهم كلماتي
وصوتي استغاثاتهم.
يتسوَّلُ في الطُرقاتِ الصدى
كلَّما قلت : إنَّ هواهم سيقتلُني
ركضتْ نخلةُ الجوعِ في ليلِ منفايَ
فانتفضَ العمرُ
وارتعشَتْ في الضلوعِ دفوف الحنين»(3)
هذا الحزن الذي يتملك الشاعر عن وضع أبناء شعبه كان هو مُفْتتح البحث عن الخلاص من هذا الوضع الكئيب والمؤلم . إن ظاهرة الحزن في الأدب الإنساني بمرئياتها المختلفة وصورها الحسِّية والمعنوية من تأوهات وبكاء ونحيب وألم وحنين وأنين هي استجابة ذاتية لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي الذي يخلق بدوره تلك الاستجابة ؛ ويخلق في وجدان الشاعر نغماً حزيناً يتجاوز مفهوم البكاء والرثاء الحسيني إلى أبعادٍ فلسفية ورمزية هي في الواقع حصيلة وعي الشاعر بالمأساة(4)، ومن أجله أوى إلى البحث عن وطن أمثل لهذا الشعب، ووطن القصيدة عند الشاعر هو ذلك الفضاء الفكري المعجون بالهم الوطني الذي يحتل مساحة من تفكيره وهمومه وطموحه، «فالمكان ـ عنده ـ لم يعد ذلك البعد الجغرافي ذو الحدود المتعارف عليها من طول وعرض ومساحة خاصة ؛ إنما أصبح له بعد تجريدي يشع بالعديد من الايحاءات والانعكاسات التي تتيح للشاعر أن ينطلق من خلاله إلى عالمه الفسيح المصاحب للخيالات والأحلام والذكريات،إذ من خلال المكان يستحضر مجموعة آلامه وأماله، وأفراحه وأتراحه، فيحيا فيه مرة أخرى «5، لم ينظر الشاعر المقالح إلى نفسه كفرد، بل ينظر إلى الوطن وهو يئن تحت وطأة الجهل، والفقر والمرض، ويحاول أن يرسم له صورة تبدو وقد تخلَّصت من ذلك الثالوث المميت، إنه «يبكي زماناً كان فيه كل شيء منسجماً ومؤتلفاً واستحال اليوم إلى تصدع وعجزٍ» (6)، إنه يهرب من هذا الواقع، المفجع ويتوق إلى وطنٍ للمحبة يقول :
« قبلَ أن تبدئي بالبكاءِ
وتكتبُ عيناكِ بالدَّمعِ مرثيتي
ويقولَ الرفاقُ : استراح ..
تعالي نوِدِّعُ أوجاعنا،
نرتدي ثوب َ أحزاننا،
نلبسُ الشَّجَنَ المرَّ
نخرجُ من جِلدِ أيَّامنا
وانكساراتنا
من عيونِ الاحاديثِ ..
إن الإقامةَ في وطنٍ للضفادعِ
قاسيةٌ،
والرَّحِيل المباغتَ قاسٍ،
وليس سوى الموتِ يخلعنا
ثمَّ يرجعُنا لضميرِ التراب»(7)
في هذا النص يصف الشاعر حالة الكلمة والرأي والفكر في مجتمع لا يفقه لغة الحب والمنطق والعقل، بل منطق العنف والإقصاء والتجهيل والولاء للفرد، إنه يضج ويتألم لوضع دأبَ القائمون على شؤونه شراء الولاءات، دون أن يجعلوا للقانون والنظام والمنطق ومعطيات العصر اعتباراً في حساباتهم، ومن ثمَّ فإن المعادلة بين الثقافة ونقيضها ضيزى في وطن تنتعله أقدام الطغاة فيضيق الشاعر بوضع هذا الوطن ويقول : إن الإقامةَ في وطنٍ للضفادعِ
قاسيةٌ
والرَّحيل المباغتَ قاسٍ
وليس سوى الموتِ يخلعنا
ثم يرجعنا لضمير التراب
إذاً فالوطن بالنسبة للشاعر هو الحياة وهو القيمة الوجدانية التي تسكنه، «ليس المكان إذن ذلك المعطى الخارجي المحايد، الذي نعبره دون أن نأبه به، وإنما المكان حياة لا يحده الطول والعرض فقط، وإنما خاصية الاشتمال»(8)، والحياة التي يبحث عنها الشاعر هي حياة متخيلة مُثلى تبحث عنها قصيدة المقالح لتكون بديلاً عن وطن الضفادع وطن الطغاة، «فليس له إلا أن يفر من عالمه وما فيه من قيود، ويحطم قفص الوجود ليحلق كالعصفور، وتتفلت روحه من بشرٍ قيدتهم المادة هم أشبه بالضفادع الملقاة كالـ (…) على العتبات»(9)، إن من يقرأ شعر المقالح يجده طافحاً بالهم الوطني، لم يلتفت إلى غيره، إنه ـ في نظري ـ وطن كالسحابة كلما عصف بها الشوق أمطرت قُبَلاً وحبَّا، هذا الوطن المتخيل في قصيدة المقالح هو في تضاريسها في تناولها للوطن فضاءً مفتوحاً على جميع الاحتمالات، ذلك لأن معركة الإنسان من أجل تحقيق طموحاته لم تنته بعد(10) . إن الهم الوطني الذي تخلَّق في وجدان المقالح منذ نعومة أظفاره قد تفوق عن رعيله الوطني وكوكبة الثوار الأحرار، والشكوى وعرض مساوئ الواقع ضرب من ضروب الرفض له، والطموح للوصول إلى ما هو أفضل وأنبل، فقد مُلئ وعُجن شعر المقالح بالهم الوطني فجنح إلى وضع الواقع السيئ على سفود رفضه وفضح مساوئه، فألمه لم يعد مجرد تأوهات ونحيب واجترار آهات وبكاء على ماضٍ دفن فيه أحلى ذكريات العُمر، بل أصبح تجربة العمر كلها . إنه ألم الحاضر المعذب، الذي يتوق إلى الخلاص منه، فقد كان يمزج مفهوم النضال الاجتماعي، والطبقي، والإنساني والقومي في متونه الشعرية(11)، ففي رسالة لأبي الأحرار الزبيري في الذكرى الخامسة لاستشهاده يقول:
ـ دمعي،على البلد المهدور مهدورُ * وصوته كالصَّدى المهجور، مهجورُ
ـ أبكي أعضُّ جدار اللّيل منطفئاً * في غربتي، تتخطاني الأعاصيرُ
ـ وحين لا الدمع تشفيني صفائحه * ولا تغيب عن العين الدَّياجيرُ
ـ أعود للكلمات / الشعر، أسألها * عطفاً، وفي رئتي للحزن تنَّورُ(12)
هذه الدموع المسكوبة عن اليمن، ما هي إلا تعبير مجازي عن تأجج الحزن في أعماق الشاعر عن وضع بلده، وهو بذلك يخفف ألمه وحزنه النفسي، إذ يبتدع منافذ نفسية تخفف عنه وطأة ضغط الواقع، وتعمل على خلق تصالح بين الوعي واللاوعي، بعد مسيرةٍ تفاوضيةٍ منهكةٍ، وهذه المنافذ التي تخرج من أعماق اللاوعي، تعد معادلاً موضوعياً عن الكبت الذي يتعرض له نتيجة مختلف ضغوط الواقع عليه، وقد عوَّل على الكلمة الشاعرة في سبيل الراحة النفسية، ذلك أن الهرب خارج الواقع الشاق والمرهق لا يمكن إلا أن يتمخض عن شيء من الهناء(13)، إن فلسفة المثول بين يدي المدينة الفاضلة عند المقالح تكمن في رفض الواقع وفضحه وانتقاد سلوك القائمين على سلطته، وهو ضرب من الهروب من أمثولة الواقع الشنيع إلى تباريح العالم الآخر الذي يتمثله في قصيدته : عالم النبل، والإخاء، والمحبة،والألفة، والمواشعة بين سكان ذلك العالم،فــ « المدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة ـ في الحقيقة ـ هي المدينة الفاضلة، والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة هي الأمة الفاضلة . وكذلك المعمورة الفاضلة، إنما تكون إذا كانت الأمم التي فيها تتعاون على بلوغ السعادة «(14)، والشاعر هنا لم يعد ذلك الكيان المنفصل عن الوطن، بل غدا الوطن جزءاً لا يتجزأ من أحاسيسه، فهو ماثل أمامه في كل ساعة ولحظة، لا يكاد يفارق فكره وخياله، يحنُّ إليه حنين النوب إلى موطنها الغني بالخيرات(15)، لكن المقالح لم يبلغ تلك المدينة بسهولة بل بكى على أطلال الوطن كثيراً، متخذا من رفضه للواقع سفينةً للوصول إلى الحلم يقول :
« آهِ يا وطني
أنتَ ياسيّدَ الحزنِ
ربَّ المقامِ الجليل
وحاملَ أوجاعنا،
هل سندنو من الشمسِ؟
أم سوفَ ندنو من اللَّيل؟
هل ستموت الفراشاتُ؟
هل ستعيشُ الثعابينُ؟
هل من أعالي السماءِ
سيقتربُ الشُّهداءُ إذا رجعوا،
أم الهاوية؟(16)
هذا النزوع إلى الخروج من دوائر الليل البهيم إلى تباريح الفجر يشي بالتفلَّت من الانغلاق والسكون والنزوع إلى عالم الحب والجمال،الشاعر في هذا المقطع يضع القارئ أمام خيارين إما الارتقاء للوصول إلى مجاورة الشمس، وهي كناية عن التقدم والرُّقي والرفعة، أم العكس والسقوط في مدارج الظلام، «وهذه عادة الشعراء حينما يصطدمون بالواقع المرير، ويدركون استحالة تحقيق ما يشتهون ؛ فإنهم يلجأون إلى طريق الأمنيات والأحلام» (17)، هذه الثنائية الضدية في النص التي تضع المتلقي أمام خيارات تأويلية وأبعاد وجدانية مؤلمة تجعل منه شخصاً مرتبك المشاعر، كسير العزم، لكنها الحقيقة التي لا بد من تجرّع مرارتها، حتى تكون الوقود للانطلاق نحو عالم أرحب وأجمل، فالنص يمتلك ما لا يمتلكه غيره لتصوير الحقيقة، وحين ينجح النص في وضعنا أمام ما خفي من حقيقتنا أو ما حاولنا نسيانه منها فإننا نفتن بذلك الخوف الموقظ للحياة(18)، لاسيما حين يكون الوطن حلما يختلج به خلد الشاعر وتحمله مشاعره ديدناً يومياً للخروج به من دهاليز الواقع المظلم المتخم بالحروب والضغائن التي ما انفكت تمزق النسيج الوطني والاجتماعي، إنها وجع يدفع الانسان إلى نزع فتيل العقيدة، وهتك الكرامة :
هي الحرب،
تسلبني هامتي
وحذائي
تسلبني نعمة الانتماءِ إلى الله،
لا شيء يبقى إذا ما أتت
لا جدار وراء البلاد
ولا خلفها،
لا مكان
تخبُئ فيه جواهرَ وحدتِها
وثياب مبادئها
الوجوه الأشدُّ بهاءً من النَّجمِ
سوف يغادرُها لونها
والعبير.(19)
يتسارع ضجيج الأنين والتوجع عند الشاعر كلما غابت الشمسُ عن وطنٍ للجمال، وحلَّ الظلامُ القبيح، وثمَّة من ينفخون جدار الرصاص على نغمة القُبح في وطنٍ للسلام، في غمرة الحلم ورفض الحروب ينداح « الوعي الإنساني العميق والروح التواقة للإبداع ورغبة التجاوز الَّلا قهرية إلى مناطق الحلم والضوء والفرح … يبقى الشاعر هو الذات المسافرة على قلق في أرجاء الوطن يتهجاه أحرفاً ويستنطقه واقعاً ويرنو إليه أملاً حيناً ومستحيلاً حيناً آخر»(20)، حين يقول 🙁 لا جدار وراء البلاد ولا خلفها، لا مكان تخبئ فيه جواهر وحدتها وثياب مبادئها ) إنما يؤنسن الشاعر في تعبيره المجازي هذا الوطن المظلوم من أبنائه إذ يحوِّله إلى كائنٍ يتيم من الرجال الوطنيين المخلصين له، الذين يعملون على رفعته وعزته وكرامته، وبتعبير آخر يشي أن ثمة مجموعة من الانتهازيين وتجار الحروب الذين لا يرون الوطنَ سوى بقرة حلوب، ليس لهم همٌ ولا مشتغل غير حلبها والمتاجرة بما فاضت به عليهم، « ونزعة الأنسنة إذاً متصلة أوثق بالرؤية الانسانية العميقة لكاتب يعي جيدا حياة الإنسان في مكان معين وزمن محدود تستحق أن تعاش ويحتفى بها رغم كل المآسي، لأن كل الأحداث التراجيدية لا تلغي معاني الحياة بقدر ما تعززها وتثقفها.هذا هو المنظور الفعال الخلاق الذي تتبناه الكتابة وتغري القراءة اليقظة بإبراز تجلياته ودلالاته «(21)، أن تموج العواطف المحبة للوطن بين الأنين والحلم والخلاص والأنسنة، لهي قيمة وجودية في كيان الكاتب لشدة حرصه على رفعة وعزة وطنه وشعبه، فحين يصبح وجود الوطن داخلياً تنشط حركة الخيال وتظهر مستويات متعددة للحلم والذاكرة، فيتفرق في أمكنة عدة، ويتحول زمن الحياة تحت سمائه إلى أزمنة تاريخية أو شخصية أو أسطورية. ويتحول هو إلى الوطن الحلم الذي حمله الشاعر في داخله يجسده في صوره الشعرية لا مكاناً فيزيائياً طبوغرافيا، بل مكاناً سامياً يعيش في خلد الشاعر وكيانه(22)، إن صورة الوطن في ذهن المقالح ليس لها شبيه في هذا العالم، ولا يقاس بالتماثل في الأيقونة السيميائية البصرية عند تشارلز بيرس، ولكن يقاس بالصورة المثالية المرسومة في خلد هذا الشاعر العظيم.
الحلم
لم تقف اللوعة عن الوطن والخوف عليه عند حد الأنين والتوجع بل تجاوزته إلى حلم الشاعر بالخروج به إلى العُلا والرفعة، والهروب به إلى عالم السمو والرقي، والنأي عن صغائر الأمور الفردية والشخصية، الحلم هو مرحلة من مراحل الهروب بهذا الوطن الغالي المهم من عالم السخط والمتاهة والمشاريع الصغيرة والفردية والفئوية إلى عالم البهجة والرفعة والسمو، يقول الشاعر:
ذات حُلمٍ
هبطتُ على سُلَّمٍ من أساطيرَ
محفورةٍ في ضمير الزَّمانِ،
رأيتُ بيوتاً من الضوء
أعمدةً من نهارٍ بهيجٍ
وأسواقَا من فضَّة،
وشوارعَ من ذهبٍ …
قيلَ لي : تلك صنعاء
كان المغنَّون والشعراء
يطوفون في ساحةٍ أورقتْ بالتلاميذ
والعلماءُ يجيدون عرض مهاراتهم
إن صنعاء غيرَ التي في دمي
لا يراها سوى الحُلْمِ … نافرةً،
ولها جسدانِ وشمسانِ،
فاهبط على سُلَّمٍ من مرايا الحروف
وصفِّقْ إذا ما وصلتَ
أقاصي المدينة(23).
هذا الوطن المُخبأ في خلد الشاعر وضميره يتوق إلى النأي به عن صراع الغجر، إنه الوطن الحلم حين يتخيل الشاعر خريطة الوطن فهو وطن يتبدَّل ويعكس الحنين إلى وطن متخيل، ومن ثمَّ فهو يؤكد أن الوطن هو ما يعيش بداخلنا وهو ما يدركه الوجدان، وليس ما تقدمه الوثائق التاريخية أو الحدود الجغرافية، وليس أدل على هذا من التدخلات النصية التي يموج بها شعر المقالح الذي يمتص من كل الثقافات(24)، ويمتحها للعالم سيمفونيةً للفرح والحزن، إن المكان الذي يحلم به الشاعر غير المكان الذي يعيشه، إنه عالم من الضوء أعمدته تشع بالمحبة والدهشة والزهد في موبقات الحياة التي لا تساوي ـ في نظر الشاعر ـ سعادة يوم بهيج وفرح في عيون العذارى، وحلم في دم الطفل يحمله في ثنايا الثياب ، فصنعاء في لغة القصيدة خيوط من الضوء والأمنيات، شعاع من الحلم مخبوء في طنافس أمٍ حنون هي في لغة القصيدة حلم على نحو مثالي لا واقعي يمت إلى المكان بصلة الحياة : بشراً وحجراً وعادات وتقاليد فهي عنده :
لا يراها سوى الحُلْمِ … نافرةً،
ولها جسدانِ وشمسانِ،
(هبطت)على سُلَّمٍ من مرايا الحروف .
إذن هذا المتخيل الشعري للوطن، للمدينة لشوارعها الذهبية أليس ما يدل دلالة واضحة على وطن بديل في ذهن الشاعر ووجدانه، هو الوطن المثالي الذي تحاول الدراسة أن تجلو عنه الغيم،»إننا إزاء واقع آخر يختلف عن الواقع المكاني أو الزماني أو الأيدلوجي . إنه الواقع الشعري في كثافته وعزلته، وانقطاعه عن الخارج». (25) الشاعر يضع في خلده الوطن المثالي حتى وإن لم يتحقق واقعاً فهو ينشده ويتوق إليه يَحْمِلهُ هماً دائماً يؤرق سكونه ويقض مضجعه يبغي الوصول إليه والعيش فيه واقعاً ملموساً خاليا من شوائب البشر المتمنطقة بالطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها من الموبقات، يقول في سياق حلمه بالخروج بالوطن من تلك الموبقات :
حلمتُ ذات يومٍ أن عالماً جديداً
يخرج من هنا
من عالم الأسياد والعبيد،
يمتد ظلَّهُ على طريقٍ عانق القمرْ
واحتضن الزهر
إنسانه السَّعيد(26) .
إن الوطن اليمني وطن الأسياد الذين سبقوا العالم وعمَّروا الأرض وتركوا بحضارتهم السبئية والمعينية والحميرية أعظم حضارة شهدت على سيادته في العلم والمعرفة والتقدم، يتوق محبوه ومنهم المقالح إلى أن يكون وطناً مثالياً راقياً يسوده النظام والقانون والتقدم العلمي الحديث، وقد دأب المفكرون والشعراء والفنانون في البحث عن مدنٍ مثالية فاضلة يعيشون فيها مع ناسهم أحراراً بعيدين عن كل ما يكدِّر صفو حياتهم وينغصها : من قهر، أو ضغينة، أو طائفية، أو حرب، أملاً في تحقيق اطمئنانهم النفسي، وإيقاف قلقهم الوجودي، وتطلعاً إلى حياة أفضل وأكمل وأسعد، وعلى الرغم من اختلاف تلك المدن في تفصيلات مناهجها فإنها ظلت مطلباً فكرياً بدءاً من افلاطون مروراً بالفرابي، وأبي العلاء المعري، ودانتي، وجون ملتون، وتوماس مور، وجبران، ونازك الملائكة، والسيَّاب، والمقالح، هذه المدن ظلت هدفاً يسعى الجميع للوصول إلى أعتابها والتلبث بِمُثلهِا العليا على اختلاف مواقفهم من الوجود والحياة(27)، إن وجدان المقالح وعواطفه مستوطنةٌ لوطنٍ ملائكي سامٍ يحلِّقُ في فضاء روحه كفراشة حلمٍ ترفرف في علم الغيب والملكوت. إنه وطنه اليمن الملبَّد بالحروب والضغائن و… الخ، إنها السعيدة التي لم تنل من اسمها نصيباً، والشاعر يبحث في خلده عن وطنٍ مثالي سعيد يقول:
يا ظباء السعيدة
هذا كيانٌ من الحلمِ
أم إن جدرانَ (غيمان)
تنشقُّ عن وطنٍ آخر للنجوم
وللحبِّ
عن وطنٍ للجمال؟ .(28)
إن المكان في نظر الشاعر مواجيد حلمٍ يعزفها سيمفونيةً للخلود، إنه وطنٌ للحب اعشوشب في كل كيان الشاعر يبحث له عن منأى في مكان بعيد في عالم المُثل، «هكذا بدا المكان في نظر الشاعر لحظة الوداع، وهنا تبدأ عملية البحث عن مكانٍ بديل؛ عن حبٍ بديل … وهنا ينسحب المكان عن الشاعر .. ويبقى الشاعر معلقاً في اللامكان»(29)، إن الجمالَ والحبَ اللذين يسكنان قلب الشاعر تترجمها كلمات شعره، ويطرِّزها برموز الوطن، من أمكنة وشخصيات ثائرة يقول :
هذا كيان من الحلم
أم إنَّ جدران «غيمان»
تنشقُّ عن وطنٍ آخر للنجوم
توق الشاعر وحلمه للخلاص بالوطن من واقعه البائس إلى عوالم المُثُلْ « تشي برغبة الانتصار لقيم الحب والخير والجمال، والأستاذ الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح أتقن الدخول إلى هذا المشتهى منح الوطن الكثير من الايقاع الرائع أعطاه القصيدة التي تفيض سخاءً جمالياً لا يمكن معه إلا أن نبقى أسرى هذا الرائع وهو يمتد من الوطن إلينا»(30)، وحلم الشاعر بوطنٍ بديل لم يقف عند هوى نفسه بل يتعداه إلى من حوله ممن يحبهم وتحديداً المرأة التي يقف إلى جانبها ويناهض كل من يحول وتقدمها، ويعبر عن حلمها وتطلعها إلى مجتمع وعالم مغاير، لهذا الواقع يقول:
« في أوَّل اللَّيل
ينهضُ شوقُ المدينةِ
مخترقاً صمتَ حيطانها العاليات،
ومثل ملاكٍ يحطُّ على الشُّرفات،
ويمسح نارَ تجاعيدها
وإذا ما أطلَّ الصباحُ
توارى
تسرَّبَ من حائطٍ
قشَّرتهُ بأشواقهنَّ عيون الصَّبايا،
وأحلامُهَنَّ
إلى زمنٍ مورقٍ بالمحبِّة
لا رُعبَ فيه
ولا فقراء من الرَّوح
والكلمة الصافية»(31)
الثنائية الضدية التي يشيرُ إليها المقطع السابق المتمثلة باللّيل والصباح يقول :
في أول الليل
ينهض سوق المدينة
إلى أن يقول : وإذا ما أطل الصباح
توارى
تسرَّبَ من حائط
قشَّرته بأشواقهن عيون الصبايا.
تشي بالحلم بالأمل بالتطلع إلى وطنٍ حالمٍ فالليل لن يطول والعتمة حتماً إلى زوال مهما طال زمنها « ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر»، الشاعر حين يضع الضدية والنقائض في السياق الشعري إنما يريد أن يذكِّر القارئ أن الحياة مبنيةٌ على الثنائية الضدية : الليل والنهار،الخير والشَّر، الشمس والقمر، الذكر والأنثى، الصيف والشتاء، الربيع والخريف، الجنة والنار، السماء والأرض،بذلك تستقيم الحياة، لكن الخير في النهاية منتصرٌ لا محالة، والصباح قادمٌ بإشراقه وجماله ومبدد للطغيان والعتمة والظلام، وقد ربط الشاعر هذا الانبلاج بعيون الصبايا وهنَّ أرق وأجمل ما خلق الله لآدم من ضلعه وهي رمز الخصب، وقد ربط ذلك بحلمهن للوصول إلى زمنٍ مورق بالمحبة، لا رعب فيه، وهو وطن القصيدة عند شاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي جعل من القصيدة رُسل محبة وجمال، أي أنه أنسنها لتبحث عن وطن يضج بالسلم والأمن والاستقرار، وجلي هنا … أن مدن العشق لا تعرف الحقد والضغينة والتعصب، فالشاعر يرفض الحرب لأن تغليبها على الحبِ سيقود كل شيء إلى الزوال، والمقالح والسياب يلتقيان في كونهما حاولا أن يقيما الحلم على أنقاض فضاء بين واقعين، فالسيَّاب أحب قريته وعزعليه فراقها، وكان هذا الشعور الصامت المكتنف بالحنين والأنين يلحُ عليه كثيراً ويدفعه إليها، فيحلم بالرحيل وينزف وجدانه شوقاً إلى اللقاء، ويرى أن الخروج من مسقط رأسه استبعاد لحبه الكبير لبلده، ويشعر بأنها تمضغ قلبه جبال نار تزرع في وطنه رماد الحقد، فتقتل في أعماق روحه حبه الكبير ونشوة تلك الصورة التي تعلقت بها أنفاسه(32)، فالرمز بشقيه المكاني والبشري والأسطوري وظفهما المقالح في تشييد عمارة فردوسه الأرضي المنتظر فالأماكن عند المقالح مثل : يفرس، غيمان، صنعاء، مأرب، ظفار، وغيرهن تعد أماكن للروح غدت من فرط تعلق الناس بها باحة لكل قلب يتوجه إليها، فهي ملاذ للجميع يقرعون جفونها فتفتح ذراعيها لهم احتضاناً من غير أن تفرِّق بين كبيرهم وصغيرهم، أو بين غنيهم وفقيرهم، أو بين انتماءاتهم أو عقائدهم، أومللهم33، وهذا الضرب من التعاطي هو الذي ينشده استاذنا الشاعر الكبير المقالح في وطن القصيدة المقالحية، «إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكاناً لا مبالياً، ذا أبعادٍ هندسيةٍ وحسب . فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط، بل بكل ما في الخيال من تحيز. إننا ننجذب نحوه لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالجمال»(33)، إن الأماكن المقدسة في قصائد المقالح لا تقتصر على دور العبادة بل قداسة الأمكنة في شعره تعود للتاريخ المجيد الذي اكتنف الأمكنة في مراحل تاريخية من عمرها، وكذلك جمالياتها وما تنضح به من عبق تاريخي أو فني، فصنعاء تعد مدرسة في القصيدة المقالحية، ومأرب وغيرها من الأمكنة، وهذه الأمكنة ما هي إلا صورة واقعية مُجَسِّدة لوطن القصيدة عند المقالح، هذا الوطن العابق بالحب والعدل والمساواة، والشاعر يوظف الرموز المكانية والإنسانية في شعره لتحيل إلى استحضار أدوار هذه الرموز عبر تاريخ اليمن، فصنعاء « مدينة الروح» والتاريخ والفن :
صنعاء، ليست بيوتاً ـ تقول العيون ـ
ولكنها أغنياتٌ معطَّرةُ الشرفات
تغني إذا ابتهجتْ
وتغني إذا اكتأبتْ
للغمام تبثُ طفولتها،
وتبثُ أساطيرها وتنام
وفوق سريرٍ من الكلماتِ القديمةِ
تهدي إلى الأرض :
« عن ساكني «، «ليت بيض الأماني»
«وصنعاء حوت كلَ فن» (35).
إذن من خلال النص يتبين للمتلقي أن الأماكن ليست مساحة جغرافية على هذه البسيطة في قصيدة المقالح، لكنها أماكن داخل النص المقالحي يُنظر إليها على أساس أنها وعاء يشمل مفردات المكان بما يحويه من جذور، وهنا إشكالية الشاعر والشِّعر؛ إذ ثمّة تعامل روحاني وتاريخي وخيالي مع المكان، ينفرد به الشاعر لا يشبه تعامل الآخرين، فللمكان ثنائيات حميمة متعانقة متناحرة ومتآلفة متخالفة، إنه الحب والفناء في الحب، إنها الحياة وجمالياتها، وعبر الاحتفاء البيني بالمكان بوصفه بنية ترميزية مهيمنة تلمحها منذ العتبة النصية تحيل بالضرورة إلى التمرد على الترسيم الجغرافي للمكان حين تطلق العنان للذات المنفلتة من أقفاص الأمكنة باجتياز الفواصل والحواجز بأجنحة اقتربت بالزمن اللذيذ، بمعنى إنه يقوم بتشكيل مكان فني جمالي نفسي، إنه المكان الحلم بمباهجه وكوابيسه المفزعة(36)، إن حب الأمكنة عند المقالح حبٌ قدَسيٌ يعيشه ويمتلئ به، فكما يحب صنعاء وخصص لها ديواناً خاصاً يحب مأرب بشخوصها التاريخية :
لسليمان أن يتمنَّى
ويشتاقُ
للقلب في مأربٍ
أن يلوكَ مرارتهُ
ولبلقيسَ في عرشها
المتألِّق في ولهٍ
تنتقي من يواقيتها
ومواقيتها ما تشاءُ،
لترفع عن كاهل الأرضِ
عبء الحروب(37) .
ارتبط هاجس الوطن البديل عند الشاعر بالحرب والظلم والطغيان والجهل الذي لمسه وشاهده وعاشه المجتمع، فَحَلُمَ بوطن بديل خالٍ من كل تلك العاهات الاجتماعية، هذا الوطن المتخيل المخبوء في عمق القصيدة المقالحية مكان مقدس لدى الشاعر، خاصة عند ما يكون المكان قد تعفَّر بدم الشهداء الأحرار، إذا يتحول المكان ـ هنا ـ إلى فضاء مقدس، لأن التراب قد تخضب بدم الشهادة، فلامس القداسة والطهر … فهو معطر من دماء الشهداء الزكية، إننا ندرك أن الحقيقة المجردة وحدها لم تكن قادرة على حمل هذه الظلال القدسية وبثها من خلال الكلمات . بيد أن اللغة المشخصة ـ كما أسماها ريتشاردز ـ تجعل ذلك ممكناً من خلال توزيع جديد للعناصر، وتحويل عبقري في خصائص الأشياء والمعاني وكأننا نخلق المعاني الجديدة بخلق لغة جديدة، فالفن قادر على تخصيب الكلمة لتبلغ نماءها في جعل المجتمع معتمداً على الإحاطة باختلاجات الوجدان الجماعي « (38).
الخلاصة
في هذه المرحلة من مراحل البحث عن موطن بديل يصل إليها الشاعر بعد مروره بمرحلتي الأنين والحلم إذ بدت المرحلتان السابقتان ضربا من التهيئة للقرار الصعب، وهو الخلاص من هذا العالم المضمَّخ بالظلم بكل صوره الدنيوية ؛ إلى عالم المُثل والقيم السامية، وهذا ليس ببعيدٍ فقد ابتعدت هذه العوالم المثالية عن عالمنا الإسلامي واقتربت من عوالم الشرق والغرب، والبحث في متون الذاكرة عن وطن بديل أمرٌ واجب شرعاً، فقد حث القرآن الكريم عليه بقوله : « ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها « لكن الوطن البديل هنا ليس وطناً حسياً بل وطناً معنوياً فاضلاً تسوده كل قيم الحب والعدل والسلام، وهذا ما دأب عليه الفلاسفة عبر تاريخ الفكر الانساني، وشاعرنا أحد هؤلاء التواقين للمدن الفاضلة يقول :
سأرحل تاركاً ظلِّي
وأخرج في القصيدة شاهراً حُبِّي
وأحزاني
وإصراري .
سأرحلُ حاملاً أحزان ذاكرتي،
وبعضاً من هوىَ ما زالَ أخضرَ
من أقاليمِ الطُّفولةِ
من أزقَّتها.
…
رحلْتُ،
رحلْتُ في ساحات هذا الحبِّ،
كَمْ ضوءٍ أعانقُهُ،
وكم حلمٍ أداعبُهُ،
وفي مدنٍ يُقيمُ اللهُ بهجتَها
ويصنعُ ماءها من نَبْعِهِ
المتدفِّقِ الجاري .
هنا شاهدّْتُ ما لا عينَ تُدْركُهُ،
رأيتُ الحُبَّ في أسمى مراتبهِ،
وكنتُ ـ وقد بدا ضعفي ـ
أنا المتسوِّلُ الشاري
دمي للحُبِّ منذورٌ
وصوتُ دمي
وأذكاري.(39)
النصُّ الذي بين أيدينا يخاطب الروح والعقل بصوت المتصوف الثَّمل بالحب الصوفي، هذا الارتحال الذي يتوق إليه الشاعر إنما هو ارتحال في الملكوت، لكنه لا يخلو من بعدٍ فكري إلى مدن الأحلام الفاضلة، التي تلامسُ شيئاً من الواقعية المُتَخَيَّلة عند الفلاسفة والمفكرين، إذ تصل أوراق التأويل النصَّي إلى منتهاها فإنها تحث استدعاء المتخيل الشعري ـ في مفارقة مكانية طريفة تهتك الواقعي والمألوف ـ إلى ما هو فوق الطبيعي لتمرير خطابها المتخم بولع الذات المكاني الرامز للهوية والانتماء والذي تداخلت فيه ملامح البوح بنيران الوجد الصوفي(40)، الذي يسبح ويهيم ويرتحل في الملكوت، ومن خلاله يرى ما لا عين رأت من أفياء الروح الممتلئة بالحب الذي يصوره في أسمى معانيه بقوله : « رأيت الحبَ في أسمى معانيه، وأخرج في القصيدة شاهراً حبي، رحلت في ساحات هذا الحب، دمي للحب منذور» فقد تكررت كلمة الحب فيما سبق من مقطعي القصيدة أربع مرات، وفي كل مرة يعطي دلالة تختلف عن غيرها، ويوَظَف توظيفاً دلالياً مغايراً يدفع بالقصيدة لمزيدٍ من التبتّل والمناجاة، والتوق للخلاص من قيود الواقع، والحلم بالعيش في عوالم الحلم الملأى بالحب والصدق والأمن والعدل .
إن وطن القصيدة عند المقالح عالم مغاير لما هو واقعي، لقد انشغل باشتغاله الشعري كما انشغل الفلاسفة والمفكرون والأدباء قديماً في البحث عن المُثل عبر وعي الذات لعوالمها المثالية، وهذا ما نجده واضحاً في معطاه الشعري، إذ استطاع عبر لغة القصيدة الوجدانية العذبة أن يعبر عن رغبته بالخلاص والهروب من الدنيوي، عالم الحرب والركض وراء العابر والطارئ إلى عالم الشاعر حيث الروح واليقين والصفاء(41). إنه منجز القصيدة الحالمة للخلاص من الواقع والعيش في عالمها السامي والمثالي في فردوس خياله الخالي من موبقات الحياة .
إن المدينة التي يقيم الله بهجتها عند المقالح هي مدينة ليس لها مثال في الحياة أو عند الفلاسفة، لأن مدن الفلاسفة تخضع لمواصفات دنيوية يحكمها ويصوغها البشر، لكن وطن القصيدة المقالحية نفحة من نفحات الخالق عز وجل . إذاً لقد تجاوز المقالح المدن الفاضلة عند الفلاسفة إلى ما هو أبعد ؛ إلى الخيالي والمقدس، فالوطن المنشود عنده وطن مقدس «يقيم الله بهجتها، ويصنع ماءها من نبعه المتدفق الجاري، هنا شاهدت ما لا عين تدركه»، الشاعر يدرج مدارج الصالحين والنسَّاك ويشاهد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ندرك هذا النزوع من خلال التناص مع الكتاب المقدس (القرآن )، ونزوعه إلى التراث يعكس انجذاب الروح نحو أفق المثال لتدخل عالماً جديداً روحانياً بعد أن اكتشف زيف الواقع المضمَّخ بالموت ودفن الأحلام، وتعكس أمله في الخلاص من عالمه السفلي المزيف، وشوقه إلى عالم الروح ومدن العشق المليئة بالمحبة.42 إن مدينة صنعاء تمثل الصورة الحسية لمدينة الحلم عند الشاعر، تلك المدينة التي ما برحت وجدان الشاعر وتَمَثَلَهَا في كل حالاتهِ النفسية الأمل والحلم والحب والانكسار والتراجع، ويريد الشاعر أن تكون هي مدينة الحلم ينأى بها عن الواقع المتردي إلى انبلاج الروح يقول في قصيدة بعنوان «صنعاء الأخرى « :
أبحثُ في الكلمات
وفي الكُتُبِ الخضراء ..
عنْ صنعاءٍ اخرى،
عنْ ألقٍ كانَ
وعنْ سربِ حمامٍ طارَ
وأحلامٍ كبرى،
عن بستانٍ للرُّوحِ
وأغنيةٍ هائمةٍ
في كبدِ الصَّحْراءْ43
هذه مدينة الروح صنعاء ـ كما سمَّاها ـ لم تعد متخمة بالجمال أو «حوت كلَ فن « بل باتت جائعة تطلب اشباعها بالحياة الأنيقة بالحياة الجميلة، ومن ضنك الأرض تقرر النأيُ بها فهو ـ أي الشاعر ـ يبحث عن صنعاء أخرى، عن ألقٍ كانْ، وعن سرب حمامٍ طار،بستانٍ للروح، وأغنية هائمةٍ، صنعاء فاتنة المقالح لم تعد هي التي يشتهيها فهي عنده عاصمة الروح، ومدينة الأحلام، وعيبانها يحمله الشوق إليها، إنه البحث في أغوار النفس الشاعرية عند شاعرنا وعن سدَّة المنتهى، لقد تحدث الشاعر عن صنعاء قائلاً : « للناقد أن يقرأ في كتابي صنعاء والقرية ما يشاء،على ان لا ينسى أنني في كتاب صنعاء كنت أتحدث عن مدينة في الخيال،مدينة كانت صنعاء،ولم يبقَ منها سوى القليل، بل أقل القليل . ان قصائد الكتاب تكاد تكون رثاءً حزيناً لمدينةٍ توقفت عن الوجود منذ دخل الأسمنت»44، فالمكان تعاد صياغته في الذات استناداً إلى اللغة الواصفة، لكن اعتماداً على قدرات الذات، وهي تتملَّى هذه اللغة وتعيد تشكيل المكان بحسب المقاييس التي تراها مناسبة له في تخييلها، فالتخييل إذاً مسألة لا تسلب المكان وجوده الفعلي الجغرافي أو التاريخي، بل تكسبه دلالة وبعداً إنسانياً، فالمكان حينما يكون موضوعاً جمالياً متخيلاً يكتسب خاصية الأثر الإبداعي الذي تؤول ملكيته إلى القارئ أولاً وأخيراً .45 فالمكان فضاءٌ روحي تمثله الشاعر وأطنب الشوق إليه،» وقيل أيضاً إن المكان هو الفضاء الذي يكون فيه الجسم ذاهباً طولاً وعرضاً وعمقاً»46.
لقد اتخذ الشاعر من الأمكنة اليمنية الحضارية والشخوص التاريخيين رموزاً يستدعي من خلالها ذلك الزمن الحضاري الذي شُهرت فيه الأمكنة والشخوص، فوطنية الشاعر تستدعي « اختيار حب الوطن تحت إخفاء المعاني المباشرة السطحية لهذا الحب والارتقاء بها، وبالحدث التاريخي إلى الحلم العميق من خلال الحنين إلى الماضي وبعثه والنظر إليه على أنه فردوس مفقود لطفولته الضائعة «47، هذا النأي الذي يتوق إليه الشاعر عن واقعه السيئ إنما يأتي نتيجة طبيعية لوضع لا يرضاه الشاعر صحياً، لذلك عاش فيه غريباً، والغربة في الوطن هي سمة من سمات الأنبياء والصالحين والمُبْدعين، وهي غربة روحية «يحس بها المرء وهو في وطنه، أو خارجه، وهي تلك الغربة التي عانى منها الأنبياء والمبدعون في كل عصر ومصر، إنها غربة انعدام التفاهم بين الشاعر والمجتمع، وهي الغربة التي يحس بها المبدع إنه يعيش خارج عصره أو أنه جاء متأخراً أو متقدماً، إنها الشعور بالفجوة بين عالم المُثُل والقِيم، وعالم الواقع والسلوك غير اللائق بالإنسانية، فالمبدع المصلح سواءٌ أكان شاعراً أو غيره، يحس نفسه غريباً سواء أكانت غربة فكرية أو روحية أو اجتماعية، لكن الشاعر على عكس غيره يجد في الشعر متنفساً يعبر فيه عن معاناته48، وأفراحه وأتراحه، إنه ـ أي الشعر ـ مرآة لدخائل نفس مجتمعه يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، ويئن ويحلم ويرتحل معه، إنه كيان حي يلازم الشاعر حتى عند يأسه ممن حوله يقول في قصيدة بعنوان « هروب ! « :
اهجروا قفصَ الصمتِ
ولتنهضوا منْ مراقدِكم
منْ زمنِ الوُجُومْ
ربما صارتِ الأرضُ
مقبرةً بعد حينٍ
إذا رحلَ الناسُ عنْ شرِّها
ومخاوفِهِا،
صوبَ تلكَ النجومْ ..
فابحثوا عنْ مكانٍ هناكَ
لكم
ولأحفادِكمْ،
أو فكونوا غذاءً لأرضِ السَّمُومْ.49
هذه الدعوة لم تأتِ بسهولة ويُسْرْ، لكنها أتت نتاجاً طبيعياً لما تقدم دراسته من الأنين والحسرة على وضع الوطن الذي كان يحلم به ويتوخاه، فالأنين، والحلم، والارتحال، والهروب، كلها غدت ضرباً من الخلاص من الواق والبحث عن وطنٍ بهيٍ مزدهر يؤسسْ على قواعد ثابتة وراسخة، ولأنه لم يلمسْ كل ذلك وصل إلى مرحلة الخلاص من هذا الواقع الذي لم يلبِّ حاجةً مما كان في دخيلة نفس الشاعر من العزَّة والكرامة له ولشعبه، ما دفع بالشاعر إلى مخاطبة المتلقي ومصارحته بما كان يحلم به لمتلقيه « لأن الشاعر في حاجة ـ دوماً ـ إلى تخطي حدود السائد المألوف في فنه، فهو لا يركن إلى الواقع الصرف، إلا بقدرٍ ريثما يؤمَّن لنفسه منطلقاً أو مرتكزاً، ثم يقفز بعد ذلك إلى أجواء الاستعارة مُحلِّقاً بعدة أجنحة أملاً أن يرتقي وراءه المتلقي مترسماً خطاه. وينشأ هذا التجانس بين الشاعر والمتلقي50، والمقالح حين دعا للهروب وذهب بالقصيدة بذلك الاتجاه ذهب معه بها من مجايليه في اليمن الشاعر محمد عبدالسلام منصور ففي قصيدته « الجهة السابعة» يقول :
هل أفِرُّ إِلَيَّ
لأَلْقى العَدَاوَاتِ تَسْكُنُنِي
والبِدَاَياتُ مِنْ جَسَدِي
وأنا شجرٌ يتساقطُ مُحْترقاً
في فراغِ الظَّلامِ
بِلَا وطنٍ
وصنعاءُ مملوكةٌ للفراغِ
اسْتوى عرشُها لحْظةً
واستطارتْ شَظَايَا.51
هذا الاتجاه غدا مطلباً شعرياً لدى شعراء اليمن،لأن المتلقي هو هدف النص وبغيته ومعانات الشاعر وألمه وغربته ليس إلا من أجل المتلقي، لكن أسف الشاعر على زمنه ووصوله إلى درجة اليأس في بعض حالات الوجد الشعري، إنما يعود لسبب عدم ارتقاء المتلقي إلى ما يريده الشاعر في مخاطبته له، فأيقن أنه ـ أي الشاعر ـ والمتلقي قد وصلا إلى مرحلة اليأس من أن يكون لهما وطن يفاخران به، لذلك قال :
أبكي
فتضحكُ من بكائي
دورُ العبادةِ والملاهي
وأمُدُ كفي للسماء
تقولُ : رفقاً يا إلهي
ـ الخلق ـ كل الخلق
من بشرٍ ومن طيرٍ
ومن شجرٍ
تكاثر حزنهم
ـ واليأس يأخذهم ـ صباحَ مساءَ
من آهٍ … لآه
* * *
حاولتُ ألَّا أرتدي
يأسي
وأبدوا مطمئناً
بين أعدائي وصحبي
لكنني لما رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفت بأنهم مثلي
وأن اليأس ينهشُ
كل قلبِ
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ أني لن أخبِّي
* * *
أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمه
وأقول : ـ حين أراه ـ
فليحيا الوطن
وطني هو الكلماتُ
والذكرى
وبعضٌ من مرارات الشجن
باعوه للمستثمرين وللصوص
وللحروبِ
ومشتْ على اشلائهِ
زُمرُ المناصبِ والمذاهب
والفتن.52
هذه المحصِّلة التي انتهت إليها قصيدة الشاعر المقالح في بحثها عن وطنٍ مثالي، إنما أتت خلاصة لما كابده من ألمٍ وحسرة على وطنٍ لم يكن ساكنوه أهلاً له، ومن ثمَّ فقد صنع الشاعرُ وطناً مثالياً في خلده كان هو الوطن البديل الذي تموضعت نصوص هذه الدراسة فيه، وقد عُدَّت تجربة المقالح تجربة عروج روحي، أو تجربة رحيل عن عالم ليس هو بالضرورة عالم الجسد، إنه بتعبير آخر : عالم النص الروحي الذي يعانيه الشاعر، ويعانيه الآخرون الذين يمثلون وإياه كياناً واحداً، وهو بالضرورة رحيل صوفي إلى عالم المثل والقيم والحب والجمال، إنه يرفض عالم الوجود المادي أو الجسدي، فغاية العروج ومنتهاه عنده ليس خلاصة روحه فقط، بل وأرواح الآخرين الذين يشاركونه الحياة على أرض الواقع، بحيث يغيب الظلم عن عالمهم جميعاً، ويحل محله العدل ويختفي منطق التقاتل والتصارع بين أفراد الجماعة الواحدة، ويحل محله منطق المحبة والسلام53. إن الشاعر في مقاطعه الشعرية السابقة لا يعبر عن شخصه لكنه يعبر عن الهم الجمعي للوطن ممثلاً بمواطنيه لذلك قال:
لكنني لما رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفت بأنهم مثلي
وأن اليأس ينهش
كلَ قلب.
بهذه الروح المتدفقة يقرأ الشاعر وطنه ليجد أنه مساحة ألمٍ بفعل هذا الاغتراب الحقيقي عن كنه الأشياء ومكنونات الحياة التي لم تعد ممكنة القراءة، ويحتلها الغموض والعبثية التي تقود إلى وجعٍ لا ينتهي وجراح أكبر من هذا الذي لا يرى فيه معنى للضوء «54 .
إن الشاعر في مقاطعه السابقة لا ييأس ولا يستسلم لليأس لكنه يشحذ همم المتخاذلين والمتاجرين بالوطن ليشحذوا هممهم بالعمل من أجل وطنٍ يفخرون به، ويمثلونه أمام غيرهم وهم شُمُّ الأنوف لا منكسري الخواطر واقفين على عتبات الدول الأخرى كطالبي الصدقة، لذلك يقول :
أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمه
وأقول ـ حين أراه ـ
فليحيا الوطن
وطني هو الكلمات، والذكرى
وبعضٍ من مرارات الشجن.
بهذه المعاني يريد المقالح إعادة بوصلة الوطنية إلى مسارها الصحيح، بعد أن ضلت الاتجاه على يد العملاء وتجار الحروب، إنه وجدَ بالقصيدة الملاذ والملجأ من اليأس، ووجد الوطن البديل، إنها بغية المريد للوصول إلى عالم المُثل، فالشعر والأدب والفن هو ملاذ الطالبين للوصول إلى استقرار النفس واطمئنانها، والى سمو الروح وسكونها، هذا الارتحال للقصيدة في البحث عن وطنٍ بديل، ولعل الوطن البديل الذي خَلُصَ الشاعر إليه هي القصيدة، إذاً فقد بحث عن الوطن المثالي من خلال القصيدة فلم يجده إلَّا بها، فأعلن أن القصيدة هي الوطن فارتحل منها إليها، وكأني استحضر هنا قول أبي الأحرار محمد محمود الزبيري حين يقول:
بحثت عن هبةٍ أحبوك يا وطني : فلم أجد لك إلَّا قلبي الدامي .
1 ـ انظر الدكتور محمد محجوب، المدينة والخيال، دراسات فارابية، دار أمية تونس 1989م ص44
2 ـ أنظر :المدينة الفاضلة عبر التاريخ، ماريا لويزا برنزي، ترجمة د. عطيات أبو السعود، عالم الفكر العدد(225) سبتمبر 1997م ص9،30
3 ـ عبدالعزيز المقالح، الأعمال الكاملة ج2، وزارة الثقافة والسياحة صنعاء 2004م ص455
4 ـ أنظر : د. عناد غزوان، مأساة السياب بين الغربة وجيكور، في كتاب أصول نظرية نقد الشعر عند العرب، مركز عبادي صنعاء، 1998م ص167
5 ـ أمل محسن العميري، المكان في الشعر األأندلسي عصر ملوك الطوائف، الانتشار العربي بيروت، ط1 2012م ص29
6 ـ عبداللطيف الأرناؤوط، حالات الوجد والانخطاف والحلم لدى الشاعر عبدالعزيز المقالح، مجلة الحكمة، العددان (241،242) يولو ـ أغسطس 2006م ص30
7 ـ المقالح الأعمال الكاملة ج2 ص485، 486
8 ـ د. حبييب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي، اتحاد الكتاب العرب،2001م ص16
9 ـ عبد اللطيف الأرنؤوط، ص31
10 ـ أنظر : محمد علي اللوزي، الوطن في شعر المقالح، دراسات في الأعمال الشعرية والنقدية، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، صنعاء ط1 2007م،ص116
11 ـ د. عناد غزوان، سابق ص154
12 ـ الأعمال الكاملة ح3 ص45
13 ـ انظر: د باسم حميد، الهروب من الواقع في الرواية العربية الحديثة، مجلة الحكمة اليمانية، العددان: 224، 225 صيف 2004م ص75
14 ـ أبو نصر الفارابي، كتاب أراء أهل المدينة الفاضلة، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، الفارة، 1980م ص102
15 ـ انظر المكان في الشعر الأندلسي، سابق ص39
16 ـ الأعمال الكاملة ج3 ص389
17 ـ المكان في الشعر الأندلسي، سابق ص43
18 ـ أنظر د. علي جعفر العلاق،أبجدية الروح … أم انتصار للوحشة، مجلة الحكمة اليمانية، العدد214، مايو ـ أغسطس 1999م ص45
19 ـ الأعمال الكاملة ج3 ص382،383
20 ـ محمد علي اللوزي، مرجع سابق ص109
21 ـ د. معجب الزهراني، مقاربات حوارية، دار الانتشار العربي ونادي مكة الأدبي، ط2 2013م ص133
22 ـ أنظر : مبارك حسن خليفة، دراسات في الشعر اليمني المعاصر، وزارة الثقافة والسياحة صنعاء 2004م
23ـ الأعمال الكاملة ج2 ص86،87
24 ـ أنظر د. سيرين أبو النجا، مفهوم الوطن في فكر الكاتبة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1 2003م ص40
25 ـ د. علي جعفر العلاق، أبجدية الروح ..أم انتصار للوحشة، مجلة الحكمة العدد(214) مايو/ أغسطس 1999م ص44
26 ـ الأعمال الكاملة ج3 ص298
27 ـ أنظر : د.عبدالرضا علي، الوجه ملاذا قراءة نقدية في أبجدية المقالح الروحية، مجلة الحكمة العدد 214، 1999م ص32
28 ـ الأعمال الكاملة ج1 ص29
29 ـ د. محمد مسعد العودي، الصورة في شعر المقالح مركز عبادي، 2004م ص88
30 ـ محمد علي اللوزي، الوطن في شعر المقالح
31 ـ الأعمال الكاملة ج2 ص34،44
32 ـ أنظر : د. عناد غزوان سابق ص149
33 ـ انظر عبدالرضا علي، الوجد ملاذا، سابق ص30
34 ـ غستون باشلار، ترجمة غالب هلسا، جماليات المكان، المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت، ط5، 2000م ص31
35 ـ الأعمال الكاملة ج2 ص89،90
36 ـ أنظر : د. وجدان الصائغ، القصيدة وفضاء التأويل، وزارة الثقافة والسياحة صنعاء، 2004م ص85ـ 78
37 ـ الأعمال الكاملة ج1 ص26، 27
38 ـ د. حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي، سابق ص81.
39 ـ الأعمال الكاملة ج2ص193ـ 195
40 ـ أنظر: د . وجدان الصائع القصيدة وفضاء التأويل سابق ص92
41 ـ أنظر : د. جبار عباس اللامي، الرموز التراثية في ديوان أبجدية الروح، مجلة الحكمة العدد(214) مايو ـ أغسطس1999م ص58، 59
42 ـ انظر : نفسه ص53
43 ـ عبدالعزيز المقالح، قصائد قصيرة، دار محمد علي الحامي العربية، صفاقس تونس، 2010م ص157
44 ـ مقدمة قصائد قصيرة، مقابلة أجراها د. حاتم الصكر مع الشاعر، ص16
45 ـ انظر : د. حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي، سابق ص128،129
46 ـ رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، ج2، المطبعة العربية بمصر، 1928م ص9
47 ـ عبداللطيف الأرنؤوط، سابق ص22
48 ـ انظر : محمد أحمد الزهيري، شعر الإحياء في اليمن، وزارة الثقافة والسياحة،2004م ص84
49 ـ قصائد قصيرة ص42
50 ـ د. حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي ص82 .
51 ـ محمد عبدالسلام منصور، من تجليات حي بن يقظان، دار الحكايات بيروت، 2002م ص93
52 ـ قصيدة جديدة نشرت في face book بتاريخ 13/ ابريل 2018م
53 ـ أنظر : د.عبدالواسع الحميري، جدل المرئي واللامرئي في تجربة المقالح الشعرية، دراسات في أعماله، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، 2007/ ص156،157
54 ـ محمد علي اللوزي، سابق ص108
—————
زيد الفقيه *