فاتن حمودي
الانتحارُ غامضٌ
زلةُ لِسَانٍ
أظافرُ في عنقي
الموتُ نومٌ طويلٌ لا هبوبَ له والنومُ موتٌ قصيرٌ بعثُهُ أَمَمُ”
(أبو العلاء المعري).
“لم تمت الصبية لكنها نائمة ” (لوقا).
هل انْتَهَتْ الروايةُ ؟
غيمٌ نحن
وأخطرُ الأشياءِ تحدثُ في الغَيم
لا أنامُ
ضوءٌ يَشِعُ
يسيلُ
غيابُكِ أرضٌ تهتز
لا أنام
خذني
أسرعُ من البرقِ الموتُ
يخطو يتسللُ من الأبوابِ يتسلقُ الجدران
يختبئُ بين الشَّراشفِ
وأزرارِ القميص
خُذْنِي
لا وقتَ للوقت
أيَّتُها الرِّيحُ
النَّهرُ يَتَلوى
وصَوتُ خِلْخِال صَبِيةٍ يَهذي
حَتّى الطُّرقُ تحَتْضِرُ
الموتُ قمرٌ مكتملٌ
يتوهجُ بدمعي
حُزني يستندُ على الجِدار
على جذعِ شجرةٍ
على طرفِ الكَنبة
على كتفِ الوجود
الأغصانُ عاريةٌ تماما
والموت واضح كالثَّلجِ
كنتُ أحسِبُهُ نقطةً في أبجدية الكون
لم أعرف أنه صخرةٌ
ها أنا أرى نقطةَ التَّلاشي
الاختفاء
نقطةٌ تبتلعُ الحياةَ
هل كان الموتُ صديقَ رحلتك؟
يتحسس رقبتك العارية
هكذا ببساطةٍ شديدة
نقطةً نقطةً يدخلُ الّلوحَةَ
في العَتْمَةِ في الضَّوء
طَعمُ الحُزْنِ على أَصابعي
لا شيء يسترُ كل هذا
الموت
الحـياةُ لَيْسَـتْ نَفْسَـهَـا
لاشيءَ على حالهِ
آثارُ أقدامٍ تتلاشى في الضَّبابِ
تُغلقين بابَ الحياة ِ
وعلى طُولِ الطَّريِقِ تترددُ الأغاني التي رافقتنا
ظلامٌ تَحْتَ الأوراقِ
الرِّيحُ تَعْوِي
النهرُ الذي يخفي نفسه تحت الحفيف
لا يبكي
يضربُ رأسَهُ بالصخورِ
يرسمُ طريقا
…النهرُ يتابعُ مجراه
في أي اتجاهٍ يسيرُ يبدو أنَّه لا يعرف
نكون هنا
نصيرُ هناك
قبلكَ ليس بعدك
في الصباحاتِ تمضين
تجرين حبل خيباتك
أسألك كيف كانت الرحلة؟
طوييييلة جدا، ماما
أشعر أنني سأمرض
غرُبَتْ شمسُكِ
غيابُك صقيعٌ..
لوحةٌ على الطَّريق
ومن قال أن الأرض جذرُ اللغات؟
اللغاتُ ما تبقى من ألوانك
في الصَّحراء
صِرْتُ أَرْسُمُ النَّهْرَ
بينَ الكلماتِ
أرسم النهر
كما لو أنني أُمْسِكُ الزَّمَنَ
الصباحاتِ
توتَ العُليق
أرسم نهرا
على العتباتِ الوحيدةِ
أريدُ أن أرى
أرى اليومَ يركضُ مع النَّهرِ
من يسترْ عُريَ حُزْنِي؟
الموت ينمو، في الحرب في الزلازلِ، في الحبِّ أيضا
وفي الجهة الأخرى
يسيرُ
يُعرِش على الجدران
يتمطى
هل يَسْقُطُ حتَّى الكلام؟
أم يصير نصا يَشْرَبُ من النَّهر
وينامُ
تحتَ تلكَ الشَّجَرةِ
الرِّيحُ تؤوبُ
وأنتِ ترسمين في الهواء
ولا نصَ نهائي
لا نصٌّ نهائي
ولأنَّ الشِّعرَ انتظارٌ
أرسمُ نهري
وأسيرُ
في المنام
في السَّرابِ
في الحبِّ
في التِّيهِ
في كلِّ شيءٍ
أُغمضُ عينيَّ
لأراكِ أنتِ وحدَك
لقد خطفكَ الموتُ
بجنونٍ ترسمينَ كَمَنْ يسيرُ على أرضٍ
خراب
وبطيشٍ أكبر تسقُطِينَ نحوَ الغيم
لم تطِيقي صبرا
يا موت
ها أنت تقطف أزرار قميصِ الورد
الرِّيحُ تُعفِّرُ رأسَهَا بالتُّرابِ
القصبُ يَلُوبُ
يا مَطَرَ الأُقحُوان
فراشتي تنسلُّ عاليا
هل كُنتِ أُخْتَ يوُسف كما تشتهي الحكايةُ؟
أزيحوا السِّتَارةَ
حتّى الصبايا الجميلات يذْهَبْنَ إلى الموت
ما الحزن إن لم يكن دمشقُ؟
أُطرّز النَّهرَ حتى ينفرطَ العِقْدُ كُلُّهُ
وأنتِ تفتشينَ عن ذراعِ عاشقٍ
تُقلِّمين أظافرَك
ألوانُك غيمٌ
قَلبُك على السَّرير يرتجف
أرسمُ نهرا
ثمةَ
حياةٌ تنتظرُ على الباب
أعرفك من قَلقِ الليلِ في مِشْيَتِكِ
قَطَفَكِ الشِّتاءُ
ومَنْ قالَ إنِّ الحكايةَ امرأةٌ؟
لافارسَ خشبي
ولا طواحينَ
ليتني حجر
يُوَشْوِشُكِ
عن آدم
وتَيم يُداري الدمعَ
غصنٌ يهتز في الرِّيحِ
قلبي
زمنٌ للشمس
وزمنٌ للصقيع
لم تمُتْ الصَّبيةُ
ليس للموتِ مقاسٌ سوى الموت نفسه
لو لم يكن
هل كان
ثمة معنى لرحلة جلجامش ؟
لرثاء أنكيدو
لم يهطلْ المطرُ بعد!
الوردة ُنارٌ
الآن تمضينَ
وحدَكِ
الأساورُ على الرّف
هل تمارسين اليوغا
كما كُنْتِ تفعلين
هل ترشين ترُابَكِ
بالملحِ؟
تمضين حديقةً
أوضحَ من كلّ اللغات
الموتُ
ومضةُ إشراقٍ مُباغت
أحلامٌ تطفو
زوارق
ولا نهر
ترتعش في الريح أوراقُك
جذُورك تشرب زرقة السماء
حين تقطع الشجرة
ثمةَ جذرٌ ينمو
خيالٌ يحلمُ
صورٌ تتحركُ
صمتٌ يحفرُ الأرضَ
يمتدُ نحوَ السَّمَاءِ
الموتُ اختفاء مريب
صوتٌ يتلاشى
الغثيانُ
صورةٌ على جدارِ الأبدية
أَخَذَتْ كُلَّ أحلامِها
خيباتِها…
وغَلّتْ في شُقوقِ الأرضِ
الحياةُ خديعةٌ
غيمةٌ سوداءُ في الأفق
17 من كانون الأوّل
لا أؤرخُ
صقيعٌ اختفاؤكِ
كل اللغات لا تكفي
وما أنا بقارئ
اطمئني أمي
أنا في الصقيعِ
دونَ أحلامٍ
أو شِعْرٍ
أو طرقاتٍ
الصّمتُ
يتمشى في أروقةِ الحياةِ
أنا في ثلاجة الموتى
الكونُ يرتجف.
خمسُ ليالٍ
في الثَّلاجةِ
ازرقّتْ رُوحي
أغصاني
ألواني.
السماواتُ السَّبعِ
تُصلي
لأزرقٍ صارَ فيكِ
متى يتحوّل الغياب إلى بقاء؟
آدم وتيم
يمدان الكلمات للنجوم
يتنصتان على الريح
نريد أن نسمع صوتَك ماما.
كلُّ شيءٍ يُؤْلِمُنِي
أشياؤك
فستانك
بناطيل الجينز الأنيقة
مراياك، ألوانك، لوحاتُك
فنجانُ قهوتِك على الطَّاولةِ الصَّغيرة
صوتُك الشَّارد
سيجارتُك
أكانَ لابد من الموت
كي تستمرَ الحياة؟
أتلمسُ بيديَ الباردتين
أتلمسُ الخَواءَ
الفراغَ الصافعَ
وأنتِ تضربينَ بالريشةِ
ترسُمِينَ الألمَ
غيابُكِ
حبلٌ يلتفُ حولَ عُنِقي!
تُحطِّمُنا الأيامُ حتى كأننا
زجاجٌ ولكن لا يُعادُ له سبْكُ”
بلا طرقاتٍ عشنا
الأماكن مُوحشةٌ ويابسة
“لا نعرف أننا متنا حتى نتأكد أن المرآة لا تعكسُ صورَنا”
غائمٌ قلبي
لقد بلغَ الحزن من العُمر ِعتيا
وأنا في غيابكِ بلادي أَعْوِي
شجرة زيتون في قرطاج أنتِ
أتسكعُ
حجارةُ الطّريق تَشُمّ غُربتي
المدنُ التي يَسْكُنها النَّهرْ تُشْبِهُنا
ودمشقُ ماءٌ، مُعتقةٌ بفضتها
سبعةُ أنهارٍ وأنا
وبيروتُ آخرْ العنقود
وأنتِ في نَوْمِكِ الطَّويل
برقٌ يخطفُ الأبصارَ
وأنا في الحزنِ بلغت عِتِيا
مُتَعرِجا يمضي النَّهرُ
مخمورا يسيرُ
شلالاتُ زمنٍ
انتحارُ عاشقٍ
هل خُلِقَ الضَّمُ مِنَ الماء؟
على جدار الأبدية الشّعرُ
ورودٌ حمراءُ وبيضاءُ
اشتَريتُهَا على اسمِكِ
هذا الصباح
عيناكِ جُنون أفراسٍ
كانَ عليكِ أن تحلمي طويلا
فعلى الأرضِ فراشاتٌ وعصافيرُ
والكثيرُ الكثيرُ من الغناء
تحومين حولي
وأنا أعدّ القهوةَ
هل ترينَ الحُبَّ في العُيون؟
أم كنتِ ساهمةً بينَ أرضٍ وسماء
تُعدين خساراتِك
لوثةُ جنون تحركني
القهوةُ تَفُورُ
أسمعُك وأنت ترددين مع “سلاف معمار”
“في اللحظة التي تخسر فيها الأملَ وكلّ حب، حينها يتوقف قلبك ”
أنطفئ
أنطفئ أمي
السَّاعةُ تَدُقُ في يَدِكِ
تدقُ على جدارِ غُرْفَتِكِ
حقيبةٌ ترتطمُ في المطارات
وردةٌ جورية في تُربة العدمِ
تصيرين.
صمتُكِ غيوم
طائرُ الأوقاتِ العاصية
أجثو على رُكْبَتَي
مبحوحٌ الانتظارُ
الموتُ برقٌ يخطف الصوتَ
لم يكن النهر يدري أنَّكِ ذاهبةٌ
بِكُلِ هذه الأناقة
شجرةُ حُزْنٍ على البابِ
شجرةُ زيتونٍ في قرطاج
أنا الآن وحيدة
أمسحُ الغبار عن لوحاتك
قمصانك تلوحُ في الرِّيحِ.
السؤالُ جوهرُ الوجودِ
القبلةُ حدائقٌ
والأنهارُ نبيذ
عيناكِ النديتان بالدمع
صوتك المسافر
هل ترسمين البرقَ اليوم
البرقُ قلبُ الأزل
امرأة الكروم أنتِ
الصخرةُ التي نحتها المطرُ على شكلِ قلب
أخافُ من السِّرِ الهائلِ
لأحلامكِ
لخيباتِكِ المُرَّة
الليلُ يطرقُ بابَ البيتِ
تتقوسُ روحي
ولا أحد
الليل معنى
وأنتِ ترسمين الهذيان
لونَ الفراغ الشَّاسع
آخر كلماتك: ماما أشعر أنني سأمرض
الموتُ
حدائقٌ تختفي
الحرب قطع الذراع الأخرى للعناق
أسمع الحياة من ثقب ناي
حياةٌ
تتطاير في الريح
كالعدم
لا أحد يلتفت
سواي
خلقنا من ماء
الماء أمرأة في أوج العشق
لوعةُ انتظارٍ تتمشى
زمنٌ مبلول
الماء رجل شلال
يهطلُ في الغياب
الماءُ كُرومٌ تتسكعُ
تمشي السيولُ
الماء جنّيٌّ يدخلُ شقوقَ الأرضِ والجسدِ
رعشةُ الأصابعِ
ارتجافُ الرُّوحِ
الماءُ وجهي المرسوم على صدرِكَ
أظافري على ظهركَ
الماءُ صوتُ أُمّي
يدُها المنقوعةُ بوردِ الانتظار
بُخارٌ وقمراتٌ ملونة
الماء رائحةُ ترُابنا
أرتعشُ
محيطاتٌ بيننا؟
خط ٌ مائل كبيتٍ على نهر اللغة
أبناءُ الخصب …نحنُ
لا تجفُ كلماتُنا
أقرأ
عشبَ الأيام
وغيوم ميسو
وأناشيد مالدورور
والبؤساء
والمومس الفاضلة
والمثقفون
وبريتون
الوجود والعدم
انتظار غودو
جبال سيف الرحبي
أقرأ الخضر شودار “الجهة الأخرى للأشياء”
العبث يشعلُ مراوحَ نساءٍ في الحرب
أراملَ الانتظار
مُتسكعاتِ الملل
أسيراتِ العُزلة
الانتظارُ البطل الوحيد
في الحياة والمسرح والولادة والحب
أمشي على رصيف البحر
مالحةٌ خطواتي
النهرُ أملٌ في ظلال اليباس
أتسكعُ في المُخيلة
أمُرُّ على كل سبيلٍ
أوشوشُ الهواءَ
كمْ مَرَّ مِنَ الوقتِ؟
الماءُ كتفُكَ تحتَ المطرِ
أتشمُّ ترابَ المعنى؟
نهري معي
نهري إليّ دوالي عنب، دوارُ جُنون
عاصفةٌ على طرفِ العمر
ثمةَ قمرٌ غريب
غبارٌ في حلقي
الماء سماء تتوجعُ
بغيمها
امرأة تمشي وتمشي
صهيلٌ في الهواء
بكاءُ عشاقٍ على سطحِ بيت
المدنُ ماء
ثمة نهر يتلوى
المنفى يباسُ شجري
“لا أثقُ بفكرةِ الطيرِ الجالس “قالها نيتشه
الشاعر طائرٌ
والأوقات عاصية
**
المشي نصفي الآخر
أتسكع في المعنى
أتلصص على الورد
عاشقان غريبان
التسكع عبث
ألعبُ على الخطوات
ومثلُ “جوكر” يبدو الزمنُ
أنتقل في المحطات المولات واجهات الكساد والضوء
أستفز الهواء
تتبقع روحي بالحزن
أغرز أظافري في الهواء
أشواك صبري تتكسر
لم يمض جلجامش إلى العدم ولا أنكيدو
وظل المغني نازفا في الدروب.
على طرف الورد قلبي
أسمع أرمسترونج
جاز مخمور بالعشق
صوتٌ معتّق بالغياب
منفيون نحن
ماء إلى وجعي ماء
في المقهى القريب غناءٌ
“يا له من عالم رائع
عندما تراني أقع
دعني أقع مثل ورقة في الخريف”
لا أخاف من الألم
ما أجملَها من حياة.
أعلّق الشوق على شجرة
يا ريح إنه قلبي
أطوي الصّفحة
أطوي الطرقات
في الصفحة الألف
يعانقُ أحدُنا الآخر.