عبد الله إبراهيم
باحث وناقد عراقي
في كتابها الشائق “حليب أسود” صرّحت الكاتبة التركية “أليف شفق” بالآتي: “ليس هناك انتحار أدبي كُتب عنه، ودارت الأحاديث حوله، أكثر من انتحار سيلفيا، فمنذ انتحارها، لم تتحوّل أيّة كاتبة إلى أيقونة أعلى من المكان والزمان على غرارها”(1). وفي هذا القول كثير من الصواب؛ ليس لأن الشاعرة والروائية الأمريكية “سيلفيا بلاث” المرأة الوحيدة التي قضت نحبها بهذه الطريقة، بل لأنه جرى توظيف هذه المأساة الرهيبة في سياق الدراسات النسوية التي وعدت أن تفضح السجل الشنيع لأعمال الرجال، فأخفت الطباع الانفعالية عند سيلفيا، وميولها العصابية، وهي قد اعترفت بها وصورتها في أشعارها وروايتها، وتوسّعت بها في يومياتها، واستخلصت منها مثالا للأنثى الخالدة التي ما انفكّ الرجال يتعمّدون تدمير شخصيتها، ومحو هويتها، وصار الطابع التكراري لتلك المسلّمة يغذّي فرضية التناقض بين الذكر والأنثى، ولم يتمكّن من تشخيص الحالة بذاتها، بل جرى تعميمها، والدفع بها لتعزّز اللاهوت النسوي، ما يكشف الأمواج الهادرة للتزوير في محو الحقائق واستبدالها بافتراءات لا نهاية لها، وبلغ حدا أنه جرى تهشيم شاهد قبرها لنزع اسم زوجها الشاعر الإنجليزي “تيد هيوز”عن اسمها، وقد أصبح ضريحها محجّا للناقمين والمعجبين على حدّ سواء.
صمت هيوز طويلا على التفاصيل الخاصة بذلك، بما فيها حجب يوميات سيلفيا مدة طويلة، ولم يشر له من قريب أو بعيد، ووارب في ذكر الصعاب التي تلقّاها بعد انتحارها، ومن ذلك المواقف العدائية ضده من طرف النسويات اللواتي شهّرن به، وشنّعن عليه، باعتباره قاتلا، وكان يقابل بازدرائهن حيثما حلّ إلى درجة أنهنّ رفعن لافتات تتهمه “بارتكاب جريمة قتل” واعتبرنه “فاشيا”(2). غير أن هيوز عاد إلى مدار سيلفيا، بعد انقطاع طويل جدا، فختم حياته بديوانه الأخير عنها “رسائل عيد الميلاد” وفيه حوّل ملهمته إلى “أسطورة قابلة للمحو على أساس أنها ميثولوجيا حيّة تتنفّس، ومن ثم ينطبق عليها قانون الميلاد والموت”، فسيلفيا هي “كلّ امرأة طالعة من الأسطورة، وكل امرأة منبثقة من واقع الحياة”(3).
وقد أرجع انتحارها لإحساس بالتعاسة، واليأس، ورغبة في مغالبة الموت كأنه طقس دوري للخصب والتجدّد “لقد أظهرت بلاث طبيعتها العنيفة، البدائية، والأنثوية أيضا، لقد أظهرت التأهّب، والحاجة إلى التضحية بكلّ شيء للحصول على ولادة جديدة. كانت هذه طريقتها الواضحة في التشكّل، ومرّت هذه الطريقة بعدة مراحل، كانت المرحلة السلبية عندما انتحرت، ولكن المرحلة الإيجابية هي موت للذات المزيّفة القديمة، وولادة ذات أخرى حقيقية. وكان هذا ما حققته بلاث بعد عملية مخاض طويلة ومؤلمة”(4). ربما كان انتحار سيلفيا نتاج إخفاقها في كسب اهتمام هيوز بكامله، فقد عزف عنها، وعاشر سواها، بعد مرحلة عاطفية هائجة جمعتهما في السنوات الأولى من زواجهما، ومن هذه الناحية تقع المسؤولية عليه في نبذ امرأة بذريعة انفعالاتها العصابية، ما أدّى بها إلى تدمير ذاتها.
نما حول واقعة انتحار سيلفيا بلاث تراث سردي جدير بالفحص على الرغم مما اندرج فيه من مواقف تتراوح بين التطرف والموضوعية، قاد التطرف أنصار النزعة النسوية بجعل سيلفيا ضحية بريئة اقتطفت في ربيع عمرها، وقد دفع بها إلى ذلك رجل خائن لم ينجح في لمس الشعور الأنثوي القابع في ذاتها، وبإزاء ذلك ظهر تيار يهدف إلى الوقوف على الحقيقة، وينزع عنها التمحّلات، ويُبطل الاتهامات، وبين هذا وذاك ما زالت الحقيقة ملتبسة الشأن تظهر هنا لتختفي هناك، فالتنازع على سيلفيا بلاث غمر حالتها الشخصية، ومآلها.
وقد حاولت ابنتهما “فريدا هيوز” التوسّط لتخفيف الغلواء تجاه أمها الضحية وأبيها المتّهم، فقالت إن أباها كان منهمكا في عمله طوال عمره، ولديه “أخلاقيات العمل الصارمة، كان منضبطا جدا”، وأسفتْ على شيطنته من “كتائب النسويات وجيوش الأكاديميين والصحافيين”، إذ بولغ في الخلاف بين أمها وأبيها، وتعرّض هو لتشويه لا حدّ له، ثم تطرّقت إلى سيل الأخبار عن خيانات أبيها، والعلاقات الغرامية لأمها، فقالت “الناس يستنكرون العلاقة الغرامية للرجل، ويرفضون العلاقة الغرامية للمرأة، لكن الكثير من الناس يفعلون ذلك في نهاية المطاف. ماذا سيكون رد الفعل تجاه الخيانة الزوجية؟ الأمر متروك للطرفين. لا أعتقد أنّ الغرباء لديهم الحقّ في أن يكونوا قضاة يصدرون الأحكام. إذا كان لديهم آراؤهم، فليس لهم عذر في ممارسة وظيفة الجلد لحياة الآخرين بهذه القسوة. إذا استعدتُ ما حدث في رأسي، فإنه مضحك، وإذا استعدته بقلبي، فإنه مؤسف. أرى أن والدي تعامل مع هذا الأمر على أنه شأن خاص. أنا لا أعرف كيف فعل ذلك. استغرق الأمر نوعا من الرزانة والقدرة على التحمّل. لقد فعل أفضل ما يمكنه خلال الفترة المتبقّية من حياته”(5).
خفّفت الابنة من النقمة العارمة ضدّ سلوك أبيها من طرف الأدبيّات النسوية، ومرّت سريعا على نزق أمها، وانفلات غضبها، ونوبات الكآبة التي تمكّنت منها، ورسمت صورة حدث مضى وما عاد النبش فيه مفيدا لأحد، والحال، فرسم صور الأبناء للآباء مثار اهتمام علم النفس، كما هو معلوم، وقد راعت “فريدا” مسلّمة القول بانحياز الابنة للأب، وكأنها تغفر له زلاته الجسيمة، فتريد طمر الماضي بتراب الحاضر، وكأني بها تقف على النقيض مما قام به “بول أوستر” في رسم صورة بغيضة لأبيه، ففي كتابه “اختراع العزلة” تقصّي عيوب أبيه، وتشفّي من أخطائه، وارتقى بهفواته إلى مستوى الطباع السيئة، فاخترع أبا وضيعا بإطلاق، ولم يدّخر جهدا في كشف عيوبه في ضرب مشين من تصفية الحساب من طرف ابن خذل أباه الذي لم يلبّ توقعاته في الرعاية والاهتمام، ولمّا لم يتمكّن من مواجهته في حياته، انتهب سمعته بعد مماته(6). غير أن ابنة هيوز وسيلفيا لم تذهب ذلك المذهب، وكأني بها تريد طيّ صفحة الماضي على سلالتها التي لم تبق منها غير “فريدا” فقط بعد انتحار أخيها نيكولاس.
ولكن أين يمكن العثور على ما يشفي غليل القارئ من تلك التفاصيل الدقيقة لظروف اقتران تيد هيوز بسيلفيا بلاث، ثم انتحارها، ومن انزوائه في صمت مديد؟ ظنّي أنه لا نظير لكتاب أحاط بتلك المسألة مثل كتاب الهولندية “كوني بالمن” وعنوانه “أنتَ قُلتَ”، وهو كتاب استعان بالسرد وسيلة للبحث في موضوعه الشائك، فصهر الأخبار، والمذكّرات، والأقاويل، واستلّ بعض الحقائق من سيل الادّعاءات، بعد مرور نحو نصف قرن على الأحداث التي انبنى عليها. وقد استعارت مؤلّفته صوت الشاعر تيد هيوز، ودفعت به ليغوص في ثنايا الحياة المتوترة التي ربطته زوجا بسيلفيا بلاث لسبع سنوات، وانتهت بمأساة انتحارها، وما برّأ الشاعر نفسه من الضرر البالغ الذي أحدثه الانتحار جرّاء عدم الثقة به، إنما أزاح الستار عن الأعماق الكئيبة لزوجته التي يغزوها الانفعال لأتفه الأسباب، وتسيطر عليها رغبة في التملّك تدفع بها للارتياب بزوجها، فكانت حياتهما مشحونة بالتوتر، وسوء التفاهم، وتبادل العنف اللفظي، ثم القطيعة بالصمت، في نوع من الابتزاز العاطفي الذي لا يهدأ، ما أدّى إلى فراقهما، والانتهاء بدسّ رأسها في فرن للغاز تعبيرا عن رغبة في تدمير الذات، لكن الراوي، الحامل لصوت الشاعر، والمعبّر عن رؤيته، ما اعترف أن قلبه خلا لغير سيلفيا الزوجة المتقلّبة المزاج، والمفرطة في شططها العاطفي، وهياجها الانفعالي. ومع أنه كان يبادلها الاهتياج، وينقاد لمشاعره التي يتّقد أوارها غضبا، فلا تهدأ إلا بترك المنزل، والاختلاء بنفسه بعيدا عن الصخب العائلي، فلا يخلو الأمر من جهد يبذله لإخماد التوتر، الذي يندلع لغير سبب، ومع ذلك فقد جرفه وجرفها معه تيار الاختصام، ولم يصمدا أمام العواصف التي اقتلعت حبهما، ورمت به في بيداء قاحلة، وكأن سيلفيا بانتحارها تستعيد نفسها من شراكة غير سوية، وتحقق رغبة دفينة في نفسها.
قدّم كتاب “أنتَ قُلتَ” تعديلا سرديا للصورة الشائعة عن العلاقة الزوجية المتقلّبة بين الزوجين الشاعرين، وأفصح عن غايتها، وهو تقديم الرواية الأكثر قربا لما حدثَ. جاءت الرواية على لسان الشاعر استعادة لتجربة حياة، وقد أمست ذكرى: “بالنسبة للكثيرين، نحن غير موجودين إلا في الكتب. أنا وزوجتي. تابعتُ على مدى الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة، بكثير من العجز والاستنكار، كيف تعفّنت حياتها وحياتي تحت طبقة من المغالطات والشائعات، والقصص الملفّقة، والشهادات الكاذبة، والأساطير، والخرافات الهراء. ورأيت بعينيّ كيف تمّ تحوير شخصيّتينا المركّبتين إلى شخصيتين عاديتين، بملامح باهتة وبسيطة صنعت خصيصا لإرضاء نوع معين من القرّاء الطامحين للإثارة. هي المقدّسة الهشّة، وأنا الخائن القبيح”(7). وعلى الرغم من أنّ الأحداث رويت بلسان تيد لكن الحضور الكامل كان لسيلفيا، غير أنه حضور الضحية التي تذهب إلى حتفها بثبات لا يوقفه عائق، ولا يحول دونه حائل؛ وبخاصة أن لها سوابق في محاولات الانتحار قبل الزواج حينما كانت صبية برفقة أمها في أمريكا. تكلم تيد عن نفسه غير أنه أفرد لسيلفيا المكانة الرئيسة في الأحداث، فقدّم شهادة مفعمة بالإثارة لعلاقته بها، وهي علاقة ندر مثيلها بين أديبين، وما لبث التيار النسوي أن أذكى فتيل قضية الانتحار حينما وصم الزوج بالقاتل الذي فتك بأيقونة الشعر، وهي في مقتبل عمرها الأدبي، وأحرق مذكّراتها المخطوطة، فاستحق اللعنة؛ لأنه رمز الفكر الذكوري المستبدّ.
ولا يصحّ تبرئة هيوز من الانهيار النفسي الذي أصاب سيلفيا، وتكرر معها أكثر من مرة، حتى قضى عليها، فقد كان الزوج مثيرا لاضطرابات خامدة في أعماقها، كانت تثور عند أول احتكاك، وطوت شخصيته ما يثير انفعال شريكته، فقد كان مغرورا، وخائنا، ومتفلّتا، وفاقدا لحسّ المسؤولية بوصفه زوجا طاهر الذيل، وقد أفصح الكتاب عن شيء كثير من ذلك، ومنه تصوير علاقاته الجنسية خارج إطار الزوجية مع “آسيا إيفيل” التي أصبحت زوجته بعد انتحار سيلفيا، وما لبثت أن حاكتها في الانتحار بفرن الغاز مع ابنتها في عام 1969، بُعيد سنوات من انتحار الزوجة الأولى، فاصطفّت إلى جوار سيلفيا دليلا في الاحتجاج عليه زوجا قاتلا، فما كان منه بعد سنة ونصف من انتحار الثانية إلا أن تزوج بثالثة، وهي شابة من القرية التي ولد فيها “فلاحة وابنة فلاح من دون اهتمامات أدبية، ولا كآبة، ولا رغبة في الموت”(8).
يستقيم القول، استنادا إلى فرضية سوء الرجل، بأنّ هيوز دفع اثنتين من زوجاته إلى الانتحار بالسلوك الشائن الذي كان سلكه معهما، فدفع بهما إلى قتل النفس على التعاقب في غضون سنوات قليلة، ولكن لم ينته الأمر بذلك، فبعد وفاته شاعرا للبلاط البريطاني في عام 1998، انتحر ابنه “نيكولاس” من زوجته سيلفيا في عام 2009، الذي كان ابن عام واحد حينما انتحرت أمه. صمت هيوز على موضوع انتحار سيلفيا على الرغم من عشرات الكتب التي عالجت الموضوع، وأظهرته وحشا فاتكا يقود زوجاته إلى أفران الغاز، ما خلا ديوانه الأخير “رسائل عيد الميلاد” المتألّف من ثمان وثمانين قصيدة، خصّ سيلفيا به في نكوص لا يخفى من الندم حول اشتطاطه معها، فبه تمكّن من تجديد صلته بها، فهو “الشيء الوحيد القادر على جمعي بزوجتي مجدّدا، واسترجاعها من العالم السفلي، والسير معها باتجاه الشمس”(9). نقض هيوز في ديوانه مفهومه للشعر، فبتأثير من الحنين لسيلفيا فاض به الكيل العاطفي، فجاءت قصائد الديوان مشحونة بالعواطف الجياشة لذكرى أليمة، وبهذا كان الكتاب اعترافا شعريا طويلا، بل نوعا من “السيرة الذاتية للشاعر”(10). ولكن الديوان قصّر عن تقليب أوجه العلاقة المتوتّرة بين الشاعرين الزوجين، مقارنة بما قامت به رواية “أنتَ قلتَ”. وقد لا يكون ذلك مقصودا بذاته، إنما لأن الرواية قامت بتمثيل تلك العلاقة بأوسع مما قام به الديوان، بل وبأعمق، ويعود ذلك إلى اختلاف وظيفة التمثيل في كل من الشعر والسرد.
صوّرت رواية “أنتَ قُلتَ” تخبّطات سيلفيا في العثور على هويتها الشعرية، وجموحها العاطفي، وفقدان بوصلتها في تحديد الهدف العام لحياتها، ومحاولة تيد تعديل مسارها باقتراحات هدف منها إلى ضبط الإيقاع الشعري لديها، ولقد اعترف بموهبتها الشعرية لكنه ظلّ يبدي ملاحظات عليها، وما كان ذلك يروق للشاعرة التي كانت تنام على حال، وتستيقظ على نقيضها، فلا تركن إلى شيء يفضي بها إلى هدف يقترحه عليها زوجها. وقد تباينا في منظوريهما لماهية الشعر، واختلفا في وظيفته؛ ففيما كانت تراه رجع صدى للنفس في أحوالها المتبدّلة، رآه هو تعبيرا موضوعيا عن الطبيعة والإنسان، وسبّب فهمه الصارم لوظيفة الشعر أذى نفسيا لها لمخالفته طبعها الشعري، ولَما لم تتمكن من قبول تصوراته عن الشعر، فقد أحسّت بقصور في موهبتها، فكانت تنكبّ على كتابة قصائد يومية للتعبير عن نفسها في رهان على أصالة قدرتها الإبداعية، ومع اعتراف هيوز بالأذى الذي سببه لسيلفيا، لكنه أرجع الأمر إلى الميول الانتحارية لديها، ونوبات الكآبة التي كانت تجتاحها، وتصديقها للشائعات حول كونه زير نساء، وتمكّن الغيرة الزوجية منها، واعتقاده بانتمائها إلى ثقافة طارئة، هي الثقافة الأمريكية بإزاء ثقافة عريقة هي الثقافة الإنجليزية التي ينتمي إليها. وبمرور الوقت اتسع رتق الخلاف فيما بينهما، وما عاد بالإمكان ردمه.
عرضت هذه الرواية السيرية براهين سردية متينة تثبت محاولات تيد حماية سيلفيا من الردّات النفسية التي ترتبط بالثناء على عملها الشعري، أو في تجاهل إطرائه، وذلك يزعجها في حال شح هو في الامتداح، وقصّر في التقريظ؛ أما الكاتب، حسب منظور هيوز، فينبغي أن يشقّ طريقه الشعري مراقبا أحداث العالم لا متأثّرا بها “يجب ألا يضع الكاتب نفسه في دائرة الثرثرة والشائعات، لأنه أكثر وحدة وأنانية وفخرا من أن ينتمي إليها، الكاتب يزدهر في الوحدة، وهو بالإضافة إلى ذلك ينظر إلى مخلوقاته الإبداعية بكثير من التباهي، باعتبارها أفضل مما يصنعه الآخرون من حوله، ومهما كان الآخرون من حوله متميزين ومتفوقين ومشهودًا لهم بالنجاح إلا أنه يجد نفسه مع ذلك أكثر أصالة وإبداعا وشجاعة، وليس في ذلك ما يعيب، لكن الخطر الحقيقي يبدأ عندما يرغب في أن يشاركه الآخرون هذا التصّور عن أعماله، وعندما يتطلع إلى المدح والإطراء من كل من يلتقيه من النقاد والوصوليين، ومن يتحلّق حوله من قبيلة الأدباء معتبرا نفسه صانعهم، فيفتل من لحيته حبالا”(11). وحينما كان تيد يفحص قصائدها بدقة يجد أنها “لم تكن تمتلك الكثير من الخيال”(12)، فكلّ صورها الشعرية، ورموزها، واستعاراتها، العسيرة المنمّقة، مأخوذة من مصادر الأدب، ولم تنبثق من تجربة خاصة، ولا من رؤية ثقافية تتصل بحياتها. وكانت تقابل هذا التحليل بالرفض، وتعزف عنه، وترمي نفسها في لجة كتابة متعجلة تظن أنها تعوّض بها عما يفتقر إليه شعرها.
اقترح كتاب “أنتَ قُلتَ” حبكة ثنائية الأطراف قوامها طبع ثابت لامرأة مهووسة بالشكوك “عبارة عن برميلٍ مليءٍ بالسُّم تنبعث منه رائحة ذكية”، ورجل معالج “أنا الطبيب الساحر، الذي وهب الفتاة الهشّة، المجروحة حقيقتها، وأعادها إلى نفسها، فعلتُ ما أملاه الحبّ عليّ كعاشق. كنتُ الثائر الذي حطّم صنمها، وحرّر روحها، ولأنني أحببتها، فقد كان عليّ أن أقشّر عنها الطبقة التي كانت تغلّفها، فتخفي تحتها المرأة والشاعرة، وأن أساعدها في إيجاد صوتها، وإسماعه للآخرين: صوتها الخائف، الغاضب، الناشز الذي تطلقه للتذمّر من التفاهات، وصوتها المكبوت الذي يهدّد ويهين، صوتها الممنوع الذي يلاحق كلّ من يؤلمها باللعنات كما لو أنها ربّة الانتقام. كان يتوجّب ترويض لسانها الحجري على الرقص على إيقاع روحها، تلك الروح السوداء التي تسكنها وتخيفها. وكان دوري أن أسحبها خارج هذا الموت، وأجعلها ترتفع فوق الخراب”(13).
هذا رهان لم يتحقّق أبدا، وما صدق مضمونه، وكأنه محض ادّعاء، فالمرأة المشتطّة، سيلفيا، التي انفلت شعورها بالواقع، وتغلّبت عليها تخيّلاتها، فيما تقوم به من أفعال، وما يصدر عنها من أقوال، لفظت أنفاسها في فرن للغاز، وبذلك انهارت مقوّمات الحبكة التي ادّعاها الطبيب المعالج، تيد هيوز، غير أن الاسترسال البارع، الذي قدم تفصيلات مذهلة عن حياة الزوجين من غير توقف، والذي امتصّ رحيق أشعار تيد وقصائد سيلفيا، وما كتب عنهما، صاغ للحبكة وجها يقوم على المفارقة، فقد نجا الطبيب بحياته، وعاشر حفنة من النساء، وانتهى شاعرا للبلاط، فيما خنق صوت الأنوثة الهشّة في فرن للغاز، فانتهت جثة هامدة.
قدّم تيد وصفا مرسلا لأحوال سيلفيا ما يبدو تحيّزا في المنظور السردي لصالحه، على الرغم من أنّ مؤلفة الكتاب فيلسوفة مرموقة شغلت بكتابة السير الذاتية لبعض الشخصيات المشهورة، وهي مناصرة لقضايا المرأة، فقد انتصرت لرؤية الزوج في سبك الأحداث، وقد صمت على الافتراءات التي تعرّض لها جرّاء المصير الذي انتهت إليه سيلفيا، وامتنع عن الردّ عليها، فارتسمت له صورة الزوج البغيض إلى أن تكفلت “بالمن” نيابة عنه بكشف الحقائق بغلالة من السرد الشفاف الذي لا يخفي شيئا؛ فالشهادة السردية التي نبشت في أسرار العلاقة بين الزوجين برّأت الزوج من السلوك العدواني الذي خُلع عليه، وإن لم تجعل منه ملاكا، كونها فصّلت القول في نزواته ساعيا لإشباع رغباته بعلاقات موازية، وكأنه بذلك يتحاشى مزيدا من الاشتباك المفتعل مع زوجة متقلّبة العواطف والمواقف، لكنها أسرفت في التهوين من حقّ سيلفيا في الحفاظ على هويتها غير المكتملة أدبيا وإنسانيا، ولم تنتصر لامرأة غلبها الهوس الذي استوطنها مذ صباها، ولَم يفلح الزواج بتشذيب جنوحها الانفعالي، فهي ضحية نوبات هستيرية تتمكّن منها بين حين وحين، وما تكفل الزوج في ارتشاف غضبها العابر، ولا تمكّن من تجرّع نزقها الأنثوي، فتشقّقت علاقتهما، وتعذّر لمّ شملهما، وفيما كانت هي تغوص في نوبات الكآبة والانفعال في البيت كان هو يروي ظمأه للمؤانسة بعيدا عنه.
هذا ما أظهرته بجلاء رواية “أنت قلتَ” من دون أن تسقط في الادعاء الأيديولوجي الهادف إلى تبرئة طرف، وتأثيم طرف آخر، غير أن سيلفيا بلاث كشفت عن المنطقة المتوترة في حياتها الخاصة بروايتها السيرية “الناقوس الزجاجي” التي كتبتها في خضم أزمتها النفسية، ونشرتها قبيل انتحارها بنحو شهر، وفيها استعادة لحياتها حينما كانت شابة متقلّبة المزاج، ومتذبذبة المواقف، وهي خصال لم تنجح تجربة الزواج بمحوها، بل زادت في اتقادها على خلفية من المماحكات بين الزوجين. دارت أحداث الرواية في أمريكا في عام 1953، أي قبل عشر سنين من واقعة الانتحار، وقبيل سنوات من الاقتران بهيوز في بريطانيا، لكن التصوير النفسي لبطلتها “إستر غريينوود” ارتبط بالانفعالات الاكتئابية العارمة التي لازمت سيلفيا طوال حياتها، بما في ذلك الرغبة في الموت، وشكّل ذلك البطانة الوجدانية القلقة للشخصية الرئيسة فيها، وهي تحيل على شخصية الكاتبة. قالت “أليف شفق” في سياق تعليقها على ظروف كتابة تلك الرواية “في محاولة لتعميق اتصالها بروحها وماضيها، استحثّت (سيلفيا بلاث)، بأناة، مكامن الخوف فيها، الخوف من العقلانية، ومن التشبّه بآلاف الآخرين. والخوف من الجنون، من أن تكون مختلفة بشكل جذري حتى لا يعود هناك أمل من الاختلاط بالمجتمع. كتبت بالتفصيل عن الفشل الذهني، والعلاج بالصدمات الكهربائية، وعن رتابة الحياة المدنيّة الخانقة”(14).
من الغريب أن ترتبط نهاية حياة سيلفيا ببداية روايتها الوحيدة “الناقوس الزجاجي” التي أشارت فقرتها الأولى للموت “كان صيفا غريبا وقائظا، ذلك الصيف الذي أعدموا فيه آل روزنبيرغ صعقا بالكهرباء. لم أعرف ما كنتُ أفعله في نيويورك. أشعر كالبلهاء إزاء حوادث النفس. ففكرة الموت صعقا بالكهرباء تثير في نفسي الغثيان. ظننت أن ذلك، لا ريب، هو أسوأ شيء في الوجود”(15). بدأت الرواية بذكر واقعة إعدام آل روزنبيرغ، وهما اليهوديان، الشيوعيان، جوليوس وإيتيل روزنبيرغ، بالكرسي الكهربائي، في صيف عام 1953 بتهمة تسريب أسرار القنبلة الذرية إلى الاتحاد السوفيتي، وبهذه الواقعة جرى التدشين للحقبة المكارثية في التاريخ الأمريكي، فالكاتبة التي استنكرت موتا بالكهرباء انتهت اختناقا بالغاز(16).
ولا يخفى التطابق بين مسار حياة سيلفيا بلاث ومسار حياة بطلة الرواية إستر غريينوود، في التجارب العاطفية، والشغف الأدبي، والدراسة الجامعية، والنسب العائلي، والعمل في مجال التحرير الأدبي، والسوداوية، والعصابية، وحبّ الموت، والتوهّمات المتكرّرة، بل وتقديم مشهد سردي يكاد يطابق محاولتها الأولى في الانتحار في قبو دار أهلها، وتجاربها العلاجية الطويلة قبل اقترانها بهيوز، وتكاد أوصاف الشاب “بِدي ويلارد” تماثل أوصاف تيد من ناحية العمر، فهو يكبر إستر بعامين، كما يكبر تيد سيلفيا بسنتين، فضلا عن الوسامة، والخبرات الحياتية، فكأن الرواية، التي كتبت إبان الأزمة العاصفة بين الزوجين، تمثيل مجازي للعلاقة بينهما، وإن كان زمن الأحداث السردية يسبق زمن الأحداث الحقيقية بنحو عقد من الزمان. وردت الإشارة في إحدى رسائلها أنها كانت مسكونة بفكرة الرواية طوال السنوات العشر السابقة على كتابتها(17)، لكنّ الأجواء المتأزمة لحياتها خيمت على أحداث الرواية التي اكتملت في صيف 1962 ونشرت في مطلع عام 1963 في إنجلترا، وقوبلت ببرود نقدي سبب لها الاستياء، وعارضت أمها “أوريليا” نشر الرواية في أمريكا، بذريعة الضرر الذي سوف تسببه للعائلة والأصدقاء، فالكتاب، يمثل “العقوق الأكثر خسّة”(18).
دفعت سيلفيا ببطلتها، مرهفة الحس حدّ الإفراط، لخوض تجارب الحياة، وقد أخفقت في معظمها، فعاشت في حال متوتّرة من “الكبح الدائم للغضب والاستياء”(19)، وبتأثير من أسلوب كافكا أخذت سيلفيا بدفع إستر إلى سلسلة من الأفعال الغامضة أفصحت عنها الانهيارات النفسية التي كانت تتعرّض لها، فحاكت كافكا في اقتطاع مشاهد مبهمة جعلت الشخصية تنساق إلى مصيرها من دون تعثر، فلا تجني غير الأذى، ولا تتاح لها الفرصة لانتشال نفسها من أحداث تُطبق عليها من كل جانب، فكأنها تتحرك في متاهة لا تفضي بها إلى غاية تتطلّع إليها، والحال هذه، فقد رمت سيلفيا بإستر في نيويورك خمسينيات القرن العشرين، ودفعت بها لخوض تجارب محبطة في الجنس، والعمل، والدراسة، والعلاقات العائلية، فارتسمت أفكارها العصابية على خلفية من الشعور بالضياع والكآبة، وفقدان الأمل، ونهلت أحداث روايتها من تجربتها الذاتية، وكما كتبت لأمها قبيل انتحارها بأشهر بأنّ الكتاب “إسقاط أحداث من حياتي الخاصة وإضافة شيء من التخيّل: إنه مرجل حقيقي، لكنني أعتقد أنه سيُظهر كيف يشعر المرء بالعزلة حين يعاني من انهيار عصبي، حاولتُ تصوير عالمي، والناس الذين يوجدون فيه، مثلما رأيته في العدسة المشوّهة لناقوس زجاجي”(20).
عبّرت رواية “الناقوس الزجاجي” عن حال امرأة شابة في عالم ضاق بتطلّعاتها، فكان أن دفعها “انسداد الأفق وضيق الخيارات إلى الانزلاق في قعر مستنقع كآبة قاتلة”(21). فأصيبت بنوع من الجنون لكنها لم تفقد رؤيتها النسوية النافذة للحياة بسخرية مريرة، وحينما تستعيد نفسها ببطء من حال العصاب الهذياني الذي يخيم عليها. وقد ذهب “بول روزان” إلى أن النهاية المأساوية لسيلفيا بلاث، وهي شابة، أدّت إلى “خلق صورة أسطورية لها”، وجاءت تلك النهاية تتويجا لسلسلة من الانهيارات النفسية خلال حياتها القصيرة، فقد ارتكبت أول محاولة انتحارية حينما كانت في العاشرة، ثم عانت، بعدها، من اكتئاب خطير متكرّر، وخضعت لعلاج بالصدمات الكهربائية، وحسب كتاب “سحر خام: سيرة سيلفيا بلاث” فإن الطبّ لم يقدّم لها خدمة حسنة؛ إذ أُخضعت لسلسلة من الصدمات الكهربائية العلاجية، والتي يأمل المرء أن تأتي آخر الحلول لشابة مثل سيلفيا، خضعت لها ابتداء من دون مبالاة، ولم يقوموا حتى بإرخاء عضلاتها”(22).
بالوقوف على روايتي “أنتَ قلتَ” و”الناقوس الزجاجي” في تمثيلهما لأحوال سيلفيا بلاث نكون قد اعتمدنا السرد وسيلة للبحث في واقعة حقيقية، هي واقعة الانتحار، يشفع لنا ذلك لأنهما روايتان سيريّتان كتبتا من منظورين مختلفين، وفيهما ارتسمت صورتان متعارضتان لشخصية سيلفيا، طبقا لشروط المنظور السردي الموجّه لأحداث الروايتين، غير أننا نريد إثراء البحث في هذه الواقعة بالوقوف على يومياتها التي أزاحت الغموض عن الجانب المخفي من حياتها: إحساسها بذاتها امرأة وكاتبة، وغطّت سنوات نضجها، وكشفت عن تقلّباتها النفسية، ففي الثامنة عشرة من عمرها بدأت بكتابة يومياتها، وأول جملة وردت فيها هي “ربما لن أكون سعيدة أبدا”(23). ولعلّ حياة سيلفيا القصيرة كانت تعبيرا عن هذه النبوءة المبكرة، وقد تحقّقت، لكنها سعت إلى دمج التناقضات في حياتها، إذ تمنّت: أن تكون بِكرا، طاهرة، وسليمة، وفتية، وأن تُغتصب. فكأنها ترغب في الانتهاء إلى نهاية عنيفة، وإلى ذلك فقد تمنّت أن تكون محبوبة من رجل يجلّها، ويفهمها، ويشاركها حياتها الحالمة التي تختلط فيها البراءة بالدنس.
تبدو سيلفيا بلاث، وهي دون العشرين، متردّدة في صون جسدها كأنثى، ومنحه كامرأة، وعلى منوال متواصل قبل زواجها خضعت لتلك الثنائية، فكانت تمنح نفسها من غير اكتراث في علاقات عارضة، لكنها تعبّر عن ندم حينما تنتبه للأمر بعد ذلك، وتشعر بتأنيب يغزوها من الأعماق. فهي ترغب في ممارسة الجنس، لكنه يخلّف في نفسها شعورا بالحزن، وفي هذه الفترة من حياتها ربطت بين الجنس والفزع، وتجلّى ذلك بأزمتها النفسية التي سببت لها كدرا متواصلا “لو لم يكن لي أي أعضاء جنسية، لما كنت أترنّح طوال الوقت على شفير الأزمة العصبية”، فكانت تحلم برجل ذكي، وجذاب جنسيا، ووسيم، يروي حاجتها، غير أنها كانت تصاب بالإحباط، وتنغمس في اليأس، لأدنى سبب “أنا الليلة قبيحة. فقدت كل إيمان بقدرتي على جذب الذكور. وفي الحيوان الأنثوي يعدّ ذلك مرضا مثيرا للشفقة”، ومع أنها واثقة من جاذبية جسدها، وتعترف بالغرور، فقد كانت تشعر بالعزلة، لأنه ليس في حياتها رجل يملأ الخواء الذي تشعر به “إلى أن يحين ذلك، أنا ضائعة، أعتقد أحيانا أنني مجنونة”(24).
انبنت حياة سيلفيا بلاث قبل الزواج على قاعدة الرغبة في الارتواء، وانحلال العزم جراء عدم العثور على الذَكَر المناسب الذي يشبع تلك الرغبة، وانعكس ذلك على حالتها النفسية التي تتأزم كلما أخفقت في إشباع رغبة عطشى، وقد استبدت بها الأحاسيس قبل التحاقها بالجامعة في خريف عام 1950 ثم استفحل شعورها بالوحدة التي “تنشأ من الجوهر الغامض للذات”، وهي أشبه بالمرض المُعضل الذي لا يعرف المرء موضع العدوى فيه، وتحاول مكافحة الشعور بالعزلة في جو جامعي مشحون بالعمل، وتشرع في التفكير بأنها فقدت الأجواء الأسرية الحميمية، وما كسبت شيئا جديدا، فكل شيء زائف في عالمها، ومادام الأمر كذلك فلماذا “لا ترمي عنك القوقعة الفارغة للحاضر، وترتكب الانتحار؟”.
تعترف سيلفيا أنها غير قادرة على حبّ أحد، وأنها أنانية، ودنيئة، وجبانة “أنا لا أحبّ، لا أحبّ أحدا عدا نفسي. هذا شيء فظيع إلى حدّ ما للاعتراف به. لست، حتى أكون موجزة وجلفة، سوى عاشقة لنفسي، لأناي التافهة بنهديها الصغيرين غير الوافيين، ومواهبها الجرداء، الهزيلة، بوسعي أن أحبّ أولئك الذين يعكسون العالم الخاص بي.. أخاف من مواجهة نفسي”. وهذا بوح خطير يكشف عجزها عن إسعاد الآخرين، فما دام المرء قد أنطوى على ذاته عشقا فلا يؤمل منه القدرة على منح الحب لغيره، ثم تروح تذكر أعداءها من غير مواربة، وفي مقدمتهم أمها التي تبدي حرصا على أن تكون سعيدة، لكن الابنة تستنكر هذا الحرص، وتفهمه على غير حقيقته. وبسبب هذه الفوضى الداخلية التي تحيط بها من كل جانب شُغلت بموهبتها، وكأنها تهرب من عالم واقعي إلى آخر متخيّل، وحتى هذا البديل يكون موضوع شكّ “هل يمكن لأنثى غيورة، وأنانية، وغير واسعة الخيال، أن تكتب شيئا لعينا جديرا بالاهتمام؟”(25). وبخلط الغيرة بالأنانية بالبلادة تنتج كتابة هزيلة، فتعزف عن المضي في هذا الخيار، لكنها ما تلبث أن تنقلب، وترمي نفسها في لجّة كتابة القصائد والقصص، والاستطراد في موضوعاتها، وأساليبها، ومكافآتها المالية، وحينما تتلقّى رفضا من الناشرين لما تكتب، تتوتر، وتنتكس، فهي تريد اعترافا عاجلا، وتترقب مالا، وكل ملاحظة سلبية تصيبها بالإحباط.
لا تتردّد سيلفيا بلاث في وصف نفسها بالمراهقة والانطوائية، والبحث عن علاقة جسدية حقيقية مع رجل يملأ عالمها، لكنها لا تعرف أن تمنح نفسها لغير نفسها، ولذلك تقارع الحاجة الجنسية العظيمة بوسائل عنيفة، وبما أنها تعيش في محيط اجتماعي، فالمقرّر لها أن تقصر حياتها على رجل يتولّى دوره في إشباع غرائزها، وبذلك تنشغل، وهي دون العشرين، بالبحث عن شريك، غير أنها تتوجّس من خوض التجربة، فأنانيتها تحول دون ذلك، يؤرقها حب الذات الذي تحمله معها مثل “قريب عزيز مصاب بمرض عضال”، فلا تجد ملاذا سوى الكتابة، الكتابة التي لا ينافسها فيها رجل، فهي “ضرورية للحفاظ على سلامة عقلي المتعجرف”(26). ولما كانت تظنُّ أن الزواج سيحول دون انصرافها للكتابة، فإنها تتباطأ في اتخاذ القرار، وتشغل نفسها بمواصفات الشريك بدل اختياره، الشريك الذي قد تجتذبه النساء الفاتنات، ما يسبّب لها غيرة جسدية، لأن الفاتنات من النساء لديهنّ مواصفات جسدية لا تتوفّر فيها، ما يجعلها تصرف اهتمامها بالمقارنة بين ما لديها من مزايا وما لديهنّ، وإلى ذلك فقد تقع في براثن رجل يريدها مُلكا له، ليكون فخورا بها كما يفخر بسيارته، وبالقطع سيكون مغرورا وتافها، لأنه مشغول بترك ذكرى اجتماعية بعد وفاته: زوجة وأطفال، وبهذا فسوف تكون هي شريكة تابعة له. وطفحت يومياتها بالوقوف على كثير من الأمور قبل أوانها، فهي تستهيم بتوقّعات عصابية تفتقر إلى المنطق، وتعزّ على الإثبات، تنتهي بها إلى طريق مسدود، وعلى الرغم من براعتها في الوصف، وجرأتها في طرق الموضوعات، فلا تخلص بها الكتابة إلى حلّ، بل تزيد من ريبتها بنفسها، وبالعالم المحيط بها، ويقع الانشقاق بين ذات حميمية منطوية، وعالم راسخ الأعراف والتقاليد.
شغل الجنس جانبا كبيرا من اهتمام سيلفيا بلاث في يومياتها، وإليه عزت المآسي الفردية “العِرق البشري هو ضحية نشاطه الجنسي الخاص به. الحيوانات، الكائنات الأدنى المحظوظة، حين ترغب في السفاد، تقوم وتنتهي منه، لكننا نحن البشر المساكين المفعمين بالشهوة محبوسون في العادات، مقيّدون بالظروف، نتعب، ونتلوّى ألما بالنار المتطلبة والرهيبة التي تلسع خاصرتنا على الدوام”، وتخالجها أفكار الانتحار بسبب ذلك الشعور، فقد كتبت في خريف عام 1952 “ما كنت قريبة من الرغبة في الانتحار كما أنا الآن…أريد قتل نفسي”. ترغب في الانتحار لأنها تستهين بذاتها، وتحتقرها “أنا كومة نفاية مختلطة من تفاصيل معلّقة لم يبتّ بها”. وهنا تبدأ سيلفيا في استعادة حالات الانتحار التي قامت بها بعض النساء قبلها، مثل: فرجينيا وولف، وساره تيسدال، وتتمنّى لو تتعرّض لتجربة اغتصاب عنيفة “كم أودّ الجلوس في سيارة وأُساق وأُحمل داخل الجبال إلى كوخ على تلّ تعصف فيه الرياح، وأُغتصب بشهوة هائلة مثل امرأة كهف، أقاوم، أصرخ، أعضّ بنشوة ضارية من هزّة الجماع”(27).
تذكّر حال سيلفيا بلاث، في هذه المرحلة، والمراحل اللاحقة من حياتها، بما ذهب إليه “الماركيز دو ساد” من أن الشخص الإيروسي يرى في “القتل قمة الإثارة الجنسية”(28)، وهو ما يفصّله “جورج باطاي” بالطريقة الآتية: هذا نوع من الانبهار الأساسي بالموت عبر المرور من الحالة العادية إلى حالة نشاط الرغبة الجنسية، فالكائن الإيروسي، ومثاله في هذا السياق سيلفيا بلاث، يريد الاتصال بالآخرين، لكنه يقحم نفسه في عالم يرتكز على الانفصال، فيصبح الجسد عبئا على صاحبه، وحينما تكون الإيروسية قائمة على “التعاطف الأخلاقي” فإن أول ما تثيره في نفس صاحبها هو “الاضطراب والانزعاج” لأن هذه العاطفة السعيدة تُحدث هي نفسها اضطرابا عنيفا بحيث تتحوّل إلى نقيض ما يُنتظر منها من شعور بالسعادة، أي أنها تتحوّل إلى نوع من المعاناة، وبوجود محبوب، أو انتظار ظهور ذلك المحبوب، تتضاعف معاناة الشخص الإيروسي، لأنه بمعاناته يتوهّم تعويض ما يفتقر إليه، وبما أنه لا يتمكّن من تملّك الشخص الذي يحبّه، أو الذي يبحث عنه ليكون محبوبا له، فينبثق لديه التفكير بالموت بديلا عن حالة الفقدان. وقد يحدث أن يفكّر الإيروسي بقتل المحبّ بدل فقدانه فقدانا كاملا، ولكن حينما لا يتمكّن من ذلك تنتابه هو نفسه الرغبة في الموت. ويتكوّن مضمون هذه الهستيريا على توهّم أن الشخص الآخر يتمكّن من تحقيق ما يرغب فيه الإيروسي من اتحاد جسدي، وربما روحي، إلى درجة يتوهّم بها الانصهار التام بين كائنين منفصلين، وعلى هذا تدفع المعاناة بصاحبها إلى نوع من العذاب؛ لأنها تقوم على بحث يتعذّر تحقيقه، وتعبّر هذه المعاناة عن سطحية وعي يلهث وراء العثور على اتفاق محكوم بشروط اعتباطية؛ لأن وعد السعادة الناتجة عن كل هذا هو وعد كاذب؛ فالاتحاد العاطفي المأمول بين الاثنين لن يتحقّق أبدا، بل سوف يقود إلى الموت، أي إلى الرغبة في القتل أو الانتحار، وذلك تفضي إليه الأنانية المضاعفة(29).
وقد يفسر هذا جانبا مما كانت عليه سيلفيا بلاث، قبل أن يظهر تيد هيوز في حياتها، وبعد ذلك، وقبل أن تعترف بكراهيتها المطلقة لأمها، وصولا إلى انتحارها في نهاية المطاف، ومع أنها كانت، في هذه المدة، على علاقة بعدد من الرجال، فقد كانت تبحث عن الحب الذي يشبع جسدها وروحها، وبغيابه تفكّر بالموت “أريد أن أحبّ أحدا لأنني أريد أن أكون محبوبة، مثل أرنب خائف أنا، ربما أقذف نفسي تحت عجلات سيارة؛ لأن الأضواء ترعبني، وتحت موت العجلات الأعمى المظلم سأكون آمنة. أنا منهكة جدا، مبتذلة جدا، مشوّشة جدا”(30). قد تصلح معالجة فرويد لهذ الضرب من العصاب الباعث على الحزن، فالكآبة، ثم الانتحار، في كشف جانب مما حدث لسيلفيا في العقد الأخير من حياتها، مع ما يحتمل من قصور في عدم مطابقة وصف فرويد للحالة التي قام بوصفها، والحال الحقيقية التي كانت هي عليها، غير أنّ تلك المعالجة تلقي الضوء على وصف مخاطر الارتكاس في الكآبة التي تفضي إلى توجيه العنف إلى النفس بدلا عن الآخرين.
توصّل فرويد إلى وصف شبكة العلاقات الرابطة بين الكآبة والحزن والنكوص والانتحار، فالكآبة تستعير جزءا من طبيعتها من الحزن، ثم تقترض الجزء الآخر من النكوص عن اختيار الهدف النرجسي، فيقع الفرد في أسر النرجسية ذاتها؛ ذلك أنّ الكآبة مثل الحزن تكون ردّة فعل على الفقدان الحقيقي لهدف الحبّ، وتتحوّل، حيثما تحلّ، إلى حالة مرضيّة تؤذي صاحبها، وضياع هدف الحب هو دافع متميز لإظهار تناقض علاقات الحبّ، فيجعلها ظاهرة، وحيثما يتواجد الميل للإصابة بالوسواس القهري، فإن الصراع المتناقض يعبّر عن نفسه عبر الاتهامات الموجّهة للذات، لدرجة يعتقد فيها المريض أنّ الحزن هو السبب في ضياع هدف الحبّ، فينشأ ضرب من الكراهية يعدّ بديلا للحال القلقة التي يكون عليها المريض، وهي كراهية تكون الذات موضوعا لها، تبلغ درجة في إلحاق الأذى بها. تصبح معاناة الشخصية من الكآبة ذريعة لممارسة سادية ضد النفس، والاستمتاع بها، فهي كآبة ممتعة، لأنها ترضي الميول السادية التي نشأت في ظل حالة الحزن، وبدل أن تجد تلك السادية منفذا لها ضد الآخرين ترتدّ إلى الشخص نفسه، فتقع معاقبة الذات انتقاما من ضياع أهداف الحب الأصلية، وهذه السادية هي التي “تحلّ لغز الميل إلى الانتحار، بحيث تصبح الكآبة من خلاله أمرا مثيرا وخطيرا”. في ظل هذه الانفعالات العصابية تصبح إمكانية تدمير الذات قائمة. ومع أن فرويد لاحظ بأنه “ليس هنالك شخص عصابي يشعر بالرغبة في الانتحار إلا وكانت هذه الرغبة منطلقة من دافع الانتحار الموجّه لشخص آخر ثم ارتدّت هذه الرغبة على الشخص العصابي نفسه”، فإن تحليل الكآبة يثبت “أنّ الأنا لا تقتل نفسها إلا إذا كانت تنظر إليها بوصفها هدفا في حالة عودة حالة الاستحواذ على الهدف، وكذلك في حالة انقلاب العداء الموجّه إلى هدف ما، فيتحوّل ضد النفس”(31).
في صيف عام 1953 أقدمت سيلفيا على محاولة انتحار خطيرة بابتلاع حفنة حبوب منوّمة خاصة بأمها، وأمضت مدة طويلة تعالج في إحدى العيادات الطبية قبل أن تتشافي من آثار المحاولة القاتلة، وتخرجت في عام 1955 من الجامعة، وخلال السنتين اللاحقتين تمتّعت بمنحة “فولبرايت” في جامعة كمبردج في إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية، وترحّلت في بعض بلاد غرب أوروبا، وارتبطت بشاب يدعى “ريتشارد ساسون”، لكن أفكار الموت بقيت ملازمة لها على الرغم من التغيير الحاسم الذي طرأ على حياتها، وفي هذه الوقت من حياتها أبدت تعلقا بفكرة الأب، حتى أنها رأت في الطبيب النفسي الذي يعالجها أبا، وتمنّت الركون إليه، وطلب مواساته، فهي امرأة ضائعة، ولكنها تضطرب في علاقاتها مع الآخرين، وتغار من رفيقاتها في علاقتهن بالرجال، وقد رسمت في خواطرها حالة تنازع النساء حول تملك الرجال “أقاتل كل النساء من أجل رجالي. رجالي. أنا امرأة ولا يوجد إخلاص، حتى بين الأم والابنة. كلتاهما تقاتل من أجل الأب، من أجل الابن، من أجل سرير للعقل والجسد”، وخالجتها خيالات فتاة هائمة تترقّب رجلا ينقذها مما هي فيه “آمل أن يكون هنالك رجل ما في أوروبا، سألتقيه، وأحبه، وسيحررني”. وما لبث أن عرض لها ذلك العاشق المنتظر بشخص الشاعر “تيد هيوز” الذي وصفته بـ”الفتى الكبير، ذي الشعر الأسود، الجذّاب جنسيا”، وهي من لفتت انتباهه، فقد سعت بنفسها إلى إغوائه بإلقاء بيت من شعره، فدعاها لكأس خمر، وقبلت باندفاع، وسرعان ما اختليا في غرفة مجاورة. لقد رغبت في أن تمنح نفسها لرجل يخلّصها من ظلال الرجال الآخرين في حياتها، وقد فعلت، مع علمها بأنه “أكبر زير نساء في كيمبردج”(32). وما اكتفت بذلك، بل كتبت له قصيدة بعنوان “مطاردة”، وهي قصيدة حول “القوى المظلمة للشهوة” وأهدتها له، وتعدّ من أكثر قصائدها شبقية، وفيها تنبأت أن موتها سيكون على يديه “ثمة فهد يطاردني خلسة، يوما ما سيكون موتي به”(33).
مع انسياقها في حياة شبه عابثة، بدأت سيلفيا بلاث التفكير برواية تلعب فيها ثيمة الحب والانتحار دورا كبيرا، لكن اضطرابها النفسي تفاقم، فزارت محلّلا نفسيا في الجامعة، وكشفت له حالها “أنا خائفة من القوى التي تضغط عليّ، تسحقني إذا لم أخط، أنظّم طريقي، أتولّى أمر نفسي، وأضع رابطا بين الأمور: الأمور الأكاديمية، الأشياء الإبداعية، والكتابة، والعواطف، والحياة، والحب: تجعل مني إلها صغيرا: في أنماط صغيرة، مرتّبة من كلمات أعيد أنا خلق العالم المتلاطم، المنهار باستمرار. أملك قوى جسدية، عقلية وعاطفية جبّارة لا بد أن يكون لها متنفّس، إبداعي، وإلا تحوّلت إلى دمار وضياع”(34). وضربت مثلا على ضياعها بالإفراط في الشرب، وممارسة الجنس من غير تمييز. ومع أن الحافز الرئيس للكتابة عندها هو انتزاع الاعتراف بها كاتبة، لكنها كانت مهووسة بالبحث عن المال، الذي تكرّر ذكره كثيرا في يومياتها، فهي تحسب قيمة كل مكافأة حصلت عليها جراء نشر قصائدها، وحينما تتلقّى رفضا بنشر قصيدة أو قصة تتدهور أحوالها، وتغوص في شعور مأساوي، يسدّ أمامها آفاق الأمل لغياب الموارد المالية “أريد أن أخزّن النقود كما السنجاب يخزّن البندق”(35). لكنها لا تنسى جودة الكتابة التي نازعها الأول الرغبة في التعبير عن النفس، ولو تأتى عنها المال فهذا ممتع ومفيد.
بهدف مكافحة الشعور بالضياع رحلت سيلفيا إلى أوروبا، وعادت قبيل عيد الفصح لعام 1956 إلى إنجلترا، وخُطبت من طرف هيوز، وتزوجا في 16 يونيو 1956 في لندن، وأمضيا صيف ذلك العام في قرية صيد تقع في جنوب شرق إسبانيا على ضفاف البحر المتوسط، وقد شعرت بالسعادة الغامرة خلال ذلك، إذ نالت بغيتها بالزواج من الرجل الذي كانت تنتظره، وولّى عهد الإشباع الجزئي من رجال عارضين “لم يكن لي في حياتي أبدا حالات مثالية: زوج ذكي، وسيم، رائع، منزل كبير، هادئ حيث لا شيء يقاطعنا، لا تليفون لا زوّار؛ البحر عبر الشارع، التلال في أعلاه، رفاهة عقلية وجسدية كاملة. كل يوم نشعر بأنفسنا أقوى، أكثر يقظة”.
اكتست يوميات سيلفيا بلاث خلال وجودها في إسبانيا بطابع الأمل، وراحة البال، وراق لها زوجها؛ فالعيش معه بدا لها كأنه رواية لا تنتهي “عقله هو الأكبر، الأوسع خيالا من كل العقول التي صادفتها في حياتي. يمكنني العيش إلى الأبد في بلدان عقله النامية”، فقد وهبت السعادة، وحدث لها ما توقّعت “لكنّني لم أفكّر أبدا أنه سيحدث بهذه السرعة العجيبة”، وما لبثت أن أضافت “نحن الزوج الأكثر صحة، الأكثر إبداعا، الأكثر وفاء، الأكثر بساطة الذي يمكن أن تتخيّله”، ولهذا استيقظت موهبتها. وحينما اقتنت روايات فرجينيا وولف، بما في ذلك يومياتها، التي صوّرت اضطرابها العصبي، استعادت ذكرى محاولة الانتحار التي أقدمت عليها من قبل “شعرت أنني كنت، في ذلك الصيف الأسود من عام 1953، أحاول أن أعيد انتحارها. فقط لم أنجح في الغرق. أفترض أنني سأبقى قابلة للعطب، شديدة الارتياب بشكل مفرط”(36). ومعلوم بأن فرجينيا وولف، المثال الأعلى لسيلفيا، قد عبّأت جيوب معطفها بالأحجار، ورمت بنفسها في نهر “أوس” المحاذي لمنزلها في لندن يوم 28 مارس 1941 إثر حالة اكتئاب شديدة ألمّت بها في سني حياتها الأخيرة، ولم يعثر على جثتها إلا بعد ثلاثة أسابيع، وتركت لزوجها رسالة تشرح له فيها سبب انتحارها(37).
بدأت سيلفيا بلاث بكتابة روايتها “الناقوس الزجاجي”، وأرادت أن تكون الرواية الأكثر مبيعا، فهي تبحث عن المال، ويشغلها تدبير أمر حياتها وأسفارها، ومع أنها كانت تشك بما سوف تكتبه، لكنها ركنت للثقة؛ فحينما تعيد تحرير الرواية بعد الانتهاء منها ستحقق ما تريده منها، ومحورها “رحلة فتاة عبر الدمار، الكراهية واليأس للبحث، وإيجاد معنى القوة الاعتاقية للحب” ثم تستدرك “لكنّ المرعب هو أن يصبح الكتاب مكتوبا برداءة نتيجة الرخص، ومشاهد الحب المبتذلة. لو كتب بشكل جيد يمكن أن يكون الجنس ساميا، ويثير حتى الأعماق. لو كتب بشكل رديء يصبح قراءة اعتراف. وكل الاستبطان في العالم لا يمكن أن يشفيه”، لكنّها متطلّبة فيما تريد أن تكتبه “ينبغي البدء بأسلوب حيوي، بسيط، يمنح الفتاة معالم وسمات شخصية، ينبغي أن تكون فكهة ولكن جادة، لا يجوز الاستنساخ من أساليب الآخرين، فذلك يجعل الرواية الأفضل مبيعا، لا بد من الاهتمام بالأسلوب لأنه يقرّر محتوى، يجب الاهتمام بالأوصاف المباشرة، الحيّة، واستخدام ضمير المتكلّم في السرد مع إمكانية النجاح في استخدام ضمير الغائب، ولابدّ من استخدام الكلمات كما يستخدمها الشاعر(38).
إثر تخرجها في جامعة كيمبردج في أول صيف عام 1957 رحلت برفقة زوجها إلى أمريكا، وشغلا بالتدريس، ولكنهما انهمكا، أيضا، بالكتابة. بدأ تيد يحرز تقدما واضحا، فيما تعثّرت هي بفعل الواجبات الأكاديمية، وبمرور الأيام بدأت ترتاب بسلوك زوجها، وبالغت في شكوكها حينما ضبطته يبتسم لإحدى الطالبات، ما جعلها تنفض ثقتها عنه، وانقلبت الغيرة إلى اشمئزاز، وأفرطت في ظنونها، وصوّرت نفسها ضحية فيما هو الجلاد. لقد انبعثت، مرة أخرى، الهذيانات القديمة التي طمرها الزواج، لكنه لم يمحها، فكتبت تدين زوجها، وتعدّ نفسها الضحية في مذبحه، فقد تعرّضت للخداع “يجب أن أنهي حياتي هنا. لكن كيف يمكن العيش من دون ثقة الإحساس بأن الحب هو كذبة، وكل التضحية السارة واجب قبيح. أنا تعبة جدا. لا أستطيع النوم بسبب الارتجاف من الاشمئزاز. هو أخزى نفسه، وأخزاني، وأخزى ثقتي به أيضا. لكن ذلك ليس مبرّرا في عالم من رجال كذابين ومخادعين، يعجّ بالغرور. كان الحب ينبوعا لا ينضب لازدهاري، وأنا الآن اختنق به”(39). جرفها سوء ظن جارف، وصارت تفسّر كل أفعال زوجها في ضوء ذلك، فرجوعه المتأخّر إلى البيت معناه أنه أمضى وقته مع عشيقة، وتحيته لطالباته تغزّل بهن، ونظراته إغواء لهن، بدا لها ذئبا مفترسا، وكادت تتقيأ مما انتهت إليه من سوء حال، فانكفأت على نفسها، وراحت تحطّم بعض أواني المنزل.
حينما غادرا إلى بوسطن في صيف 1958 كانت سيلفيا ضحية كآبة عميقة، وتمنّعت عليها الكتابة، وأصبح شعارها “قوى الحياة فيّ كلّها معطّلة، كما لو في حلم”. أرادت أن تنتزع نفسها عن نوبات الاكتئاب لكنها ما أن تصبح في حال حسنة حتى تمسي على سيئة “كنت، ولم أزل، أصارع الكآبة، كأنّ حياتي تشتغل على نحو سحري بتيارين كهربائيين: موجب بهيج وسالب يائس، الذي له الغلبة في تلك اللحظة، هو الذي يسيطر على حياتي، يغمرها. أنا الآن مغمورة باليأس، تقريبا بشكل هستيري، كما لو أنني أختنق، كما لو أنّ بومة كبيرة نامية العضلات تجلس على صدري، مخالبها تطبق وتقبض على قلبي”. ولكن في الصفحة نفسها تنقلب حالها إلى تفاؤل كبير، ووفاق زوجي مثالي “للمرة الأولى في حياتي، ضمان مالي معقول، رفقة ساحرة ومتواصلة لزوج رائع جدا، طيب الرائحة، كبير، مبدع بطريقة استثنائية إلى حدّ يجعلني أتصوّر أنه من بنات خيالي”، وعلى هذا مرّت أيامها في بوسطن، وهي مشغولة بالاكتئاب والتفكير بالكتابة، ثم في مطلع عام 1959 زادت من جلساتها العلاجية مع طبيبتها النفسية “روث بوشر”، وأمضيا، هي وتيد، خريف ذلك العام ضيفين في منتجع للفنانين قرب نيويورك، وقبيل نهاية العام عادا إلى إنجلترا.
كانت التجربة العلاجية التي خاضتها سيلفيا معقدة، وغريبة، تركزت على ثنائية حبّ الذات وكره الأم، وفي بداية جلسات العلاج النفسي شعرت وكأنها تولد من جديد، فقد نجحت المعالجة في ملامسة ذاتها الحقيقية، حينما قالت لها “أمنحك سماحا بكره أمّك”، فسارعت سيلفيا للقول “أنا أكرهها”، وبهذه المبادلة الحوارية بين الاثنتين أحسّت بأنّها عادت إلى حياتها الطبيعية، وكأنها انبعثت من كابوس، وبدأت تحيا حياة “رائعة بالكامل”. ربطت سيلفيا بين استعادة حياتها الطبيعية وكراهية أمها، ومع ما في ذلك من حرج، فقد وجدت أنّ المعالجة تدفع بها لإزاحة الغطاء الثخين من الآلام التي غمرتها بسبب أمها “في نظام أمومي مداهن ذي ألفة حميمة من العسير حصول المرء على سماح بكره الأم، خصوصا سماح يؤمن به المرء”، وحتى أنها استطردت للتأكيد فيما إذا كانت المعالجة سوف تسمح لها بالاستمرار في كره أمها، وكان الجواب “بالطبع يمكنك ذلك: اكرهيها، اكرهيها، اكرهيها”(40).
استندت كراهية سيلفيا لأمها على قاعدة التضحية، فقد ضحّت الأم بحياتها من أجل عائلتها، فلم تعش حياتها، إنما كابدت من أجل زوجها وأولادها، فيما تفترض سيلفيا أن حياة المرأة تكون سليمة حينما لا تكون مسؤولة عن أحد. تزوّجت الأم رجلا يكبرها كثيرا، وسقط مريضا منذ اليوم الأول للزواج، وقد اتصف بسلوك خشن، فشعرت بالاشمئزاز منه، وكان يأبى مراجعة الأطباء للعلاج، ولا يؤمن بالله، ويمجّد هتلر سرّا في بيته، ولما كانت أمها قد تزوجت رجلا لا تحبّه، فقد كان خلاصها في إنجاب الأطفال، وبذلك وضعتهم في مقدمة اهتمامها. ولم ينته عذابها إلا بوفاة زوجها، فوقع على كاهلها مواجهة صعاب الحياة. هذا ضرب من الحياة لا تقبل به سيلفيا، فهي تبغض أمها لسوء اختيارها، وتكرهها لأنها ألقت على كاهلها مسؤولية لا ينبغي القيام بها، غير أن هذا وجه أول من وجوه الكراهية، أما الآخر، فتغليب الظن أن أمها حالت دون أن توفّر لها فرصة العيش مع أبيها “لم أعرف أبدا حبّ الأب، حبّ رجل حاضر دائما لي معه صلة دم. قتلت أمي الرجل الوحيد الذي كان سيحبّني بشكل دائم طوال العمر: جاءت ذات صباح بدموع نبيلة في عينيها، وأخبرتني أنه رحل إلى الأبد: أنا أكرهها بسبب ذلك. أنا أكرهها لأنها لم تحبّه. كان شخصا رهيبا. لكنني أفتقده. كان عجوزا، لكنها تزوجت عجوزا ليكون أبي. هي المذنبة. اللعنة على عينيها”، ويضاف إلى ذلك كراهية الرجال قاطبة “كرهتُ الرجال لأنهم لم يكونوا قربي ويحبونني مثل أب يحبّ ابنته: صنعت ثقوبا فيهم، وأظهرت أنهم ليسوا من النوع الأبوي. جذبتهم من خيمتهم وجعلتهم بالتالي يرون أنهم لا يملكون أي فرصة. كرهت الرجال لأنهم لم يضطروا إلى المعاناة كما فعلت امرأة”(41).
إنها كراهية عمياء مترابطة شملت الأم، وليس سائر النساء، غير أنها شملت الرجال قاطبة، وليس منهم زوجها هيوز، وبمرور الوقت تنامت كراهيتها لأمها، وفكّرت بقتلها “كيف أعبّر عن كراهيتي لأمي؟ في أعماق قلبي أفكّر فيها بوصفها عدوّا: شخصا قتل أبي، حليفي الذكوري الأول في العالم. هي قاتلة الذكورية. أرقد في فراشي، وأفكّر أن عقلي في سبيله إلى الخواء إلى الأبد، وكم سيكون قتلها أمرا رائعا، خنق رقبتها المتعرّقة النحيفة التي لم تكن كبيرة بما يكفي لحمايتي من العالم. لكنّي كنت لطيفة أكثر مما ينبغي لقتلها. حاولت قتل نفسي: لتجنّب أن أكون عبئا مخجلا على الذين أحببتهم ولا أضطر أنا نفسي إلى العيش في جحيم لا جدوى منه. أي فكر عميق: افعل بنفسك كما تحبّ أن تفعل بالآخرين. أردت قتلها، فقتلت نفسي”(42). وإن صح هذا الأمر، فتكون سيلفيا قد تنبّأت بما سوف يقع قبل نحو أربع سنوات من حدوثه.
لا يخفى الاضطراب النفسي، وحالات الاكتئاب العميقة التي أحاطت بمواقف سيلفيا من الرجال، والنساء، والزواج، والكتابة، والمال، لكنها مواقف جريئة عبرت عنها بصفاء لغوي، وقوة تعبير، ووضوح لا ينقصه الغموض، ففي وقت تقدّم فيه هجاء للرجل، تعفي زوجها من ذلك، فهو الداعم الوحيد لها في حياتها “زوجي يدعمني بالروح، بالجسد، وبإطعامي خبزا وقصائد. حدث أنني أحببته. لا أشبع من عناقه. أحبّ علمه، وهو يأسرني في كل لحظة لأنه جديد، ودائم التغيّر، ويأتي بأشياء جديدة كل يوم. هو يريدني أن أتغيّر وأصنع أشياء أيضا. ماذا أصنع؟ وكيف أتغيّر؟ ذلك يتوقّف عليّ”، ولما تحاول المعالجة النفسية إغراءها لإبداء شكّ في سوء اختيارها لهيوز زوجا، تجيب أنها في حال جيدة معه زوجا “أحبّ دفأه وضخامته ووجوده جانبي حين أحتاجه، وأحب نجاحه ومزحاته وقصصه وما يقرأ. وشغفه بصيد السمك والنزهات والخنازير والثعالب والحيوانات الصغيرة، وهو صادق وليس تافها ومتعطشا للشهرة، ويظهر سرورا بما أطبخ، وفرحا حين أصنع شيئا، قصيدة أو كعكة، ويقلق حين أكون تعيسة، وأريد فعل كل شيء حتى أستطيع أن أخوض معاركي الروحية، وأنمو مع شجاعة وراحة فلسفية. أحبّ رائحته الطيبة، وجسده الذي يلائم جسدي بالضبط، كما لو كانا صُنعا في الورشة ذاتها لهذا الغرض.. لذلك لا أريد النظر حولي أكثر من ذلك، أنا لست بحاجة للنظر حولي أكثر من ذلك”(43).
اضطربت حياة سيلفيا في انجلترا خلال السنوات الأخيرة من حياتها، وفيها أنجبت ابنتها “فريدا” وابنها “نيكولاس” وقدّمت في يومياتها وصفا مذهلا للتمخّض به وولادته، وصفا ندر أن قدّمه الأدب من قبل، فقد استعادت تجربة ألم المخاض، وشغف الولادة، بطريقة بارعة، وكانت تعرّضت للإجهاض بين الولادتين، ثم أُجريت لها عملية استئصال الزائدة الدودية، ونشرت ديوانها “العملاق”، وانكبّت على روايتها “الناقوس الزجاجي”، ولا يبدو أن برودا قد غزا حياتها الزوجية بعدُ، فهي تصف زوجها بـ”حبيبي الأعزّ، الأعزّ”(44). لكنهما انفصلا عن بعضهما في نوفمبر من عام 1962، وانتقلت هي إلى لندن للعيش مع طفليها، وفي منتصف يناير 1963 نشرت روايتها باسم مستعار هو “فكتوريا لوكاس” وفي 11 فبراير من العام نفسه أقدمت على الانتحار بالغاز في بيتها. غير أن اليوميات لا تحتوي على أحداث السنوات الثلاث الأخيرة من حياتها، فقد غاب عنها دفتران، أحدهما اختفى في ظروف غامضة، أما الثاني الخاص بأحداث الأيام الثلاثة الأخيرة من حياتها فقد أتلفه هيوز.
لا ينبغي نسيان الأهمية المتوقّعة لليوميات الغائبة إلى أن تظهر، اليوميات التي سبقت انتحار سيلفيا بلاث، وعلى سبيل التوقّع الذي رسمته يوميات السنوات العشر السابقة، فيرجح أنها بالانفصال عن هيوز واجهت الصعاب نفسها التي واجهتها أمها بعد وفاة أبيها، وشأنها شأن النساء العصابيات فقد أوقعت اللوم على زوجها، وبدل أن تتفهّم فراقه عنها بأنه عدم قدرة على استيعاب حالتها الهذيانية، وإيغالها في حالات الاكتئاب، عزت إليه أمر مشاكلها، وبخاصة أنه ارتبط بامرأة أخرى، وتركها وحيدة، وغريبة، وهذه أسباب كافية للنقمة عليه، ولكن يومياتها كشفت عن رجل غزا عقلها وقلبها حتى اللحظات الأخيرة، فقد اعتبرته العون الوحيد في حياتها، والركن الذي تلوذ به وقت أزمتها، ويصعب تخيل تغيّر حاسم في موقفه منها إلا إذا كانت هي قد دفعت به لذلك جراء النوبات المتكررة من الهذيان والهوس والعصاب، فرأى أن الانفصال بينهما أفضل من البقاء في أجواء مشحونة بسوء الظن والشك والانهيارات العصبية، غير أن انتحار المرأة البديلة بعد سنوات مع طفليها من هيوز يلقي بظلال من الشك حوله، فربما تكون صورته في يوميات سيلفيا بلاث غير مطابقة لصورته الواقعية، وأنها خواطر واستيهامات لإشباع نقص في حياتها، ويلف الغموض الأسباب وراء إتلاف هيوز ليوميات الأيام الثلاثة الأخيرة من حياة سيلفيا، وحجبه نشر بقية اليوميات في حياته، وإن كان قد سمح بنشرها قبل مدة وجيزة من وفاته شاعرا للبلاط البريطاني.
وفّرت يوميات سيلفيا بلاث مادة سردية لا تناظرها إلا يوميات بافيزي في كشف الخلجات الداخلية للنفس الإنسانية في تقلّباتها بين الخير والشر، وبين الغضب والرضا، وبين الشك واليقين، وبين الوعي وغياب الوعي، وبين اليقظة والهذيان، ولو أخذت كما هي لقوّضت دعائم الفكر النسوي في إظهار هيوز مدمرا لأيقونة النساء، فقد تغنّت به تغني العاشقة، ولاذت به بثقة في يقظتها، ولكن التعجّل في إصدار الأحكام بحق الرجال لصيق بالفكر النسوي في حالته النشوئية التي ستنتهي به، لا محالة، للتوازن، الذي لا ينظر للرجال كجنس شرير إنما لسلوك بعض الرجال سلوكا سيئا. انطفأت نجمة الشعر في أوج تألّقها وإشعاعها، وفي ريعان شبابها، وانزوى الشاعر يحيك أسطورته الشعرية، وانتهى به الأمر شاعرا للبلاط، وهو افتراق كئيب الأثر، فقد لاحقت عدوى سيلفيا ضرّتها وابنها، وتعكّر نهر الشعر في بريطانيا وأمريكا لبرهة من الزمن قبل أن يمضي في مساره، غير أنه خلف بَثْرَة لم تندمل، وكلما ضغط عليها بدواعي البحث دفعت بصديدها، فكأن الموت الإرادي قيحٌ تعافه النفس، ولكن لا نجاة منه.
الهوامش
-1 أليف شفق، حليب أسود، ترجمة أحمد العلي، مسكيلياني للنشر، تونس، 2016، ص129
-2 أندرو بينيت، المؤلّف، ترجمة سُرى خريس، كلمة، أبو ظبي،2011، ص209-210
-3 تيد هيوز، رسائل عيد الميلاد، ترجمة محمد عيد إبراهيم، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2003، ص7
-4 تيد هيوز، سيلفيا بلاث في حقل الفراولة، انظر: أخرج في موعد مع فتاة تحبّ الكتابة، ترجمة محمد الضبع، دار كلمات، الكويت، 2015، ص150-151
-5 فريدا هيوز: رأس أمي في الفرن، ترجمة، عماد أبو صالح، جريدة الأخبار اللبنانية، 18-3-2017
-6 بول أوستر، اختراع العزلة، ترجمة أحمد العلي، دار أثر، الدمّام، 2016
-7 كوني بالمن، أنتَ قُلتَ، ترجمة لمياء المقدم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،2017، ص9
-8 م. ن. ص247
-9 م. ن. ص248
-10 للوقوف بالتفصيل على المناقشات النقدية حول الطبيعة الأدبية لديوان هيوز، انظر: أندرو بينيت، المؤلّف، ص 209-219
-11 أنتَ قُلتَ، ص103
-12 م. ن. ص46
-13 م. ن. ص11
-14 حليب أسود، ص128
-15 سيلفيا بلاث، الناقوس الزجاجي، ترجمة توفيق سخان، كلمة، أبو ظبي،2011، ص21
-16 انتهى “جيجيك” إلى الآتي فيما يخصّ هذه القضية الخلافية: لا يسع المرء إلا أن يُصعق بانحدار إيتيل وجوليوس روزنببرغ، في مراسلاتهما الحميمية، إلى درك إنكار كونهما جاسوسين سوفياتيين. كانا يمثلان دور ضحيتين بريئتين لإحدى مؤامرات مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي، على الرغم من أن وثائق حديثة أثبت، أن جوليوس، في الأقل، كان جاسوسا. انظر: سلافوي جيجيك، العنف: تأملات في وجوهه الستة، ترجمة فاضل جكتر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2017، ص57.
-17 الناقوس الزجاجي، ص348
-18 م. ن. انظر الملحق، ص353
-19 جيسي ماتز، تطور الرواية الحديثة، ترجمة لطفية الدليمي، دار المدى، بغداد، 2018، ص291
-20 الناقوس الزجاجي، انظر الملحق، ص353
-21 تطور الرواية الحديثة، ص290
-22 الثقافية للتحليل النفسي السياسي، ص295
-23 سيلفيا بلاث، اليوميات: 1950-1962، ترجمة وتحقيق عباس المفرجي، دار المدى، بغداد، 2017، ص19
-24 م. ن. ص 20، 39، 42، 43.
-25 م. ن. ص 44، 46، 88، 90.
-26 م. ن. ص92
-27 م. ن. ص98، 125-126، 127، 145
-28 جورج باطاي، الأيروسية، ترجمة محمد عادل مطيمط، دار التنوير، بيروت، 2017، ص26
-29 م. ن. ص 28-29
-30 اليوميات، ص155
-31 الغريزة والثقافة، ص 91-93
-32 اليوميات، ص 186، 187، 202، 205
-33 م. ن. انظر هامش ص208
-34 م. ن. ص228
-35 م. ن. ص475
-36 م. ن. ص 238، 237، 251، 253، 249
-37 “عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرون على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما ولا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتًا وفقدت قدرتي على التركيز. لذا، سأفعل ما أراه مناسبا. لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي احد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سوية إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع. لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنني أفسد حياتك وبدوني ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ. جل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي. لقد كنت جيدا لي وصبورًا علي. والجميع يعلم ذلك. لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت. فقدت كل شئ عدا يقيني بأنك شخص جيد. لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحدا شعر بالسعادة كما شعرنا بها”.
-38 اليوميات، ص258، 259
-39 م. ن. ص358-359
-40 م. ن. ص361، 391، 392
-41 م. ن. ص394
-42 م. ن. ص397
-43 م. ن. ص399
-44 م. ن. ص517