– 1 –
حصة السينما
كما هي العادة، كان جامبو آخر من غادر الحافلة. تلك هي لعبته الصغيرة، تحديه الشخصي لذاته، مفخرة اليوم في كل خرجة مدرسية. ذكّرت السيدة إيسكلارموند بالزيارة المشهودة، منذ شهرين بالتحديد، لمسرح كابيتول الكبير الذي انتهي بطرد أغلبية التلاميذ بسبب الضحك الصاخب. مرة أخرى تتقدم مدرسة اللغة الفرنسية واللغات القديمة بتقدم تلاميذ فصلها الخامس داخل أزقة مركز المدينة.
– هيا جول، أخرج من الحافلة بسرعة، سنصل متأخرين جدا عن بداية الحصة. هيا أنتم أيضاـ تقدموا.
وهو يخرج من جحره، اكتشف جول روديسون هو الآخر، كما قال جومبو، تقلبات الجو. خرج شبحه الضخم ببطء من الحافلة، بدءا من وجهه الطفولي غير المستيقظ بشكل جيد، والذي يناقض كليا جسد ملاكم الثانويات. فكان عليه الالتحاق، تحت مطر مدرار، ببقية المجموعة، بخطوات صغيرة في الأزقة. كانت السيدة إيسكلارموند قد تسللت مثل نيزك نحو مكان العرض. وهي تضع قدمها الثقيلة في البرك المحيطة بهم، اقترب جومبو من بالثزار:
– هل تعلم؟
– لا.
– قال لي أبي بأننا لن نفهم شيئا…
– آه.
– بل إنه أضاف:» (ص.4)
– نعم، سنرى، هيا أسرع.
ضاعف المطر من قوته. سُمع هزيع الرعد أيضا.
– إنها على ما يبدو قصة القردة، والمركبات الفضائية.
– لا، إنه «كوكب القردة».
– كوكب ماذا؟
– «كوكب القردة»، إنه فيلم الخيال العلمي. هيا، أسرع.
– آه، نعم…هل أنت متأكد؟
هناك طرق عدة للولوج إلى فناء قاعة سينما عندما تمطر السماء بغزارة في الشوارع. دون المبالغة في تكوين أفكار مسبقة، اقتحم بالثزار البوابة المزدوجة مثلما انطلق «روبين الغابات» في مطاردة شيريف «نوتنغام». الأميرة التي كانت تقف في مكان دافئ رفقة صديقاتها….ص. 4
– أووووه. باااااااااااااااااز. أنت بلا قيمة. صرخت بحنق.
وصلت السيدة إيسكلارموند في الوقت المناسب لتفادي المواجهة:
– بالثزار، جول، ها أنتما أخيرا. هاهما بطاقتاكما، لنسرع، سيبدأ العرض.
كانت هناك،بالطبع، بعض المشاجرات المتعلقة باستعمال، وتشوير، وإعادة نظام دقيق والسقطات المدوية في القاعة النصف فارغة. بعد ذلك اتخذ الانتباه في الفصل 5 من إعدادية «ترانكفال» بعدا جديدا مع ظهور قردة على الشاشة الكبيرة. لقد كان جامبو على حق إذن. يمكن أيضا رؤية مركبة فضائية تسبح برشاقة في فراغ الكون، تهدهدها موسيقى فالس تركت التلاميذ البارعين في الموسيقى حائرين. ثم أخذت القصة إيقاعها، بإظهار حاسوب غريب، ورائد فضاء غريب هو الآخر، حجرة سوداء، شيخا، طفلا…
ساعتان وتسع وثلاثون دقيقة، نهض التلاميذ بصعوبة من الاختبار. بالثزار أيقظ جامبو، الذي بدوره أيقظ «زيف» النعسان فوق المتكأ.
– أرأيت، باز، لقد قلت لك ذلك، كان هناك قردة.
– لا شيء غير ذلك، جامبو، لا شيء غير ذلك.
– هل أحببته؟
-…أظن ذلك، نعم.
لم نر، في ذلك اليوم، هذا العدد الكبير من نقاد السينما منذ أن ذهبت مجموعة الخيار الثالث للغة اللاتينية لمشاهدة «غلادياتور» قبل عطلة رأس السنة. بين خلطة الخضر وكرنب بروكسيل، اتخذت التعاليق طريقا صحيحا ووضعت الأسس الأولى لتحليل عميق للعمل: «إعاقة»، «تفاهة»،»جنون»، «لقد دخن»، وأشياء أخرى من قبيل «عندما أنقل ذلك لوالدي»، والعديد من الأحكام الصادقة وبدون جدوى التي ترددت مثل دخان نتن بلغ حتى قاعة الأساتذة.
هناك بالضبط توجد السيدة إيسكلارموند، في فترة تناول الوجبات برفقة زميل لطيف من العلوم الفيزيائية.
– وإذن، ذهبكم للسينما مر في ظرف جيد؟ سأل أستاذ الفيزياء.
– من الصعب قول ذلك، ردت السيدة إيسكلارموند. سألتقي بهم في هذه الظهيرة، ونستطيع مناقشة الأمر.
– تعلمين أن في سنة 2001، كان «أوديسا الفضاء» أحد أفلام الخيال العلمي الذي ارتكز أكثر على حقائق علمية؟
– لا، لم أكن أعلم.
– في الواقع، الفيلم مستوحى من رواية كتبها «آرثر.س. كلارك، وهو روائي رؤيوي كثيرا ما ألهمت أفكاره مهندسي «ناسا». هل لاحظت الصمت المهيمن على الفيلم، خصوصا عندما نرى المركبات تتقدم في الفضاء؟
– نعم، فعلا…
– إنه تفصيل مهم. وبما أنه لا وجود للهواء في الفضاء، لا يمكن للصوت أن ينتشر: إنه مكان صامت للغاية…والانفجارات التي نسمع في أغلب أفلام الخيال العلمي ليست إذن سوى اختراعات. لكن ذلك فرجوي جدا.
– هذه السنة سأدفعهم للاشتغال على قصص الخيال العلمي، على هذا الفيلم أن يسمح للعمل بالانطلاق.
– أستطيع مساعدتك، إذا احتجت لمساعدة؟
– أووه…طبعا، بكل سرور، لم لا…
وهو ينتظر بداية درس اللغة الفرنسية، كان بالثزار وزيف يتحدثان في الممر. فجأة وصلت برينسيس وزيتا، وأنفسهما متقطعة بفعل صعود عدة طوابق.
– أهي غير موجودة؟
– بهدوء، زيتا، إنها فقط 13:54، بدون فزع، أستاذتك العزيزة ستصل بعد حين.
– أووه، الأمر على ما يرام، باز، كُفّ عن ذلك. ثم، هل رأيت ما فعلته لـ«برينسيس» هذا الصباح، ولم تكلف نفسك حتى الاعتذار؟
أرادت برينسيس، كما يبدو، تهدئة الجو
– جيد، الأمر بسيط…
– أعتذر، برينسيس، لقد كنت عنيفا مع جامبو، المطر، بسبب كل ذلك، لم أتمكن من رؤيتك، لابأس…
– طيب، باز. لا داعي لتضخيم الأمر.
وصلت السيدة إيسكلارموند مع باقي التلاميذ. سيتحدثون من جديد عن السينما.
– إذا جئت بكم لمشاهدة فيلم «2001، أوديسا الفضاء» هذا الصباح، فلأننا سنشتغل هذه السنة عن قصص الخيال العلمي. أتمنى أن يكون الفيلم قد أعجبكم، أو سمح لكم على الأقل بطرح أسئلة حول الطريقة التي يمكن بها سرد قصة في خيال مستقبلي.
ساد الصمت في الفصل.
– بعد أن نناقش الفيلم معا، سندرس بعض الأعمال الأخرى، بعد ذلك يمكنكم البدء في العمل حول الموضوع. سأطلب منكم في الواقع أن تتخيلوا أنتم أيضا قصة من الخيال العلمي. أمامكم حتى نهاية السنة لكتابتها. يمكن أن تأخذ شكل قصة، أو رسوما متحركة إذا شئتم…
انتشرت حركة صاخبة في فضاء الفصل.
-آه، لقد نسيت، يمكنكم الاشتغال مثنى لإنجاز العمل.
نظر جامبو وبالثزار إلى بعضهما: حُسمت القضية، مجموعة مزهوّة من الكتاب هي في طور التشكل في لمح البصر.
– اختيار «ب.د»؟ سأل جامبو.
– بطبيعة الحال.
زيف، الذي يوجد مع زيطا، الضحية الدائمة لجوار غير ملائم منذ البداية داخل فصل اللغة الفرنسية، تجرأ وطرح السؤال الأول على السيدة إيسكلارموند:
– سيدتي، هل نستطيع إدخال كائنات فضائية في قصتنا؟
– طبعا، زيف، لماذا هذا السؤال؟
– ممم…مادامت كائنات الفضاء غير موجودة في الفيلم، طرحت هذا السؤال.
– لا وجود لكائنات فضائية في 2001؟ هل أنت متأكد؟
كان من غير المجدي الاستمرار في نقاش سيسمح لكل واحد اطلاق العنان لتأويلاته الشخصية، الخاصة، الانفعالية للفيلم. اشتد النقاش، ولا أحد كان صائبا، لأنه، كما قالت السيدة إيسكلارموند عن علم:»لا وجود للحقيقة في التخييل»…لكن شيئا واحدا كان مؤكّدا: سيمسك كل واحد بالمقبض، بقلم الحبر، بقلم الرصاص، ليحكي قصة حقيقية من الخيال العلمي وبداخلها كائنات الفضاء.
– 2 –
جامبو دافنتشي
في نهاية الأسبوع الموالي، يومان بعد المشاهدة الرائعة للفيلم الذي صنف الفصلان الدراسيان القادمان ضمن علامة «ب.د» والرجال الصغار الخضر، التحق بالثزار بجامبو. وككل يوم سبت صباحا، جمعهم نادي الكرة المستطيلة من أجل تطوير مزاجهم كذكور شباب، في جو من السعادة والابتهاج.
يعرف جامبو بالثزار منذ ال»سي بي»، التاريخ الذي شرع فيه بتعلم الكرة المستطيلة. وهو منذهل باكتشاف الحماس الجماعي والسباقات فوق الملعب الدهني، لم يتأخر جامبو في إقناع صديقه انتعال الحذاء الرياضي ذي المسامير والالتحاق به. بجسمه االقريب من العُسلوج، أُخذ بالثزار بحب مفاجئ للكرة المستطيلة.
هذا الصباح، عند مدخل حجرة الثياب، شعر بالثزار بالتعب. عيناه الخضراوان، المحتدمتان دوما، رفضا أن يُفتحا. لم يتمكن النمش من إضفاء الحيوية على وجهه: كل ذلك كان بدون تعبير ويتحول على جسمه الصغير المتثاقل، المخدر، وهو يستعد لاجتياز الباب الآلي لحجرة الثياب.
– أهلا، جامبو، أمستعد أنت؟ قال بلثزار برخاوة وهو ينظر إلى صديقه.
– هاي، باز. كيف حالك؟ أنا في صحة جيدة.
– آه.
– هل تعلم، لقد بدأت أتصور أشياء بخوص ال»ب يدي»، لقد جئت لك بالرسومات الأولى، سترى…
– أي رسومات؟
– الـ«بي دي»، باز. لقد تخيلت المركبة الفضائية، على أسلوب «ستار وورس» (ص. 11)، لكن أكثر حداثة، أكثر رقيا في الواقع، بثلاثة نفاثاث في كل جانب، أرأيت، ثلاثة نفاثاث ضخمة تساعدك على الانطلاق على الآلية بأقصى سرعة…وهي مصنوعة كليا من الكربون كي تكون خفيفة، وتعمل مثل الطابق الرئيسي في «أريان 5»، حيث يوجد شيء يمكن اختراعه أيضا، هل أريها لك؟
– دعني أرى…
عندما كان بلثزار منشغلا بارتداء لباسه الرياضي بصعوبة، وهو حماية ضرورية من برد الشتاء، كان جامبو منفعلا. بدأ يقلّب للحظة في حقيبته الرياضية قبل أن يُخرج منها دفترا برتقاليا. عيناه الزرقاوتان مفتوحتان على اتساعهما.
– أنظر. قال.
كشف جامبو للمرة الأولى عن رسم تلك الآلات الخرافية.
– آه. جيد. لكن لماذا بدأت في رسم تلك السفن؟ فنحن لم نشرع حتى في تخيل القصة.
– في الحقيقة…
– هل تعرف يا جامبو شيئا؟
– لا.
– يلزمنا السيناريو قبل كل شيء.
على هذا القول الحكيم، والذي ترك جامبو في صمت ملتبس، نهض بلثزار ببطء، وغادر حجرة الثياب.
– طيب، هل تأتي معي، أيها السيد ذو الجسم الرياضي؟ قال لجامبو.
– استغرقت الحركات التسخينية ربع ساعة الاعتيادية، ركض لوقت قصير حول الملعب، ليس بسرعة، ثم اللعب بالكرة. ما زال البرد قارسا. المدرب، الذي كان دعامة في وقت سابق، وصاحب كرش اليوم، اقترح التمرن على التمويهات فيما تبقى من الحصة، وذلك بهدف تطوير الدورة الدموية، وتسخين العضلات، عند الاقتضاء.
قذفة المهاجم بلثزار تتقاطع عدة مرات مع طريق الخط الثالث لجامبو. الاصطدام الأول كان قويا لكنه سليما. الثاني كان أكثر قوة.
– آه نعم. السيناريو.
هذا ما ظن بالثزار أنه سمعه عندما نهض بصعوبة من على العشب الرطب والندي، بألم في الضلع، لكن جسمه الآن ساخن ويقظ كليا.
تواصل التمرين، في التمويه الثالث المعلن، بالثزار تجنب جامبو بالتفاف مركز لا يعرف مصدره. ملهما، ربما، بأفضل ما علمته إياه أمه الطبيعة في مثل هذه اللحظات الدقيقة: حسُّ الحياة.
عندما عادا إلى حجرة الثياب، كان الصف الأمامي بأكمله مستغرقا في تأمل رسومات جامبو التي تركها فوق المقعد. ويلفريد، جوان ولويس، الذين، بعد مجهود، تشبهوا بثلاث خنازير صغيرة وردية ومنبهرة، علقوا على رسومات السفن الفضائية بشغف ساخر، فضاعفوا من المراجع:
– تشبه سفن بيكاشو. قال ويلفريد.
– لا، إنها سفن باربابابا. قال جوان.
– لا. نعم-نعم. قال لويس.
جمع جامبو رسوماته بحركة سريعة.
– هي لأخيك الصغير؟
– لا تهتم…
في تلك اللحظة، كان بالثزار يتأمل البقع الصغيرة الحمراء على مستوى ضلوعه. التي أصبحت، كما العادة، صفراء، ثم زرقاء، مثل ميداليات صغيرة على جلده الرقيق والشفاف. أخذ حماما وقضى وقتا طويلا في جمع أقراطه الكستنائية أمام المرآة.
الآخرون ذهبوا الآن. وهو يغادر الحجرة، ركز بالثزار نظرته على جامبو:
– يلزمنا فعلا سيناريو جيد. سيناريو مدهش.
* نقدم للقارئ العربي الكريم فصلين كاملين من رواية «باثزار والعميل مولر» للكاتب الفرنسي «كريستوف شفادران». وهي رواية للفتيان تلقّن وتعلّم قضايا علمية بأسلوب شيق للناشئة.
كريستوف شفادران
ترجمة: محمود عبد الغني *