تحاول بشرى خلفان من خلال القص استشراف الواقع والنبش في الإرث المجتمعي العماني بحرفنة واضحة وبشكل يشي بقلم عايش ويعايش بصدق المتغيرات في مجتمعه وفي التركيبة الثقافية في المجتمع كما في تركيبة العادات والتقاليد المتوارثة وفي تركيبة المكان ببصماته الجغرافية والتاريخية في قصص بشرى خلفان, هناك محاولات لتصوير المرأة ككائن ومخلوق له قدرة رهيبة على الحب وله قدرة أيضا على إعادة تشكيل الحياة من منظوره الخاص الواسع الشفافية والمليء بالأمل والرغبة في ملء الفراغات العاطفية التي تخلقها النظرة المختلفة لحواء للعالم من حولها.. كطفلة وكشابة يافعة وكزوجة وكامرأة حالمة..
بشرى خلفان قاصة وقلم له قناعة أصيلة برسالة القاص( الكاتب) في مجتمعه ولديه قناعة أيضا بالنضج الذي وصلت إليه القصة في عُمان سواء أبدعها رجل أم أبدعتها أنثى, وهي ترى ان تراكم التجربة المعرفية والانسانية مسألة يتشكل على أساسها الابداع.
v ماذا تقولين عن التجربة الابداعية للمراة في عُمان… تحولاتها وتجلياتها.. وتطورها.. اّذا جاز لنا التعبير؟
u أقول ان التجربة الإبداعية للمرأة العمانية ثرية ومتنوعة، ذات زخم عال، رشيقة، خطواتها سريعة، تتخلى عن حذرها شيئا فشيئا، متحدية، وبارعة، منتشية وسابقة، عاشقة للغة حينا ومتمردة عليها حين آخر.
v الرواية في عُمان كيف تقيمينها؟.. ومتى ستنتقل المبدعة عندنا من كتابة القصة إلى كتابة الرواية؟
u القصة والرواية جنسان مختلفان لكل منهما أدواته الخاصة، فالعملية ليست تطورا إذ أن كتابة القصة ليست تدريبا على كتابة الرواية، والرواية ليست تطورا حتميا لكتابة القصة، وهناك بالفعل كاتبات روائيات أساسا مثل بدرية الشحي وهناك جوخة الحارثي القاصة الروائية والباحثة وهناك هدى الجهوري القاصة والروائية والصحفية، وهناك بشرى خلفان القاصة فقط، والتي تراودها الرواية من بعيد، إذا الروائيات موجودات وهن أنفسهن قاصات يصدرن أحيانا قصصا وأحيانا روايات، أو متخصصات كبدرية الشحي فلم يصدر لها سوى روايتين وهكذا.
v كما في وردات بنيات.. شرشف ازرق.. يبدو الرجل في قصص بشرى الوهيبي راضياً عن الحياة التي يحياها.. والمرأة قلقة قلق لا يرضى هو أن يقاسمها اياه.. فهل هذه ايضا رؤية بشرى الحقيقية للرجل والمرأة في مجتمعنا العماني بعيدا عن القص؟؟
u بعيدا عن القص، كلاهما الرجل والمرأة يمران بنفس القلق، قد يختلف المصدر، قد يختلف الزخم، قد تختلف وسائل التعاطي مع هذا القلق لكنه موجود ولا يمكننا تجاهله.
v هناك غربة بين الرجل والمرأة تصورها بشرى في قصصها .. فهل أنت تمارسين الاسئلة فقط والقدرة على البوح أم أن الغربة موجودة كظاهرة في العلاقة بين الاثنين؟
u لا نستطيع ان نحاكم كل العلاقات من هذا المنظور. اظن في مجموعة غبار هناك قصة حب صامت حب متخيل من قبل إمرأة لا تملك شجاعة البوح، تمارس حبها سرا حتى عن محبوبها، الذي يبقى عنصرا سالبا في النص.
v هل المراة في مجتمعنا معزولة وحائرة كما تكتبها بشرى الوهيبي؟؟
u هنا سؤالان، هل المرأة معزولة؟ معزولة عن ماذا تحديدا؟ هل هي معزولة عن المشاركة في صنع القرار السياسي مثلا؟ هل هي معزولة عن تقرير مصيرها مثلا؟ معزولة عن دورها الوجودي الخلاق؟ هناك أشكال كثيرة من العزل تعاني منها المرأة، على المستوى السياسي والاجتماعي والتشريعي. أما هل هي حائرة، فربما هي كذلك، حائرة بين ما تريد وما لا تريد، بين ما ترغب فيه وما لا يمكنها المجتمع منه وتضطر أن تستسلم له.
v تقول بشرى واصفة أمها في مجموعة غبار,( لمحت طرف ثوبها الابيض المرشوش بالوردات الصغيرات يختفي في السكة الغارقة في الظل الصباحي لبيوت مسقط المتراصة ).. هل اختفت أصالة المرأة العمانية مع تفاصيل الحياة المدنية؟
u ما يحدث اليوم هو تطور طبيعي للحياة وللأشياء فلا يوجد شيء يبقى على حاله، والمرأة العمانية جزء من هذا المتغير، الأصالة والمحافظة عليها تأخذ أشكالا كثيرة علينا أن نحددها أولا، ثم أن هذا السؤال يفترض وجود علامة قياسية نقيس عليها الأصالة، وهذا ما لا أجده، لكنني في المقابل أدعوا لدراسة تطور البنى الإجتماعية والمنظومات القيمية والأخلاقية لهذا المجتمع سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل.
v (مسقط) ثيمة كثيرا ما ترددت في قصص بشرى الوهيبي.. هل فقدت مسقط أنين المغايبة وقصص الجن فقط أم أنها أصبحت فعلا مكاناً بلا ذاكرة؟
u مسقط التي أعنيها هي مسقط الموجودة في ذاكرتي الشخصية.. نحن لا نبحث عن مكان في الخارطة بل نبحث عن مكان في الزمن.. المكان بوصفه حيزا ممتلئاً بالعلامات قابل للاندثار خاصة في بلد في طور النمو والتغير كعمان، هذا التغيير يأتي على حساب ذاكرتنا.. مسقط التي تحدثت عنها هي مسقط الخاصة بي أو فلنقل ذاكرتي أنا في المكان. ومسقط بحكم كونها عاصمة ومركزاً للحكم فهي تمثل السلطة أيضا، ومن خلال عمليات الترميم والتحديث يتم التركيز على هذا تحديدا في المقابل هناك اندثار لأشكال الحياة الأخرى، كما أن هناك شيئا من الهجرة العكسية، فبدل أن تتم الهجرة إلى مسقط كما كان يحدث قديما بوصفها عاصمة، صار يهاجر منها أيضا بوصفها عاصمة لا تحتمل الزخم السكاني المطرد في نموه، أظن أن كل هذا طبيعي ومحتوم بفعل حركة التغيير ونمو المجتمعات، أنا فقط عاتبة على عدم الحرص على الحفاظ على بعض المعالم المميزة لمسقط مثل السوق القديم، مبنى الإرسالية، وأشياء كهذه.
v هل تجد القاصة العمانية الفضاء الإبداعي المناسب لظروفها كحالة عربية وخليجية واقليمية خاصة؟
u نعم، أنا أجد الفضاء مناسبا ومتسعا لإبداع القاصة العمانية، ومما يدلل عليه، وجود أسماء مهمة في مجال القصة في عمان، مثل جوخة الحارثي، رحمة المغيزوي وهدى الجهوري، وهذه أسماء ناضجة وقوية، رغم صغر تجربتها بالمقياس الزمني إلا أن حضورها قوي وفاعل،وأصبحت معروفة جدا على المستويين الإقليمي والعربي.
v في فراشات بيضاء..هناك بشر تحملهم ساعات الدوام الرسمي والاستسلام الكامل لعبودية الراتب.. فهل ترى بشرى الوظيفة والراتب عبودية.. وكيف يمكن للانسان أن يفلت من هكذا عبودية؟
u طبعا هي عبودية، عبودية مختارة، فقلة منا في الحقيقة يعمل في مجال يحبه، في الغالب نحن نعمل كي نوفر مصدرا ثابتا للرزق، في المقابل هناك من يعمل من باب المتعة وتحقيق الذات وأمور أخرى، بالنسبة لي العمل ليس ممتعا جدا،فأنا أفضل احتساء فنجان قهوتي في سريري، والاستمتاع بفصل الشتاء من شرفتي، وتفريغ نفسي تماما لمزاولة القراءة والكسل… لكنني مضطرة كل صباح للبس أقنعتي والذهاب لوضع بصمتي على شاشة جهاز الحضور والإنصراف ثم ممارسة عملي الروتيني،،وهكذا، العمل عبودية نعم.
v يقول د. ضياء خضير في نقده لـ«رفرفة»: ان فعل الرفرفة لبطلة بشرى الوهيبي لا يعود أن تكون موضعية تحلق في المكان نفسه فتقتصر على المشاعر والعواطف الداخلية المكبوتة والمقموعة.. بماذا تعلق بشرى على ذلك؟
u متى ما اكتمل النص ونشر أنباء عن صاحبه، وهنا يأتي دور الناقد الذي يمتلك أدواته النقدية بقوة، فيكون رأيه حول النص من وجهة نظره الخاصة سواء كانت إنسانية أو نقدية بحتة،، لذا لا يمكنني التعقيب على رأي الناقد ضياء خضير، فهذا رأيه وأنا أحترمه وإن كنت أختلف معه قليلا، فالرفرفة التي جاءت عنوانا للنص وللمجموعة ككل لم تكن تحليقا موضعيا، فهناك حركة، ونمو للشخصيات، وليس مجرد عواطف قهر مكبوتة، قد تكون هناك شخصيات ينطبق عليها هذا الوصف لكن هناك شخصيات في نصوص مختلفة انفلتت من هذا الوصف وتمردت عليها.
v يقول د. شبّر الموسوي ان الكتابة الإبداعية للمرأة في عُمان أكثر تنوعا من الكتابة الإبداعية للرجل وأنها لامست مناطق ابداعية جديدة مثل أدب الطفل فما رأيك في ذلك؟
u الرجل أيضا لامس أدب الطفل وفي الحقيقة يعتبر القاص سالم آل توية أول من كتب نصا للطفل وفاز بجائزة عنه، وأنا لا أميل لأفعل التفضيل في النتاج الإبداعي وخاصة بين الكتاب الرجال والنساء، فكل كاتب سواء كان امرأة أو رجلاً يكتب ما يريد بناء على ما يريد، على رؤيته وثقافته، وميوله وألف عامل آخر، لذا المفاضلة صعبة، والكتاب الرجال في عمان يجربون أدواتهم أيضا ويشتغلون على المناطق التي تناسبهم كذلك.
v تقول د. سعيدة خاطر اننا في مجتمعنا العُماني نفتقد إلى التراكم في الخبرات هل نحن كذلك على صعيد الكتابة والابداع؟
u بإمكاننا أن نكون كذلك،لأن هذا الموضوع اختياري، فالتجربة والخبرة لا تحصر في حيزها المكاني فقط، العالم الآن يتبادل خبراته، والآداب مفتوحة للتلقي والتفاعل، بإمكاننا أن نظل نراوح أماكننا لأننا بدأنا عهد الكتابة في شكلها الحديث قبل عدة عقود فقط، وبإمكاننا أن نعتبر شيوخنا من الشعراء والفقهاء أساتذة وبإمكاننا أيضا أن ننظر إلى ما هو خارج الإطار ونبني على خبرات الآخرين، فإذا كانت الرواية نتاج للمجتمع المدني، ليس علينا أن نعيش مائة عام أخرى لترسيخ المدنية ثم نبدأ بكتابة الرواية. برأيي أننا ككتاب عمانيين نستفيد من كل شيء من كل التجارب والخبرات السابقة المحلية والعربية والعالمية لإثراء إبداعنا، لذا هناك دوما كتاب عمانيون متميزون وقادرون على المنافسة رغم قصر عمر التجربة الإبداعية العمانية المعاصرة من حيث هي عدد السنين.
حاورتها: عزيزة الحبسي
كاتبة من عُمان