بسرعة يقفز الأرنب ويختبىء…
مغمضة العينين، تستمع بحذر شديد للخطوات الباهتة التي تباغت ظلمة غرفتها.
تتساءل أحيانا من أين يدخل، وكيف يفتح الباب دون أن يحدث الباب ضجة، كيف لحضوره أن يكون شبحيا ومباغتا هكذا في كل مرة.
كانت تشحذ أذنيها في ظلمة الغرفة،لكنه كان يباغتها ويأخذها دائما قبل أن تفتح عينيها.
متشبثة بالظلمة تستسلم له ، وعندما يفرغ من تقليبها بين يديه وشفتيه ينسحب بطريقته الشبحية ذاتها، لم يكن الباب يحدث ضجة وهو يغلقه خلفه، ولم تكن الظلمة تشي به، يغادرها وكأنه لم يكن، يغادرها وكأن شيئا ما لم يحدث.
بعد رجوعه من صلاة العشاء في المسجد المجاور لبيتهم كان أبوها يغلق باب الحوش ، ثم يتناولون العشاء ويشربون شاي الزهورات ويشاهدون الأخبار معا. يسألها عن الدراسة والمدرسة، تستعرض يومها معه ، تريه دفاترها وعلاماتها الكاملة، يفرحه تفوقها ويمسح على رأسها بحنان.
بعد شاي الزهورات كان أبوها يحكم إغلاق باب البيت الأمامي ويدير المفتاح في القفل ثلاثا ويقبلها على وجنتيها قبل أن تنسحب إلى غرفتها لتنام.
كانت أمها تزورها قبل أن تذهب إلى سريرها ، تحكم لفها بالغطاء وتطفىء الضوء إذا ما نسيته ونامت وهي تقرأ .
في الصباح كانت أمها توقظها للذهاب إلى المدرسة، وكانت هي تتشبث بالعتمة، تسحب الغطاء مرة تلو الأخرى، حتى تهددها أمها باستدعاء أبيها، فتقفز من الفراش بسرعة، وتستعد بسرعة ، وتحضر على طاولة الإفطار في موعدها.
على طاولة الإفطار كانوا يجتمعون، يتبادلون كلام الصباح الكسول، ويذهبون كل في اتجاهه.
كانت تحب بيجامتها الزرقاء ذات الأرنب والجزرة لكنها تخلت عنها عندما بدء جسدها بالاستدارة واستبدلتها بناء على نصيحة أمها بجلابية البيت الواسعة.
كانت تحب أرنبها الصغير والجزرة التي تتدلى من بين أسنانه الكبيرة، وكانت أحيانا تدس البيجامة في ثنايا فراشها، وعندما تجدها أمها تلقي عليها نظرة عتاب صغيرة ثم تبتسم.
كانت تحب لون بيجامتها الأزرق ولون أرنبها الأبيض ولون الجزرة البرتقالي، لكنها لم تكن تحب كثيرا ارتطام أصابعها باستداراتها المباغتة تحت الجلابية الواسعة، ولم تكن تحب ملمس شفتيها الممتلئتين، ولم تكن تحب شعرها الأسود الكثيف النعومة.
في القرية البعيدة، كان هناك صبي يمشي بحذر في ظلمة السكة المحفورة بين أطراف ضواحي النخيل وبيوت الحارة.
كان يمشي متأبطا كتبه بحذر شديد خشية التعثر بحصاة أو نتوء يفسد عليه بياض ثوبه الذي تصر أمه على غسله بعد كل يوم دراسي.
كان يتأبط كتبه، ويفكر في ثوبه الأبيض ودرجته الكاملة في شهادته عندما واجهته تلك العيون الكثيرة التي نبتت في ظلمة ظل السكة الميتة.
كانت عيون كثيرة تلك التي حاصرته، كانت أياد كثيرة تلك التي تقاذفته، كانت أرجل كثيرة تلك التي تناوبت على رفسه، كان هو وحده ملقيا على تراب السكة المظلمة، معفرا بالتراب والفضيحة.
في الحلم كان الأرنب يأتيها، يغريها بجزرته البرتقالية وبياض أسنانه، فتتبعه.
كان الأرنب يأخذها إلى السكة المظلمة بين أطراف الضواحي وأطراف البيوت، كانت تتلصص على الفتى الذي قام من عثرته، متسخ الثوب وخيط دم رفيع يتبع خطواته المنكسرة إلى البيت.
كان الأرنب جبانا عندما تزداد العتمة، فيعود بها سريعا إلى البيت ويغلق الأبواب خلفها بإحكام.
في العتمة يندس الأرنب داخل جيب جلابيتها ولا يخرج، في العتمة يفتح الباب بهدوء شديد ويندس صبي مرتعش في جسدها.