ولد باول انتشل في بوكوفينا (رومانيا) 1920 أمضى طفولته هناك وتعلم في مدارس المنطقة، وقد كانت لغته الأم هي الألمانية، وهي لغة أقلية مازالت حتى اليوم موجودة في رومانيا. وعندما أتم دراسته الاعدادية سافر في تشرين الثاني 1938 عبر برلين وباريس الى مدينة تور في فرنسا لدراسة الطب. قرأ أثناء أيام الدراسة الثانوية تلك بعضا من الأدب الكلاسيكي العالمي، وعلى الأخص شكسبير، غوته، هولدرلين، ريلكه، كافكا ولكنه أطلع أيضا بشكل خاص على أعمال الفوضوي الروسي فيدور كروبوكتين (1842- 1921) وعلى أعمال الفيلسوف فريدريش نيتشه، وفي فرنسا قرأ لى جوليان غرين، شارل بيجي، مونتين وباسكال. عاد عام 1939 الى بوكوفينا، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بدأ بدراسة الآداب الرومانية في الجامعة المحلية. تبادلت الجيوش المتعادية احتلال المنطقة، وفي الأخير بقيت الجيوش الألمانية، حيث أنشأ غيتو ومورس استخدام العمل الاجباري- في عام 1942 رحلت عائلته للعمل الاجبارى وقي نفس العام مات الأب، وقد تبعه بوقت قصير موت الأم بطلقة من الخلف. تلغى في العام 1944 مراكز العمل الاجباري ويعود الى بوكوفينا. حيث يلتقي بالشاعرة روزه آوسلندر.
وبعد وقت قصير تحتل المنطقة من قبل الجيش الأحمر. ينتقل الى العاصمة بوخارست حيث يتصادق مع الكاتب الفريد مارغول شبربر وبيتر سالمون. ينتمي الى مجموعة بوخارست السوريالية. يعمل كقاريء وكمترجم، يقلب اسمه آنتشل الى تمسيلان وذلك أخذا بنصيحة من زوجة الكاتب شبربر.
ينشر في العام 1947 أولى قصائده في المجلة الرومانية "أغورا" وبعد فترة قصيرة يهرب عبر بودابست الى فيينا، ويزور هناك قبر الشاعر النمساوي "جيورغ تراكل" في فيينا يصدر مجموعته الشعرية الأولى "الرمل من الأوعية" والتي سيسحبها من التداول بعد فترة قصيرة جدا. يتعرف الى الكثير من الأدباء في فيينا، ويرتبط بشكل خاص بصداقة أساسية مع الشاعرة النمساوية انغبورغ باخمان! يذهب الى باريس بعد فترة قصيرة ويواصل دراسته هناك ويقيم حتى وفاته منتحرا في نهر السين عام 1970، في العشرين منه تحديدا، حسب التقدير التقريبي للتقرير الطبي عن وفاته، أصدر العديد من المجموعات الشعرية والتي نشرت جميعها لدى ناشرين ألمان، كما نشر الكثير من الترجمات الشعرية عن لقات عديدة، كالانجليزية والروسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية والفرنسية والرومانية، وغيرها. صدرت أعماله في عدة طبعات وترجمت الى العديد من اللغات العالمية، وأول من ترجم له الى العربية هو عبدالغفار مكاوي، الذي ترجم له العديد من القصائد في كتابه ثورة الشعر الحديث.
من كل الجراح
إرمي لي بقفاز الهدوء أمام القلب
يخضر الحجر في الخريف مرة واحدة فقط- وهذا كان
البارحة.
عندما كان الملح، هكذا الشوارع أحمر
هكذا أحمر، حتى ليعتقد بأن الزمن قد بدأ
الزمن الذي يلوح له المرء بأحجبة منتصف الليل
طقس الزمن النرجسى
ذلك لأن الأمنية تملأ كل كأس
تملأ كل مهد وكل تابوت
كل أثر قدم
فالزمن الذي يقود عينك من الجليد
ويتركك تشمرين ظلالك
وتستدرجين صمت الأجراس إذا ما رقصت
إرمي لي بقفاز الهدوء أمام القلب
هذا كان البارحة
وهو يسري الآن في دمنا نحن الاثنين.
الموت
الي ايفان غول*
الموت زهرة تزهر مرة واحدة
لكن عندما يزهر لا يزهر الا هو نفسه
يزهر حينما يريد لكنه لا يزهر في وقته.
يأتي كفراش كبير، يزين السيقان المتأرجحة
دعيني أكون سالما قويا لدرجة أنه يفرحه.
معا
في سماء القرنفل يوجد أيضا فم من أجل أن يبتسم لك
مازال يعرف الطرق المؤدية إليك
نصف ورقة ليلتك
بنات صرخاتنا الصامتات.
يضيء للظلام مسبقا ويقول الكلمات أمام الأبواب
الصعب كان صعبا
نفسا كانت الريح التي اقتلعت
قلب هذا الذي مازال يخفق تحت الجليد.
تتفتح الأبواب حينما تسمع بأن شيئا كهذا يبقى حقا
هنا.
عيني تسير مع عينيك الى هناك
كأعتم زوجين متتابعين
هي تمطر مثلما كانت دائما. عندما تقف عين بجانب
عين
ويهىء للزوجين الأكثر عتمة أعذب نوم
هيىء لزهرة قرنفل متأرجحة في اليسار.
يا أزرق العالم أيها ا لأزرق الذي نطقتيه أمامي
أحيط قلبي بالمرايا، شعب من الرقاق
معروضا لشفتيك، أنت تتكلمين تنظرين تحكمين
مملكتك مفتوحة، عليها تشعين
لكنها تظلم أمامك. الأزرق ينحل
العالم الأخت ينبثق من منتصف كلماتك
ضعي المزلاج أمام بوابة الفضاء:
أريد أن أغطي الشظايا عند جدار القلب –
في هذه الغرفة يبقى ذهابك مجيئا.
الليلة التي قاست لنا الجباه. ما هي توزع ورق
الدلب:
الورق الأصفر المنضج تحت المطر، هو ورقي
حينما أفكر بأن الحب زورق
مثقل بالذهب وبالأرباح بحيث لا أحد يستطيع أن
يجدفه
حتى أنه يدور بلا ربان في خلجان العيون الضائعة
الذي طالما أرته السماء نجمتها
حيث يعتقد أنه يعرفك
ولا يتبع أثر أودسيوس في رحلة الضياع.
الورق الأحمر. المتجمع على طريق مرمى القلب هو
ورقك
انت تعرفين، من يسنني حينما أفكر ماذا تريد الليلة
انت لعرفين أين أكون ملقى، حينما أفكر بهذا
وأنت تستلقين بجنب أفكاري
أما الأوراق الباقية فهي أوراق لا أحد:
لكن البنى يحصل على المساء
يتعرف على ابننا!
عزف سريع
حمل
الى الأرض
برفقة الأثر الذي لا تخطئه العين :
عشب، مكتوب بشكل منفرد. الأحجار، بيضاء
مع ظلال العيدان
لا تقرأ بعد الآن -انظر!
لا تنظر بعد الآن -اذهب!
اذهب ساعتك
لا أخوات لها، أنت –
أنت في بيتك عجلة تدور
ببطء من تلقاء نفسها البرامق
تتصاعد
تتصاعد على حقل مسود الليل لا يحتاج
الى نجوم لا مكان
يسأل عنك.
لا مكان
يسأل عنك
المكان حيث استلقوا
له اسم لم يكن يملك اسما
لم يكونوا هناك انما
كان ثمة شيء بينهم
لم يبصروا عبره.
ير يبصروا، لا
تحدثوا
عن كلمات لم تستيقظ واحدة منهن بعد
النوم عاجلهن
جاء جاء. لا أحد
يسأل
أنا هو أنا،
أنا كنت مستلقيا بينكم
أنا كنت صريحا
كنت مسموعا أنبضكم أنفاسكم
أطاعت ، أنا
مازلت هو أنا،
أنا مازلت أنا
سنوات
سنوات سنوات أصبع
يجس صاعدا نازلا، يجس
حوله
النتوءات التي يمكن تحسسها هنا
تنفتح عن بعضها البعض كثيرا، هنا
ألتأمت هنا ثانية –
من غطاها؟
يغطيها
من؟
اتت، أتت
أتت كلمة، أتت
أتت خلال الليل
تريد أن تضيء، تريد أن تضيء
رماد
رماد، رماد
ليل
ليل وليل اذهب
الى العين لأجل أن تبتل
اذهب
الى العين
لأجل أن تبتل
عواصف
عواصف من تطاير الجزئيات الأخرى
أنت تدرى
إن قرأنا
نحن في الكتاب
وكان كان رأي
وكان كان رأي
كيف أمسكنا
ببعضنا
ببعضنا بهذه الأيدي ؟
وقد كان مكتوبا أيضا بأن
أين أسدلنا
صمتا عليها
كأنما صمتنا بالسم كبير
صمت
أخضر ورقة كأس كانت
فكره نباتية معلقة بها
خضراء، نعم
تتعلق نعم.
تتعلق
تحت سماء شامتة
بها، نعم
شيء نباتي.
نعم
عواصف
تطاير الجزئيات بقي
وقت بقي
مازال وقت لكي نحاول مع
الحجر – إذ كان
مضيافا
لم يقاطع الكلام
كم كانت حالتنا جيدة
حبيبي
حبيبي وليفي ساقى
كثيف
عنبي، مشرق كلوي
سطحي
وكتلي مرتخ، متشعب
هو، هو لم لقاطع الكلام
تكلم
يحب التكلم الى عيون جافة
قبل أن يغلقها
نفسها
تكلم، تكلم
كان، كان
نحن لم نتراخ، وقفنا
في المنتصف بناء
مليء بالمسامات و
جاء.
جاء إلينا، اخترق
رقع بشكل
غير مرئي،
رقع الغشاء الأخير
والعالم ألف كريستال
أطلق، أطلق.
أطلق، أطلق
وعندها –
ليالي، غير ممزوجة دوائر
خضراء أو زرقاء، مربعات حمر:
يستخدم العالم أعمق دواخله
في اللعبة مع الساعات
الجديد ة – دوائر
حمراء أو سوداء، مربعات فاتحة اللون
لا أثر لظل طائر
لا طاولة قياس، لا
روح دخان تصعد وتشارك في اللعب.
تصعد
وتشارك في اللعب –
خلال هروب البوم (في الغسق)
فى الجذام المتحجر
ايدينا الهاربة، في أحدث رفض
فوق
وابل الرصاص
عند الجدار المنثور
مرئي، من جديد
الأخاديد الجوقات
آنذاك
الأناشيد، هو، هو –
زيانا
اذن
مازالت هناك معابد
مازال النجم
يشع
لاشيء
لاشيء ضاع
هو-
زيانا
خلال هروب البوم هنا
الأحاديث بلون اليوم الرمادي
آثار المياه الجوفية
(بلون اليوم الرمادي
آثار المياه الجوفية –
حمل
ألى الأرض
برفقة
الأثر الذي
لا تخطئه العين.
عشب
عشب
مكتوب بشكل منفرد).
ـــــــــــــــــ
* ايفان غول: شاعر الماني (أسمه الأصلي هو اسحاق لانغ 1891-1950) كتب باللغتين الألمانية والفرنسية وقد ارتبط باول تسيلان بصداقة معه في باريس منذ عام 1949 وحتى وفاته عام 1950 حيث ترجم بعض أشعاره الفرنسية الالمانية.
ترجمة: خالد المعالي (شاعر عربي مقيم في المانيا)