من المعروف أن رواية "دكتور جيفاجو" قد كتبها الشاعر "بوريس با سترنان " ( 1890 – ا 196 ) نثرا في 5 50 صفحات (الطبعة الروسية الجديدة ). وجاء الجزء الاخير منها (السابع عشر) شعرا. واستغرقت كتابتها حوالي عشر سنوات كاملة (45 19 _ 1955 ). وعندما رفضت السلطة السوفييتية في عهد خورتشوف نثو الرواية ، استطاع المؤلف ان يرسل بنسخة مهربة الى ايطاليا ، وهناك صدرت طبعتها الأولى عام 1956 ، ثم رش باسترناك بعدها مباشرة لجائزة نوبل ، وحصل عليها عام 58 19 عن هذه الرواية بالتحديد ، على الرغم من أن أشعاره اعظم بكثير من هذه الرواية النثرية التي ظلت ممنوعة في الاتحاد السوفييتي حتى مجىء ميخائيل جورباتشوف بسياستي "بريسترويكا" و"جلاسنوست " – اعادة البناء والعلانية _ ، فطبعت رسميا عام 1988 وتم تداولها ضمن موجة "الادب السري" التي عمت الاتحاد السوفييتي آنذاك ، وبشكل عام فتد كان صدور الرواية حدثا ادبيا شغل الادباءوالنقاد والصحفيين سنوات طويلة. وقد وقف القرء من هذه الضجة موقفا تشوبه الحيرة طوال ما يقرب من نصف قرن تقريبا. فهل انتهزت السياسة الغربية فرصة صدور الرواية لتستغلها لمصلحتها؟ أم أن الكتاب جدير حقا بكل هذه الضجة ، حتى استحق مؤلفه جائزة نوبل ؟
أما ان السياسة الغربية قد استغلت الظروف التي رافقت ظهور الرواية ، فهذا صحيح ، ولا سيما ان ذلك جاء عام 1956 ، اي بعد رحيل ستالين عام 1953 ، وبداية حكم خودتشوف الذي أجرى بعض الاصلاحات النسبية في حين بقيت العلاقة بين الشرق والغرب على طبيعتها السابقة من حيث الصراع والتشدد، واما ان الكتاب عمل أدبي رائع يستحق كل هذه الضجة فهذا لا يزال موضوع جدل حاد بين النقاد والدارسين.
فمن ناحية مدى «روسية » الرواية ، يرى العديد من النقاد ان الكتاب ليس كامل الرومية ، وقد ولده الخوف من «فقد القومية ». بينما يعارض البعض الآخر على اعتبار ان الفنان القومي الروي لم تكن له اية علاقة بمثل هذا الخوف ، حيث أن هويته قد ترعرعت على ارض مغايرة تماما. اما بعض النقاد الامريكيين فقد كانوا يرون ان الكتاب «سربو رومي».كعادة الامريكيين عندما ينظرون لشيء يروقهم – وأفلتوا على آراء باستر ناك "ذات النزعة السلافية ". ومن ناحية تقييم المستوى الفني للرواية ، فالبعض يرونه اخفاقا ابداعيا واضحا، بينما يرى النقاد الامريكيون ان باسترناك قد تعمد التبسيه لكي تكون الرواية " سهلة للقراء":
ان رواية «دكتور جيفا جو» تعتبر عملا ملحميا بطوليا تصويريا شاملا ، على حد زعم البعض من الذين يرون في الرواية عبقرية فريدة من نوعها وخاصة النقاد الغربيين ، باعتبار انها تقوم اساسا بإسقاط مصير البطل – او الابطال.على تاريخ البلاد في فترة تاريخية معينة. وهنا يمكن مقارنة هذا العمل بأعمال كتاب كثيرين مثل ألكسي تولستوي وقيدين وماركوف وتشايكوفسكي وستادنيكوف وغيرهم ، فيتضح مباشرة ان الاضعف من بين هؤلاء جميعا هو باسترناك في روايته د. جيفاجو ، وبالطبع لا يمكن بأي حال من الاحوال مقارنة هذا العمل بالاعمال الضخمة المعدودة ، والتي لاقت نجاحا عظيما مثل (الحرب والسلام – ليف تولستوي ) و(الدون الهادىء – ميخائيل شولوخوف ) و(حياة كليم سامجين – مكسيم جوركي). وعلى الرغم من ذلك فهناك العديد من الكتاب الذين تناولوا هذا الجنس الادبي من اجل صياغة وإثبات وجهات نظرهم الاجتماعية.الاخلاقية من خلال الصور والشخصيات. وبالتالي فمثل هذه الروايات تكون في جوهرها روايات آراء ووجهات نظر، وظهور الكثير منها لم يكن ظاهرة أدبية بقدر ما هو عملية ثقافية سياسية. كن تظل هذا الرواية هي الاضعف من بين أغب ما ظهر من هذا الجنس الادبي.
ومع ظهور الرواية في موسكو عام 1988 حاول البعض النظر اليها بعيون أمريكية عندما رأوا الانصراف الواضع عنها من قبل الجمهور ، فأعدها المخرج المسرحي يوري لوبيموف للمسرح ، ولكن العرض جاء أضعف بكثير من مستوى الرواية نفسها ، حيث رضعها المخرج بشكل اكثر سوداوية في اطار الموسيقى الكنسية الروسية ، والتراتيل الدينية ، وتم مزج المونولوجات بأشعار بوثكين ويلوك ومند لشتام. ومن ثم جاءت المسرحية في مجملها على شكل اوبريت غنائي جنائزي ، ان جاز التعبير ، الى جانب استخدام الطقوس الدينية المسيحية ، والشموع بمفهومها الديني كمعادل بصري للاضاءة ، مما اكسب العرض هابها وجدانيا حزينا اوقع الراوي على الطريقة البريختية في مأزق ،ودفع بالعرض في اتجاه آخر مضاد تماما للمنهج البريختي. بينما جاءت الموسيقى صاخبة وير متسقة مع الايقاع النفي والحركي للممثلين ، ومتناقضة مع ايقاع العرضي المسرحي وعالما النفعي من ناحية اخرى. وبشكل عام جاء العرض هزيلا ليس فقط على مستوى الديكور التجريدي والاضاءة البدائية والنص الضعيف ، وانما ايضا على مستوى التجربة المسرحية بحضورها التاريخي وانعكاساتها السياسية والابمقاعية والفنية. فالغوص في التاريخ والتعامل مع الاسباب والنتائج يتطلب حذرا شديدا، ونظرة موضوعية ثاقبة ، ووعيا تفصيليا بالحاضر في علاقته بالماضي ، حتى لا تأتي التجربة السرحية كتفريغ للتجربة التاريخية من محتوياتها الفلسفية والسياسية والاجتماعية ، واجهاض للمحتوى التاريخي نفسه.
وفي النهاية فهناك العديد من الاشكاليات في يخص الرواية. واهم هذه الاشكاليات هي تلك التناقضات الموجودة عند المؤلف بوريس با سترنان بخصوص ما يسمى بالقومية اليهودية ، وفكرة السبق للفرد على المجموع ، والتومية الروسية "النزعة السلافية » ، والتي تسير في مجملها في خط مواز مع تناقضات بطل الرواية يوري جيفاجو ، من حيث تردداته في العلاقة بين زوجته وابنه وعشيقه "لارا". فهو يقول «لا شيء في الحياة أثمن من السعادة العائلية » مؤكدا بذلك على المعنى المباشر للجملة من ناحية ، ومن ناحية أخرى مؤكدا على فكرة مجيء الغرد قبل المجموع ، والتي اكدها المؤلف في العديد من رسائله ئ الرواية «كل شيء فيها يدور حول فكرة الفرد". ومن ناحية ثالثة فبطل الرواية يطق العديد من الافكار التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة بشكل كامل ، فيسوق الكثير من المصادفات التي يمتليء بها كتاب العهد القديم ويسقها مباشرة بالشعب الرومي عبر المسيه وكتاب الانجيل والايمان بالديانة المسيحية في محاولة للربط بينها وبين ما هو موجود من ادعاءات في العهد القديم ، متخذا من معاناة الانسان الروي وسيلة لابراز هذه الادعاءات والافكار. وعموما فمجمل هذه الافكار له ارتباط أصيل بأفكار أبى المؤلف (ليونيد با سترنان المولود في عائلة يهودية بمدينة اوديسة 1862_ 1945 ) وعلاقته بالصهيونية العالمية ، ومقاهيه عما يسمى بالامة اليهودية ، وارتباط جميع هذه المفاهيم عنده بالموضوعات الرئيسية في رواية د.جيفاجو التي كتبها الابن. أما الشاهد الوحيد على هذه العلاقات فهو الكتاب الذي كتبا الاب ما بين عامي 1911و 1920 في موسكو عن الفنان التشكيلي رمبرانت ، والذي نشر بالروسية في بولين عام 1923، ثم طبع بعد ذلك بالعبرية.
أشرف الصياغ ( كاتب مصري ويقيم في موسكو)